الصبن واستراتيجيتها الخارجية الجديدة <hr style="color: rgb(255, 255, 255);" size="1">
والتَمَدْيُن
السريع، وزيادة عمليات التصدير، وشهية الشعب الصيني النهمة للسيارات، رفع
من حاجات الصين وطلبات البترول والغاز الطبيعي، ومواد التصنيع والبناء،
ورؤوس الاموال الاجنبية والتكنولوجيا.
منذ عشرين سنة كانت الصين المصدّر الاول للبترول في شرق آسيا، واليوم،
تعتبر ثاني اكبر مستورد لهذه المادة (31٪ من الطلب العالمي للبترول).
تعتبر الصين اليوم، مصنع العالم، فـ«نهمها» للكهرباء، وموارد الصناعة
ارتفع، واستهلاك الصين من الالمينيوم، النحاس، النيكل، وخام الفولاذ تضاعف
خلال عشر سنوات (بين 1990 و2000) من 7 ٪ الى 15٪ من الاستهلاك العالمي،
ويبلغ اليوم حوالى 20٪، ويتوقع ان يتضاعف حتى العام 2010.
لا يبدو ان هذه الشهية المفتوحة للموارد والطاقة ستقف او تنخفض، ذلك ان
الاقتصاد الوطني الصيني ينمو بنسبة 9٪ سنوياً، وسيستمر خلال العشرين سنة
القادمة، كما يتوقع خبراء الدراسات الاقتصادية في جامعة بكين.
ان ازدياد هذه المتطلبات والحاجات المستجدة، فرضت نفسها على سياسة الصين
الخارجية، للتوجه نحو الخارج لتأمين ذلك لأنه اصبح ضرورياً لمتابعة تنمية
الاقتصاد، ولأن النمو اصبح حجر الاساس في استقرار الصين الاجتماعي،
ولاستمرار الحزب الاشتراكي الصيني (CCP) في قيادة البلاد، لذلك اعتمدت
استراتيجية الانتشار العالمي لتأمين مواردها (Go Global Strategy) من
مصادرها مباشرة، عبر شراء هذه الموارد واستثمارها اينما كانت.
قضية الطاقة (Energy Issue) لا يبدو ان حاجات الصين الجديدة ستكون سبباً للنزاع مع الغرب على المدى
الطويل، ولكن في الوقت الحاضر، يبدو ان بكين وواشنطن غير مرتاحتين للوضع.
فبينما تكافح الصين لادارة متاعبها المتزايدة، فإن الولايات المتحدة تفسح
المجال لهذا المارد الصاعد، لأنّ العكس قد يجرّ الى نزاعات جدية وخطيرة.
واستناداً الى نظرية انتقال القوة، وللابقاء على سيطرتها فإن الدولة
المهيمنة والمسيطرة على العالم تعلن الحرب على مَن يتحداها طالما انها
تملك تفوقاً في القوة. ولكن هذا يفرض على الصين والولايات المتحدة ودول
اخرى، ان توجِد موازناً يتطلب دقة في ادارة تفاهمات متبادلة، وتنظيمها.
ولكن، وبسبب النمو غير الطبيعي للصين، ازداد اعتمادها على الموارد
الخارجية، وهذا طوّر شعـــوراً بعدم الامان تجاه الولايات المتحدة
الاميركية، خصوصاً بعد ظهور مقالات صحافية اميركية تدعو الى احتواء
الاقتصاد الصيني، او اعتبار الصين تهديداً عسكرياً، من قبل بعض اعضاء
الكونغرس، ولعل هذا ما عزز شعوراَ بالخوف لدى الصين من ان تقوم الولايات
المتحدة بوقف مشترياتها من الموارد الطبيعية، لإرباك استقرارها وزعزعته.
البترول: الصين لاعب نشط في الشرق الاوسط ان اعتماد الصين على النفط وحاجتها المتزايدة اليه جعلا منها لاعباً نشطاً
على ساحة الشرق الاوسط، ذلك ان حوالى 45 الى 50٪ من وارداتها من هذه
المادة تأتي من هذه المنطقة. وهذا ما دفع الصين الى تعزيز علاقاتها
السياسية والاقتصادية مع الدول العربية، وكذلك مع ايران التي تصدّر الى
الصين (150 الف برميل من النفط في اليوم ولمدة 25 سنة وفق اتفاق وقع
بينهما العام 2004، زائد 250 مليون طن من الغاز الطبيعي المسيَّل ولمدة 30
سنة).
