عرب اسرائيل أثناء مظاهرة للتنديد بالحرب على غزة للانتخابات
البرلمانية الثامنة عشرة في تاريخ الدولة الصهيونية شكل مختلف هذه المرة
بالنسبة لعرب إسرائيل ..ليس فقط بسبب الحيرة التي يعيشونها من أجل
التوصل لقرار يخدم مصالحهم سواء كان بالمشاركة في هذه الانتخابات أو
بمقاطعتها. ولكن الأمر أعمق من ذلك بكثير ..حيث اتفق الساسة
الإسرائيليون مع اختلاف انتماءاتهم الحزبية علي ضرورة التخلص من هؤلاء
العرب في أقرب فرصة لأنهم لا يدينون بالولاء للدولة الإسرائيلية.
وقد
يظهر للبعض أن المخطط الرئيسي لهذه الحملة هو اليمين المتطرف متمثلا في
حزب "إسرائيل بيتنا " الذي يتزعمه افيجدور ليبرمان الذي دعا في حملته
الانتخابية إلي ترحيل عرب إسرائيل إلي الأراضي الفلسطينية وتعديل قانون
الجنسية وفقا لمبدأ "إسرائيل دولة يهودية". وإسقاط حقوق المواطنة عنهم
لأنهم لم يثبتوا ولاءهم "للدولة اليهودية والصهيونية" خاصة أثناء
المجزرة الإسرائيلية الأخيرة التي ارتكبت في حق أهلهم في غزة.
ولم
يكتف ليبرمان بطرح مقترحاته بشأن عرب إسرائيل بل أعلن الحرب علي النواب
العرب في الكنيست وعلي رأسهم النائب أحمد الطيبي الذي وصفه
"بالإرهابي"، مشيرا إلي أن "إسرائيل يجب أن تتعامل مع نوابها العرب
كما تتعامل مع الإرهابيين". كما أتهم الأعضاء العرب في الكنيست بأنهم
يخططون لشن حرب ضد إسرائيل وأنهم من الممكن أن يكونوا خلايا إرهابية ستحول
الحياة في إسرائيل إلي جحيم. واقترح إجبارهم علي حلف يمين الولاء
لإسرائيل.
كما دعا حزب الاتحاد الوطني اليميني المتطرف إلي طرد العرب
إلي ڤنزويلا حيث يوجد الرئيس الڤنزويلي هوجو شاڤيز المؤيد والداعم
للفلسطينيين. في حين تعكف الاحزاب اليمينية علي دراسة قانون جديد يلزم
أي مواطن أو مواطنة إسرائيلية بالانضمام للجيش في سن الثامنة عشرة واعتبار
إسرائيل دولة ديمقراطية وأي احد سيرفض ذلك ليس من حقه المشاركة في
الانتخابات سواء كمرشح أو كناخب.
عرب اسرائيل
ولقد نجح اليمين
المتطرف - الذي من المرجح أنه سيفوز في الانتخابات- في خلق مشكلة
لدي الناخبين الإسرائيليين من لا مشكلة عندما وصف العرب علي أنهم أزمة
تتفاقم كل يوم وتهدد أمن ووجود الدولة اليهودية.
أما القيادات في
الأحزاب الإسرائيلية المختلفة مثل بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود
ووزيرة الخارجية تسيبي ليڤني رئيسة حزب "كاديما"، فلم يترددوا في
الإعلان عن نيتهم بطرد عرب إسرائيل حتي تتحول البلاد إلي "دولة
اليهود" وذلك عن طريق ترحيلهم للدولة الفلسطينية.
وكان بعض النواب
الإسرائيليين تقدموا بقرار لمنع حزبين عربيين إسرائيليين من خوض
الانتخابات. لكن المحكمة العليا الإسرائيلية نقضت هذا القرار منذ وقت
قصير.
وجاءت الحرب علي غزة لتكشف عن الفجوة العميقة بين المسئولين
الإسرائيليين والكثير من الشعب الإسرائيلي الذين أيدوا الحرب في الوقت
الذي نظم العرب مظاهرات احتجاجية علي الجرائم الإسرائيلية في حق أهلهم في
غزة.
