حكومة إسرائيل المستبدة(أنانية الشعوب المسيحية )(إفساد الرأي العام)
ما هو نوع الحكومة الذي يمكن أن يُعطى
للمجتمعات التي تفشّي الفساد في كل جوانبها، وحيث تحصل الثروة بالاحتيال
اللبق وبوسائل هي نوع من الغش والخداع، وحيث تسود الرشوة، وحيث لا تتبع
الطرق الأخلاقية إلا خوفاً من العقاب القانوني الصارم وليس بالقبول الطوعي
للمبادئ الأخلاقية، وحيث دمرت الاعتقادات المتنوعة الشعور الوطني والدين؟
أي نوع من الحكومات يمكن أن يُعطى لهذا المجتمع غير الحكومة المستبدة التي سأصفها فيما يلي:
إننا سوف نؤسس حكومة ذات مركزية تامة
لكي نجمع القوى الاجتماعية في أيدينا، وسوف ننظم آلياً، بقوانين جديدة، كل
أعمال الحياة السياسية لرعايانا.
وسوف تقضي هذه القوانين، رويداً
رويداً، على كل الامتيازات والحرية الممنوحة من قبل الكوييم. وسوف يتوج
حكمنا باستبداد له من العظمة ما يضمن له، في كل وقت وفي كل مكان، سحق
الكوييم المعاندين وغير الراضين.
قد يُقال لنا بأن هذا النوع من الاستبداد لا يتماشى مع الرقي العصري، ولكن سأثبت أن عكس ذلك هو الصواب.
في الوقت الذي كان الشعب يعتبر زعماءه
تجسيداً لإرادة الله كان يخضع، من غير تململ، لسلطة الحكام المطلقة، ولكن
حينما أوحينا الى الشعوب بفكرة حقوقهم الشخصية بدأوا ينظرون الى رؤسائهم
نظرتهم الى أناس عاديين وزالت مسحة الزيت القدسية التي كانت تعلو جباه
الحكام، وحينما نزعنا من رؤوس الناس اعتقادهم بالله سقطت السلطة في الماء
فتلقفها الشعب وقبضنا نحن عليها.
إن فن حكم الجماعات والأفراد بالكلام
المعسول وبالنظريات المصطنعة التي يتولاها مدراء أخصائيون بالحياة
الاجتماعية، وبوسائل أخرى لا يفهمها الكوييم. إن هذا الفن، بالإضافة الى
غيره من القدرات، هو جزء من عبقريتنا الإدارية التي تقوم على التحليل
والملاحظة وعلى التفكير السليم الذي لا يضاهينا به أحد، كما أنه لا يوجد
لنا منافس فيتهيئة خطط التضامن والأعمال السياسية، وليس هناك من يضاهينا
في هذا المجال إلا الجزويت وحدهم، ولكننا قد استطعنا أن ننزع ثقة الناس
بهم لأن تنظيماتهم كانت علنية بينما بقينا نحن في الظل بسبب تنظيماتنا
السرية. ثم ماذا يضير الناس أن يحكمهم رأس الكنيسة الكاثوليكية أو مستبد
من دم صهيون؟ أما بالنسبة لنا، نحن الشعب المختار، فإن الأمر ليس سواء.
إن تحالف كوييم العالم ضدنا يمكن أن
يؤدي الى الغلبة علينا لوقت ما، ولكن اختلافاتهم المتأصلة في نفوسهم،
والتي لا يمكن نزعها، ضمان لحمايتنا لأننا قد زرعنا في نفوسهم بذور العداء
القومي والشخصي وأثرنا البغضاء الدينية والعرقية فيما بينهم منذ عشرين
قرناً، ولذا فلا تستطيع دولة الحصول على مساعدة، من أي جانب، لأن كل دولة
سوف تعلم بأن تحالفاً ضدنا ليس في مصلحتها. إننا جد أقوياء، ويجب أن يحسب
لنا حساب، ولا تستطيع دولة أن تعقد اتفاقاً خاصاً، حتى ولو كان تافهاً، من
غير أن يكون لنا فيه ضلع سراً.
