كيف نفضح أعداءنا الخطرين
إننا سوف نمنع الناس غير الرسميين من
التدخل بالسياسة، ولكننا سوف نشجع الناس أن يقدموا الينا اقتراحاتهم
ومشاريعهم لتحسين حالة الشعب، وبذلك سوف نعرف الحاجات، أو على الأقل،
التطلعات الخيالية لرعايانا، وسوف نرد على هذه الاقتراحات أو المشاريع
بتدابير مناسبة، وذلك بإعلان ذكاء أو حماقة مقدميها.
إن هيجان الشعب ليس إلا عواء *** جائع
على فيل. وبالنسبة الى حكومة منظمة تنظيماً حسناً ليس من الناحية
البوليسية فقط، بل على أساس اجتماعي أيضاً يجب أن تعلم أن ال*** الجائع لا
يعوي على الفيل إلا لأنه لا يعرف قوة الفيل. ويكفي الفيل أن يُري قوته مرة
واحدة حتى لا يعود ال*** يعوي عليه، قط، بل يبصبص بذنبه عند رؤيته.
وللقضاء على هالة التعظيم التي تعزي
لشهداء الإجرام السياسي يجلس هؤلاء المجرمون، عند محاكمتهم على مقعد واحد
مع اللصوص والقتلة وغيرهم من الناس، الذين تشمئز منهم النفوس، فينظر اليهم
الشعب بالعين التي ينظر بها الى الآخرين ويوليهم الاحتقار ذاته. لقد جربنا
أن نمنع الكوييم من استعمال هذه الطريقة مع الثائرين وأرجو أن نكون قد
وفقنا. ولكي نبلغ هذه الغاية لجأنا الى الصحافة والى الخطابات العامة،
وبذكر حوادث تاريخية معروضة بلباقة قدمنا الثوريين الذين لقوا مصرعهم
وكأنهم شهداء في سبيل سعادة الإنسانية، وبهذه الطريقة ازداد عدد
الليبراليين وأدخلوا معهم آلاف الكوييم في قطيع مواشينا.
المالية والضرائب
عجز الكوييم في ميدان المالية
الديون العالمية
أريد اليوم أن أعالج البرنامج المالي
الذي أخرت عرضه الى آخر بحثي لأنه يشكل أعقد نقطة وهو الحكم الفصل في
نظامنا. وللبدء بهذه القضية أذكِّر بما قد سبق أن قلته من قبل، وهو أن
الفروع تحل دوماً بالأرقام.
حينما نغدو سادة سوف تجتنب حكومتنا
الأوتوقراتية أن تثقل كاهل الشعب بالضرائب الفادحة في سبيل حماية نفسها،
وأنها لن تنسى الدور الذي يجب أن تقوم به، وهو دور الأب الحامي. ولكن لمّا
كانت التنظيمات الحكومية ذات تكاليف كبيرة فلا بد لنا من النفقات اللازمة
لدوام حياتها، ويجب علينا أن نعمل على إصلاح عادل للضرائب.
في نظامنا الحكومي يعتبر الملك المالك
الأوحد للمال والمتاع والعقار (مما يمكن تطبيقه بسهولة بصورة عملية) فهو
يستطيع، إذن، أن يلجأ الى المصادرات القانونية لكل الثروات لتنظيم تداولها
في البلاد، ولذا فإن خير طريقة لفرض الضرائب هي طريقة الضريبة التصاعدية
على الأملاك، وبذلك يسهل دفع الضرائب من غير صعوبة ودون تدمير أحد، وعلى
الغني أن يدرك أن من واجبه ترك جزء من الزائد من ثروته لصالح المجموع في
البلاد، وتضمن له الحكومة بالمقابل عدم المساس بما يبقى له، ومن حقه أن
يربح منه ربحاً معقولاً، لأن مراقبة الأملاك تمنع السرقة القانونية. إن
هذا الإصلاح الاجتماعي يجب أن يتحقق قبل غيره لأنه عمل ناجح وهو ضمان
للسلام العام.
إن فرض الضرائب على الفقراء هو أساس
الثورات، وهو ضار بالحكومة لأنها تفقد الفريسة باتباع الظل. ثم إن فرض
الضرائب على رأس المال يمنع تضخم الثروات عند الأفراد الذين كدّسنا عندهم
المال ليكون معدلاً لقوة حكومة الكوييم التي هي خزانة الدولة.
