هكذا بعنا ايران اسرار الذرة
بقلم: رونين بيرغمان
نيويورك
اللقاء الذي جرى بتاريخ 1/6/1998 في مكاتب الوكالة الفدرالية في
نيويورك عُرّف انه الاكثر سرية. جلس في الغرفة عميلان خاصان لـ اف.بي.اي،
روبرت واشنطن وكريستوس سينوس، وضيفان: المحامي مايكل فيلدز، خبير لتمثيل
اشخاص يطلبون اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وموكله، د. افتخار خان
تشاودري، لاجيء باكستاني، وكان آنذاك في الـ 27 من عمره.
ذهل العميلان. خلال ساعات طويلة بصت د. افتخار امامهما صورة مفصلة
للبازار النووي الذي ادارته باكستان خلال سنوات دون عائق. بيعت
التكنولوجيا الذرية لكل من يدفع أكثر - لايران ولكوريا الشمالية ايضا كما
قال د. افتخار. حاولت باكستان احداث نزاع بين دول المنطقة بل حتى خططت
لضربة وقائية ذرية ضد جارتها الكبيرة، الهند. "في جزء كبير من الاعمال"،
قال د. للعميلين، "كنت مشاركا بنفسي".
قالت جهة أمريكية مختصة بتفاصيل القضية لصحيفة "يديعوت احرونوت"، انه
في البدء تم أخذ اقوال افتخار على محمل الشك الكبير. كان يبدو ان اللاجيء
الباكستاني يحاول اثارة دهشة سامعيه ليزيد من احتمالات ان يحظى بلجوء
سياسي. "كان كثيرون في الاستخبارات ممن لم يريدوا التصديق"، تقول الجهة،
"اضافة الى ان الولايات المتحدة لديها علاقات حميمة وطويلة جدا مع
الباكستان".
الا انه مع مرور الوقت، اضطر المتشككون ايضا الى الاعتراف بأسف بان
افتخار نطق بالحق. فان ما تحدث عنه سرا لعملاء الـ اف.بي.اي في تلك
المحادثة السرية، سمعه العالم كله صراحة قبل عدة اشهر، من فم عبدالقادر
خان، رئيس مشروع الذرة الباكستاني. تحدث خان كيف اقام شبكة دولية عظيمة
وسرية تحت أنف جميع وكالات الاستخبارات. اعترف انه بيعت تحت ادارته
معلومات، وتجهيزات ومواد خام ذرية الى ليبيا، وايران، والعراق وكوريا
الشمالية. بفضل الدعم الباكستاني السخي، اقتربت هذه الدول خطوة اخرى
باتجاه انتاج سلاح نووي. عرض خان ورجاله خدماتهم لدولتين أخريين: سوريا
والسعودية.
ان من سمع هذه الاقوال التي قالها افتخار قبل ما يقرب من 6 سنوات لم
يتفاجأ. التصريح الذي ادلى به د. الباكستاني يكشف ايضا ما كانت تفضل
امريكا ان تخفيه: وهو أن الولايات المتحدة كان لديها علم حميم بما يجري في
برنامج الذرة الباكستاني ولكن بسبب الرغبة القوية في جر زعيم الدولة برفيز
مشرف الى الصراع ضد القاعدة وطالبان في افغانستان - فقد فضلت القوة العظمى
اغماض عين واحدة واحيانا اثنتين.
قصة هرب د. افتخار وطلبه ان ينال لجوء سياسيا نشرت لحينه في الاعلام
الامريكي. والصيغة التامة للتصريح المفصل التي سلمها لـ اف.بي.اي تنشر هنا
لاول مرة.
آمنت بـ "قنبلة اسلامية"
"أنا، د. افتخار تشاودري خان، اقسم واقر بهذا، انني ولدت في تاريخ 12
نيسان 1971 في تشكوال، باكستان؛ وانني اسلم هذا التصريح في سياق طلبي نيل
لجوء سياسي في الولايات المتحدة؛ وانه لدي تخوف معقول من ان يطاردونني اذا
ما عدت الى وطني ويقتلونني في الحال مع عودتي؛ وأن زوجتي مونزه افتخار خان
وابننا مهدي مرتضى، كانا سينضمان الي في طلب اللجوء السياسي هذا، ولكنهما
موجودان خارج الولايات المتحدة وحياتهما معرضة للخطر"، بهذه الكلمات افتتح
تصريح افتخار.
