عدد الرسائل : 6019 العمر : 124 الموقع : ساحات الطيران العربى الحربى نقاط : 10224 تاريخ التسجيل : 05/10/2007
موضوع: هل تعيد الدبلوماسية التركية. المصداقية المصرية؟ الثلاثاء فبراير 10, 2009 2:05 pm
هل تعيد "الدبلوماسية" التركية.. "المصداقية" المصرية؟
كتب همام سرحان – القاهرة : بتاريخ 31 - 1 - 2009
اتّـفق عدد من الخبراء المصريين المتخصِّصين في السياسة والإستراتيجية والأمن القومي والرأي العام وشؤون البرلمان، على بُـروز وتنامي الدبلوماسية التركية وقيامها بدورٍ إقليمي ملحوظ خلال المساعي الدولية، التي جرت على المسار السياسي لوقف الحرب التي شنّـتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة والتي استمرّت 22 يومًا، وراح ضحيتها 1310 شهيدًا وأكثر من 5300 جريحًا، نِـصفهم تقريبًا من النساء والأطفال والمسنِّـين، فضلا عن الدّمار الذي شلّ حركة الحياة في غزّة. وأوضح الخبراء المتخصِّـصون والمهتمّـون بالشأن التّـركي، أن النجاحات التي حقّـقتها الدبلوماسية التركية في موضوع الوساطة العربية - الإسرائيلية، وخاصة في ملفّي سوريا ولبنان، شجّـع تركيا على المُـضي قُـدمًا في لعِـب دور إقليمي متميِّـز في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، مؤكِّـدين أن لجوء مصر للوساطة التركية يعكِـس ثقة المُـفاوض المصري بالدبلوماسية التركية ورغبته في البقاء بالقُـرب من المشهد السياسي، فضلا عن كون تركيا بوّابة للاتحاد الأوروبي وعضو في الحلف الأطلسي (الناتو)، إضافة لكونها البديل عن الدّور الإيراني، الذي تسعى مصر جاهدة لتحجيمه بالمنطقة.
ولم يستبعد الخُـبراء أن يكون المفاوض المصري "الدّاهية"، قد استطاع أن يقرأ المشهد السياسي جيِّـدًا، فاكتشف أن الدبلوماسية التركية ذات "الوجه العِـلماني" و"القلب الإسلامي"، أقدر على إقناع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بقبول المبادرة المصرية، فضلا عن امتلاكها "الورقة الرّابحة" و"الحل السِّحري" للمُـشكل العويص، الذي يُـمكن أن يقضي على المبادرة، وهو طرح وجود قوات دولية "تركية" كبديل مقبول، مصريًا وأمريكيًا، وموثوق فيه من حماس، إضافة إلى كونه حلا يُـرضي أوروبا الباحثة عن دور مناسب في هذا الملف، الذي استأثرت به أمريكا لزمن طويل.
وفي محاولة لرصد للوقُـوف على الدّور التركي في الأزمة ورصد تفاصيله ومفرداته وأهدافه واحتمالات نجاحه أو فشله وتأثيراته وانعكاساته على الدّور المصري والعربي في المنطقة، التقت سويس إنفو، كلاًّ من النائب البرلماني الدكتور جمال زهران، رئيس كُـتلة المستقلين بمجلس الشعب ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، واللّواء أركان حرب متقاعد دكتور زكريا حسين، أستاذ العلوم الإستراتيجية والأمن القومي والمدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية العليا، والدكتور مجدي سعيد، الكاتب والباحث المهتمّ بالشأن التركي، والدكتور إبراهيم البيومي غانم، أستاذ العلوم السياسية ورئيس قسم الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر.
الدور المصري في "الفلك" الأمريكي! في البداية، يرى الدكتور جمال زهران، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أن "الدور المصري في المنطقة قد وصل إلى أدنى درجة له، وأن الواقع ينبِّـئ بأن يكاد يكون معدومًا، بل إن هناك حديث عن أنه لم يعُـد هناك دور لمصر في المنطقة وأن المسؤول عن ذلك هو النظام الحاكم، الذي بدلا من أن يُـجيد توظيف هذا الدّور وتعظيمه، فإنه تركه وقلّل من شأنه"، معتبرًا أنه "أصبح مجرّد دورا للوساطة والعلاقات العامة، وذلك لكونه متوحّدًا في حدّه الأدنى مع السياسات الأمريكية والمصالح الإسرائيلية، ولأنه لا يقف على نفس المسافة بين المقاومة الفلسطينية والسلطة، وإن كان يتظاهر أحيانًا بأنه مع المقاومة ويؤيِّدها، لكن مفردات الواقع والنّظرة التفصيلية على المشهد السياسي الحالي، تؤكِّـد عكس ذلك".