يقول المثل: بي يحكم الملوك. وقد قال
لنا الأنبياء أن الله قد اختارنا له لكي نحكم العالم، ومنحنا عبقرية
لتمكيننا من تحقيق ذلك. ولو كان يوجد عبقري في الفريق المقابل لقاتلنا،
ولكن التلميذ لا يساوي قدر الأستاذ. ستكون المعركة بيننا ضارية لم يشهد
العالم لها مثيلاً. ثم إن عبقري الخصم سيأتي متأخراً، وكل أدوات آلية
الحكم تعمل بمحرك نحن وحدنا نملكه، وهذا المحرك هو الذهب. إن علم الاقتصاد
السياسي الذي أوجده حكماؤنا قد برهن، منذ زمن، على العظمة الملوكية لرأس
المال.
ولكي يكون لرأس المال حرية العمل لا بد
من احتكار الصناعة والتجارة وقد تم ذلك بيد خفية في كل العالم. وحينما
يتحقق هذا الهدف تنتقل السلطة السياسية الى أيدي التجار، وبذلك يمكن
السيطرة على الشعب. ومن أهم الأمور في الوقت الحاضر تجريد الشعوب من
السلاح قبل دفعها الى الحرب، كما أنه من الأهم السير بآرائنا لا إهمالها،
ومن الأكثر أهمية هو أن نستحوذ على أفكار الآخرين وأن نفسرها وفاقاً
لتوجيهاتنا بدل أن نتجاهلها.
إن أهم عمل في حكومتنا هو أن نضعف
الرأي العام بانتقاده، وأن نسلب منه قوة التفكير، لأن التفكير يولد
المعارضة، وأن نذيب قوى التفكير في فصاحة جوفاء. .إن الشعوب كالأفراد تخلط
القول بالعمل وتقنع بما يقع مباشرة تحت حسها، وقلما تهتم بالبحث فيما إذا
كان يمكن تحقيق الوعود في الحياة الاجتماعية. وبالتالي فإننا سوف ننظم
مؤسسات علنية تكون قادرة على بيان حسن سيرها في سبيل الرقي. وسوف نتحل
الأفكار الليبرالية التي تقول بها كل الأحزاب وكل الاتجاهات الفكرية،
وعندئذ يظل الخطباء يتكلمون حتى ينهكوا الشعب بخطاباتهم وحتى يجعلوهم
يفرون قرفاً من الثرثارين.
وللسيطرة على الأفكار العامة يجب سوقها
وجهة محيرة مرتبكة، وذلك بطرق أفكار كثيرة متناقضة حتى يضل الكويم طريقهم
في هذا التيه ويدركوا أنه من الأفضل لهم ألا يكون لهم أي رأي في الأمور
السياسية. إن أمثال هذه الأمور يجب ألاّ تكون مفهومة من الشعب بل هي من
شأن الحكام، وهذا هو السر الأول.
والسر الثاني اللازم للنجاح في الحكم
يكمن في مضاعفة الأخطاء والأهواء والقوانين الوضعية حتى يضيع المرء في
متاهاتها ولا يستطيع الناس أن يتفاهموا فيما بينهم، وهذه الحالة تساعدنا
على بذر بذور الشقاق بين كل الحزاب وتفتيت كل القوى الجماعية التي لم تزل
تأبى الخضوع لنا، وعلى إحباط كل رأي فردي يستطيع بأية صور أن يعترض سيرنا.
ليس هناك شيء أخطر من الآراء الفردية
إذا صدرت عن عبقري، إذ إنه يستطيع أن يفعل ما لا يستطيع أن يفعله مليون من
الناس الذين زرعنا بينهم بذور الشقاق. علينا أن نسيِّر تعليم جماعات
الكوييم بصورة تجعلهم يتراجعون، مقرين بالعجز، إذا ما جوبهوا بأمر يحتاج
الى إبداء رأي شخصي. إن حدة العمل الناتج عن الحرية الفردية تفقد قوتها من
نفسها عندما تصطدم بحرية شخص آخر، ومن ذلك تأتي الصدمات الأخلاقية الشديدة
وخيبة الأمل والتثبيط.
سوف نتعب الكوييم بهذه الوسائل حتى
نجبرهم على أن يعرضوا علينا تولي حكومة العالم التي تمكِّننا، بكيانها
ذاته، من أن نحتوي على قوى حكومات العالم وفق إرادتنا من غير أن ندمر
شيئاً. وهكذا نقيم الحكومة العليا، ومكان الحكومات الحاضرة نقيم حكومة
ضخمة يطلق عليها اسم إدارة الحكومة العليا، وسوف تمتد يديها كالمخالب في
كل اتجاه حتى يخضع العالم كله لنا.
تدمير الكوييم