جبل الشيخ جبل الشيخ، جبل حرمون، بعل حرمون، شنير، جبل الثلج، الجبل المقدس، اسماء
اطلقت على ما سماه العرب لاحقا ب”جبل الشيخ” او “الجبل الشيخ”. جبل يشرف
على لبنان وسوريا وفلسطين والاردن، يستطيع زائر قمته العالية (2814 م) ان
يرى اماكن واسعة من سوريا ولا سيما دمشق وسهول حوران وبادية الشام
والجولان وقسما من الحدود الشمالية الاردنية والفلسطينية وتحديدا جبال
الجليل والخليل وسهل الحولة وبحيرة طبرية، ويستطيع متسلق الجبل ان يرى من
على قمته كل جنوب لبنان وسهل البقاع وسلسلة جبال لبنان الغربية.
الجبل لا تعرف قممه العالية من فصول السنة سوى فصلي الشتاء والربيع واروع
ما يمكن لمتسلق “الشيخ” ان يشاهده من قمة الجبل “شروق الشمس” التي تخرج من
اسفل معلنة بدء يوم جديد، حاضنة دمشق التي يراها الزائر وكأنها تخرج الشمس
من بين بيوتها.
المتحف الحربي جبل الشيخ، الذي كان في يوم من الايام، غنيا بالغابات الكثيفة من السنديان
والبلوط والملول والقيقب واللبان والزعرور والخوخ البري والبطم، يصعب على
زائره ان يجد ولو “عودة” حطب واحدة، وعلى المتسلق حمل “اكياس” من الفحم
لاشعالها واستخدامها للتدفئة والشواء. فالارض هناك غنية اليوم بما خلفته
الحروب بين جيش الاحتلال الاسرائيلي والجيش العربي السوري ولا سيما في
حربي 1967 و1973، فكيفما درت في جبل الشيخ يقع نظرك على معدات حربية خلفها
العدو الاسرائيلي خلال محاولاته احتلال القمم العالية هناك، وتشير
المخلفات كم كانت المعارك شرسة ولا سيما خلال حرب تشرين. ويقول احد جنود
“الاندوف” عندما سألناه عن هذه المخلفات ان “القوات الاسرائيلية كانت
تتمركز في المنطقة وتقيم لها تجمعات عسكرية وان الجيش السوري استطاع
السيطرة عليها بعد ان استهدفها بمئات الغارات الجوية والقصف الصاروخي
وعمليات الانزال”. بقايا صواريخ “الغراد” المنفجرة والتي لا تعد ولا تحصى
يخالها المرء انها نبتت هناك، فخلف كل صخرة وحجر تعثر على بقايا صاروخ او
قذيفة مدفعية اضافة الى عشرات الحفر التي احدثتها صواريخ الطائرات..
وملايين الشظايا التي صنع منها احد جنود “الاندوف” صليبا تركه معلقا كذكرى
فوق اعلى قمة في جبل الشيخ واكثر ما يلفت نظر الزائر ل”المتحف” الحربي في
جبل الشيخ ما تركه العدو الاسرائيلي من اثار لمروحياته المدمرة خلال حرب
تشرين 1973 واثار مواقعه المدمرة التي احتلها في حرب 1967 والاسلاك
الشائكة التي حولها بعض الرعاة الى “زرائب”.
المواقع العسكرية الاسرائيلية في تلال جبل الشيخ ومزارع شبعا وتلال
كفرشوبا المحتلة، ترتبط مباشرة بطرقات معبدة ببعض المواقع الاخرى في
الجولان العربي السوري المحتل، وابرزها مواقع ومراكز الرصد والتجسس، وهي
تشكل العمود الفقري للاحتلال ولها اكثر من طريق معبدة وترابية وتظهر بوضوح
اجهزة الرصد والتجسس والتنصت. فبعد ان سيطر الاحتلال على قمم ومرتفعات جبل
الشيخ باشر بإنشاء شبكة من الطرق لربط مواقعه بعضها بالبعض الآخر. وتمتد
هذه الشبكة من معسكر النخيلة عند الطرف الجنوبي الغربي لمزارع شبعا (300
م. فوق سطح البحر) مرورا بكافة المواقع داخل المزارع وتلال كفرشوبا وصولا
الى قمم جبل الشيخ المشرفة على الجولان والجنوب اللبناني (ألفي متر وما
فوق عن سطح البحر). وتبين خارطة مواقع الاحتلال الاسرائيلي هناك، ان قوات
العدو قد قسمتها الى 3 محاور، جنوبي ووسطي وشمالي، ويبدو ان المحور الوسطي
هو الاهم حيث تنتشر المواقع والمراصد ومحطات الانذار على شكل مثلث نقطته
الاساسية في قمة الزلقا وتمتد اضلاعه الى نشبة المقبلة والفوار ومعاصر
الدود مع نقاط عسكرية متفرقة تبدو وكأنها مخافر حماية ونقاط تموين للمواقع
الاساسية. وهذا المحور الذي تتوزع مواقعه على ارتفاعات ما بين 1800 و2200
م. فوق سطح البحر يعتبر اكثر اتساعا وعرضا، كون جبل الشيخ تتفرع منه قمم
عدة ويتسع تدريجيا نحو الجنوب والغرب (المزارع) مما سمح للاحتلال
باستخدامها في اقامة مواقعه.
