Admin Admin
عدد الرسائل : 6019 العمر : 124 الموقع : ساحات الطيران العربى الحربى نقاط : 10224 تاريخ التسجيل : 05/10/2007
| موضوع: مدينة "كانت" حاضرة الدنيا يوم ما........... الثلاثاء يناير 08, 2008 2:55 pm | |
| مدينة "كانت" حاضرة الدنيا يوم ما...........
قبل أن ترتفع الشمس إلى كبد السماء في دورتها المقدرة منذ الأزل وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.. الشوارع تخلو من المارة في هذا التوقيت المبكر إلا من أعداد قليلة من البشر أضطرتهم أعمالهم إلى الخروج وهو أمر أصبح معتادا خاصة في السنوات القليلة الماضية.. أصبح من الطبيعي أن تصادف أحد جنود الاحتلال هنا او هناك .. نحن في مدينة محتلة إن لم تكن قد ادركت ذلك من البداية! ليس من المهم في أي زمان نحن.. فاليوم سيموت رجل مهم!
*** نحكي قصة خليفة .......أسمه أبو أحمد عبد الله بن منصور المستنصر ويحمل لقبا عظيما هو "المستعصم بالله" وهو الخليفة السابع والثلاثون من خلفاء دولة بني العباس في بغداد.. هو أيضا آخر خلفاء هذه الدولة!ففي عهده سقطت الخلافة الإسلامية في أيدي الغزاة وقتل ملايين المسلمين من بينهم مليون مسلم في بغداد وحدها.عندما تقرأ عن صفات هذا الخليفة الذاتية في كتب السير مثل تاريخ الخلفاء للسيوطي، أو البداية والنهاية لابن كثير أو غيرها من الكتب تجد أمراً عجباً.. تجد أنهم يصفون رجلاً فاضلاً في حياته الشخصية وفي معاملاته مع الناس.. لكنه برغم ذلك كان قائدا وحاكما فاشلا ..كان على علم تام بتهديد التتار لدولة الخلافة، لكنه لم يهتم بالجهاد، ولا بالإعداد للقتال ولا درس أحوال الأرض وموازين القوى، لم يكن يتحلى بالحمية أو النخوة لدماء المسلمين التي سالت على مقربة من العراق في فارس وأذربيجان وغيرها!لقد كان الخليفة المستعصم صالحًا في ذاته.. كان رجلاً طيباً.. لكنه افتقر إلى أمور لا يصح أن يفتقر إليها حاكم مسلم..افتقر إلى القدرة على إدارة الأمور والأزمات..افتقر إلى كفاءة القيادة..افتقر إلى علو الهمة، والأمل في سيادة الأرض والنصر على الأعداء، ونشر دين الله..افتقر إلى الشجاعة التي تمكنه من أخذ قرار الحرب في الوقت المناسب..افتقر إلى القدرة على تجميع الصفوف، وتوحيد القلوب، ونبذ الفرقة، ورفع راية الوحدة الإسلامية..افتقر إلى حسن اختيار أعوانه، فتجمعت من حوله بطانة السوء.. الوزراء يسرقون, والشرطة يظلمون, وقواد الجيش متخاذلون..!!افتقر إلى محاربة الفساد، فعم الفساد وطغى.. وكثرت الاختلاسات من أموال الدولة، وعمت الرشاوى، وطغت الوساطة.. وانتشرت اماكن اللهو ولفساد والإباحية والمجون.. بل وأعلن عنها صراحة!! ودعي إليها على رءوس الأشهاد!! الراقصات الخليعات ما كنَّ يختفين في هذا البلد الإسلامي بل يعلنَّ عن أنفسهن صراحة!!..نعم كان الخليفة محسنًا في أداء شعائر الدين من صلاة وصيام وزكاة.. نعم كان لسانه نظيفاً.. وكان محباً للفقراء والعلماء.. وكل ذلك جميل في مسؤوليته أمام نفسه، لكن أين مسؤوليته أمام مجتمعه وأمته؟