عائلة الخونة: اعدام الاب الجاسوس والزوجة تتجنس اسرائيليا وتعتنق اليهوديّة! (الحلقة الاخيرة) التجسس وحبل المشنقة
الثلاثاء سبتمبر 30 2008
القاهرة -
- في الحلقة الثانية يسرد الصحافي صلاح الإمام تدريب "موساد" للاب الجاسوس
فيما تنشط الزوجة في عملياتها السرية قبل وقوع الجميع في فخ المخابرات
المصرية هنا النص الذي نشرته صحيفة "الجريدة" الكويتية اليوم الثلاثاء:
"تعددت زيارات إبراهيم وانشراح إلى روما، بعضها باستدعاء من "موساد"،
وبعضها لاستثمار آلاف الدولارات التي توافرت معهما مقابل أعمالهما
التجسسية، وفي إحدى الزيارات قررا إشراك ولديهما معهما بشكل رسمي لزيادة
الدخل مع زيادة عدد فريق الجواسيس، ولم يجدا صعوبة في تنفيذ ما اتفقا
عليه. حول تلك النقطة يقول الابن عادل في حديثه المشار إليه في الحلقة
السابقة في جريدة "معاريف" الإسرائيلية: "عاد أبي وأمي ذات مساء من روما
يحملان لنا الملابس الأنيقة والهدايا، وأحسست من خلال نظراتهما أن ثمة ما
يجري الترتيب له".
واضاف: "وعرفت الحقيقة المرّة عندما أجلسني أبي
وأخوي قبالته، وقال في حسم: "مررنا كثيرا بظروف سيئة، لم نكن نملك أثناءها
ثمن رغيف الخبز، أو حفنة الملح، والآن نعيش جميعا في رغد من العيش، ويسكن
حوالينا أولاد في عمركم يحيون جوعى كالعبيد، أما أنتم فتنعمون بكل شيء
كالملوك، ولم تسألوني يوما من أين جئت بذلك كله؟ عملي في الحكومة وتجارتي
أنا وأمكم وشقائي طوال تلك السنوات، لم يكن هو سبب النعيم الذي نحن جميعا
فيه الآن... الحقيقة أن ثمة أناسًا يحبوننا للغاية، وهم الذين يرسلون لنا
الهدايا والمال، وبفضلهم لدينا طعام طيب وملابس جميلة، إنهم الإسرائيليون
فهم الذين أنقذوا حياتنا من الجوع والضياع، وأمنوا لنا مستقبلا مضمونا
يحسدنا عليه كل من نعرفه». حدث ذلك صيف عام 1971، وكنت آنذاك في الثالثة
عشرة من عمري، وكان أخي نبيل يكبرني بعامين تقريبا، وأخي محمد بعام واحد،
وكطفل لم أعر الأمر أهمية خاصة، الحقيقة أن أبي يعمل مع الإسرائيليين،
وكما الأولاد كلهم كنت كبرت وتربيت على كراهية اليهود، لكن في البيت تلقيت
تربية أخرى، فقد عرفت أن الإسرائيليين هم المسؤولون عن الطعام الذي آكله،
وعن الملابس الجديدة التي أرتديها، وعن الهدايا التي أتلقاها، لذلك سعدت
لأنني كنت محظوظا، وكلما كبرت بدأت أدرك معنى عمل أبي، وبدأ الخوف ينخر
أكثر وأكثر في عظامي، فقد كانت كماشة من الموت تطبق علينا، وكفتى بالغ
أدركت أنهم لو ضبطونا سنُشنق، ومن ناحية أخرى كان الخوف من حياة الفقر
يصيبني بالشلل... كنت ملكًا لديه كل شيء".
هكذا انخرطت الأسرة كلها في التجسس، وأصرت انشراح على الانتقال من الحي
الشعبي الفقير إلى منطقة أكثر رقيًّا وثراء، وعندما عارض زوجها قالت له:
"دعنا نستمتع بالحياة فربما ضبطونا". كان حي مدينة نصر ما زال حديثا،
فاشتروا فيلا فاخرة فيه ونقلوا أولادهما إلى مدارس الحي الجديد الراقي.
