ان سعي الكيان الصهيوني الدائم لامتلاك كل اسباب القوة وانواعها المختلفة وخصوصا اسلحة الدمار الشامل يؤكد خوفه الدائم من الزوال والمحو، واحساسه الذاتي باستحالة قابليته في المنطقة. ويعتقد قادة الكيان الصهيوني ومنذ بداية نشأت هذا الكيان انهم بحاجة ماسة الى امتلاك اقصى تقنيات اسلحة الدمار الشامل من نووية، كيمائية وبيولوجية، آملين بان استحواذهم على هذه الانواع من الترسانة التسليحية المدمرة بقادر على ايجاد التوازن بينم وبين دول المنطقة الشرق اوسطية وشعوبها، وسوف يجلب لهم الامن والاستقرار والانسجام ككيان اقليمي يتمتع بقدرة على الهيمنة والنفوذ بما يمتلكه من امكانيات ومعطيات تسليحة نووية، واوضاع اقتصادية وامنية في المنطقة وحماية دولية، ويرى الصحفي المصري محمد حسنين هيكل في سياق حديثه عن الاسلحة النووية حيث يصفها بانها "شبح بشع عندما تكون بأيدي اسرائيلية" ويرى ايضا "ان هذه الايادي ـ يقصد الصهاينة ـ تتحكم بها عقدة نفسية قديمة خلقتها دوافع انتحارية"(1).
ـ آراء بعض الزعماء الصهاينة في الموضوع النووية
بدأ التفكير داخل المؤسسة الاسرائيلية بانتهاج سياسة نووية والعمل على امتلاك القدرة النووية والسلاح النووي مبكرا جدا، حيث ومنذ نشأة دولة الكيان الصهيوني الغاصب في عام 1948 لازمها سعي وتفكير استراتيجي دائم لامتلاك السلاح النووي على اعتبار انه من اهم السلحة الردع، وقد اوفدت الجامعات الاسرائيلية في سنة 1949 وبتشجيع مباشر من حكومة تل ابيب وخصوصا وزارة الامن ورئيس الحكومة وقتها حاييم وايزمن طلابا الى بلدان اوروبا واميركا للتخصص في الدراسات النووية، وهناك العديد من الزعماء الصهاينة امثال دافيد بن غوريون، موشي دايان، شمعون بيريز وارييل شارون.... وغيرهم الذين كانوا من اشد الشخصيات تحمسا لسياسة "إسرائيل" النووية(2)، وكان موشي دايان من اتباع بن غوريون الذي كان اول رئيس وزراء لـ"إسرائيل" والشخصية المتحمسة البارزة في المراحل المبكرة من استراتيجية الكيان الصهيوني النووية. ان البرنامج النووي الاسرائيلي ومنذ بدايته تم وضعه تحت اشراف وزارة الامن حيث كان على رأسها في ذاك الوقت ـ منذ 1948 ـ بن غوريون الذي شغل ايضا رئيس الحكومة. "ولقد شارك الجهاز العسكري الاسرائيلي في الجهود النووية، فقبل حلول عام 1950 اقامت وزارة الامن الاسرائيلي فرعا للبحثو النووية والتصوير النووي في معهد وايزمن في مدينة تل ابيب، الذي اصبح بعد ذلك احد المراكز الرئيسية للبحوث النووية في "إسرائيل""(3)، وترأس الدكتور آرنست بيرغمان لجنة الطاقة الذرية الاسرائيلية التي تأسست في حزيران 1952 ـ تحت سلطة الامن ـ وهو من المتحمسين لحيازة الكيان الصهيوني على الاسلحة النووية. اما بالنسبة لموشي دايان وشمعون بيريز فقد "اعتبرا ان مفتاح بقاء "إسرائيل" يكمن في الاستفادة من المنجزات التكنولوجية المتوقعة في السبعينات من القرن العشرين... وتسليح قوات الدفاع الاسرائيلي بمعدات المستقبل"(4). وفي عام 1965 وبسبب خلافات حزبية وسياسية وشخصية انشق بن غوريون واتباعه وعلى راسهم دايان وبيريز من الحزب الحاكم مباي (حزب عمال ارض "إسرائيل") واقاموا حزبا جديدا دعي رافي (قائمة عمال "إسرائيل")، وكان الحزب ذات توجه نووي لذلك دعي فيما بعد (الحزب المؤيد للتسليح النووي) وهو من