مآذن دمشق.. أصالة.. حضارة.. فن وجمال دمشق... تعتبر المئذنة

مآذن دمشق.. أصالة.. حضارة.. فن وجمال

دمشق...
تعتبر المئذنة واحدة من الفنون المعمارية المتميزة بكتلتها وتشكيلها
وزخارفها، وعلى الرغم من أهميتها كتحفة غنية بالعناصر التكوينية
والجمالية، ورغم انتشارها كظاهرة عمرانية، إلا أنه لم يكتب حولها الكثير
كوحدة بنائية مستقلة، ولم ترد على لسان المؤرخين إلا في سياق الحديث عن
المسجد أو الجامع. وقد زاد عدد المآذن في دمشق وحدها على مئتي مئذنة يعود
بناؤها إلى حقب تاريخية متعددة. ‏ولم تكن المآذن الأولى على النحو الذي
نشهده اليوم، بل كانت، حسب رأي بعض المؤرخين والباحثين، استمراراً لشكل
الأبراج أو الصوامع الكنسية ذات الجذوع المربعة، ويرى /كريزويل/ في كتابه
«الآثار الاسلامية الأولى» استناداً إلى ماذكره المسعودي والمقدسي وغيرهما
أن أقدم نماذج للمآذن في سورية كانت على نسق الأبراج الكنسية المربعة التي
كانت قائمة في هذه المنطقة قبل الفتح الإسلامي لها، ويروي ابن بطوطة في
رحلته عند حديثه عن الجامع الأموي قوله «للجامع ثلاث صوامع إحداها شرقه
وهي من بناء الروم، والصومعة الثانية غربه وهي أيضاً من بناء الروم،
والصومعة الثالثة شماله من بناء المسلمين». وهناك من يرى أن فكرة نشوء
المآذن وقبلها الصوامع والأبراج ترجع إلى /الزيقورات الرافدية/، وهي
المعابد الوثنية التصاعدية التي تشبه الهرم، وتنتهي ذروتها بسطح مستوٍ
يعرف بالحرم، وكانت هذه الزيقورات منتشرة في بلاد الرافدين خلال العصور
السومرية والكلدانية والآشورية. ‏كانت المساجد الأولى حتى بدايات العهد
الأموي خالية من المآذن، وكان الآذان يطلق من موضع مرتفع عند المسجد أو من
فوق سطحه، كما كان الناقوس الكنسي يستعمل لدعوة الناس إلى صلاة الفجر،
وتشير المصادر إلى أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان عندما علم أن دعوة
الناس إلى الصلاة تتم باستعمال الناقوس الكنسي في الفسطاط بمسجد عمرو بن
العاص أمر عامله بمصر أن يبني صوامع للآذان فيها مبنى فيه أربع صوامع. وفي
عهد الوليد بن عبد الملك الذي شهد عهده بناء الجامع الأموي ارتفعت المآذن
التي حافظت جذوعها على الشكل المربع القديم وإن تبدلت بعض معالمها، واستمر
تشييد المآذن في دمشق وغيرها من حواضر الدولة الإسلامية على الشكل المربع
ذاته طيلة العهد الأموي، ومنه انتقل إلى شمال افريقيا والأندلس، وقد أطلق
الباحثون العرب والغربيون على هذا الطراز اسم /الطراز السوري أو المئذنة
السورية/ وينتهي /كريزويل/ إلى القول: «نستطيع الآن أن نقول بكل ثقة: إن
فكرة المئذنة ظهرت في سورية في ظل الحكم الأموي، وأن أولى المآذن هي أبراج
أركان معبد دمشق القديم، وإنها المآذن التي بناها المسلمون معمارياً من
أبراج الكنائس السورية». استمر تشييد المآذن في دمشق إلا أن المعلومات
التاريخية لاتعطي صورة حقيقية وواضحة عن هذه المآذن خلال فترة العهد
العباسي والطولوني والإخشيدي والفاطمي والسلجوقي... أما العهد النوري ـ
عهد الدولة النورية نسبة إلى نور الدين الزنكي الملقب بالشهيد ـ فقد ترك
لنا عدداً محدوداً جداً من المآذن التي تميزت بالجذع المربع، ويجيء بعده
العهد الأيوبي فيلتزم بشكل تلك الجذوع، ويبدأ التحول في العهد المملوكي
نحو إبداع طرز جديدة شاركت فيها الجذوع المثمنة والمتنوعة إلى جانب الطراز
الأموي، كذلك شاع استعمال المقرنصات والعناصر التزيينية الأخرى، ثم يأتي
العهد العثماني ليدخل طرازاً معمارياً آخر لم تألفه عمارة المآذن الدمشقية
وهو الجذع كثير الأضلاع الذي يقترب من الأسطوانة وفي بعض الأحيان يصبح
كامل الاستدارة، كل ذلك مع استمرار بقاء الجذع المربع الأموي، وأشهر
المآذن التي لاتزال قائمة ومحافظة على طرازها المعماري الأصيل برغم عمليات
الترميم والتجديد التي خضعت لها: ‏
مئذنة العروس...