لقد كان باستطاعة الخليفة أن يدبر من داخل العراق مائة وعشرين ألف فارس فضلاً عن المشاة والمتطوعين.. وكان الجيش التتري المحاصر لبغداد مائتي ألف مقاتل، وكان هناك أمل كبير في رد الغزاة، لكن الخليفة كان مهزوماً من داخله.. وكان فاقداً للروح التي تمكنه من المقاومة، كما أنه لم يربّ شعبه على الجهاد، ولم يعلمهم فنون القتال.. بالرغم من أنه حكم بلاده ما يقرب من ستة عشر عاماً.. ولما أصبح التتار على أسوار المدينة قرر فجأة أن يعلن الجهاد!لقد قرر أن يجاهد.. لكنه متردد.. ضعيف.. لين.. هين ..والجهاد لا ينفع مع هذه الصفات..الجهاد ليس قراراً عشوائياً..لا يوجد مجاهد "بالصدفة"!!..الجهاد إعداد.. وتربية.. وتضحية.. . ومشوار طويل في طريق الإيمان..الجهاد ارتقاء إلى أعلى.. إلى أعلى.. إلى أعلى.. إلى أن تصل إلى ذروة سنام الإسلام.. ولكنه قرر على كل حال أن يجاهد (على سبيل التجربة..!) وسمح الخليفة - للمرة الأولى تقريباً في حياته - باستخدام الجيش!..وكانت النتيجة أن خرجت فرقة هزيلة من الجيش العباسي لتلاقي جيش هولاكو المهول.. وهلكت هذه الفرقة بالطبع، وحوصرت عاصمة الخلافة ليجد الخليفة نفسه في موقف لا يحسد عليه شل عقله تماماً عن التفكير!!..ليأتي دور وزيره الفاسد "مؤيد الدين العلقمي" الذي أشار عليه بالجلوس مع التتار على "طاولة المفاوضات".. ولم يكن هناك حل آخر!وكان أن قرر إرسال رجلين ليقوما عنه بالمفاوضات.. فاختار وزيره الشيعي "مؤيد الدين العلقمي" و"ماكيكا" البطريرك المسيحي في بغداد! وهكذا، فالوفد الرسمي الممثل للخلافة "الإسلامية" العباسية العريقة في المفاوضات مع التتار لا يضم إلا رجلين فقط: أحدهما شيعي والآخر مسيحيودارت المفاوضات السرية جداً بين هولاكو وبين ممثلي الخلافة العباسية.. وأعطيت الوعود الفخمة من هولاكو لكليهما إن ساعداه على إسقاط بغداد، وأهم هذه الوعود أنهما سيكونان أعضاء في "مجلس الحكم" الجديد، والذي سيحكم العراق بعد احتلالها من التتار.. أقصد بعد "تحريرها" من الخليفة!!! ووعد هولاكو بـ..1ـ إنهاء حالة الحرب بين الدولتين وإقامة علاقة سلام دائم..2ـ يتم الزواج بين ابنة هولاكو الزعيم التتري الذي سفك دماء مئات الآلاف من المسلمين بابن الخليفة المسلم "المستعصم بالله"..3ـ يبقى "المستعصم بالله" على كرسي الحكم..4ـ يعطي الأمان لأهل بغداد جميعاً..هذه هي الوعود، على أن تكون هذه الوعود في مقابل الشروط الآتية:1ـ تدمير الحصون العراقية..2ـ ردم الخنادق..3ـ تسليم الأسلحة..4ـ الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية..وختم هولاكو مباحثاته مع المبعوثين الساميين بأنه ما جاء إلى هذه البلاد إلا لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان.. وبمجرد أن تستقر هذه الأمور ـ وفق الرؤية التترية ـ فإنه سيعود إلى بلاده، ويترك العراقيين يضعون دستورهم، ويديرون شئون بلادهم بأنفسهم!..وتجددت الآمال في نفس الخليفة!!..هل يصدق هولاكو في وعوده؟!إن هناك شكاً كبيراً في قلبه..ثم إن الشروط قاسية جداً، فهو سيتخلص تقريباً من كل إمكانية للمقاومة.. ولكنه - على الجانب الآخر - قد يظل حاكماً للبلاد.. نعم تحت رعاية تترية.. أو تحت قهر تتري.. لكنه - في النهاية - سيظل جالساً على كرسي الحكم، هذا طبعاً إن صدق هولاكو السفاح!..ولكن هذا احتلال!.. أيقبل به؟ولماذا لا يقبل به؟! إن مقربيه يقولون له: إن هذا في السياسة يسمونه: "واقعية"..!! وهو لو رفض التسليم، وفتحت أبواب بغداد بالقوة فإنه حتماً سيموت.. أما إذا سلم نفسه إلى هولاكو السفاح فهناك احتمال ـ ولو بسيط ـ للنجاة بالروح!!..