الصين وافريقيا: غزو تجاري رفعت الصين من وتيرة علاقاتها بأفريقيا مؤخراً، فهي تعتمد على هذه القارة
بتزويدها حالياً ما نسبته 28،7٪ من النفط الخام وفق احصاءات العام 2004.
لذلك بدأت بتعزيز علاقتها ببعض الدول الافريقية، ما بدا وكأنه بداية
التحدي لتأثير الولايات المتحدة الاميركية ودورها الكبير في القارة
السوداء.
العام 2000، أسست الصين منتدى التعاون الصيني الافريقي «CACF» لتطوير
التجارة والاستثمارات مع 44 دولة افريقية. والعام 2003 زار رئيس الوزراء
الصيني ون (Wen) عدداً من الدول الافريقية المنتجة للنفط، مصحوباً بمدراء
شركات النفط الصينية. كذلك زار الرئيس هيو (Hu) الجزائر، مصر، والغابون.
وتعمل الصين اليوم بتقارب كبير مع حكومات خليج غينيا، من انغولا حتى
نيجيريا، كذلك مع جمهورية افريقيا الوسطى وتشاد، الكونغو، ليبيا، النيجر
والسودان. ووقّعت الصين مع هذه الدول عشرات المعاهدات والاتفاقات التجارية
والاستثمارية، واعفت هذه الدول من بعض ديونها (قدّر الاعفاء بأكثر من
بليون دولار). وهكذا وبفضل هذه الستراتيجيا، فإن الصين قامت بغزو تجاري
ومضاربة ناجحة ومميزة في الملعب التقليدي للنفوذ الاميركي، في هذا الجزء
من العالم، وهكذا حرّك التنين الصيني ذيله، فوق النسر الاميركي الرابض فوق
ظهر الفيل الافريقي، فهزّه، ولكن لم ينفث لهباً... حتى الآن!
العلاقات الصينية - الافريقية تعود العلاقات بين الصين وافريقيا الى اكثر من نصف قرن. ففي اطار اجواء
الحرب الباردة، ساندت الصين خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، العديد
من الحركات السياسية اليسارية في افريقيا، في اطار سياستها لنشر
«الماوية»؛ بعدها شهدت العلاقات فتوراً بين الجانبين، امتد منذ منتصف
السبعينيات وحتى نهاية القرن العشرين.
مع نهاية التسعينيات، عادت العلاقات الصينية - الافريقية للإنتعاش، خصوصاً
بعد تأسيس منتدى التعاون بينهما العام 2000، والذي شكّل آلية فعالة للحوار
الجماعي، وملتقى مهماً للتعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي.
تقوم الاستراتيجية الصينية على تقديم المساعدات للدول الافريقية بدون شروط
سياسية مسبقة، بهدف تسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الافريقية،
وتعزيز الروابط التجارية والثقافية معها، وخلال ست سنوات من اقامة منتدى
التعاون الصيني - الافريقي عُقد مؤتمران وزاريان في كل من بكين واديس
ابابا، كذلك تبادل زعماء الطرفين اكثر من 180 زيارة، وتضاعف حجم التجارة
بين الجانبين 4 مرات خلال هذه الفترة (من 10 مليار دولار العام 2000 الى
حوالى 40 ملياراًَ العام 2005)، لتصبح الصين ثالث اكبر شريك تجاري
لأفريقيا بعد الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة.
ومن جهة اخرى، تبدي الصين اهتماماً واضحاً بمصادر الطاقة في هذه القارة،
فحاجتها تتزايد الى مصادر رخيصة للطاقة والمواد الخام لتحافظ على مستوى
النمو في اقتصادها، ذلك ان الخبراء يشيرون إلى انه بحلول العام 2045
ستعتمد الصين على 45٪ من استهلاكها للطاقة من مصادر خارجية.
كما يشكل الموقف الصيني من قضايا الديمقراطية والحكم الصالح في القارة
الافريقية علامة فارقة، اذ انها تشجع الدول الافريقية على الديمقراطية،
وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية والمساواة، وحلّ مشاكلها ومعالجة
قضاياها في ما بينها، بنفسها. كذلك فقد دعمت الدول الافريقية الصين في
موقفها تجاه بعض الدول الغربية، في الامم المتحدة، وهيئات دولية اخرى.
