Admin Admin
عدد الرسائل : 6019 العمر : 124 الموقع : ساحات الطيران العربى الحربى نقاط : 10224 تاريخ التسجيل : 05/10/2007
| موضوع: ايران المعاصرة الأربعاء فبراير 11, 2009 11:06 am | |
|
إيران المعاصرة: لم يكن الإمام الخميني شيخ دين بالمعنى التقليدي... كان رجل يحمل مشروعا متكاملا سياسياً وثقافياً وحضارياً له رؤية خاصة للداخل الإيراني والإسلامي وللخارج حيث تشابك العلاقات الدولية وهيمنة الدول الرأسمالية على مقاليد الأمور في بلاد المسلمين. على المستوى السياسي خرج الخميني عن المألوف لدى الشيعة فكسر الإطار الفكري والفلسفي التقليدي لمسألة الانتظار والتقية... ذلك يعني أنه وضع نفسه في خندق المواجهة والنضال... وخرج عن المألوف لعالم الدين المسلم الذي ارتضى في أكثر لحظات تألقه أن يكون دور العالم هو النصح والصدع بالحق فذهب إلى إعلان أن لا قيادة لمجتمع المسلمين إلا للعلماء العاملين الفقهاء بدينهم ودنياهم وحسب مصطلحه (ولاية الفقيه)... وتحرك ببراعة ودأب لجمع الأدلة واستنباط الأحكام الشرعية لجعل هذا الأمر أهم مسلمات نظرية جمعت إليها عشرات العلماء الكبار والمثقفين المتميزين والمفكرين على مستوى عالمي... وركز الخميني نظره على أسباب تدهور المسلمين فوجد أن الأمر لا يعدو سبباً رئيسياً وهو عدم قيامهم بالتصدي لجرائم المستعمرين وذلك في إطار حكومة إسلامية تقيم حدود الشرع وتحيي قيم الإسلام وتزيل الفوارق بين المسلمين المذهبية والطبقية والقومية فتكون منهم قوة تتمكن من فرض وجودها لحماية المسلمين ومصالحهم... والتصدي للظلم ونصرة المستضعفين. كانت هذه العناصر الأساسية لنظرية الإمام الخميني وهي إلى حد ما متشابهة مع نظرية الحركة الإسلامية العالمية بشكل عام... إلا أن الإمام الخميني تميز في تطبيقات النظرية حيث اعتبر إسقاط ليس الشاه فقط بل كل نظام الحكم المرتبط باستراتيجيات أعداء الأمة هدفاً أساسياً لإنجاح النظرية. في المرحلة الزمنية التي تخللتها عملية التعبئة والتحريض والتنظيم ترعرع جيل من الشباب والكوادر الملتزمين بهذه النظرية المصممين على إسقاط الشاه وإسقاط الوجود الأمريكي في المنطقة فكان شعار »الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل« هي القاعدة الفكرية والسياسية لنشاط التيار الإسلامي الذي يهتدي باجتهاد الخميني... وقد أحدث هذا التيار تغييرات جوهرية في ترتيب طبقات المجتمع وثقافته، فلقد تمكن باقتدار أن يزيح العلمانيين المتغربين عن سدة قيادة الثقافة في المجتمع ويزيح علماء الدين الخاملين عن القيادة الروحية للمجتمع وأن يتبوأ قيادة النضال السياسي، وأظهر قيم الإسلام وعاداته وشعائره في عاصمة كانت تعتبر من أكثر عواصم المسلمين تقليداً للغرب وثقافته. سقط الشاه وإذا بالعالم كله يقف على قدم واحدة وهو يرى مئات المتخصصين والموسوعيين من المفكرين والاختصاصيين يتحركون بدأب لملء فراغ أحدثه انسحاب النخبة المتغربة وفرارها من البلد... وفي مرحلة قياسية تمكنوا من بناء وضع سياسي وعسكري يتناسب وروح الثورة ومشروعهم. إلا أن الثورة واجهت تحديات كبيرة على المستوى الدولي حصار شامل وعدم اعتراف بشرعية الحكومة الجديدة وواجهت عدواناً أمريكياً مسلحاً مباشراً... وعلى المستوى الإقليمي وقف المال العربي ومعظم النظام العربي داعماً لصدام حسين لإسقاط النظام الإسلامي في إيران، وداخلياً كانت مجموعات (مجاهدي خلق) ومن خلال دعم لوجستي أوروبي وإقليمي تشن حملة منظمة لتصفية قادة الثورة وكوادرها الرئيسيين وراح نتيجة هذه الحملة شخصيات كبيرة كرئيس الجمهورية (رجائي) ورئيس الوزراء (بهنوار) ومفكر الثورة (مرتضى مطهري) ورئيس البرلمان (بهشتي) وشهيد المحراب (صدوقي) وأكثر من ثلاثين شخصت في قيادة المشروع الإسلامي في إيران وهم قيادة مجلس الشورى... ومئات الكوادر في المناطق المختلفة، كما تعرضت الكثير من المؤسسات الإيرانية في إيران وخارجها للتخريب. صمدت الثورة الإسلامية وانهزمت القوى الدولية والإقليمية والداخلية مرحلياً... بمعنى أكثر دقة فشلت الحلقة الأولى من حلقات التآمر على الثورة. شهدت فترة 1990-2003 تحولات دولية وإقليمية استراتيجية... في هذه الفترة، سقط الاتحاد السوفييتي وانهارت الكتلة الشرقية وحاصرت أمريكا العراق ثلاثة عشر عاماً وتوجت ذلك باحتلاله، وأرست قواعدها العسكرية في الخليج والجزيرة العربية بشكل محكم، واستطاعت أن تأتي بالأردنيين إلى اتفاقية سلام ومعاهدة صداقة مفضلة مع إسرائيل؛ وأن تلزم الفلسطينيين باتفاقية حكم محلي محدود حسب اتفاقية (أوسلو). كانت هذه الفترة هي التي أعقبت الحلقة الأولى من التآمر على إيران... فاجتهد الإيرانيون في هذه الفترة على اختراق الحصار الدولي... ومن خلال دورات رئاسية تعاقب عليها رفسنجاني وخاتمي قدمت إيران محاولات سياسية وأخرى ثقافية لاختراق الحصار ونجحا إلى حد كبير في إنجاز صيغ لعلاقات إقليمية ودولية. انتهت المرحلة الانتقالية (1990 ـ 2003) التي أنجزتها الثورة الإيرانية بهدوء وبناء وخطط خمسية استغرقت مئات مليارات الدولارات تمكنت إيران من خلالها التأسيس لبنية اقتصادية وعسكرية وصناعية معتبرة. دخلت أمريكا المنطقة واحتلت العراق وأصبحت الجيوش الأمريكية على حدود إيران... وأساطيلها في الخليج العربي... بالنسبة لإيران فإن انهماك الجيوش الأمريكية والسياسة الأمريكية في المستنقع العراقي يعني إتاحة فرصة أكبر للإفلات بمشروعها النووي الذي أصبح عنوانا كبيرا للتحدي الإيراني المطروح على منظومة العلاقات الدولية التي تشكلت على ضوء نتائج الحرب العالمية الثانية. جاءت حرب إسرائيل على لبنان والتي استهدفت إنهاء المقاومة اللبنانية تحمل هدفين متناقضين... كان الهدف الأمريكي واضحا وقد عبرت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية بقولها: »إن ألم المخاض (الحرب) سينتج عنه شرق أوسط جديد«... كان الإيرانيون مدركين بأن نتائج هذه الحرب ستغير شروط اللعبة في المنطقة وسترغم الأمريكان على التنازل وهذا ما عبر عنه الشيخ رفسنجاني مباشرة في خطبة الجمعة التي أعقبت انتهاء العدوان الإسرائيلي... ومن نتائج صمود المقاومة أن كوفي عنان وفرنسا وعدة دول أوروبية أكدوا بضرورة حضور إيران في أي محادثات بخصوص الأزمة اللبنانية... وهكذا فإن الملف اللبناني والملف العراقي وإمكانية إغراق الجيش الأمريكي والإسرائيلي فيما سيكونان جسر العبور لنجاح الملف النووي... وبهذا تكون إدارة الصراع التي تتحلى بها القيادة الإيرانية الحالية وصلت إلى نقطة اللارجعة بعد رفض إيران للشروط الأمريكية... وأصبح باب النادي النووي مفتوحاً ولو على خجل لدولة معادية لأمريكا وسياساتها. إيران المعاصرة تحمل مشروعا واضح المعالم... إنها لم تتخل عن حرف واحد من مشروع الخميني وما تقديمها لهذا الشاب أحمدي نجاد ليرأس الجمهورية إلا تعبيراً عن التزامها بخط الخميني في العلاقات الإقليمية والدولية. وأمريكا تدرك أن عدة ملفات حساسة وخطرة لدى إيران القدرة على تفجيرها في وجهها... كما أن أوروبا تدرك أنها لا ينبغي لها دخول معركة أمريكا الخاسرة مع إيران... أما روسيا والصين فهذه الفرصة التاريخية الحقيقية في إيقاف التغول الأمريكي في العالم وتحجيم التمدد الأمريكي في المنطقة... لهذا كله نحن مقبلون على جولة تاريخية حاسمة سيتحدد على ضوئها دور إيران الإقليمي... بل ومستقبل المنطقة والى حد ما منظومة العلاقات الدولية.
| |
|