هناك، أقام إبراهيم علاقات جديدة، مع حرصه على علاقاته القديمة،
وامتلأت الفيلا بالأصدقاء من ضباط الجيش والطيارين، وتحول أولاده إلى
جواسيس صغار يتنافسون على جلب المعلومات من زملائهم في المدرسة من أبناء
الضباط، وكانوا يتناوبون حراسة المعمل الصغير الى أن ينتهوا من تحميض
الأفلام وطباعتها، وحصل نبيل على أدوار أكثر جدية، فبدأ أبوه يعلمه
الكتابة بالحبر السري وصياغة التقارير.
بئر الرذيلة
ذات مساء والأسرة مجتمعة، عرض التلفزيون فيلمًا تسجيليًّا عن أحد
الجواسيس الذين سقطوا وانتهى الأمر بإعدامه شنقًا، وطوال عرض الفيلم سيطر
الرعب والفزع على الجميع، واستمروا على تلك الحال لأسابيع عدة، امتنعوا
خلالها عن كتابة التقارير أو الرسائل، وتمكن الخوف منهم فأصابهم جميعا
بالشلل الفكري، فقررت انشراح السفر وحدها إلى روما ومعها أفلام عدة، وهناك
التقت بأبو يعقوب، فقصت عليه الفزع الذي يعيشون فيه، فطمأنها الضابط
وصحبها إلى أحد النوادي الليلية ليسهر معها، ثم عادا، وفي الصباح وجدت
انشراح نفسها بين أحضانه، فتضايقت في البداية، ثم اعتادت الأمر لدرجة أنها
كانت تسافر إلى تل أبيب لتراه!
في آخر سبتمبر (أيلول) عام 1973 كانت انشراح في رحلة أخرى من رحلاتها
الفردية إلى روما، لتلتقي بأبو يعقوب المسؤول عن توجيهها واستلام التقارير
منها. في تلك الرحلة وقعت حرب أكتوبر، وتحدث العالم كله بشرقه وغربه عن
الجيش المصري العظيم الذي عبر قناة السويس واقتحم خط بارليف الحصين،
وجاءها أبويعقوب يبكي ويقول: "إسرائيل في طريقها الى الزوال... المصريون
والعرب اتحدوا علينا وفاجأونا..." كان يبكي ويرتعد خوفا ورعبا، فما كان
منها إلا واسته وأبدت حزنها على إسرائيل الدولة المسالمة التي يريد لها
العرب الفناء!
في أبريل (نيسان) 1974 اقترحت انشراح على أسرتها السفر إلى تركيا
للسياحة، وبينما هم في أنقرة اتصل بهم أبويعقوب وطلب من إبراهيم أن يسافر
إلى أثينا لمقابلته، ومن هناك سافر إلى تل أبيب، وفي مبنى المخابرات
الإسرائيلية سألوه: لماذا لم تبين لنا الاستعدادات للحرب في مصر؟ فقال
إبراهيم: لم يكن هناك إنسان يستطيع أن يتبين أي استعدادات أبدا، فبعض
معارفي وأقاربي من ضباط الجيش تقدم بطلبات إجازة لزيارة الكعبة للعمرة،
وأضاف إبراهيم: وفي حالة ما إذا كنت علمت بنية الحرب فكيف أتصل بكم؟
فالخطابات هي وسيلة الاتصال الوحيدة وتأخذ وقتا طويلا.
بعد اجتماع مطوّل في "موساد" تقرر تسليم إبراهيم أحدث جهاز لاسلكي في
العالم في ذاك الحين، وثمنه يتعدى المائة ألف دولار، فقد كانت لديهم مخاوف
من الفريق سعد الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري وقتها، والذي كان يريد
تصعيد الحرب والوصول إلى أبعد نقطة في سيناء مهما كانت النتائج، بعكس
الرئيس السادات الذي كان يريد حربًا محدودة لتحريك القضية.
تدرب إبراهيم لمدة ثلاثة أيام بشكل مكثّف على استعمال الجهاز، وعندما
تخوّف من حمله إلى القاهرة، عرضوا عليه أن يذهب إلى الكيلو 108 في طريق
القاهرة السويس، وهناك سيجد وعاء مياه كبيراً مثقوباً وغير صالح
للاستخدام، وخلفه جدار إسمنتي مهدم، وعليه أن يحفر لعمق نصف متر ليجد
الجهاز مدفونا، وأخبروه بأن راتبه تضاعف، ووعدوه بأن له مكافأة مليون
دولار إذا ما أعلم الإسرائيليين عن يقين بموعد حرب، ثم عاد إلى حيث كانت
أسرته تنتظره في أثينا ينعمون بالمال الحرام، وعادوا جميعًا إلى مصر.
