الغراب النوحي (RAVEN)
وفي
أكتوبر فوجئ الأمريكان بذلك الاستخدام المنسق والفعّال للمدفعية المضادة
للطائرات والصواريخ سام 2، 3، 6، 7، من حيزات مختلفة من التردد، بالإضافة
إلى الشيلكا ZSU-23-4، ذات التأثير الرهيب، وشكَّل الاستخدام المؤثر
للصواريخ الحرارية سام 7 عائقاً غير متوقع بصورة صعَّبت مهمة الطائرات
المهاجمة، وظهر على الساحة أيضاً سام 8، وسام 9. ومع اتساع التهديد استحال
على الطائرات المهاجمة أن تحمل كل الوسائل الإلكترونية المضادة لهذا
التفكير الواسع من التهديدات، وأصبح تجهز الطائرة EA-6B بأنظمة إلكترونية
حديثة هو الاتجاه السليم، وتبع ذلك دخول طائرة الحرب الإلكترونية EF-III
التي تسمى Raven أي (الغراب النوحي)، والتي تصل سرعتها إلى ما يزيد على
ضعف سرعة الصوت، مما يوفّر التوافق في السرعة مع طائرات الضربة.
وهكذا
أملت ظروف التطوّر حتمية ظهور (الغراب النوحي)، حيث تصاحب واحدة أو عدة
طائرات للحرب الإلكترونية طائرات الضربة الجوية أثناء تحقيق المهمة، ويمكن
للطائرة أن تعمل مصاحبة للقوات أثناء الاختراق العميق Escort، أو في مظلات
بعيدة عن مرمى الدفاع الجوي فيما يسمّى Stand off، ويتوقف ذلك على متطلبات
تحقيق المهمة. وفي الوقت الذي تفضل فيه القوات البحرية النوع الثاني Stand
off، فإن القوات الجوية الأمريكية تفضل النوع الأول Escort وهي مهمة
الحراسة المرافقة.
(ترام) في الطائرة EA - 6B
لقد
أقحم تخصيص طائرة لأعمال الحرب الإلكترونية بعداً جديداً تمثّل في استخدام
أنظمة متكاملة للحرب الإلكترونية (INEWS) Integrated Electronic Warfare
Systems، اشتملت على جانب من الحرب الكهروضوئية، حيث يستخدم الليزر
والأشعة تحت الحمراء، والتليفزيون في النظام (ترام) (TRAM) Target
Racogintion Attack Multi -Sensor، أي نظام تمييز الأهداف متعدد
المستشعرات لأغراض الهجوم وأثناء الليل. ويستخدم النظام (ترام) أجهزة
للرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء، لتظهر الصورة على شاشة تليفزيونية
في تزاوج تام مع أنظمة تقدير المسافة بالليزر وتوجيه الصاروخ بالليزر عن
طريق إضاءة الهدف بالليزر.
وتوجد عموماً في مقدمة الصاروخ كاميرا
تليفزيونية TV ترسل صورة واضحة إلى الطائرة تستخدم لأغراض التوجيه، مع
وجود ريكورد فيديو سُجِّلت عليه الأهداف لاستعادتها للمقارنة، وتقدير
كفاءة
الضرب. وهكذا يسمح النظام للطاقم بتمييز الأهداف التي تظهر
بالرادار مع إمكانية توجيه ضربة دقيقة بالأسلحة الموجهة بالليزر
وبالتليفزيون بدقة متناهية، في الوقت الذي تقوم فيه الطائرة بمناورات
عالية فوق الهدف، وتكون الإصابة دقيقة ومن الضربة الأولى باستخدام الأسلحة
الذكية Smart-Weapons، حيث إن الطائرة لا تستطيع في ظروف تهديد أنظمة
الدفاع الجوي الحديثة أن تتمهل في منطقة الهدف أو تعاود الكرّة مرة أخرى
لإحكام الإصابة، وإلا كان الثمن غالياً، وغالباً ما تدفع الطائرة ذاتها
الثمن متمثلاً في إصابة يتم تفاديها بالأسلحة الذكية وأنظمة القصف الحديثة
Fire and Forget. وهكذا يساهم (ترام) في تحسين الأداء وزيادة القدرة على
البقاء للطائرات الحديثة في ظل التهديدات الكثيفة والمعقدّة.
ومع
التقدم في أنظمة الاستخبارات الصناعية (AI) سوف يتم التطوير لإلغاء العنصر
البشري في دورة الاشتباك، على أن تقوم الحواسب الآلية بالتعرُّف على الهدف
من الصور المخزنة في مكتبة التهديدات، ثم توجه الصواريخ الذكية إلى الهدف
في إعجاز لا يمكن أن يصدقه عقل بالمقاييس الحالية، ولكن في جعبة العلم
الكثير.