احزاب المعارضة البرلمانية حتى العام 1967 حينما انضم هذا الحزب الى (حكومة الوحدة الوطنية الاسرائيلية) واصبح دايان بعدها وزيرا للامن عشية حرب حزيران 1967(5). ويرى شلومو آرونسون استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس ومدير مركز الدراسات الاوروبية التابعة لتلك الجامعة ومن المنتمين لمدرسة ضرورة امتلاك "إسرائيل" للسلاح النووي، حيث ذكر في مقالته عن "الذرة والانتخابات"(6) ان شيمون بيريز الذي كان وقتها رئيس لحزب العمل وللمعراخ (التجمع) علق آمالا كبيرة على الخيار النووي وانه اكثر تحمسا من موشي دايان لتبني هذا الخيار. ويعتقد آرونسون بان وجود القنبلة النووية الاسرائيلية في "الدور السفلي" يمنع "إسرائيل" من استثمار هذا الخيار الغامض. اما ارييل شارون الذي استلم في العام 1981 وزارة الامن الصهيوني فتحدث عن ثلاث انواع من "الخطوط الحمراء" او "صمامات الامن" التي لن تقبل "إسرائيل" ـ من وجهة نظره ـ اجتيازها من جانب العرب ورتبها كما يلي:
ا ـ حيازة الاسلحة النووية.
ب ـ حشد جيوش عربية في مناطق معينة على الحدود الاسرائيلية.
ج ـ انتهاك اتفاقات تتناول نزع السلاح(7).
وقد كشف جيرالد ستينبرغ الخبير الاسرائيلي في شؤون الامن وضبط التسلح عن اسس الجغرافية الامنية لامتلاك "إسرائيل" السلاح النووي حيث ذكر بان "الاختلافات الجغرافية والديمغرافية التي ميزت الصراع العربي ـ الاسرائيلي سوف يغدوا اكثر بروزا،وستبقى "إسرائيل" دائما دولة صغيرة تفتقد الى العمق الاستراتيجي، وقابله للتأثر بأي هجوم مباغت"(
. ان هذه القناعات والمواقف السابقة التي ذكرناها لا تقتصر فقط على النخب والقيادات السياسية في الكيان الصهيوني بل يشكل قناعات شريحة عريضة في هذا المجتمع، وقد نشر مركز يافي الاسرائيلي للدراسات الاستراتيجية في ربيع 1991 نتائج استطلاع كان قد اجراها المركز المذكور بعد انتهاء حرب الخليج حيث "اكد 91 في المئة ممن شملهم الاستطلاع ان وجود سلاح نووي في حوزة "إسرائيل" هو ضمانة لامنها، وان نحو 88 في المئة قالوا انه سوف يتوجب عندها استخدامه"(9).
ـ القنبلة النوويه الإسرائيليه
ظلت ولفترة طويلة من الزمن حقيقة أمتلاك الكيان الصهيوني للقنبلة النووية يشوبه الكثير من الغموض والتناقض والتضارب في الاراء والتحاليل،حيث أن العديد من التساؤلات التي كانت تشغل الرأي العام والخبراء حول المشروع النووي الإسرائيلي هي: هل الكيان الصهيوني أمتلك فعلا السلاح النووي؟ أم أن الأمكانات لديه جاهزة ولكنها مفككة وتحتاج فقط لمدة زمنية قصيرة جدا لتركيبها وأعادة تجميعها؟، و يرجع السبب الرئيسي لتلك التساؤلات في طبيعة السياسة الأمنية الصامتة التي أنتهجها الكيان الصهيوني حول مشروعه النووي ومنذ بداياته بادخاله الى الطوابق السفلية. وبمعزل عن كل الهيئات الرسمية والدولية سلك المشروع النووي الإسرائيلي طريقه ،ولم يستطع أحد حتى الآن الوقوف بالكامل على حقيقة الترسانه النوويه لـ"إسرائيل" .و يعتقد العديد من الخبراء النوويون والمراقبيتن أنها تفوق تقديراتهم. وقد أنجز الإسرائيليون مشروعهم النووي عبرالعديد من المراحل التقنية وأشكال التعاون مع الدول الكبري التي مكنته في النهاية من امتلاكه للسلاح النووي الذي اصبح الآن حقيقة واقعة.
ة الردع النووي الإسرائيلية.