بعدما رجع الجميع إلى القاهرة، استقلوا السيارة إلى الكيلو 108، وغادرت
انشراح السيارة وبيدها معول صغير، ثم لحق بها عادل، وأخرجا الجهاز ملفوفًا
في أكياس بلاستيكية عدة، ولما عادوا به إلى المنزل، عجز إبراهيم عن تشغيله
واكتشف وجود كسر في مفتاح التشغيل بسبب عملية إخراجه، فخيّم الحزن على
الجميع، فما كان من انشراح إلا أن اتخذت قرارًا جريئًا بالسفر إلى تل أبيب.
سافرت انشراح في 26 تموز (يوليو) 1974، وقد فوجئ بها أبو يعقوب وذهل من
شدة جرأتها. بقيت برفقته ليالي عدة، وفي النهاية منحها 2500 دولار مكافأة
لها، مع زيادة مرتّبها ليصبح 1500 دولار شهريًا في وقت كان مرتّب خريج
الجامعة لا يزيد على 17جنيهاً شهريًا.
أثناء وجود انشراح في إسرائيل تنعم برفقة ضابط "موساد"، كان إبراهيم
نجح في تشغيل الجهاز، أثناءها تمكنت المخابرات المصرية من التقاط ذبذباته
عن طريق جهاز متطوّر جدا سوفياتي الصنع اسمه "صائد الموجات"، فمشّطت
المنطقة بحثًا عن مكانه بالتحديد، ومع تشغيله للمرة الثانية أمكن تحديد
مكانه والوصول إلى إبراهيم في عقر داره.
في 5 آب (أغسطس) 1974 كانت قوة من جهاز المخابرات المصرية تلقي القبض
على إبراهيم، من دون أن ينطق بكلمة، وكاد يموت رعبًا وهلعًا، وظل يردد:
أنا غلطان... أنا ندمان... الجوع كافر... النكسة هي السبب... اليهود
جوعوني واشتروني بالدقيق والشاي.
فتش رجال المخابرات المنزل وعثروا على جهاز اللاسلكي ونوتة الشفرة،
وكان بدنه يرتجف بشدة، ثم اصطحبوه الى مبنى المخابرات، بينما بقيت فرقة
عسكرية في المنزل مع أولاده الثلاثة، في انتظار انشراح التي لا تزال في تل
أبيب.
في 24 آب (أغسطس)، وعلى متن طائرة الخطوط الإيطالية رحلة رقم 791، وصلت
انشراح إلى مطار القاهرة الدولي قادمة من روما، بعد شهر كامل تغيّبته عن
مصر، وخرجت من صالة الخروج تدفع أمامها عربة محمّلة بحقائب كثيرة، وظلت
تتلفت على إبراهيم عله يكون في انتظارها، ولما فقدت الأمل فيه أخذت سيارة
أجرة إلى فيلتها في مدينة نصر.
عندما وصلت وهمّت بفتح الباب اقشعر بدنها فجأة، لكنها دفعت الباب غير
مكترثة بشيء، ففوجئت بضيوفها غير المرغوب فيهم، صعقتها المفاجأة الى درجة
أنها بالت على نفسها، وأمسك أحد الضباط بحقيبة يدها، وأخرج منها مفتاحين
لجهاز اللاسلكي، وكان في الحقيبة آلاف عدة من الدولارات، ثم تقدم زميل آخر
له ووضع يديها داخل القيود الحديدية واصطحبها مع أولادها الثلاثة إلى مبنى
المخابرات العامة.
كانت المخابرات الإسرائيلية تظن أن كل شيء على ما يرام، ولم تعرف بأمر
القبض على إبراهيم وأسرته، وكانوا ينتظرون رسالة يطمئنون بها على تركيب
مفتاح الجهاز، لكن الرسالة وصلتهم من المخابرات المصرية، وكان محتواها:
أوقفوا رسائلكم التي تبعثون بها مساء كل أحد، لقد سقط جاسوسكم وزوجته
وأولاده.