المستودع السحري (كانوي)
يعتبر
نظام الإعاقة التكتيكي ALQ-99 المستخدم في طائرات الحرب الإلكترونية
EA-6B، و EF-111 هو المستودع السحري الذي يوفّر الإعاقة المؤثرة والفعّالة
بحق، ويسمى (Canoe)، ويطلق عليه أيضاً نظام الإعاقة الذكي (Smart Jammer)،
وتحمل الطائرة EA-6B خمسة مستودعات إعاقة، (4) منها تحت الأجنحة، والخامس
تحت جسم الطائرة، في الوقت الذي تحمل فيه الطائره EF-111 المرسلات العشرة
نفسها داخل جسم الطائرة يوجد مرسلا إعاقة بكل مستودع تقليلاً للتأثير على
الديناميكا الهوائية للطائرة، ويوفّر النظام إمكانية إعاقة مختلفة بصورة
لا يمكن أن يوفّرها حالياً أي نظام آخر، حيث يمكنه التعامل مع اتصالات
الطائرات في حيز التردد فوق العالي ومع رادارات الإنذار المبكر على
الارتفاعات العالية، كما يمكنه أيضاً تغطية رادارات سام 2، وسام 3، وسام
4، وسام 8، وسام 6، والشيلكا، ورادارات قيادة النيران في حيز تردد يصل
حالياً إلى (18) جيجا سيكل من عشرة حيزات فرعية. ومن المنتظر فعلاً الوصول
إلى تردد (40) جيجا سيكل مع تزايد التهديد السوفيتي الزاحف إلى حيز
الموجات المليمترية.
ويوفّر المستودع ثلاثة أنواع رئيسة للعمل
1 باستخدام الحاسب الآلي:
وفي هذه الحالة يقوم الحاسب باختيار التهديد الواجب للإعاقة، ثم يقوم بضبط الجزء الإيجابي من النظام ليقوم بالإعاقة المناسبة آلياً.
2 الطريقة النصف آلية:
وفي هذه الحالة يشترك العامل مع الحاسب في اختيار مصادر التهديد التي يتعامل معها حسب أولويات متفق عليها.
3 الطريقة اليدوية:
وفي
هذه الحالة يقوم ضابط الحرب الإلكترونية (EWO) بالبحث في حيز محدد من
الترددات، ويكتشف مصادر التهديد ويتخذ الإجراءات المضادة المناسبة، وفي
هذه الحالة تزداد أزمنة رد الفعل كما يتضح من طريقة الاستخدام.
ويعتبر
المستودع نظاماً للإعاقة التكتيكية (TJS)، ويشتمل على: جهاز استقبال
للقياس الفوري للترددات (IFM)، وجهاز استقبال لضبط ترددات القياس للأنظمة
الإيجابية طبقاً لترددات مصادر التهديد، ووحدة تحليل للمعلومات، ومستودع
إعاقة، ووحدة توليد قدرة عن طريق استخدام توربينات خاصة تستخدم قوة الرياح
في كل مستودع يعلق خارج الطائرة.
ويحتوي كل مستودع إعاقة على:
1 نظام إعاقة للاتصالات Comjam، وهو موجود للتعامل أساساً ضد اتصالات الطائرات AlQ-130، و ALQ-92.
2 وحدة خدع رادارية ALQ-126 (DECM).
3
نظام مستقبلات متكامل ALR-67، وذلك لتحديد مصادر التهديد وخصائصها
وتتبعها، وذلك لتحديد المهام الخاصة بالإعاقة والخداع تحقيقاً للاستجابة
الفورية لمصادر التهديد بإجراءات مضادة مناسبة طبقاً للأسبقيات في مستوى
التهديد.
4 حاسب مركزي متصل بالنظام الملاحي، مما يسهّل عملية تمييز
الأهداف وتصنيفها وتحديد الأسبقيات وطرق الإعاقة، ويمكن تحديث المعلومات
وإظهارها بصورة دورية وفي أقرب وقت، مما يعطي صورة لسيناريو التهديد
المضاد.
وعموماً فإن المستودع ALQ-99 يزوّد طائرات الحرب الإلكترونية
بإمكانات وقدرات الإعاقة أكبر من أي طائرة عرفها العالم، بل يجعلها من
أعقد طائرات الحرب الإلكترونية. وليس الأمر بالسهولة حيث إن تنفيذ طلعة
لمهمة تستغرق (40) دقيقة تتطلب إعداداً وتخطيطاً قد يصل إلى (6) ساعات،
ولكن فاعلية الأداء تعوّض ما يبذل من جهد بصورة تدعو للارتياح.
