مطار فايد الحربي
كان جو المطار
متوترا منذ العصر تقريبا حيث جاءت اوامر رفع درجه الاستعداد بالمطار الي
الدرجه القصوى والغاء الاجازات ..وشتان الفارق بين الحال في المطار قبل هذه الاشارة وبعدها.
فقد تحول المطار
الي خليه نحل حقيقيه ، فالكل يعمل سواء جنود وفنيين وضباط صف وضباط
وطيارين لتجهيز المطار لأي عمليات ، وهي أجراءات محفوظه ودقيقه للتعامل مع
رفع درجه الاستعداد ، حيث يتم تسليح الطائرات المقاتله بالذخيرة الحيه
وملئها بالوقود تحسبا لأي عمليات ، ويقوم ضباط الصف والفنيين بالتأكد من
جاهزيه جميع الطائرات ، ويقوم رجال المدفعيه والصواريخ المضادة للطائرات
المحيطين بالمطار بتجهيز مدافعهم وصواريخهم للانطلاق في أي لحظه . كم هائل
من الاعمال والتفاصيل ومجهود كبير مبني علي تدريب شاق ، وفي المساء كان
العقيد تحسين زكي قائدالمطار يعطى تمام الاستعداد لقيادة القوات الجويه .
خرج العقيد تحسين من غرفه قيادته بالمطار قرب الساعه العاشرة مساءا متجها نحو صاله الطعام ( الميس) ليأكل شيئا،
فمنذ العصر لم يتذوق سوي طعم الدخان في فمه من جراء عدد السجائر الكبير
الذي حرقها، تحرك الرجل بجسدة النحيف وقامته المشدودة وقد دب الشعر الابيض
في شعرة تجاةالميس،
دخل الرجل الي
الميس فوجد جميع طياري القاعدة منتظرينه ، وسرعان ما وقف الجميع في وضع
الانتباة وقاموا بأداء التحيه العسكريه لقائدهم ، وبعد تبادل التحيه أمرهم
الرجل بالجلوس ............
كانوا حوالي ثلاثين طيارا كلهم بملابس الطيران ، تفحص الرجل وجوة الرجال ، شباب ممتلئ حماس وأقدام وفخر ، شباب يفتخر أي قائد بأن يكونونه جنودة ، فقد دربهم طويلا ويعرفهم كما يعرف أبنائه تماما ، يحبهم كما يحبونه يخاف عليهم أكثرمن خوفهم علي انفسهم ..........
وبعد ثوان كانت أطباق العشاء توضع أمام الرجال ، مرت دقائق تناول فيها
الرجال طعام العشاء وبعدها أخرج العقيد تحسين سيجارة وأشعلها أيذانا
بالسماح لباقي الطيارين بالتدخين أيضا كما عودهم
كان الطيارين في
شوق لسماع قائدهم فمن المؤكد ان هناك الكثير مما سيقوله لكشف النقاب عما
يحدث بالضبط ، أنصت الجميع لقائدهم وصمتت القاعه تماما، أطلق الرجل نفسا
من سيجارته فغطي دخانا كثيفا وجهه لثوان ومع
تلاشي الدخان بدأ في الحديث بهدوء قائلا.(( طبعا انتوا عارفين حاله
الاستعداد اللي احنا فيها من العصر ، احنا أكيد كتير مرت علينا حالات
استعداد مشابهه ، المرة دي العمليه مش هتفرق كتير عن المرات اللي فاتت ،
بس سبب الشد دة إن المعلومات اللي وردت
للمشير بتقول إن أسرائيل بتحشد الويه مدرعه علي حدود سوريا ، والتزماتنا
العربيه والشعبيه وكمان مطالبنا القوميه بتقول أننا لازم نساند سوريا ودة
أمر طبيعي ، فكان لازم نبين العين الحمرا لاسرائيل ونخليها تفكر مرتين قبل