بعد ذلك في الحال يشرح للعملاء: "في ضوء الطابع الحساس بشكل خاص
لهربي السياسي، فمن المهم ان ابين خلفيتي وازودكم بتفصيلات تمس جوهر
الاسرار السياسية التي اعرفها. يمكن انكم ستضطرون الى التشاور مع خدمات
تجميع الاستخبارات عندكم للتحقق من اقوالي".
بعد ذلك يصف افتخار تأهيله الاكاديمي: لقب قبل - هندسي من مجلس
الدراسات العليا في كراتشي، لقب اول في الطب، لقب ثان في فيزياء الجوامد.
"مع الاخذ بالاعتبار دراساتي فقد بحثت عن وظيفة تتصل ببحث الذرة. في عام
1993 ابتدأت العمل في وظيفة كاملة في مجلس الطاقة النووية في باكستان،
وبازاء ذلك واصلت الدراسة في الجامعة في المساء. في تلك الفترة كنت اؤمن
ان باكستان تحتاج الى قنبلة ذرية، لانهم علموني منذ كنت صغيرا ان "القنبلة
الاسلامية" هي مفتاح نجاح المسلمين في المجموعة الدولية، ونجاح باكستان.
"تم تشغيلي كفيزيائي ذري في مركز ابحاث الذري في كراتشي. كان لقبي
الرسمي في تلك الفترة نائبا لضابط بحث. خلال سنتين كنت واحدا من 11 شخصا
عملوا في قسم الطاقة الذرية في مركز ابحاث الذرة في كراتشي. الجزء من
المبنى الذي عملت فيه عرف انه الاكثر سرية وخصص كله لبناء قنابل ذرية.
"بعد ان تلقيت لقبي الاخير، نقلت الى مركز ابحاث الذرة في مدينة
كوشاب. وهنالك بقيت الى ان هربت من الدولة. عندما بدأت العمل في المنشأة
السرية في كوشاب، اضطررت الى المرور بتحقيق أمني طويل ودقيق جدا في خدمة
الاستخبارات لباكستان.
"المسؤول المباشر عني كان د. الطاف حسين، وكان المسؤول عنه د.
عبدالقادر خان - الذي قام في رأس المشروع الباكستاني لتطوير الذرة واداره
وحده. عمل في مركز ابحاث الذرة في كوشاب 131 عاملا. اعتبرت عاملا رئيسا
وعملت مباشرة مع د. حسين، الذي عمل تحت خان.
"في غضون السنوات التي عملت فيها في المكان، اتيح لي ان اسافر الى
اكثر منشآت الذرة في باكستان، لرؤية وثائق كثيرة وللاسهام في نشاطات الذرة
السرية والاكثر حساسية في باكستان. انكشف لي معلومات قد تعرض الامن القومي
لباكستان للخطر، وتوجد لدي معلومات وعلم يكشفان عن الصلة السرية بين حكومة
باكستان والحكومات الاخرى".
المسار السري
من ناحية دولة اسرائيل، الجزء المثير والأكثر إقلاقا في تصريح إفتخار
يبحث في التعاون الوثيق بين باكستان وايران. قبل ما يقرب من اربعة اشهر تم
الكشف عن مصنع لتخصيب اليورانيوم أقامه الايرانيون سرا في مدينة نتناز. في
أعقاب الكشف قال الدكتور روبرت اينهورن، لصحيفة "يديعوت احرونوت" وهو الذي
عمل نائب وزير الخارجية الامريكي لموضوع نشر السلاح النووي: "خدمات
الاستخبارات في الولايات المتحدة واسرائيل فشلت في اختراق المحاولة
الايرانية لاحراز قنبلة ذرية.
"السخرية الكبيرة هي انه على طول سنوات التسعينيات وحتى المدة
الأخيرة، استثمرت الدولتان جهودا ضخمة، سرية وعلنية، لكي تفهما ما الذي
تمنحه بالضبط روسيا لايران ولمنع هذا التزويد. كنا مقتنعين ان هذا هو
المسار المركزي الذي تحاول ايران عن طريقه الوصول الى سلاح يوم الدين.