إعاقة للترددات وليست للرادارات
تكون الإعاقة stand-off مؤثرة، حيث تقوم الطائرة بتركيز الإشعاع، ويمكن التعامل مع رادار البحث من الفصوص الجانبية
بقدرة
عالية، مما ينتج عنه ستر كامل للطائرة. وعموماً فإن الإعاقة تتم لترددات
وليست لرادارات. وتتوقف الفاعلية على الشكل الهندسي للتعامل، وشكل الأرض،
والعوائق الموجودة، وارتفاع الطائرة، والمسافة بين طائرة الإعاقة والردار
المطلوب إعاقته، وكذا على عدد الطائرات المطلوب إخفاؤها.
وعموماً، فإن
مهمة ستر طائرات الدعم المهاجمة من رادارات قيادة وتوجيه النيران تكون
صعبة، ويمكن أن تستخدم الطائرات بعض أنظمة الحماية الذاتية (ASPJ)
للحماية، مع استخدام تكتيكات خاصة وتقنيات متقدمة، ولقد وجد أن قدرات
الإعاقة في الطائرات EF-111 تزيد فعلاً من حدود الثقة في تنفيذ المهام.
ويُقاس
نجاح المهمة بما يعرف بمعامل الإرباك الذي يزيد بزيادة أسية مع زيادة عدد
طائرات الإعاقة، ونظراً لقيام الطائرة EF-111 بأعمال الاختراق العميق
والحراسة المرافقة، فإنها تحمل النظام ALQ-137 لأغراض الحماية الذاتية
لخداع رادارات التتبع حتى توفر لنفسها بعض الحماية التي تقوم بتوفيرها
للآخرين.
مهمة الدعم الإلكتروني
تصاحب
طائرة الحرب الإلكترونية طائرات الضربة القائمة بتنفيذ المهمة، وذلك على
بعد حوالي (100) كلم من الهدف، بحيث تكون بعيدة عن تأثير وسائل الدفاع
الجوي المعادية، وتقوم بتنفيذ مهمتها لصالح باقي القوات التي لا تحمل أية
طائرة منها أية معدات حرب إلكترونية تذكر، وهنا تكون مهمة طائرة الحرب
الإلكترونية إعاقة جميع الرادارات المعادية في منطقة الهدف، وذلك من خلال
تشكيل حاجز إلكتروني (Electronic Barrier) يستر تحركات ومناورات بقية
طائرات الضربة بما يسهل مهمتها، ويتطلب ذلك أنظمة استقبال ذات حساسية
عالية حتى يمكنها كشف وتمييز وتحديد جميع الرادارات المعادية من وضع بعيد
عن مرمى وسائل الدفاع الجوي المعادية في وضع stand-off كما يجب توفير
أجهزة إرسال ذات قدرة عالية لتحييد عمل هذه الرادارات من مسافة بعيدة.
ونظراً للكم الهائل من التهديد الراداري، فقد ظهرت الحاجة إلى استخدام
الحواسب الآلية للسيطرة على الإعاقة لتحقيق التوافق بين التهديد ومتطلبات
الإعاقة.
وفي أثناء تحقيق مهمة الدعم الإلكتروني تطير طائرات الحرب
الإلكترونية أمام الطائرات المهاجمة، وفي أثناء اقترابها من الحد الأمامي
للقوات تقوم هوائياتها التي تدور إلكترونياً بمسح المنطقة لتحديد مصادر
الإشعاع التي تشكِّل التهديد، وبمجرد الاكتشاف والتحديد يتم توليف أجهزة
الإرسال للتعامل معها حسب الأسبقيات التي يحددها الحاسب الآلي طبقاً
للبرامج الموضوعة، وتستمر طائرة الحرب الإلكترونية في تحييد عمل الرادارات
من وضع عالٍ يحدد لها في اللحظات التي تدخل قوات الضربة الرئيسة أرض العدو
وتهاجم الأهداف المطلوبة بثقة دون خوف، وبعد الهجوم تعود القوات إلى
قواعدها في ستر أعمال الإعاقة، وبمجرد ابتعاد آخر طائرة من طائرات الضربة
الرئيسة عن التهديد الأساسي لوسائل الدفاع الجوي المعادية تبدأ طائرات
الحرب الإلكترونية في قفل مرسلات الإعاقة والعودة إلى قواعدها مع بقية
الطائرات.