نعم سيعيش ذليلاً.. ولكنه في النهاية قد يعيش.. نعم سيعيش وضيعاً.. لكنه في النهاية قد يعيش.. نعم سيبيع كل شيء بثمن بخس.. لكنه في النهاية قد يعيش.. الخليفة ما زال متردداً.. والشعب الضخم من ورائه يعيش نفس التردد.. نداء الجهاد لا ينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة جداً.. أما عامة الناس فقد انخلعت قلوبهم لحصار التتار.. لقد عظمت الدنيا جداً في عيونهم فاستحال في تقديرهم أن يضحوا بها.. لقد كثر الخبث فعلاً في بغداد.. وإذا كثر الخبث فالهلكة قريبة جداً!!.. ويذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ في البداية والنهاية موقفاً "بسيطاً" لا يعلق عليه، ولكنه حمل بالنسبة لي معاني كثيرة.. يقول ابن كثير:"وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت "تلعب" بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى "عرفة"، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي "ترقص" بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم"، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة!!".. وعجيب أن يذكر ابن كثير هذا الخبر دون تعليق!!.. والحدث - وإن كان ظاهره بسيطاً عابراً ـ إلا أنه يحمل معانٍ هائلة.. لقد تمكنت الدنيا تماماً من قلوب الناس في بغداد، وأولهم الخليفة.. فها هو الخليفة الموكل إليه حماية هذه الأمة في هذا الموقف الخطير يسهر هذه السهرة اللاهية.. نعم قد تكون الجارية ملك يمينه.. وقد تكون حلالاً له.. وإذا لم يكن هناك من يشاهدها غيره فلا حرج من أن يشاهدها الخليفة وهي ترقص.. لكن أين العقل في رأس الخليفة؟! العاصمة الإسلامية للخلافة محاصرة، والموت على بعد خطوات، والمدفعية المغولية تقصف، والسهام النارية تحرق، والناس في ضنك شديد، والخليفة يستمتع برقص الجواري!!..أين العقل؟ وأين الحكمة؟!لقد أصبح رقص الجواري في الدماء، فصار كالطعام والشراب.. لابد منه حتى في وقت الحروب.. ولا أدري حقيقة كيف كانت نفسه تقبل أن ينشغل بمثل هذه الأمور، والبلاد والشعب وهو شخصياً في مثل هذه الضائقة.. وما أبلغ العبارة التي كتبها التتار على السهم الذي أطلق على دار الخلافة وقتل الراقصة المسكينة إذ قالوا: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم"، فالله عز وجل قد قضى على بغداد بالهلكة في ذلك الوقت، وأذهب فعلاً عقل الخليفة وعقول أعوانه وشعبه، ولا شك أن هذه العبارات المنتقاة بدقة كانت نوعاً من الحرب النفسية المدروسة التي كان يمارسها التتار بمهارة على أهل بغداد.. ويكفي كدليل على قلة عقل الخليفة أنه بعد هذه "الكارثة" (كارثة قتل الراقصة) لم يأمر الشعب بالتجهز للقتال، فقد وصل الخطر إلى داخل دار الخلافة، وإنما أمر فقط بزيادة الاحتراز، ولذلك كثرت الستائر حول دار الخلافة لحجب الرؤية ولزيادة الوقاية وستر الراقصات!.. | |
|
الدرويش عميد
عدد الرسائل : 115 العمر : 60 الموقع : العراق نقاط : 115 تاريخ التسجيل : 23/08/2013
| موضوع: رد: مدينة "كانت" حاضرة الدنيا يوم ما........... السبت أغسطس 24, 2013 11:57 am | |
| لاحول ولاقوة الابالله ....... عاشت الايادي على الموضوع | |
|