ويقول د. جمال زهران، رئيس كتلة المستقلين بمجلس الشعب المصري في تصريحات خاصة لسويس إنفو: "أرى أن الدّور المصري في المنطقة ليس دورًا مقاومًا أو قائدًا أو زعيمًا أو حتى داعمًا لحركات التحرّر الوطني، ولكنه دور تابع يدور في الفلك الأمريكي، ومن ثمّ، فإنه عاجِـز عن أن ينافس أيّ دور عربي أو إقليمي، ومن ثمّ فقد رأينا دُويلات صغيرة الحجْـم وحديثة العهد مثل قطر، تتحرك للبحث عن دور في ظلّ حالة الفراغ العربي!
ويضيف زهران: "ولهذا، عندما طرحت تركيا نفسها للقيام بدور الوسيط في النزاعات العربية الإسرائيلية، وجدنا حتى مصر لم تتردّد في اللجوء إليها بمجرّد نشوب الأزمة، رغم أن الدّور التركي في المنطقة يتنامى على حساب الدّور المصري، الذي يتخافت استراتيجيًا، ولقد كان هذا واضحًا في تركيا على المستوييْـن: الشعبي، الذي تمثَّـل في تسيير أضخَـم مظاهرة في تركيا للتّـنديد بمجازر إسرائيل، والسياسي، الذي عبّـر عنه أردوغان بتصريحاته النارية المندِّدة بجرائم إسرائيل، والتي وصلت قمّتها بقوله: "لقد أغلقنا التليفون في وجه الحكومة الإسرائيلية، التي لا تحترم القانون الدولي".
ويستطرد د. زهران: قد يقول قائل: وماذا فعلَـت تركيا على أرض الواقع؟ فأرُدّ قائلا: وماذا فعلت مصر، الدولة القائدة في المنطقة، إنها لم تستخدم أي وسيلة للضّغط على إسرائيل لتوقف صواريخها التي تدكّ غزة وتحرق المدنيين، فلم تطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة ولم تستدع سفيرها من تل أبيب ولم تقطع الغاز، الذي تمُـد به دولة الكِـيان المحتل ولم تلوِّح حتى إلغاء معاهدة السلام مع العدو الإسرائيلي ولم تستخدم ما تُـتيحه لها السياسة من آليات، للضّغط على إسرائيل!!".
وقال زهران: "لقد كشف الدّور التركي المتنامي في المنطقة، عن سوء النظام الرسمي العربي، كما أظهر شلَـله وعجزه عن القيام بدوره، بل ووصل الأمر لدرجة أن مصر تُـرسل وزير خارجيتها (السفير أحمد أبو الغيط) إلى تركيا مع بدايات الأزمة، وهو أمر غير مفهوم في ظلّ تمسّـك مصر بالإبقاء على علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، بحجّـة الإبقاء على جسور للتّـواصل مع الجانب الإسرائيلي لحل القضية الفلسطينية!!".
وانتهى الخبير والمحلل السياسي د. جمال زهران إلى القول بأن: "ظهور دُول إقليمية قوية ومستقلة، مثل: إيران وتركيا، تطرح نفسها للقيام بدور البديل الاستراتيجي الناشط، يُـمثل خطورة كبيرة على الدّور المصري وتحدِّيًا كبيرًا للدبلوماسية العربية، ويثبت أن النظام الرسمي العربي، إن لم يكن عاجزًا عن القيام بدوره، فإنه مُـتثاقل عن القيام به ومتوقّـف عن استخدام ما تُـتيحه له آليات السياسة من أدوات للضغط، وذلك لتحقيق مصالحه الإستراتيجية في المنطقة أو حتى للدِّفاع عن نفسه!".
رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان يزور جريحا فلسطينيا من غزة يوم 13 يناير 2009 الدور التركي والبديل "الإيراني"! ويتّـفق اللواء أركان حرب دكتور زكريا حسين، المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية العليا، مع الدكتور جمال زهران في بروز وتنامي الدّور التركي في المنطقة، ويضيف: أن "مصر لجأت إلى تركيا للقيام بدور الوسيط، بعدما رأت حالة الغَـليان والغضب العارمين في الشارع العربي ضدّ التوجّـه المصري، الذي فُسِّـرَ على أنه ضدّ المقاومة الفلسطينية، ومن هنا، سارعت مصر لقرْع الباب التّـركي، لتحتفظ لنفسها بدور في حلّ الأزمة ولتضع نفسها في المشهَـد السياسي، ولأن تركيا هي البوابة الأقرب للاتحاد الأوروبي ولأنها عضو في الحلف الأطلسي (الناتو) وعضو منتخب بمجلس الأمن منذ الأول من يناير 2009".