وأمام هذه الحملة المنظمة ضد عرب إسرائيل وموقفهم المعارض لما
يحدث في غزة ونظرا لقناعتهم أنهم لا يحصلون علي حقوقهم مثل الأقليات
الأخري التي تعيش في إسرائيل ..وأن تمثيلهم في الكنيست لا يؤثر علي
القرارات الإسرائيلية حيث لا يمتلكون قوة الضغط السياسي..جاءت دعوة بعض
الأحزاب العربية لمقاطعة هذه الانتخابات ويؤيدها في ذلك كثير من الناخبين
ولكن قابلهم في الرأي أحزاب عربية أخري تدعو للمشاركة وإعطاء كل أصواتهم
للأحزاب العربية كي لا تصب مقاطعتهم للانتخابات في مصلحة اليمين المتطرف.
وكان
عرب إسرائيل يعطون بعضا من أصواتهم للأحزاب اليهودية ففي الانتخابات
الماضية التي جرت في ٦٠٠٢ صوت 26٪ من عرب إسرائيل لأحزاب يهودية
منهم 14 ألف صوت عربي ذهب لحزب كاديما. في حين صوت ألف إسرائيلي
يهودي لحزب بلاد العربي في الانتخابات الماضية. ووعد اليهود المعارضون
للحرب علي غزة بإعطاء أصواتهم للأحزاب العربية في هذه الانتخابات.
ويشارك في هذه الانتخابات ثلاثة قوائم عربية تضم تحالفات للأحزاب العربية الموجودة في إسرائيل وهي:
حزب التجمع الوطني الديمقراطي » بلد« : ويترأسه جمال زحالقة، أسسه عزمي بشارة عام 1995 .
حزب
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ( حداش) رئيسه محمد بركة وهو
يؤمن بقيام دولة فلسطينية علي الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967
وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
حزب الحركة العربية للتغيير ـ
(تاعال): أسسه أحمد طيبي بعد انفصاله عن حزب بلد ويدعو الحزب
لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وتأسيس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
الحركة
الإسلامية- الجناح الشمالي: يتزعمها الشيخ رائد صلاح وتأسست الحركة
الإسلامية داخل أراضي 48 نهاية سبعينيات القرن الماضي علي يد الشيخ
عبد الله نمر درويش، لكنها انقسمت إلي شقين شمالي وجنوبي علي خلفية
المشاركة في انتخابات الكنيست عام 1996. حيث ترفض الحركة المشاركة
في الانتخابات.
حزب القائمة العربية الموحدة (راعام) الجناح
الجنوبي : ورئيسه إبراهيم صرصور تأسس عام 1996 للتأكيد علي تمثيل
العرب في الكنيست وفاز بخمسة مقاعد في انتخابات عام 1999 ولكن ما لبث
أن انفصل عنه عدد من مؤسسيه وكونوا الحزب العربي الوطني.وفي انتخابات عام
2003 فاز الحزب بمقعدين فقط . وفي الانتخابات الأخيرة تحالف الحزب مع
حزب تاعال وفازوا بأربعة مقاعد في الكنيست. وهما مازالا متحالفين في هذه
الانتخابات.
دعوة للمقاطعة
والجبهة التي تدعو لمقاطعة
الانتخابات هي الحركة العربية الوطنية "أبناء البلد" بقيادة محمد
كناعنة والحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح ويعتبرون الكنيست مؤسسة
مهمتها إضفاء الشرعية علي كل المخططات والقوانين العنصرية التي وضعت لتسرق
الحق الفلسطيني. ويرون أن مقاطعة الانتخابات تمثل وسيلة لفضح
الديمقراطية الإسرائيلية الزائفة.
أما الجبهة الثانية الداعية
للمشاركة، فتضم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة النائب محمد
بركة والقائمة العربية الموحدة برئاسة الشيخ إبراهيم عبد الله...
وبالرغم من رفض هذه الجبهة للنظام السياسي الصهيوني القائم فإنها تري في
المشاركة وسيلة هامة لتقوية الأحزاب العربية المناهضة للعنصرية وفي تقليص
قوة الأحزاب الصهيونية .
ولقد أظهرت استطلاعات الرأي أنه من المتوقع
أن تنخفض نسبة مشاركة عرب إسرائيل في التصويت هذه المرة. و يذكر أن نسبة
مشاركة العرب الإسرائيليين في الانتخابات انخفضت من 70 ٪ في
التسعينيات إلي 18 ٪ عام 2001 وكان ذلك ردا علي تعامل إسرائيل
بوحشية مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت عام 2000.