الاختراق العميق ومهمة الحراسة المرافقة
وخلافاً
عما تم في مهمة الدعم، فإن طائرة الحرب الإلكترونية تصاحب الطائرات
القائمة بالمهمة في عمق أرض العدو، مستخدمة الأنظمة الإلكترونية المحمولة
جواً في توفير الحماية لها ولجميع طائرات الضربة. ولا تحمل طائرة الحرب
الإلكترونية أي أنظمة مسلحة تماماً كما هو الحال في مهمة الدعم
الإلكتروني. وهنا يمكن القول إن المهمة تختلف، حيث يلزم استخدام طائرة
عالية الأداء بصورة تتوافق مع بقية الطائرات، وهذا الشرط لم يكن مطلوباً
في أثناء مهمة stand-off.
ونظراً لاصطحاب الطائرة لطائرات الضربة
وقربها من الهدف، فإن القدرة اللازمة للإعاقة في هذه الحالة يمكن أن تقل
كثيراً عن مثيلتها في أثناء الدعم الإلكتروني، وفي أثناء تنفيذ مهمة
الحراسة (Escort) فإن طائرة الحرب الإلكترونية تدخل أرض العدو متقدمة باقي
الطائرات، مستخدمة الرقائق المعدنية وباقي وسائل الحماية الذاتية، وتقوم
بتصيد الإشعاع الراداري المعادي الإلكتروني في الاختراق العميق (Deep
Penetration) لأرض العدو، لتوفّر باقي طائرات الضربة ستراً إلكترونياً
يخفي التشكيل لجميع قوات الضربة.
وفي الوقت الذي يفضّل فيه الأسطول الأمريكي أعمال الدعم
الإلكتروني
لعدم الرغبة في الاختراق العميق، فإن القوات الجوية الأمريكية تفضِّل
اشتراك طائرات الحرب الإلكترونية في الاختراق العميق، وتوفير مهمة الحراسة
المرافقة (Escort)، واستخدمت الطائرات EF-111 بنجاح في فيتنام لتحقيق ذلك.
ونظراً لأن حمولة معدات الحرب الإلكترونية قد زادت كثافة التهديد
الإلكتروني ومهمة الحراسة المرافقة، حيث تحمل معدات يبلغ وزنها حوالي
ثلاثة أطنان، علاوة على أن سرعتها يمكن أن تصل إلى (2،2) ماخ بما يوفّر
التوافق مع خصائص الطائرات الحديثة القائمة بالضربة الجوية.
( التانكرز) معامل زيادة القوة
تضيف
إعادة التزوُّد بالوقود جواً ذراعاً طويلاً لطائرات الحرب الإلكترونية،
وتعتبر التانكرز kc-101 التي يصل نصف قطر عملها (2300) ميل بحري والتي
تستطيع حمل (200) ألف رطل لمستقبل على مسافة (1900) ميل بحري عاملاً من
عوامل زيادة القوة، إذ أثبتت الأحداث أن تطوير التانكرز بإعادة تزويدها
بالوقود من طائرة أخرى أو قيامها بالتزويد بالوقود ذاتياً، يمكن أن يوفّر
الدعم للطائرات الأمريكية في أي منطقة توتّر في العالم. ولا شك أن الدليل
على ذلك هو اشتراك (40) طائرة تانكرز لدعم أعمال الغارة الأمريكية على
ليبيا عام 1986م، علاوة على الاستخدام بصورة كبيرة في حرب الخليج وحرب
العراق. وجوهر الأمر أن إعادة التزوُّد بالوقود في الجو يوفّر للطائرات
المهاجمة حمولة إضافية من القنابل لأعمال التدمير، أو من أجهزة ومعدات
الحرب الإلكترونية التي تزيد من فاعلية وتأمين الضربة الجوية ويوسّع من
دائرة التأثير والدعم للقوات الجوية.
وتعتبر إعادة التزوّد بالوقود
جواً معاملاً لزيادة القوة (Force Multiplier) لطائرات الحرب الإلكترونية
التي هي أساساً معاملاً لزيادة القوة للضربة الجوية
خاتمة
لابد
من وقفة لإعادة تقويم دور الحرب الإلكترونية لصالح القوات الجوية، فهي
التي توفِّر الذراع الطويلة، والقوة، والحماية لتوجه الضربة، ويمكن أيضاً
أن توفِّر الحرب الإلكترونية إمكانية الحماية ضد القوة الجوية الغاشمة،
إنها سلسلة من إجراءات الفعل ورد الفعل الموقوت، ينجح فيها من يلجأ إلى
الاستخدام الذكي والفعّال للتكنولوجيا التي هي السمة الغالبة للتطوُّر.
وعموماً،
فالحرب الإلكترونية يمكن أن تكون ذات مفعول ساحر إذا ما استخدمت وخطط لها
باقتدار، ولابد من إعداد الكوادر وتوفير المعدات والأنظمة التي تعمل في
ميدان الحرب الإلكترونية، ولابد من صحوة عامة وتكنولوجية قبل أن يضيع منا
كل شيء.