ويقول دكتور زكريا حسين، أستاذ العلوم الإستراتيجية والأمن القومي بجامعة الإسكندرية في تصريح خاص لسويس إنفو: "يجب أن لا ننسى أيضًا أن تركيا دولة إسلامية التوجّه ولها قبول وحضور في العالم الإسلامي، كما أنها مقبولة عربيًا، لكونها البديل الوحيد عن الدّور الإيراني، الذي تسعى مصر ودُول عربية كبرى إلى تحجيمه في المنطقة"، معتبرًا أن "الدّور المصري في المنطقة، يرتبط بالخطوط العامة للسياسة الأمريكية ولا يفكِّـر في الخروج عن الإطار الأمريكي، وهو ما أفقدها مكانتها الإستراتيجية، التي جعلتها لسنوات طويلة بمثابة القلب النابض للجسد العربي".
ويضيف لواء زكريا أنه "من الجِـهة التركية، فإنها وبعدما قطعت شوطًا كبيرًا في المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، ثم لبنان وإسرائيل، كان عليها أن تنتهز الفرصة السّانحة للقيام بدور فاعِـل في الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، كما أن هناك أخبار تلُـوح في الأفق عن مبادرة تركية - مصرية للمصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، لتكتمِـل بذلك ملامِـح المنظومة الدبلوماسية التركية، التي تتّـجه بخُـطى حثيثة لتناول الراية وتبوء دور إقليمي كبير".
ويشير د. زكريا إلى أن "التدخّل التركي في الأزمة الأخيرة قد كشف عن عجز الدبلوماسية العربية عن القيام بدورها، خاصة في ظلّ غياب وعدم إدراك الحقائق والاستراتيجيات عن الكثيرين ممّـن يتولّـون مقاليد الأمور، وهو ما جعل النظام الرّسمي العربي يظهر في صورة العاجِـز عن القيام بدوره أو حتى الحفاظ على مصالحه والدفاع عن كرامته"، مؤكِّـدًا أن "العجز العربي الرسمي موجود، وعدم القُـدرة على لعِـب دور موجود، كما أن أي حلول عربية تطرح، دون الرضا الأمريكي والإسرائيلي، مرفوضة".
وقال الخبير الاستراتيجي اللواء زكريا حسين: "إذا كانت الدول العربية قد عجزت عن أن تتوحّد على مجرّد عقد قمّة عربية للكلام، فهل يُـعقل أن تكون قادرة على لعب دور قيادي أو المحافظة على مكانتها الإستراتيجية؟! لعلّ هذا هو ما دعا الخارجية المصرية للمسارعة إلى طلب العَـون من الدبلوماسية التركية في محاولة للبحث عن دور وللخروج من المأزق، الذي يوشك ان يعصف بالثوابت ويهدّد الأمن القومي المصري".
تركيا.. "خطّ أحمر" أم "حلّ سحري"؟! وبخصوص وجود قوات دولية على الحدود المصرية، أوضح اللواء أركان حرب زكريا حسين أن "مصر قادِرة على حماية حدودها وأن لديها القُـدرات العسكرية، التي تمكِّـنها من ذلك، ولكن المشكلة تتلخّص في أن إسرائيل ترفُـض تواجد قوات عسكرية مصرية على الحدود وتتمسك بالبند الخاص بذلك في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وترفض إلغاءه أو تعديله، وذلك، لتخوّفها من قيام مصر بتقديم الدّعم العسكري للمقاومة الفلسطينية في غزة".
فوِفقاً لهذه الاتفاقية، يمتنع على مصر زيادة قواتها العسكرية أو نوعية تسليحها عن القدْر المحدّد في الاتفاقية، لتعزيز حدودها، وهو أمر ترفضه أمريكا وربِـيبتها في المنطقة إسرائيل، التي لا يساورها شكّ في أن مصر تقِـف وراء تهريب هذه الأسلحة، التي جعلت المقاومة الفلسطينية قادِرة على مواجهة أعتى تِـرسانة عسكرية مسلّحة في الشرق الأوسط، وذلك من خلال الأنفاق التي تقُضّ مضاجِـع الجيش الإسرائيلي".