إن الضريبة التصاعدية المفروضة، وفاقاً
لرقم رأس المال، تحقق مورداً أكبر بكثير مما يحققه نظام الضرائب الحاضر
الذي يستوي فيه كل الناس، وهو نظام مفيد لنا في الوقت الحاضر لكي يبعث
الثورة وعدم الرضا عند الكوييم. إن قوة ملكنا تكمن بصورة خاصة في تعادل
القوى التي تضمن السلام، ولذلك على أصحاب رؤوس الأموال أن يتنازلوا عن جزء
من مواردهم ليساعدوا على سير الآلة الحكومية سيراً عادياً، فالذين
يستطيعون القيام بذلك، والذين يمكن استيفاء بعض الشيء منهم، عليهم أن
يمدوا أيديهم لتسديد الحاجات العامة، وبهذا سوف نقضي على كراهية الفقراء
للأغنياء، لأن هؤلاء يعتبرون سنداً مالياً للدولة ودعامة للسلام والرخاء،
ويدرك الفقراء أيضاً أن الأغنياء يشاركون، بالتدابير اللازمة، لتحقيق
الرفاهية العامة. ولكي لا يغضب الأذكياء ممن فرضت عليهم ضرائب النظام
الجديد يعرض عليهم تفصيل النفقات العامة باستثناء تلك النفقات الخاصة
بالعرش والإدارة.
إن الملك لا يملك شيئاً لأن المفروض فيه
أنه المالك لكل شيء في الدولة، لأنه لو ملك ملكاً خاصاً كان ذلك مناقضاً
لواقع كونه مالكاً لكل شيء، ومع ذلك فإن تدابير خاصة ستتخذ لمنعه من أن
يملك شيئاً على وجه الحقيقة. أما أقارب الملك، باستثناء أولاده الذين
تغذيهم الدولة، فيجب أن يكونوا موظفين، أو تكون لهم مهنة لكي يحق لهم
التملك، وأما كونهم من الدم الملكي فلا يخولهم ذلك حق سرقة خزينة الدولة.
سنفرض ضرائب تصاعدية على البيع والربح والإرث. وحينما تنقل ملكية عقارية
أو غيرها، من شخص الى آخر، دون دفع ضريبة، فإن الضريبة تؤخذ من المالك
الأول اعتباراً من تاريخ انتقال الملكية الى يوم اكتشاف أمرها. إن سندات
التمليك يجب أن تقدم كل أسبوع الى مكتب الخزينة المحلي مع ذكر اسم ولقب
وعنوان المالك القديم والمالك الجديد. ومن الضروري تسجيل أسماء الذين
يشتركون بالانتقال، وذلك بالنسبة لكل معاملة تتجاوز رقماً معيناً، وأما
الضريبة على الأشياء، ذات الحاجة الأولية، فإنها تكون نسبة مئوية ضئيلة
بالنسبة الى ثمنها. فاحسبوا أنتم، الآن، كم مرة سوف تزيد المبالغ
المستوفاة عن طريق هذه الضرائب على دخل حكومات الكوييم الحالي. وسوف يحتفظ
مصرف الدولة المركزي برقم احتياطي معين، وكل ما يزيد على هذا المبلغ يجب
أن يوضع في التداول، ونفقات الأشغال العامة تؤخذ من هذا الفائض. إن اتخاذ
القرار بالعمل هو من خصائص الحكومة، وتنفيذه سوف يربط الطبقة العاملة
بفوائد الحكومات، وجزء من هذه المبالغ يخصص جوائز للمخترعين ولضرورات
الانتاج. ولا يجوز الاحتفاظ، في صناديق الدولة، بأي مبلغ مهما كان ضئيلاً،
زيادة على الاحتياطي المحسوب حساباً دقيقاً، لأن الدراهم إنما خُلقت لكي
توضع موضع التداول، وكل عائق يحول دون تداولها يزعج سير الآلة الحكومية
لأنه كالزيت للآلة. وإحلال الأوراق المالية محل النقد قد أضعف الثقة
العاممة كما ترون النتائج.
وسوف ننشئ مكتباً للمراقبة وللتحقيق
ليكون الملك، في كل وقت، على علم بواردات الدولة ونفقاتها حتى الشهر
الجاري ذاته، والشخص الوحيد الذي ليس له مصلحة في نهب خزينة الدولة هو
الملك لأنه هو مالكها، ولذا فإن هذه الرقابة تحول دون إمكانية ضياع المال
أو اختلاسه. وكل استقبال رسمي (بروتوكولي) يهدر وقت الملك الثمين سوف يلغى.