أجريت مئات اللقاءات بين موظفين من الدولتين وبين موظفين روس، وفيها
لقاءات في المستويات الأعلى، تشتمل على لقاءات بين يلتسين وبوتين ورؤساء
الولايات المتحدة ورؤساء حكومة اسرائيل.
"في هذه اللقاءات حاولنا إقناع الروس بقطع العلاقات الذرية مع ايران،
ولكن كان لهذه الجهود نجاح محدود فقط. وبتأخر شديد فقط اتضح لنا انه اذا
ما وصلت ايران في ذات يوم الى القنبلة الذرية، فانها لن تفعل ذلك عن طريق
"المسار الروسي". لقد أحرزت ايران تقدمها الكبير نحو السلاح الذري بواسطة
مسار آخر، سري، كان خفيا عنا".
يمكن ان نعرف عن "المسار السري"، الذي يتكلم عنه الدكتور اينهورن من
تصريح إفتخار. فالوصف الذي سلمه لعملاء الـ اف.بي.آي حول العلاقات التي
انشأها المسؤولون عنه مع نظرائهم في طهران، مفصل ومثير للقشعريرة. فهو
يقول للمحققين "وقعت ايران وباكستان اتفاق تعاون بهدف تبادل تكنولوجيات
الذرة".
"في أيار 1997 كنت حاضرا في المكان، عندما وصل الى مركز أبحاث الذرة
في كوشاب خمسة علماء ايرانيين في أقل تقدير، جاءوا لجولة دراسية. من
الوثائق التي رأيت أدركت انه قد جرت لقاءات بين الدكتور حسين (المسؤول عن
إفتخار) والوفد العلمي الايراني الرسمي. أجرى العلماء الايرانيون مباحثات
في موضوعات مختلفة: لقد أرادوا ان يعرفوا ما هو مستوى تطور ابحاث الذرة
الباكستانية؛ وأي المواد استعملوها لانتاج السلاح الذري؛ وما هي المصادر
لامتلاك التكنولوجيا النووية، وما هي امكانيات استمرار التعاون بين حكومتي
ايران وباكستان.
"اضافة الى ذلك فانني على علم بأن هؤلاء العلماء ومسؤولين كبارا
ايرانيين آخرين التقوا باكستانيين في مستوى رفيع، وبينهم الدكتور خان
ايضا. كُشف للعلماء الايرانيين عن طريقة لتخصيب اليورانيوم بهدف بناء
قنبلة نووية. وأنا أعرف ايضا ان فرع التلفاز الايراني في اسلام أباد عاصمة
باكستان، يعمل كقناة لنقل المعلومات السرية الى ايران. هذه المعلومات تصل
بواسطة تسجيلات فيديو لمراكز أبحاث الذرة. تصور التسجيلات طرق العمل
للمنشآت الذرية وتشتمل ايضا على أحاديث إرشاد مع الدكتور خان. في اطار
التعاون بين الدولتين، انتقل عمال ذرة باكستانيون غير رسميين للسكن في
ايران، ليؤهلوا هناك عمالا وللمساعدة في تطوير السلاح الذري".
مختبر سري وأموال سعودية
في اثناء عمله أجرى الدكتور إفتخار محادثات مع زملاء من طهران.
الرسائل التي سمعها منهم يجب ان تضيء اضواء الخطر في اوساط من يتتبعون
الخطة الذرية الايرانية. "قالوا لي ان ايران في المستقبل، عندما ستنجح في
الحصول على سلاح ذري فانها تنوي استعمال هذا السلاح ضد دولة اسرائيل.
باكستان لا توجد لديها أي نية للتدخل المباشر في نزاع ما مع اسرائيل أو
استعمال القنبلة الذرية ضدها. إلا ان المحادثات بين حكومتي ايران وباكستان
تقوم على تجارة بالنفط مقابل تكنولوجيا الذرة، وعلى الأخوة الاسلامية
ايضا".
في تلك الفترة، قال إفتخار، بعثت ايضا اوزباكستان وافغانستان رجالا
من قبلهما للبحث مع باكستان حول شراكة في تطوير سلاح ذري. وهو يكشف بأن
"رد باكستان كان ايجابيا".