ويوضِّـح لواء زكريا أن "الطرح التركي بوجود قوات تركية على الحدُود المصرية مع غزّة، يمكن أن يكون طَـوْق النّجاة والحل السِّحري لتلك المشكلة الشائكة، لأنه بالنسبة لمصر، أهون كثيرًا من وجود قوات أمريكية أو أوروبية، حيث تراه مصر انتِـقاصًا من سيادتها، وعبّـر عنه الرئيس المصري بأنه "خطّ أحمر لا يُـمكن تجاوزه"، كما أنه قد يكون مقبولا بالنسبة لحماس، التي أعلنت أكثر من مرّة عن "ثقتها المتناهية" في الوسيط التركي، كما أنه سيُـرضي الغرور والإصرار الإسرائيلي، كما سيُـرضي الطموح الأوروبي، الباحث عن دور فاعل وحقيقي في هذا الملف، الذي تغُـرِّد الولايات المتحدة في سمائه منفردة!".
ويشير د. زكريا إلى أن "مجيء قادة أوروبا إلى شرم الشيخ، كان بهدف طمأنة إسرائيل على أمنها، وقد دعم ذلك قيام الولايات المتحدة بإبرام اتفاقية أمنية مع إسرائيل (رايس/ ليفني)، لضمان عدم تهريب الأسلحة عن طريق مصر، وذلك دون الرّجوع إلى الجانب المصري، وهو ما أغضب مصر وأشعرها بالتّـجاهل المتعمّـد لها، فبادرت إلى التصريح بلهجة غير معهودة بأن الأمن القومي المصري "خطّ أحمر لا يمكن تجاوزه"، وأنها لن تسمح بوجود قوات دولية على أراضيها.
الدبلوماسية التركية والمِـصداقية المصرية! مختلفًا مع سابقيه، يرى الدكتور مجدي سعيد، الكاتب والباحث المصري المهتمّ بالشأن التركي، أن "تركيا هي التي بدأت بالتحرّك باتِّـجاه مصر وأطراف عربية أخرى في المنطقة، رغبة منها في تعزيز مكانتها ودورها الإقليمي"، لكنه لم ينفِ أن تكون مصر قد رأت أن "تركيا وسيط ذو علاقة جيدة مع جميع الأطراف، فأرادت أن تتمسّك بالطرف التركي، لتستعين به في إنجاح مبادرتها وتعزيز وجهات نظرها"، مشيرًا إلى أنه "لم يكُـن للطرف المصري أو التركي أي دور حقيقي في قرار إسرائيل بوقف الحرب من طرف واحد".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور مجدي سعيد في تصريح خاص لسويس إنفو: "ربّـما كانت إسرائيل تسمع ما يقوله هذا الطرف أو ذاك وتأخذه كمعطى، لكن الأكيد أن قرار وقف الحرب، اتُّـخِـذ بالتّـشاور بين تل أبيب وواشنطن فقط، وبما يتوافق مع ما رآه الطّـرفان من مصلحة وترتيبات تضمَـن تحقيق مكاسب سياسية من وراء هذا القرار"، معتبرًا أن "تركيا أكثر رُشدًا من أن تُـستخدَم كأداة للضّغط على طرف يتعرّض للعدوان، ولهذا، فإنها اتّـخذت موقِـفًا يُـعزِّز مكانتها في المنطقة، شعبيًا على الأقل، ويميل لصالح المعتدى عليه، وهو دور يعكس مستوى الذّكاء وبُـعد النظر في الدبلوماسية التركية".
ويرى سعيد أن "أهم نتائج الجولة المكوكية، التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته، أنها خفّـفت الضغط على حماس وقِـوى المقاومة، من الناحية السياسية، كما أنه لا يزال ينتظر منها تعزيز دورها في هذا المجال، فلا زالت المعركة دائرة على المستوى السياسي، وهناك أيضًا ساحة إعادة الإعمار وفتح المعابر ومحاولة تسييس هذا الملف والضغط به على حماس والمقاومة"، مشيرًا إلى أن "وقوفها مع المظلوم وضد الظالم، عزّز مِـصداقيتها لدى الطرف الفلسطيني المُـقاوم على الأرض، وهي ورقة توجّهت بها للدّاخل التركي والداخل العربي والإسلامي على المستوى الشعبي وأوجدت به لنفسها مكانا ومكانةً في السياسة الإقليمية".
ويرى د. مجدي سعيد أن "هدف تركيا من تحرّكها السريع دبلوماسيًا، كان تعزيز قوّتها النّاعمة في المنطقة، والتي تتأتّـى من تعزيز المكانة الشعبية خارج حدودها، إضافة لتعزيز مكانتها الداخلية كحكومة، حيث حقّـقت بعض التقدّم في عدّة ملفات وأرادت أن تعزِّز مكانتها شعبيًا، بينما لعبت الدبلوماسية المصرية دورًا صغيرًا في هذه الأزمة، وكأنها تُـمارس السياسة للمرّة الأولى وكانت طرفا غير محايِـد، خاصة في الشق السياسي للأزمة".