إنه يكفي أن يُسحب النقد من التداول لكي
يُصاب الكوييم بأزمة اقتصادية. لقد بقيت رؤوس أموال معطلة واختلست من
الأمم التي اضطرت أن تتجه الينا للحصول على قروض، وفوائد هذه القروض تنهك
مالية الدولية، فأصبحت الدولة مستعبدة للمال، وكان من نتيجة حصر الصناعة
في المركز أن انتقل الإنتاج من أيدي الصناع الى أيدي أصحاب رؤوس الأموال
وبذلك أضاع الشعب والدولة قوتهما.
إن كمية النقد الموضوع الآن في التداول
لا يتناسب مع رقم الاستهلاك الشخصي لكل فرد، وبالتالي فإن هذه الكمية لا
تكفي لسدّ كل حاجات الطبقة العاملة، ولذا يجب أن يتناسب سك النقد مع زيادة
عدد السكان، ويجب أن يعتبر الأطفال مستهلكين منذ يومهم الأول. إن إعادة
النظر بقضية سك العملة أمر مهم للعالم كله. إنكم تعلمون أن استعمال الذهب
كان وبالاً على الحكومات التي استعملته لأنها لم تكن قادرة على إيفاء
حاجات الصرف مذ أن سحبنا من التداول ما قدرنا عليه من ذهب.
سوف نصدر عملة على أساس قيمة العمل ولا
يهم أن تكون هذه العملة ورقية أو خشبية، وسنضعها في التداول حسب حاجة كل
فرد، وسوف نزيدها عند ولادة كل مولود جديد وننقصها عند موته. وكل مصلحة
وكل منطقة تكون مسؤولة عن ماليتها، ولكي نتجنب كل تأخير ف يدفع النفقات
العامة فإن دفعها سوف يكون محدوداً بأمر ملكي، وبهذا لا يستطيع وزير مالية
أن يحابي أي منطقة على حساب غيرها. إن ميزانية الواردات والنفقات سوف تكون
متعادلة، وسوف نعرض مخططات إصلاح النظام المالي بصورة لا تخيف الكوييم،
وسوف نثبت ضرورة إجراء هذه الإصلاحات بنشر الفوضى الناشئة عن سوء نظام
مالية الكوييم، وسوف نريهم بأن السبب الرئيسي لهذه الفوضى يكمن في كونهم
قد اعتادوا أن يقدروا تقديراً تقريبياً أرقام الميزانية التي تزداد سنة
بعد سنة، فالميزانية توضع على هذه الصورة ويستمرون بها بصعوبة حتى النصف
الأول من السنة، فيقترح على ميزانية أخرى تدوم ثلاثة أشهر أخر، ثم تتقرر
ميزانية إضافية وكلها تنتهي بميزانية تصفية، وبما أن ميزانية السنة
التالية تقوم على النفقات السابقة العامة فإن العجز يبلغ 50% سنوياً بصورة
تجعل الميزانية السنوية تتضاعف ثلاث مرات كل عشر سنوات. ومن هذه العمليات
الناشئة عن غفلة حكومات الكوييم تفرغ خزانة الدولة، وحينذاك تبدأ فترة
الاقتراض الذي يؤدي الى إفراغ الخزينة ويسرع بقذف دول الكوييم في مهاوي
الإفلاس.
إنكم تدركون جيداً أن مثل هذه العمليات المالية التي أوحينا بها الى الكوييم لا تتفق ومصلحتنا.
إن القرض دليل بداية وهن الحكومة وعدم
إدراكها فهم حقوقها، لأن القرض يظل معلقاً على رأسها مثل سيف داموكليس .
إذ إنها بدل أن تفرض ضرائب مؤقتة على قد رحاجتها تمد يدها الى مصارفنا
تطلب الإحسان. إن القروض الأجنبية هي العلق الذي لا يمكن نزعه عن جسم
الدولة حتى يسقط من نفسه، أو أن ينتزع انتزاعاً بشدة، ومع ذلك فبدل أن
تجرب حكومات الكوييم نزعه فإنها، على الضد، تزيده فتموت مختارة بسبب نزف
دمها. وفي الواقع ليس القرض، وخاصة القرض الأجنبي، إلا علقاً. وينطوي
القرض على إصدار سندات بقيمة تعادله، فإذا كانت الفائدة 5% فإنه يسدد في
عشرين سنة ويسدد ضعفين في أربعين سنة، ويسدد ثلاثة أضعاف في ستين سنة،
ويظل رأس المال كما هو غير مدفوع، وبناءً على هذا الحساب يتضح أن نظام
الضرائب الحاضر يستنزف آخر درهم من المكلفين التعساء ليدفع الى أصحاب رؤوس
الأموال الأجانب، بينما يكون بالإمكان الحصول على المبلغ ذاته من الشعب من
غير فائدة. وما دامت القروض وطنية محضة فإن الكوييم يقنعون بأخذ الأموال
من جيوب الفقراء لكي يضعوها في جيوب الأغنياء. ولكن منذ اللحظة التي
اقترحنا فيها على الوزراء اللجوء الى الاقتراض من الأجانب أخذت الثروة
الوطنية تنصبُّ في أيدينا وغدا جميع الكوييم رعايا لنا، وصاروا يدفعون لنا
خراجاً.