ومن أين جاءت الاموال لتمويل مشروع الذرة الباكستاني؟ يقول إفتخار
"السعودية واتحاد الامارات العربية مولت مشروع الذرة الباكستاني بواسطة
قروض ومنح اعتمادات".
ويضيف إفتخار: "لدي علم سري كثير يتعلق بالعناصر المحددة للقنبلة
الباكستانية، ومعلومات داخلية تتعلق بالمنشآت الذرية لباكستان، بما فيه
مواقعها وتفصيلات تتعلق بترتيبات الأمن. اضافة الى ذلك فانني أعرف أين
يوجد تزويد المياه الثقيلة واليورانيوم العملي التي منحتها الصين
لباكستان. عملت بهذه العناصر.
"أعرف ايضا أين يوجد المختبر السري للدكتور خان في كاهوتا، وأين توجد
الصواريخ الموجهة الى الهند. أنا اعرف هذه الاشياء لانني اطلعت على ملفات
سرية بل حتى زرت شخصيا جزء من المواقع التي تحتفظ فيها باكستان بسلاح
تقليدي ونووي". يعُد إفتخار في تصريحه عشرة مواقع كهذه، بينها مراكز
"لابحاث الذرة" وبطاريات صواريخ ذرية على طول الحدود مع اقليم كشمير
الهندي.
يخصص إفتخار جزء ملحوظا من شهادته للعلاقات الذرية بين باكستان
والصين. فهو يزعم ان "حكومة الصين زودت باكستان بشكل مباشر بمركبات تتعلق
بالمنشآت الذرية.
"في اطار عملي كنت شاهدا على حضور خمسة صينيين يلبسون ملابس مدنية في
المنشأة الذرية في مدينة تشاسما في باكستان. بدا الخمسة "عسكريين" جدا في
تصرفاتهم. لقد حللوا اليورانيوم وعناصر اخرى مثل الكوابل والمحركات
الكهربائية. وأعلموا ان هذه المواد خُزنت في تشاسما ونقلت بعد ذلك الى
المختبر السري للدكتور خان في كاهوتا. وقد استعملت في نهاية الامر لتركيب
الصاروخ النووي "غوري"، تحت اشراف الدكتور خان".
لقاء سري في بيت الضيافة
خلال سنوات كان إفتخار يعمل بجد واخلاص في المشروع الذري الباكستاني.
بدأت الشكوك تراوده عندما اكتشف ان بلاده تخطط لاستعمال السلاح الذري ضد
جارتها الكبيرة، الهند. "في تاريخ 25 نيسان 1998 طُلب اليّ ان ارافق
المسؤول عني، الدكتور حسين، للقاء مستوى رفيع باكستاني في بيت الضيافة في
مركز الابحاث في كوشاب. شارك في اللقاء باكستانيون كبار كثيرون، بينهم
ايضا الدكتور خان، ورئيس هيئة اركان الجيش الباكستاني، ووزير الخارجية،
والمساعد الخاص لرئيس حكومة الباكستان، قائد سلاح الجو وقائد القوات
المشتركة.
"كان حضوري في المكان حيويا، لان كل المعلومات في مجال الذرة
والاستخبارات كانت تحت اشرافي المباشر، في ضوء كوني ضابط بحث ومساعدا
للدكتور حسين. عُرضت في اللقاء وثائق كثيرة، وفيها ايضا كتلك المتعلقة
بالمشروع الذري لباكستان.
"حضر في المكان ايضا اعضاء وكالة الاستخبارات الباكستانية (آي.اس.آي)
ووجهوا سائر الحاضرين. قالوا ان باكستان تعلم ان حكومة الهند تستعد لكي
تجري في المستقبل القريب تجربة على قنبلة ذرية، وان الاستخبارات
الباكستانية تتوقع هجوما ذريا من الهند في خط النزاع في الحدود مع كشمير.
"تقرر في اللقاء ان تبادر باكستان الى هجوم ردعي نووي ضد الهند. وكان
الهدف المحدد نيودلهي. أما التوقيت فلم يحدد. وقد أبلغ رجال المخابرات
الباكستانيون بأنهم تلقوا معلومات من خدمات الاستخبارات للعربية السعودية
والامارات العربية، تحدثت عن طائرة حربية اسرائيلية وصلت الى الهند وفرغت
حمولتها هناك. بعد ذلك جرت مباحثات مفصلة عن المحاولات الذرية التي أجرتها
باكستان. طُلب اليّ ان أزود مديريَّ بمعلومات حول تخزين الصواريخ ودرجة
الاستعداد للبنية التحتية النووية الباكستانية".