مئذنة العروس واحدة من المآذن المميزة بتكويناتها المعمارية، تقع في
منتصف الرواق الشمالي للجامع الأموي، تشرف على حي الكلاسة لذلك تدعى
أحياناً بمئذنة الكلاسة، كما تعرف أيضاً، بالمئذنة الشمالية والمئذنة
البيضاء، وهي أموية الجذور، جعلها الوليد بن عبد الملك مذهبة من أعلاها
إلى أسفلها، غير أنه لم يبق منها اليوم سوى بضع مداميك حجرية في قاعدة
جذعها، أما البقية فمجددة في العهدين النوري والمملوكي، وتشاهد في الجهة
الجنوبية لهذه المئذنة وفوق رواق الجامع مئذنة صغيرة تتصل بجذع المئذنة
الأصلية بوساطة ممر مسقوف ـ تعرف باسم /التقيسة/ ظهرت في العهد المملوكي
ومنها يدعو المؤذن للمسلمين، أما الآذان والتسابيح فتطلق من المئذنة
الكبيرة، ومئذنة العروس بحالها الراهنة لاتمت إلى طراز محدد، لأنها مكونة
من فنون معمارية مختلفة نتيجة تعرضها لكوارث متعددة بحقب تاريخية متباينة،
أما سبب تسميتها بالعروس، فلأنها كانت تتلألأ بأنوار الفوانيس في
المناسبات ما جعلها تشبه العروس ليلة زفافها.
مئذنة عيسى...
تعتبر مئذنة عيسى من المآذن الفريدة في أسلوبها العمراني، فجذعها
مقسوم إلى كتلتين لارابط بينهما من الوجهة الفنية، الكتلة السفلية مربعة
الأضلاع، مملوكية العصر أموية ـ أيوبية الطراز، مشيدة فوق البرج الروماني
القديم لمعبد جوبيتر الدمشقي، وهي خالية من الزخارف والنقوش والكتابات،
إلا أن التأثير المملوكي يرتكز فيها بطبقتين من النوافذ المزدوجة ذات
الأقواس المتكررة التي تزينها فتحات نجمية ومستديرة صغيرة، ويتم الانتقال
من ضخامة هذه الكتلة بشكل مفاجئ إلى رشاقة كتلة ناحلة مثمنة الأضلاع،
عثمانية الطراز والأسلوب تنتهي بقلنسوة مخروطية، وتحوي على شرفتي مؤذن زين
أسفلها بالمقرنصات، ولاتعلوها مظلات ساترة. تقع في الزاوية الجنوبية
الشرقية للجامع الأموي وتعرف أيضاً بالمئذنة البيضاء، أومئذنة النوفرة
نسبة إلى حي النوفرة المطلة عليه. ‏أطلقت هذه التسمية «مئذنة عيسى» على
ألسنة الناس لاعتقادهم بأن سيدنا عيسى عليه السلام سينزل عليها عند قيامه.
‏
مئذنة قاتيباي...
من مآذن الجامع الأموي الثلاث، المقامة فوق برج معبد جوبيتر، عند
الزاوية الجنوبية الغربية لذلك سميت المئذنة الغربية، وكذلك مئذنة المسكية
لإطلالتها على سوق المسكية، تمثل مئذنة قاتيباي ـ كما يقول «ولتسينجر»
مرحلة انتقالية انحرفت فيها عمارة المآذن المملوكية عن التأثيرات الأيوبية
واتجهت نحو تغيير مقاطع الجذوع بين الأسفل والأعلى أكثر من مرة، ونحو
تتويج الذرا بالقلنسوات الكروية، وبذلك ظهر التأثير المصري جلياً في عمارة
مآذن دمشق خلال عصر المماليك الشراكسة.
مئذنة الباب الشرقي...