إن جهل ملوك الكوييم بأمور الدولة وفساد
وزرائهم، وجهل باقي الموظفين بالقضايا المالية، جعلهم مدينين لمصارفنا الى
حد أنهم لم يستطيعوا أن يتحرروا منا أبداً، ولا بد لنا من الاعتراف بأننا
لم نستطع أن نوصلهم الى هذه المرحلة إلا بعد عناء كبير.
إننا لن نسمح أن يعيق تداول المال عائق
في دولتنا وإننا لن نصدر سندات دولة اللهم إلا بفائدة 1%، حتى لا يكون
تسديد الفائدة سبباً في تسليم الدولة الى العلق، وسوف يكون للشركات
الصناعية وحدها الحق بإصدار سندات تدفع فوائدها بسهولة من مرابحها، وذلك
لأن الشركات الصناعية تربح من القروض التي تأخذها بينما الدولة ليس لها
ربح من القروض بل تأخذها للإنفاق، وسوف تشتري الدولة أيضاً سندات صناعية،
وبذلك لا تبقى مثلما هي الآن مدينة بل، على الضد، تكون دائنة قوية، وبهذه
الصورة فلا تبقى الدراهم راكدة بل متداولة، وسوف يتوارى المجون والكسل
لأنهما إذا كان مفيدين لنا والكوييم مستقلين فإن حكومتنا في غنى عن ذلك.
كم هي ضعيفة عقول هؤلاء الحيوانات
الكوييم إذ لم يخطر على بالهم حينما أقرضناهم بفائدة بأن هذه المبالغ، أي
رأس المال والفائدة، ستؤخذ من مصادر البلاد ثم تعود الينا. ألم يكن من
الأسهل أن يحصلوا على هذه المبالغ مباشرة من المكلفين؟ وانظروا الى
عبقريتنا الفكرية، وهي أننا استطعنا أن نعرض عليهم القرض وكأنه في صالحهم.
إن ميزانيتنا التي سنقررها حينما يحين
الوقت ستكون قائمة على التجارب التي حصلنا عليها خلال قرون على حساب
حكومات الكوييم، وسوف تكون ميزانيتنا واضحة ونهائية وتؤكد بالبرهان على
صلاح نظامنا الجديد، وسنضع حداً لكل السيئات التي مكنتنا من السيطرة على
الكوييم والتي لن تكون مقبولة في حكمنا، وسوف تنظم الحسابات بطريقة لا
يستطيع معها الملك ولا أصغر موظف أن يختلس أقل مبلغ من الوجهة المخصص لها،
ولا أن يستعمل أي مبلغ لغير الغرض الذي خصص له، كما جاء في مخططنا الأول.
إنه من غير المستطاع الحكم من غير مخطط محكم. إن السفر في طريق معين من
غير زاد يؤدي حتماً بالبطل وبالفارس الى الهاوية.
إن حكومات الكوييم التي علّمناها أن
تهمل واجبات الدولة لتنفق الأموال في الاستقبالات الضخمة الرسمية ومساوئ
المسرّات، فإنها لم تخدم إلا حكومتنا الخفية. إن تقارير المقربين الأقوياء
الذين يعملون باسم الملوك قد دُرِّبوا على أيدي عملائنا، وقد أرضوا دوماً
العقول السطحية التي يجد أصحابها في هذه التقارير الوعد باللجوء الى
الاقتصاد وبتحسن الحال في المستقبل، ولكن مم سيقتصدون؟ هل من الضرائب
الجديدة؟ إن قراء مذكراتنا كانوا يستطيعون أن يسألوا ذلك ولكنهم لم
يفعلوا. إنكم تعلمون الى أين قادهم هذا الإهمال والى أية حالة بلغوا من
التفسخ الاقتصادي على الرغم من حسن إرادة شعوبهم.