ضرب سوريا ، المعلومات اللي وردت لي العصر بتقول ان الجيش هيتحرك لسيناء
من الصبح ، الهدف المعلن هو ردع اي محاولات اسرائيليه لضرب سوريا وتأكيد
مصر علي ثوابتها القوميه والعربيه ، بس الهدف الحقيقي في رأيي هو التهديد مش أكتر، ومعتقدش أن الموقف ممكن يتطور لعمليات عسكريه ))
كان الرجل يتحدث في هدوء وثقه شارحا الموقف السياسي لطياريهورأيهفيالاستعدادات، لكن عينيه كانت ترصد ردود أفعال أعين الطيارين علي كلماته ،
كان أيمان الرجل بكل كلمه يقولها ينتقل الي رجاله محفزا اياهم وباثا شعور لا نهائي بالثقه ،وأكمل الرجل حديثه (( بس تهديد
ولا لأ ..... أنا أديت تمام للقيادة بأننا جاهزين لتنفيذ أي عمليات ، وزي
ما انتوا عارفين كويس ... رفع حاله الاستعداد معناة وجود مظله فوق المطار
وكمان فوق منطقهالقناه .... انا أديت تعليماتي للاطقم الفنيه بتجهيز كل الطيارات الممكنه ، المظله هتكون من طيارتين سوخوي أوميجوعلي أول الممر طيارتين برضه جاهزين بطيارينهم كطيارات حاله اولي ووراهم أربع طيارات من غير طيارين كطيارات حاله تانيه ، طبعا كلهم جاهزين
بصواريخ جو جو ، ومليانه وقود علي الاخر................)) أخذ الرجل نفسا
عميقا من سيجارته ثم أستكمل تبليغ التعليمات التي يحفظها الطياريين جيدا .
(( أحنا ممكن
نستغل حاله الشد دي ولغايه ما تخلص في التدريب علي القتال الجوي يعني ممكن
في أي لحظه أضرب جرس الانذار ، ونحسب زمن تنفيذ اقلاع طيارات الحاله
الاولي والتانيه وكمان كفاءة المظله ، أهم حاجه هو الاستعداد الدائم من
أول ضوء حتي أخر ضوء...........................)) سكت الرجل لثانيه ثم
اشار الي طيار يجلس الي يمينه
((الرائد أحمد السمري مسئول عن جدول الطيران ، وهتلاقوا الجدول متعلق علي اللوحه بكره الصبح ))
ثم قام الرجل من مكانه مغادرا ومعلنا انتهاء الحديث
صمتت القاعه
لثوان ثم بدأ بعدها الحديث الجانبي بين الطيارين ،وبقرب أحد اركان القاعه
وقف ثلاثه طيارين يتحدثون وقد علاهم سحابه كبيرة من جراءدخان
السجائر المشتعله في ايديهم كان أحدهم هو السمري أركان حرب لواء السوخوي
بالمطار ،كانت قامته قصيرة لكن جسدة متناسق ذو بشرة تميل الي الداكنه ،
ويقف بجوارة رائد
ذو قامه طويله مقارنه بزملائه ، قوامه ممشوق رياضي نظرة عينيه تشع كما
هائلا من الثقه والفخر لا تفارق شفتيه أبتسامه سحريه هو مدحت المليجي أو
كما يطلقون عليه في المطار – البرنس- أما ثالثهم الذي يرتكن علي الحائط
يدخن سيجارة وكل حواسه مع الحوار الدائر فقامته أقل من مدحت ، ذو شعر مجعد
وبشرة تميل قليلا للسمرة هو النقيب أحمد ، وهو معروف علي مستوي المطار بخفه ظله الشديدة وميله للمرح وحبهللسخريهمن أي فرد، وياويل اي ضابط او جندي يقع في فخ لاحمد .