حسب اقوال إفتخار، في اللحظة التي سمع فيها عن نية مهاجمة الهند
بسلاح ذري، فقد شعر بخيبة أمل. لقد استصعب تصديق ان حكومة باكستان تتصرف
باستخفاف بعيد الى هذا الحد في قوة الإبادة التي تمتلكها وفي نظرها الى
حياة البشر. وهو يسمي في التصريح الذي سلمه لـ اف.بي.آي خطة الهجوم
الباكستانية باسم "مؤامرة فاسدة". "بعد اللقاء في كوشاب تحدثت سرا مع عدد
من نظرائي في البحث. وقررنا معا معارضة المبادرة، لاسباب انسانية وسياسية.
كنت زعيم مجموعة المعارضين.
"في تاريخ 26 نيسان قدمت أنا واربعة آخرون من زملائي رسالة تعبر عن
معارضتنا وخيبة أملنا للدكتور حسين. كتبنا الرسالة بالانجليزية. لكي
يستطيع كل من يهتم بمضمونها مستقبلا قراءتها وفهمها. بعد ان قرأ الدكتور
حسين الرسالة، استدعاني وطلب اليّ ان نتخلى عن النضال. قال لي: لا تفتح
فمك، هذا موضوع للمستويات العليا وستُقتل اذا ما نطقت باعتقاداتك
السياسية. هذا الموضوع ذو أهمية كبيرة جدا للعالم الاسلامي - اذا ما عارضت
هذه الجهود، فسيقضون عليك".
"أبي، إختطفوا أمي"
رفض إفتخار التراجع. "طلبنا ان لا تهاجم حكومة باكستان الهند ولا
تستعمل سلاح الابادة الجماعية"، قال لعملاء الـ اف.بي.آي. "بعد ان عبرنا
عن معارضتنا للهجوم الوقائي ضد الهند، أعلمنا المسؤولين عنا بأننا سنكشف
للجمهور كل ما نعرفه. لا يعرف الشعب الباكستاني شيئا عن الانعكاسات
الفظيعة التي قد تحدث اذا ما قررت الحكومة استعمال السلاح الذري".
لم يتأخر رد النظام. "في تاريخ 27 نيسان، بعد يوم من تقديمنا
الرسالة، أُقلنا جميعا، وكل الامتيازات التي أعطيت لنا توقفت حالا. مستوى
أجرتي كان آنذاك في الدرجة الـ 18 بين 21 درجات الأجر في القطاع العام في
باكستان. كان مدخولي في تلك الفترة يصل الى 150 ألف روبي - وهي الدرجة
الثالثة في منزلتها في الباكستان".
ولكن رحلة العقاب ضد الرجل الذي تجرأ على مهاجمة المشروع الوطني
لوطنه لم تنته بإقالته. "بعد يوم من إقالتي، ابتدأت أتلقى التهديدات، اتصل
عامل الاستخبارات الباكستاني الى بيتي في شكفل، وأعلمني: "اذا سربت
معلومات أيا كانت تتعلق بأمن الدولة فانه سيقضى عليك وعلى عائلتك.
"في ذلك اليوم هربت واختبأت في قرية تدعى ريفال - زاير، كانت لدي شقة
فيها. وفي الغد، في 29 نيسان 1998، اختطف رجال وكالة التحقيقات الفيدرالية
زوجتي. اتصلت بمنزل والدي وقالوا لي ان زوجتي في يد السلطات، تحدثت في
الهاتف ايضا مع إبتي ابن الاربعة. وقال لي انه وصل الى بيتي في المساء
بضعة رجال وأجروا تفتيشا. "لقد بحثوا عن أبي وأخذوا أمي"، كما قال.
"منذ ان اختطفت زوجتي لم أسمع منها شيئا. أنا متخوف من ان يكونوا
قتلوها. لم تكن لدينا أي مشكلة في الحياة الزوجية، ولا سبب يدعوني للتصديق
بأنها تركتني راغبة. قوات الشرطة المحلية لم تسمح لعائلتي بالابلاغ عن
الاختطاف. لقد أشاروا علينا ان نكون هادئين.