رعاة الماشية ربيع مثلج للماعزلا يقتصر التواجد في جبل الشيخ على قوات الاحتلال الاسرائيلي وقوات
الاندوف.. فهناك ايضا رعاة الماشية الذين يعتبرون قمم واودية الجبل افضل
مراع خصبة لقطعانهم من الماعز، كيف لا والربيع قد بدأ في هذه الايام في
المنطقة بعد موسم زاخر بالثلوج. ويقول الراعي حسين مصطفى هاشم من بلدة
شبعا انه يرعى الماشية في القمم العالية في جبل الشيخ منذ 12 سنة. فرعاة
الماشية يبدأون بالتوجه الى جبل الشيخ اعتبارا من بدايات شهر تموز ولا
يغادرون المنطقة قبل نهاية شهر ايلول من كل عام. ويعزو هاشم الاسباب الى
ان فصل الربيع في اعالي جبل الشيخ يزخر بالنبات والمياه جراء ذوبان
الثلوج: “الربيع بيبلش هون بنص تموز وبيظل لاول تشرين وحسب التلج”.. اكثر
من 3 فرق تقوم برعي الماشية يتمركز افرادها ويسرحون بقطعانهم في اعالي قمم
جبل الشيخ وهم حفروا اقنية لتحويل مياه الثلوج الذائبة نحو برك صغيرة لسقي
قطعانهم.. ويتراوح عدد اعضاء الفرقة ما بين ثلاثة رعيان وستة يتولون امر
اكثر من 1400 راس من الماعز بقيادة كل من حسين هاشم وقاسم دعكور وحسين
يوسف صعب ويساعدهم افراد من اسرهم في نقل الحليب فجر كل يوم الى بلدة
شبعا. ويؤكد هاشم ان تصريف انتاجهم من الحليب جيد جدا “اهل البلد كل يوم
بينطروا حليبات عنزاتنا”.
التهريب حياة جبل الشيخ تحفل بمغامرات رجال التهريب. فالجبل، وككل منطقة حدودية
بين دولتين او اكثر، تحول الى بوابة شاقة لممارسة اعمال التهريب بين لبنان
وسوريا، على مدى عقود طويلة من الزمن. فالتهريب ليس وليد الساعة بل هو
امتداد متوارث. وجبل الشيخ لوعورة مسالكه وانتشار عشرات القرى على سفوحه،
الشرقية والغربية، كان المنطقة الافضل لممارسة عمليات التهريب بين لبنان
وسوريا وبالعكس. كما انه كان بوابة لعمليات تهريب الى الاردن من لبنان عبر
الاراضي السورية وبالعكس ايضا. فمن شبعا وعين عطا والكفير وميمس وراشيا
وغيرها من القرى الحدودية كانت تنطلق قوافل المهربين تحت جنح الظلام
لتلتقي مع “زميلات” لها من قرى بيت جن وريمي وعرنه والقلعة وبقاع سم
والحضر وقرى اخرى في الجانب السوري.
المهربون الذين كانوا ينشطون على طرقات جبل الشيخ، في رحلات متواصلة،
اندثروا اليوم بعد ان اصبحت الاسعار متقاربة جدا بين البلدين، واصبحت جميع
المواد متوافرة في اسواق البلدين.. مما اصاب اعمال التهريب بكساد كبير.
ويقول احد “المتقاعدين”: “خلصت ايام التهريب.. ولم يعد لها قيمة اليوم”!
رفعت اعمال التهريب من اسعار البغال التي كانت تسلك معابر جبل الشيخ.
فالبغل الذي يتراوح عمره ما بين 5 و10 سنوات كانت اسعاره مرتفعة جدا
مقارنة ببغال اكبر سنا، والبغل ذو البنية القوية وصل سعره، ايام عز
التهريب (منذ اقل من 10 سنوات) الى اكثر من الفي دولار.. ووصل سعر البغل
الذي يستطيع نقل الحمولة الى المنطقة المحددة دون مرافقة صاحبه الى اكثر
من 10 الاف دولار اميركي.. بينما اليوم: “احسن بغل ما بيستاهل مليون
ليرة”.. يقول احد المهربين الذي توارث المهنة ابا عن جد.