قبضة من فولاذ في قفاز مخملي ان سعي الصين في طلب حاجاتها من الموارد المختلفة، وفي جميع انحاء العالم،
ومن الدول المختلفة - حتى تلك التي ينظر اليها الغرب عموماً والولايات
المتحدة خصوصاً، «كدول مارقة» (Rogue States) - خلق كماً من المشاكل
المعقدة بينهما، ليس بسبب التنافس على الموارد وحسب، انما بسبب الاخلال
بالسياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية وتجارية
وسياسية على بعض الحكومات التي تعتبرها الولايات المتحدة دولاً مارقة
كإيران، وفنزويلا والسودان وكوريا الشمالية، وهذا ما يقوض وينتقص من هيبة
الولايات المتحدة في قيادتها للعالم اليوم، خصوصاً وان الصين عضو دائم في
مجلس الامن الدولي، وتمتلك حق النقض في اي قرار يتخذه مجلس الامن، وتحتاجه
الولايات المتحدة والدول الغربية لتنفيذ سياستها في العالم.
ولكن الصين تدافع عن نفسها بالقول ان السياسة هي السياسة والاعمال هي
الاعمال (Business is business) وإنما تسعى جاهدة لدعم امن واستقرار
المجتمع الدولي، وهي تعطي مثلاً على ذلك، من خلال وجودها في السودان، كما
صرّح نائب وزير الخارجية الصيني زهو ونزهونغ صيف العام 2004 حول قضية
دعمها الحكومة السودانية ضد قوات المتمردين: «الاعمال هي ما يهمنا، ونحن
نحاول فصل الاعمال عن السياسة، واعتقد ان الوضع الداخلي السوداني هو شأن
داخلي، ونحن لسنا في موقف يتيح لنا ان نفرض مواقفنا على الحكومة».
ولكن هذا الموقف السياسي الصيني المعلن لم يمنع الصين من حماية مصالحها
النفطية في السودان، حيث تفيد المعلومات انها تستورد 5٪ من نفطها من هناك
وانها نشرت حوالى 4000 من قواتها غير النظامية لحماية منشآتها النفطية.
كذلك فقد تدخلت الصين في الأمم المتحدة لتلطيف قرار يدين السودان بتقويض
جهود الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الصناعة البترولية السودانية،
والتي يعود الفضل في تطويرها للصين التي تفتخر انها «حولت السودان الى بلد
مصدّر للنفط». و«ان الصين بذلك تساهم في تطوير الدول النامية وتحافظ على
رفع مستوى العيش في عالم يتطور».
يعتقد بعض المحللين السياسيين الاميركيين ان التنين الصيني بقي نائماً عدة
قرون من الزمن، ولما استيقظ، اكتشف ان عدداً من الدول تدوس ذيله، وبدلاً
من ان يغضب، فقد غفر لها وقرر ان ينهض بسلام وهدوء، ولعل هذا ما اغضب بعض
النسور الاميركية في الكونغرس الذين قلقوا من رؤية الصينيين «يصطادون
السمك في المياه الاميركية».
وهكذا بدأت تظهر مخاطر «استراتيجية الطاقة» الصينية، إذ أن وَطْءَ ما
يعتبره الاميركيون ميدانهم الخاص ومرمح خيلهم، والتنافس على الموارد التي
يطلبها الاميركيون ويشتهونها لأنفسهم، من قبل الصينيين، فإنهم بذلك يدوسون
على اطراف القدم الاميركية الحساسة، او ينتفون ريش جناحي النسر، ريشة بعد
ريشة، فإلى أي مدى تتحمل الولايات المتحدة ذلك؟
ربما لم تحِن ساعة الحقيقة بعد... أو أن التفاهمات السرية للمصالح
المتبادلة اعمق من السياسات والتحليلات المنشورة؛ وكما صرح نائب وزيرة
خارجية الولايات المتحدة مؤخراً جيمس سوان «ان الولايات المتحدة لا تعتبر
اهتمام الصين الحديث بأفريقيا تهديداً أمنياً». كما اضاف انه «يريد تبديد
المخاوف التي لا داعي لها، والتي يعبّر عنها في الصحف وحتى في
المطبوعات المخصصة للبحاثة والخبراء، حول اهتمام الصين ونفوذها المتناميين في افريقيا».