النقيب طيار / مدحت المليجي
الطيارون الثلاثه يشكلون مثلثا قويا يعرفه كل من بالمطار ، فهم من أفضل طياري السوخوي والميج بالمطار وبينهم صداقه قويه ، ورغم أن السمري يعتبر اقدمهم يليه مدحت الا ان اختلاف الاقدميه لم تمنع قيام صداقه قويه بينهم .
ويعرف جميع الطيارين مدي الارتباط الذهني القوي بين مدحت واحمد أثناء الطيران ، ورغم أن أحمد يطير علي الميج 21 وهي طائرة تقارب السوخوي الذي يطير بها المليجي والسمرىالاانه عند
القيام بأي تدريبات قتاليه تجد دائما وابدا مدحت وأحمد في المقدمه
بأساليبهم الجريئه المبتكرة وسرعه تصرفهم المثاليه ، وقد استفاد العقيد
تحسين من ذلك كثيرا في رفع مستويات باقي الطيارين بدمجهم وسط هذا المثلث
المتميز ، وقلما تجد احدهم يطير منفردا بدون الاخر وإن كان السمري قد تخلف
كثيرا عن مشاركتهم نظرا لاعباءة الاداريه كأركان حرب لواء السوخوي ....
نعود للحديث الدائر بين اطراف المثلث فبرغم
وجه مدحت الهادئ الا انه كان شخصيه تميل للعصبيه عندما يحس بتخلفه عن شئ
ما ،أو في حاله عدم المامه بموضوع ما وهو ما حدث في هذا الحديث ، فمدحت
يحاول معرفه معلومات أكثر من السمري ربما تزيد قليلا عما قاله العقيد
تحسين ، والسمري ينكر معرفته شيئا أكثر مما قيل ، بينما أحمد يقف مبتسما
من جراء إنفعال مدحت وتوقعه بسيرالحوار، أختتم الحوار بين الثلاثه بوعد من السمري بأبلاغ مدحت بأي جديد ،
انصرف علي اثرها السمري تاركا مدحت واحمد ليتجهوا نحو سيارة الطيارين التي سوف تقلهم الي مباني المبيت والتي تبعد حوالي عشر دقائق خارج المطار.... سار مدحت صامتا كذلك احمد ، لكن احمد كان متأكدا بان مدحت سيتكلم في أي لحظه ...وفعلا نظر مدحت لأحمد متسائلا
(( انت شايف انني كنت عنيف مع السمري؟ )) ظهرت ابتسامه خبيثه تطل علي شفتي احمد ، فاستشاط مدحت غضبا وأستطرد((
والنبي انا مش ناقص أستظرافك يا أحمد ......... أنا بس كنت عايز اعرف منه
لو في حاجه فعلا تستدعي الشد دة )) فرد احمد بجديه (( انت تفرق معاك ؟؟؟
))
ولم ينتظر رد
مدحت فأستكمل أحمد(( أكيد متفرقش لأننا هننفذ التعليمات سواء عرفنا ولا
معرفناش ... يبقي ليه النرفزة دي ..... انت ممكن تخسر السمرى بنرفزتك دي
)) نظر مدحت الي احمد في دهشه متسائلا
(( تفتكر كدة؟؟؟...........)) وصمت لثانيه ثم هرول عائدا حيث يقف السمري
تبسم احمد واستكمل سيرة نحو سيارة الطيارين ، فهو يعلم أن مدحت لا يحتمل ان يعرف بأن شخصا ما ولو حتي جندي بسيط مستاء من تصرفه بدون أن يطيب خاطرة ويعتذر إن أمكن.
وكان احمد يعلم
تمام العلم بأن السمرى لن يحمل في قلبه أي رواسب لتكرار أنفعال مدحت معه ،
فهذه هي الصداقه في نظرهم والتي تعتمد علي مبدأ هام وهو المصارحه التامه
بالعيوب المتبادله، بعدها بثوان كان مدحت والسمري يسيران تجاة سيارة
الطيارين وقد تبطأ كل منهم ذراع الاخر وهم يضحكان .