ولفجانج لوتز
ولد
في ألمانيا عام 1921 لأسرة يهودية، والده مخرج مسرحي ووالدته ممثلة وكل
منهما لم يشعر بأية ارتباطات دينية ولهذا فإن والدته لم تقم حتى بختانه
واتضح فيما بعد أن هذا الأمر سيلعب دوراً بارزاً في تغطية عمله كجاسوس
لصالح “إسرائيل”.
انفصل والداه عام 1931 وفي عام 1933 عشية صعود
هتلر إلى السلطة في ألمانيا هاجرت والدته إلى فلسطين وأخذت معها ابنها
وعملت هناك في مسرح بتل أبيب في حين التحق ولفجانج بمدرسة بين شمين
الاستيطانية وغير اسمه إلى زائيف جور اريح حيث كان زائيف هو الاسم العبري
لاسم ولف أي الذئب ومع مرور الوقت أصبح خبيراً في ركوب الخيل وبعد عدة
سنوات قبل أن يتم عامه الخامس عشر انضم إلى منظمة الهجانا الأمنية
الاستخبارية. وكانت من بين مهامه حراسة الحافلات المدرعة التي تحمل ما
تحتاجه مدرسة بين شمين التي كان يحيط بها العديد من القرى والمدن
الفلسطينية الرافضة للوجود الصهيوني في أرض فلسطين.
في عام 1939
اندلعت الحرب العالمية الثانية وبما أن لوتز كان يتحدث الألمانية
والإنجليزية ببراعة إضافة إلى العبرية والعربية رأت القوات الانجليزية أنه
سيكون عوناً كبيراً لها وتم تجنيده وأرسل إلى مصر وظل هناك طيلة فترة
الحرب وكانت مهامه الأساسية تتضمن التحقيق مع أسرى الحرب الألمان هناك حيث
كانت مهارته في استخدام اللغة الألمانية عوناً كبيراً له.
عقب
الحرب عاد إلى فلسطين وشارك في عمليات تهريب الأسلحة لمنظمة الهجانا
وعندما أعلنت دولة “إسرائيل” في مايو/أيار 1948 خدم لوتز كملازم أول في
قوات الدفاع “الإسرائيلية” ولعب ادواراً مختلفة في تنفيذ أكثر العمليات
وحشية في الأراضي الفلسطينية، وبقي في الجيش بعد الحرب وفي عام 1956 رقي
إلى رتبة لواء وقاد عملية “إسرائيلية” ضد القوات المصرية في سيناء في
عملية أطلق عليها في “إسرائيل” اسم حملة السويس.
ومع بداية عام
1957 اتخذ القرار بإرساله إلى مصر حتى يمكنه جمع معلومات استخبارية عن
المساعدات السوفييتية هناك التي تقدم للحكومة المصرية وللزعيم جمال عبد
الناصر.
في نوفمبر 1959 أرسل إلى ألمانيا بعد عام من تنقله من مكان
إلى مكان حتى يصعب اقتفاء خطواته ثم أرسل مرة أخرى إلى مصر ووصل هناك في
ديسمبر/كانون الاول ،1960 وسرعان ما تمكن من إقامة العديد من الاتصالات
المهمة حيث ذهب إلى نوادي الفروسية التي كانت مكان تجمع أهم القيادات
العسكرية المصرية وترددت الأخبار عن الثري الألماني الذي تغلغل بين أبناء
الطبقة الأرستقراطية المصرية وخلال أيام كان لوتز يتلقى الكثير من الدعوات
لحفلات عشاء في أهم البيوت المصرية وكان الأثرياء الذين يستثمرون أموالهم
في تربية الجياد يطلبون منه المشورة وسرعان ما قرر لوتز أن يظهر سخاءه حيث
اشترى الجياد ووضعها في ناد للفروسية.
واستأجر فيلا في منطقة مصر
الجديدة وتظاهر بأنه من هواة تربية الخيول العربية وبهذا تمكن من الانضمام
لعضوية نادي الفروسية في الجزيرة ومن خلال النادي تمكن من عقد المزيد من
الصداقات مع هواة تربية الخيول من المصريين والأجانب.
وبعد ستة
أشهر عاد إلى أوروبا وقدم تقاريره إلى قيادات الموساد الذين أعلنوا رضاءهم
التام عن سير عمله حيث أطلق على أيلي كوهين اسم رجل الموساد في دمشق أطلقت
الوكالة “الإسرائيلية” على لوتز اسم عين تل أبيب في القاهرة.