تعود جذور هذه المئذنة إلى العهد النوري، وهي مشيدة فوق الباب الشرقي
نفسه في مسجد يدعى مسجد الجنائز وقد ذكره ابن عساكر في كتابه «تاريخ دمشق»
بقوله: «مسجد على الباب الشرقي يعرف بمسجد الجنائز، على بابه بئر وليس له
سقف». وقد تعرضت هذه المئذنة إلى الكثير من عمليات الترميم والتجديد في
عهود مختلفة، ولكنها ظلت محافظة على هويتها المميزة، وهي بحالتها الراهنة
تعكس خصائص الجذع الأيوبي المربع الخالي من العناصر التزيينية أو
الزخرفية، ثم يطرأ التحول المفاجئ في رأسها الذي تغطيه قلنسوة مخروطية
عثمانية كثيرة الأضلاع ترتفع فوق جوسق مملوكي مثمن، ومن الطبيعي أن نلاحظ
هذا التعدد والاختلاف في أقسامها نظراً للعهود المختلفة التي رممت فيها.
مئذنة المدرسة الأتابكية...
من مآذن العهد الأيوبي في حي الصالحية، جادة المدارس، وتعرف على ألسنة
الناس باسم /التابتية/، أنشأتها مع المدرسة تركان خاتون زوجة الملك الأشرف
الأيوبي، وهي كمثيلاتها من مآذن العهد الأيوبي، شيدت بجذع مربع بسيط
ومتقشف خال من الزخارف والتفاصيل التزيينية والمقرصنات، تعلوه شرفة مربعة
وكذلك المظلة، ويرتفع فوق الجميع جوسق وخوذة على غرار مئذنة المدرسة
المرشدية. ولم تذكر المصادر اسم /الأتابك/ الذي نسبت إليه.
مئذنة جامع تنكز
من مآذن العهد المملوكي الواقعة في الشارع الواصل بين زقاق رامي شرقاً
وشارع سعد الله الجابري غرباً والموازي لشارعي النصر من جهة الشمال
والفرات من الجنوب، شيدها والجامع نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز
الناصري، أيام حكم السلطان المملوكي محمد بن قلاوون، ويرى «ولتسينجر» أن
هذه المئذنة والجامع أقيما في موضع كان في الأصل كنيسة القديس نيقولا.
وتعتبر هذه المئذنة من أجمل العمائر المملوكية في دمشق بطرازها الفريد
وهندستها الغريبة وبساطة كتلتها المعمارية وزخارفها، فهي تتألف من قاعدة
مرتفعة مربعة الأضلاع يعلوها جذع مثمن تتناوب في أسفله النوافذ الصماء
والمفتوحة المؤطرة بالأعمدة المنحوتة، وتعلو هذه النوافذ فتحات حجرية
جوفاء مزخرفة. ويحيط أعلى الجدع شريط من الكتابات المنقوشة تعلوها مقرنصات
تتدلى من شرفة المؤذن ذات الدرابزين الحجري المفرغ والتي لاتعلوها مظلة،
بل يستمر الجذع المضلع في صعوده تزينه النوافذ حتى ينتهي بالقلنسوة
المخروطية دونما وجود للجوسق.
مئذنة جامع الشهداء...
هي في الأصل من مآذن العهد المملوكي، مقامة فوق مسجد /قبور الشهداء/
الذي شيد في منطقة الشهداء من طريق الصالحية. وهي كمثيلاتها من المآذن
المشيدة على الطراز الشامي بتأثير عثماني، أقيمت بجذع مثمن قصير في أعلاه
مجموعة كثيفة من الأفاريز الخشبية المجددة وفوقها شرفة على غرارها يحملها
درابزين منفذ بشبكة مثمنة الأضلاع من الأسلاك المعدنية، كما تغطيها مظلة
تحمل جوسقاً مثمناً بسيطاً فوق قلنسوة مخروطية على شاكلته. وتنسب إلى جامع
الشهداء المقام فوق قبور ثلاثة إخوة من الصحابة كانوا قد استشهدوا عند فتح
دمشق ودفنوا في هذا المكان.
مئذنة مسجد كردان...
مئذنة صغيرة مجددة فوق مسجد كردان في حي ركن الدين، وهو مسجد أيوبي
إلا أن مئذنته من مآذن الطراز الرمزي، وهي ترتفع فوق سطح المسجد بسبعة
أعمدة تحمل مظلة سباعية الأضلاع وهذا العدد من الأضلاع غريب

[right][size=9]مآذن دمشق.. أصالة.. حضارة.. فن وجمال[/size