جيوش العصور الوسطى
بقلة العدد , وبدائية السلاح , فكان لابد لمن يريد النصر الؤزر أن ينشط
سلاحه الثالث .. سلاح المخابرات , حتى يقصر أمد الحرب , ويقلل الخسائر ,
وتنجح خططه في مفاجأة العدو , وتضيق الخناق عليه , وقطع خطوط إمداده
وتموينه , وشل حركته , وإجباره على الإستسلام . ويتوقف ذلك إلى حد كبير
على مقدار ما يتوافر له من معلومات عن ظروف العدو , والعدة , والخطة ,
والمواقيت , والروح المعنوية للجند , ومواطن القوة والضعف في الجيش ,
وكشرط أساسي للنصر , لابد أن يكون الاعتماد الاول - بعد مشيئة الله - على
توفير أفضل حالات الاستعداد للجيش المحارب , وإلا فلا قيمة لأثمن
المعلومات , والأمثلة على ذلك كثيرة .
هزيمــة الملك هــارولد
لم تعرف إنجلترا قبل الملك هارولد في القرن الحادي عشر حاكماً اهتم بالمخابرات مثل اهتمامه .
توافرت لديه كل المعلومات عن خطة " وليم الفاتح " في الهجوم على إنجلترا:
التوقيت , ومكان نزول الجيش , وعدد الجنود الذين جمعهم وليم الفاتح , وخط
سير المعركة . ومع ذلك خسر هارولد الحرب , لابسبب نقص المعلومات ودقتها ,
ولا لخطأ ارتكبته مخابراته , بل لأن جنوده سئموا القتال , ودب فيهم المرض
والكلال , بعد السير مسافات طويلة .
خــوارق النينجــا
فيما عدا الملك هارولد , لم يكن بين حكام أوروبا من أهتم
بالمخابرات في العصور الوسطى , على عكس حكام الشرق , إذ لابد وأن تكون
تعاليم " صن تزو " الصينية قد انتشرت في شرق الصين وغربه , وعرفها
اليابانيون والمغول .
في اليابان ظهر فن " النينجا " , وهو اسم مأخوذ من كلمة يابانية معناها "
اللامرئي " أو فن " الاستخفاء " . كان يمارسه في اليابان , في القرن
الثاني عشر , فئة من صفوة شباب الساموراي بدنيا واجتماعياً , قيل انهم
تدربوا حتى اكتسبوا القدرة على المشي فوق الماء , والحصول على المعلومات
أثناء التخفي , والاختفاء والظهور حسب إرادتهم , على الرغم مما في هذا
الزعم من مبالغة وتحريف , إلا أنهم خضعوا لتدريب شاق , على أعمال فذه منذ
الصغر , كالمشي على الحبال المشدودة , والتعلق في فروع الأشجار بدون حركة
لمدة طويلة , والسباحة تحت الماء مسافات طويلة .
حتى صاروا سادة التخفي , والتمويه , والاستطلاع , ومن هنا اكتسبوا اسمهم
الخرافي : " النينجا " وبهذه القدرات برعوا في الخدمات التي أدوها , سواء
كانوا جواسيس أو مقاتلين , كما أنها أكسبتهم منزلة عالية جدا في المجتمع
الياباني .
جانكيـــز خـــان
ويتجلى استخدام المغول للجاسوسية بأوضح معانيه في عهد جانكيز خان .
فما كان لذاك " الإمبراطور المقاتل المغوار " - وهذا هو اسمه بلغته - أن
يبسط سلطانه على الأرض ما بين منغوليا وأبواب العالم العربي , بدون خطط
محكمة .. وكانت الخطط المحكمة تحتاج بالضرورة إلى معلومات دقيقة , يستقيها
جواسيس أكفاء , ويجمعها عملاء أذكياء من جنسيات مختلفة , كمقدمة وأساس
لغزواته .
كما كان يكلف التجار المتجولين , ينتشرون في البلاد التي يوشك أن يغزوها ,
يسجلون المعلومات اللازمة , ويدونون مشاهداتهم وما يسمعون , ويرسلونها
إليه . وكثيرا ما لجأ جانكيز خان إلى إيفاد بعض أمهر قواده في مهام
جاسوسية صعبة , ومن هؤلاء : قائد اسمه " سبتاي " وآخر اسمه " نويون"
سبتاي يخدع التتار : كان " سبتاي " من أبرز قادة جيش " جانكيز خان " .
فلما عزم الأخير على شن الحرب على التتار , افتعل خلافا مع " سبتاي " ,
وكلفه باللجوء إلى قائد التتار , وزعم أنه تخلى عن جانكيز خان وانشق عليه .
وأنه يرغب في الانضمام إليه . وإثباتا لحسن نيته قدم له معلومات مزيفة
خلاصتها أن جيش المغول بعيد عنهم , وصار يزود جانكيز خان بالمعلومات سرا .
وفوجئ التتار بجيش المغول يحدق بهم , فأدركوا أن " سبتاي " لم يكن سوى
جاسوس خدعهم . لكن بعد فوات الأوان .
نويون في الصين : أما " نويون " ,
فقد ارسله " جانكيز خان " على رأس قوة مغولية من الفرسان , لمساعدة
إمبراطور الصين في القضاء على تمرد حاكم الإقليم الجنوبي . وكان جانكيز
خان يضمر شرا للإمبراطور الصيني , فأوصى " نويون " بالحصول على كل
المعلومات اللازمة لشن هجوم على الصين , ونفذ " نويون " الوصية , واستفاد
" جانكيز خان " من المعلومات في وضع خطته