في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974 صدر حكم محكمة أمن الدولة العليا
بإعدام إبراهيم شاهين وزوجته انشراح موسى شنقًا، وبسجن الإبن الأكبر نبيل
خمس سنوات، وإحالة محمد وعادل الى محكمة الأحداث.
في 16 كانون الثاني (يناير) 1977 سيق إبراهيم إلى سجن الاستئناف لتنفيذ
الحكم، يجره جنديان إلى غرفة الإعدام بعدما انهار جسده وخارت قواه، ولما
تيقّن من الموت بعد لحظات علا صوته وهو يبكي قائلا: سامحني يا رب...
سامحني، ثم تلا عليه واعظ السجن الشهادتين، وفي ثوان كان أُعدم.
أما انشراح فقد تضاربت الأقوال بشأن مصيرها الذي بقي مجهولا حتى نشرت
صحيفة "حداشوت" الإسرائيلية في 26تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 قصة تجسس
إبراهيم على صدر صفحاتها الأولى، وذكرت أن الرئيس السادات تعرّض لضغوط من
الحكومة الإسرائيلية حتى تدخل بشكل شخصي وخفف حكم الإعدام عليها إلى
الأشغال الشاقة 15 عاما، ثم أصدر عفوا رئاسيا عنها وسمح لها بمغادرة مصر
وأولادها الثلاثة إلى إسرائيل، وقيل إن ذلك تم من خلال صفقة مبادلة لم
يُعلن عنها، وحصلت انشراح وأولادها الثلاثة على الجنسية الإسرائيلية، ثم
اعتنق الجميع اليهودية، واستبدل اسم شاهين بـ بن ديفيد، فأصبح اسم انشراح
دينا ديفيد، وعادل أصبح رافي، ونبيل أصبح يوشع، ومحمد أصبح حاييم!
عن اللحظات الأخيرة التي وضعت نهاية أسرة الجواسيس، يقول عادل في حديثه
الى صحيفة "معاريف" الإسرائيلية: "في المرة التي سافرت فيها أمي لتحصل على
قطع الغيار لجهاز الإرسال، عاد أبي ذات يوم من عمله شاحبًا وجلس على أحد
المقاعد، ونظر إليَّ وهمس: أعتقد أنهم تمكنوا مني، وأضاف: لقد سألوا عني
في العمل. بعد سبعة أعوام من التجسس كان لأبي حواس حادة، وعندما قال لنا
إنهم تمكنوا منه كان عرف ذلك عن يقين، لقد كان لدينا في البيت حوالى 6
أفلام، وبدأ أبي في تمزيقها، وأحرق الخطابات، وأدركنا أن الحكاية انتهت،
وحتى اليوم لا أفهم لماذا ظللنا في البيت ولماذا لم نهرب؟ وفي فجر أحد
الأيام استيقظنا على صوت طرقات قوية على الباب، وفي المدخل وقف ثلاثة رجال
وسألوا عن أبي، فقلت لهم إنه في العمل، فطلبوا انتظاره، فجلس اثنان منهم
في الصالون، والثالث الى جوار الباب، وفكرت وإخوتي أن نتخلص من الوثائق
التي في المنزل، لكن الأدراج كانت مقفلة والمفاتيح كانت مع أبي. مرت ساعة
كأنها دهر، وشعرت بموكب سيارات يقترب من البيت، نظرت فوجدت أكثر من عشر
سيارات تحيط بسيارة أبي. توقف الموكب أمام منزلنا واقتحمه عشرات الجنود
وبدأوا في تفتيشه، ولا يمكن وصف صرخات الفرحة التي انطلقت من أفواه الجنود
حينما عثروا على الجهاز، وكانوا يهنئون بعضهم، وأحنى أبي رأسه وقال لنا:
آسف يا أولادي".
يكمل عادل حديثه عن قصة القبض على أمه فيقول: "وصلت أمي صباح يوم
24أغسطس (آب)، وكانت شديدة العصبية لأن أبي لم ينتظرها في المطار، وعندما
دخلت كانت أول كلمة قالتها: فين أبوكم ياولاد؟ وفوجئت برجال المخابرات
معنا ويقول لها أحدهم: "حمد لله على السلامة يا مدام دينا"، فقبضوا عليها
واقتادوها إلى مبنى المخابرات الذي كنا التقطنا له سابقا صورا عدة
وأرسلناها إلى إسرائيل".