وفي
صيف عام 1962 عاد لوتز وزوجته إلى مصر وخلال الفترة التي قضاها مع زوجته
في القاهرة تمكن من إقامة العديد من الحفلات والعلاقات البارزة دخل
المجتمع المصري حيث أقام علاقات صداقة مع شخصيات بارزة في الاستخبارات
العسكرية المصرية كما تمكن لوتز من إقامة العديد من الصداقات مع الخبراء
الألمان الذين كانوا يعيشون في القاهرة وأصبح صديقاً شخصياً للعديد منهم
مثل جرهارد بوش الذي يعتقد أنه كان يتجسس على الحكومة المصرية لصالح عاصمة
ألمانيا الغربية بون إضافة إلى أنه تلقى قائمة بأسماء جميع العلماء
الألمان في القاهرة وعناوينهم وتمكن من الحصول على تفاصيل دقيقة عن دور كل
منهم في مصانع الإنتاج الحربي المصرية.
وفي تلك الفترة نجحت مهمته
في معرفة كل ما يمكن معرفته عن الصواريخ الروسية سام وموقع بنائها بالقرب
من قناة السويس في مدينة الإسماعيلية، وكان قد استخدم جهاز إرسال لاسلكي
صغير أخفاه في حمامه الشخصي ومن خلاله أرسل رسائل سرية إلى الموساد طيلة
خمس سنوات عن المعلومات السرية العسكرية المصرية وبرنامج الصواريخ المصرية.
في
بداية الستينات كان رئيس الموساد وقتها إيسير هاريل شديد القلق من خطر
العلماء الألمان الذين يعملون مع نظرائهم المصريين لتطوير برنامج الصواريخ
حيث كان هناك خوف كبير من قدرة تلك الصواريخ على الوصول إلى المدن
“الإسرائيلية” حيث أدركت الموساد من تجربة إطلاق مصرية أنها ناجحة وتشكل
تهديداً حقيقياً على أمن “إسرائيل”.
ظل لوتز يعمل بشكل جيد في
القاهرة لعدد من السنوات إلى أن حدثت تغيرات في السياسة الخارجية المصرية
في خريف عام ،1964 حيث كانت مصر تعتمد على المساعدات العسكرية السوفييتية
منذ منتصف الخمسينات واستخدم الروس المساعدات في الضغط على عبد الناصر
لدعوة رئيس ألمانيا الشرقية والتر البريتش لزيارة القاهرة واعترضت حكومة
ألمانيا الغربية ولكن عبد الناصر شعر أن عليه عدم إلغاء الزيارة في الوقت
الذي كان فيه السوفييت يشتكون أيضا من العمليات الاستخبارية التي تقوم بها
ألمانيا الغربية بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية ضدهم، وفي شتاء
عام 1965 قبيل زيارة رئيس ألمانيا الشرقية أمر عبد الناصر باعتقال نحو
ثلاثين عالماً من ألمانيا الغربية كانوا يعيشون في القاهرة وكان من بين
الذين أمر باعتقالهم ولفجانج لوتز إضافة إلى زوجته ووالديها اللذين كانا
في زيارة لمصر وقتها.
وعندها توقع لوتز أن الحكومة المصرية علمت
بدوره في التجسس لصالح الموساد وخلال استجوابه اعترف بكل شيء فيما عدا
كونه يهودياً و”إسرائيليا” حيث أصر على أنه ضابط ألماني سابق ضغطت عليه
الموساد للتجسس لصالحها، وكانت الموساد تمكنت من تعيين محام ألماني للدفاع
عنه أكد وقتها ما كان خافيا على الحكومة المصرية وحيث قال إنه بالفعل
مواطن “إسرائيلي” خدم في الجيش “الإسرائيلي” وشارك في أكثر العمليات
العسكرية والوحشية ضد الفلسطينيين.
وفي عام 1964 ظهر لوتز على
شاشات التلفزيون المصري وهو يقدم اعترافه بأنه ألماني عمل في شبكة تجسس
“إسرائيلية” في مصر منذ عام ،1961 وأنه نادم على ما فعل ويحمل للمصريين
الاحترام والتقدير ويعترف بأنهم عاملوه معاملة حسنة في السجن والواقع أن
السلطات المصرية حتى ذلك الوقت لم تعرف خلفية لوتز الحقيقية، واعتقدوا أنه
ألماني مخادع يعمل لحساب “إسرائيل” وبدلاً من إعدامه أرسل إلى السجن مدى
الحياة عام ،1965 وغرامة قدرها 20 ألف دولار أمريكي، وحكم أيضاً على زوجته
بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وتم إطلاق سراحه بعد ثلاث سنوات مقابل 500 ضابط
مصري كانوا قد أسروا في حرب 1967وكانت المرة الأولى التي تعترف فيها
“إسرائيل” بأن لوتز جاسوسها، وعند إطلاق سراحه ذهب إلى تل أبيب مع زوجته
الألمانية اليهودية حيث وضع كتاب بعنوان “جاسوس الشمبانيا” ونال الكتاب
نجاحاً كبيرا ولكن ثروة الجاسوس تضاءلت بشكل كبير عقب وفاة زوجته، وفي
مقابلة أجريت معه عندما كان في رحلة في ميونخ عام 1978 شكا من أنه يعيش
على حافة الفقر وأنه لا يتلقى سوى معاش لا يتعدى 200 دولار سنوياً يدفع له
من قبل الموساد.