ويختتم سعيد حديثه موضِّـحًا أن "نجاح الدّور التركي، ليس رهنا به وحده، فهو لا يتحرّك في فراغ، بل يعتمِـد على أدوار ومُـعطيات أخرى في المعادلة الإقليمية والدولية، ولكنني أظُـن أنه ربّـما يساعد في إيجاد مخرَج مقبول من حماس والمقاومة في تلك الأزمة، كما أعتقد أن الدبلوماسية المصرية بحاجة للتركية في تلك الفترة لفقدانها كثيرًا من مصداقيتها في الأزمة الأخيرة، سواء على المستوى الشعبي أو لدى طرف المقاومة، بينما تتمتّـع تركيا بثقة أكبر، اكتسبَـتها بنزاهَـتها كوسيط".
تركيا.. "وجه" عِـلماني و"قلب" إسلامي! متّـفقًا مع الدكتور جمال زهران واللواء أركان حرب زكريا حسين، يؤكِّـد الخبير والمحلل السياسي الدكتور إبراهيم البيومي غانم، أستاذ م. العلوم السياسية، أن "الدبلوماسية التركية في أزمة غزّة، تستمدّ أهميتها من ثقتها بقُـدرتها – دون غيرها من الشركاء - على إقناع حركة حماس بقَـبول مبدأ وجود قوات دولية في غزة، الذي أعلنت حماس رفضه مُـطلقًا، وأنها ستتعامل معها على أنها قوات احتلال، شريطة أن تكون هذه القوات تركية فقط، اعتمادًا على ما صرّحت به "حماس" على لسان قادتها، من أنها تثِـق في تركيا وتأتمنها دون تردّد.
ويفسر د. إبراهيم غانم، رئيس قسم الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر، اختيار تركيا كشريك لإنجاح المبادرة المصرية، لأنها "استطاعت أن تقرأ المشهد السياسي جيدًا، فعلمت أن الدبلوماسية التركية، ذات الوجه العِـلماني والقلب الإسلامي، أقدَر على إقناع حركة حماس الإسلامية بقَـبول المبادرة المصرية، فلم تتردّد في طَـرْق الباب التركي ليكون الشريك الأول في حل الأزمة، سياسيًا".
ويقول غانم: إن مصر تحرّكت باتّجاه تركيا لأسباب متعدّدة، منها: أن تركيا لها علاقات وثيقة بـ "إسرائيل": وهي علاقات أقدَم وأوثَـق وأوسع من أي دولة عربية. فتركيا ثالث أقدم دولة اعترفت بـ "إسرائيل" عام 1949، كما أن هناك تمثيل دبلوماسي وقنصلي على مستوى عالٍ بين الدولتين، وهناك تبادل تجاري كبير بينهما، أن تركيا، بحكم هذه العلاقة الوثيقة مع "إسرائيل" ووفق المنطق المصري، تستطيع ممارسة ضغوط حقيقية على "إسرائيل" لوقف الحرب على غزّة، كما أن تركيا قوّة إقليمية كبرى في وزن مصر، ومصر في هذه المرحلة، لم تَـرَ أن هناك قوّة يُـمكن الثقة فيها من بين البلدان العربية.
ويضيف د. غانم أن "الجولة المكوكية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته، قد أثمرت أشياء كثيرة، لعلّ في مقدّمتها أنها ساعدت في بلْـورة أفكار متوازنة تحافظ على الحقّ الفلسطيني وتدعم المقاومة المشروعة في مقاومة المعتدي والمحتل، وقد اتّـضح هذا من التصريحات القوية التي أدلى بها أردوغان وكبير مستشاريه أحمد أوغلو، والتي وفّـرت غطاءً سياسيًا لقوى المقاومة الفلسطينية".
ويختتم د. غانم بالإشارة إلى أن "حماس وكل فصائل المقاومة تنظر إلى تركيا، حكومة وشعبًا، على أنهم مسلمون ينتمون لدولة مستقلة احترمت نفسها فاحترمها الآخرون، الأعداء قبل الأصدقاء، كما أنهم يشاهدون هذه المظاهرات الغاضبة التي لا يكاد يخلو منها الشارع التركي منذ اندلاع الحرب على غزة والتي تجلّـت في إشعال مواطن تركي النار في نفسه غضبا على مجازر إسرائيل بحقّ الأطفال والنساء، وهي مشاعر هزّت العالم أجمع، فضلا عن أن الأتراك لهُـم في التاريخ الإسلامي وجُـود تاريخي لا يُـنسى".