إلا
أن عام 2003 شهد تحسنا في نسبة مشاركة عرب إسرائيل في الانتخابات حيث
وصلت إلي 62 ٪ ولكنها عادت وانخفضت عام 2006 إلي 56 ٪
بسبب الحرب علي لبنان.
ويعيش الناخبون العرب حالة من الإحباط بسبب
الانقسامات داخل الصف العربي الإسرائيلي من جهة ، وضعف تأثيرهم في
الكنيست من جهة أخري. فرغم مرور أكثر من ستين عاما علي وجودهم داخل
الدولة اليهودية إلا أنهم مازالوا مهمشين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
ويعانون من عنصرية واضحة في كل قوانين الدولة التي تزعم أنها ديمقراطية.
ورغم أنهم يشكلون نحو 20 ٪ من سكان إسرائيل غير أنه لا يتوافر
لهم غير عشرة مقاعد في الكنيست.
بينما ينظر اليهود لهم علي أنهم
ليس لهم انتماء للدولة اليهودية بل علي العكس فهم أقرب لتأييد أية هجمات
علي إسرائيل كما أن أعضاء الكنيست العرب في نظر اليهود يقيمون علاقات
وزيارات مع بعض الدول العربية التي هي في حالة عداء مع إسرائيل مثل سوريا
ولبنان.
ووفقا لأحدث إحصائية لوزارة الخارجية الإسرائيلية في عام
2008 فإن عدد سكان إسرائيل يبلغ نحو 7 ملايين نسمة، يشكل
اليهود ما نسبته 75.5٪ منهم، فيما يشكل العرب 20.1٪ ويصنف
الباقي "آخرون" ونسبتهم نحو 4.4٪ ومعظمهم من المهاجرين الجدد
وذريتهم من غير المسجلين كيهود في الوزارة.
وبحسب الجهاز المركزي
للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد العرب داخل إسرائيل بلغ نحو 1.6
مليون عربي مع نهاية عام 2008. ويحق لـ 14٪ منهم المشاركة في
الانتخابات.
النمو السكاني
وليست الحرب علي غزة وحدها هي
السبب وراء الحملة الإسرائيلية علي العرب بل أن الأمر يتم الإعداد له منذ
سنوات وتحديدا بعد تصريحات نتنياهو في عام 2003 ووصفه لهم بأنهم قنبلة
ديموغرافية بسبب معدل النمو السكاني السريع للعرب مقارنة باليهود الأمر
الذي سيعني أن اليهود في المستقبل القريب لن يصبحوا أغلبية في إسرائيل.
وهي
المشكلة التي ظلت باقية أمام كل الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الوقت علي
اعتبار أنها مشكلة أمن قومي ولقد اتخذت الحكومات عددا من التدابير لتشجيع
اليهوديات علي الإنجاب مقابل الحصول علي مزايا من الدولة ولكن دون جدوي.
ويؤيد عدد كبير من السياسيين الإسرائيليين -وليس اليمين وحده - ترحيل
العرب إلي الضفة وغزة أو الدولة الفلسطينية المرتقبة لحل هذه المشكلة ولم
يتبق أمامهم سوي تحديد الوقت المناسب والتنفيذ.
ولا يوجد وقت أنسب
من وجود حكومة يمينية بعد الفوز المتوقع لليمين في هذه الانتخابات
وبالتالي فمن المتوقع أن توضع خطة ليبرمان لحل المشكلة الديموغرافية قيد
التنفيذ. وتتمثل في تبادل منطقة قريبة من الضفة الغربية يعيش فيها عشرات
الآلاف من عرب إسرائيل المنحدرين من الفلسطينيين العرب ممن ظلوا في بيوتهم
عند قيام الدولة العبرية من حولهم عام 1948 مقابل كتلتين استيطانيتين
كبيرتين في الضفة الغربية هما "ارئيل" في الشمال و"جوش عتسيون"
جنوبي بيت لحم.
انتخابات مصيرية حاسمة يواجهها عرب إسرائيل سواء
شاركوا فيها أو قاطعوها والتي تحمل لهم مخاطر الترحيل من أرض آبائهم
وأجدادهم.. كما فعلت إسرائيل بكل الفلسطينيين من قبل وهم الآن سيدفعون
ثمن غياب دورهم العربي داخل البرلمان الإسرائيلي منذ سنوات بعد أن فشلوا
في أن يصبحوا قوة سياسية لها تأثير علي الحكومات الإسرائيلية .