"أحسست بأنني في خطر وأدركت انه يجب علي ان أترك باكستان، حتى من دون
عائلتي، برغم ان هذا الشيء سبب لي أزمة ومخاوف فظيعة. في تاريخ 29 نيسان
1998 قررت انه يجب علي ان أهرب حالا. سافرت الى باهون، بالقرب من مطار
اسلام أباد. كان لي هناك صديق عمل في وكالة التحقيقات الفيدرالية، وساعدني
على الحصول على تأشيرة دخول سياحية الى كندا. في تاريخ 30 نيسان نجحت في
الحصول على تأشيرة، برغم ان اسمي ظهر في القائمة السوداء للاشخاص الذين
يحظر عليهم ترك الدولة.
"ساعدني صديقي على الوصول الى المطار ومغادرة باكستان. لم استطيع حتى
ان اقول وداعا بشكل شخصي لوالدي أو لإبني، الذين قلقوا علي جدا".
الهرب الى نيويورك
في تاريخ 18 أيار أقلع إفتخار في طريقه الى كندا. "وصلت الى مونتريال
وسكنت لمدة اسبوع في "واي.ام.سي.ايه". بعد ذلك انتقلت الى السكن مع صديق
التقيته في كندا. في تاريخ 22 أيار سافرت بالقطار الى نيويورك، ومنذ ذلك
الحين وأنا موجود هنا. لم تكن لدي أي نية للسكن في كندا، استعملتها فقط
كنقطة عبور في الطريق الى الولايات المتحدة، لانني كنت أهدف الى الوصول
للاستخبارات الامريكية.
"منذ ان وصلت الى الولايات المتحدة تحدثت مع والدي. قالا لي انهما ما
زالا مهددين من اجهزة الأمن الباكستانية. وقالا لي انهما يتلقيان طوال
الوقت محادثات هاتفية تهدد: "اذا ما سلمتم إبنكم، فسنقول لكم أين توجد
زوجته وسنعيدها". أنا آمل ان تكون زوجتي ما زالت حية، ولكنني متخوف جدا
بسبب الصورة التي اختفت فيها.
"لا يوجد لدي أية نية للعودة الى باكستان في يوم ما. أنا خائف من
تعريض حياتي للخطر اذا ما أجبروني على العودة الى هناك. لا شك لدي في ان
حكومة باكستان ستحاول قتلي.
"أنا أعرف ان لحكومة باكستان عاملي استخبارات يعملون بواسطة الوفد
الباكستاني للامم المتحدة. وأنا أعلم انه هنا ايضا في نيويورك أنا في خطر.
أنا أخاف ان يحاولوا اختطافي واعادتي الى باكستان. وهناك سيقتلونني أنا
وعائلتي في الحال".
المحامي مايكل فيلتز قال في نهاية الاسبوع الأخير لصحيفة "يديعوت":
"منذ ان التقيت الدكتور إفتخار أقلقني جدا انهم لا يحملون اقواله على محمل
الجد المطلوب، بسبب الواقع السياسي.
"يقلقني ان بيع التكنولوجيا والمعلومات الذرية من قبل الجهات الرسمية
الباكستانية لايران ناشط اليوم أكثر حتى مما كان في الماضي. هذه الحالة هي
مثال تقليدي لماذا يجب منح اللجوء السياسي لهاربين معينين ولتشجيعهم في
هذه الطريق. الحديث عن استعمال ممتاز لمصادر حية من اجل تجميع الاستخبارات
وضد الارهاب.
"لعب الدكتور إفتخار دورا مركزيا في المشروع الذري لباكستان. شهاداته
والاقوال التي زعم فحصتها الجهات المخولة، وأُقرت جميعها. لأسفي، فان
التعامل مع حالته كان سياسيا أكثر من كل شيء آخر.
"فيما يتعلق بالوضع الحالي، فانه يُسمح لي بالقول فقط بأن الدكتور
إفتخار ما زال يعيش في ملجأ. انه قلق جدا على أمنه وأمن عائلته، التي ما
زالت موجودة يوما بعد يوم تحت متابعة جهاز الاستخبارات الباكستاني".
*يديعوت