أشعر في كثير من الأحيان بأن بلدنا مستباح، وأن أي شخص مهما كانت درجة
عدائه للأردن يستطيع ان يحصل على أدق المعلومات عنه ، بغير كبير عناء في
ظل حالة الفوضى والتساهل ، واللامبالاة التي تسود بلدنا الذي لم تعد
قوانينه تحترم ولا تنفذ في الكثير من الأحيان. من ذلك على سبيل المثال: أن
القانون يحصر عمليات الاحصاء وجمع المعلومات عن الأردن والأردنيين بدائرة
الإحصاءات العامة أو بإذن منها وتحت إشرافها على أقل تقدير. ومع ذلك فإن
الكثير من الجهات تقوم بجمع البيانات والإحصاءات والمعلومات عن الكثير من
جوانب الحياة في الأردن وعن أوضاع الأردنيين المعيشية وأرائهم السياسية
وتوجهاتهم الإجتماعية وغير ذلك من المجالات دون إذن أو تنسيق مع الجهات
المعنية وفي طليعتها دائرة الاحصائات العامة، ويزيد الطين بلة أن بعض هذه
الجهات بل أكثرها تقوم بجمع المعلومات والإحصاءات والبيانات عبر الاتصالات
الهاتفية دون أن تقدم للناس ما يثبت هو يتها والغاية من جمعها لهذه
الإحصاءات والبيانات والمعلومات ولا إلى أي جهة ستقدمها على ان أسوء مافي
الأمر سرعة تجاوب الناس مع هذه الهواتف وتقديمهم المعلومات المطلوبة دون
أن يكلف أحدهم خاطره بالسؤال عن خطورة هذه المعلومات ، والجهة التي
ستستفيد منها وهذا مؤشر على غياب الحس الأمني لدى الغالبية الساحقة من
الأردنيين الذين يستسهلون تقديم هذه المعلومات لمن يطالبها باعتبارها
معلومات سخيفة وغير مهمه . ويفوتنا في هذا المجال أن هناك عمليات ربط و
تحليل لهذه المعلومات تقود إلى نتائج خطيرة وهامة . قد توضع على أساسها
خطط واستراتيجيات. وقد تتخذ على ضوئها أيضاً قرارات خطيرة . كما يفوتنا
أيضاً أن النسبة الساحقة من مصادر معلومات أجهزة الإستخبارت في العالم
تؤخذ مما ينشر في الصحف ووسائل الإعلام ومما يتداوله الناس في مجالسهم حيث
يتم إخضاعها للتحليل والإستناج وهذا بدورة يقودنا إلى حجم الإختراق الذي
يعاني منه الإعلام الأردني، ليس من خلال تطوع محسوبين عليه لتقديم معلومات
غاية في الخطورة لجهات غير أردنية، علاوة على قيام أجهزة إعلام أردنية
مكتوبة ومسموعة ومرئية وإلكترونية بنشر الكثير من الإشاعات ، أومما يقوله
المسؤولون الأردنيون خلف الأبواب المغلقة ليقرؤوه بعد قليل عبر إعلام ، لا
يقدر القائمون عليها خطورة نشرهم لهذا الكلام الذي قد يبدوا لهم سخيفاً .
أو أنهم يقومون بنشره من باب المباهاة بأنهم يعلمون ما لا يعلمه غيرهم من
الناس ، عن سياسات الدولة ومواقف رجالها الظاهرة والمخفية هذا إضافة إلى
القضية التي تكثر الشكوى منها أعني قضية إساءة بعض وسائل الإعلام إلى
الأردن عبر نشرها لمعلومات غير دقيقة عمّا يجري في بلدنا . وتضخيم بعض
الاخطاء والسلبيات. وتصويرها وكأنها كوارث تحت مسمى حرية الإعلام . وكأن
الأردن هو البلد الوحيد في العالم الذي لا يجوز أن تكون فيه للإعلام
ضوابط. وهذا خطر حقيقي على بلدنا . يجب الإنتباه إليه خاصة وأنه ليس من
مهمة الجواسيس جمع المعلومات فقط، ففي كثير من الأحيان تكون مهمة هؤلاء
الجواسيس نشر المعلومات على شكل إشاعات أو على شكل معلومات منسوبة إلى
مصادر غير معلنة بهدف زعزعة الاستقرار وخلق حالة من البلبلة في البلاد، أو
بهدف إخضاع ثوابتها للنقاش والجدل.
إن ما تقدم ليس هو كل أوجة الاختراق لأمننا الوطني ، بل هو جزء من الصورة
وهناك أجزاء أخرى منها. لا بد من الإنتباه إلى خطورتها؛ من ذلك على سبيل
المثال أن عقدة لسان الأردنيين تنحل أمام أي أجنبي «يرطن» بغير العربية.
فنتحدث بأدق شؤوننا الخاصة ونشكو إليه همومنا الشخصية والعامة. ونبدي له
سخطنا من قرارات حكومتنا. ونتبرم أمامه من رداءة إداء مجلسنا النيابي دون
أن نعرف حقيقة هذا الأجنبي وما هي الفائدة التي نجنيها من بوحنا له بكل
شيء يتعلق ببلدنا وأمتنا. متناسين أن الكثير من الجواسيس يختبئون وراء
يافطات إعلامية أو بحثية أو دبلوماسية . وعلى سيرة الدبلوماسية نحب أن
نحذر من هذا الفلتان الذي يمارسه الدبلوماسيون الأجانب في بلادنا، والذين
يتجولون في البوادي والأرياف و يزورون المؤسسات الرسمية والأهلية بل
ويشاركون في الندوات والمؤتمرات التي تناقش قضايانا المحلية دون أدنى
تنسيق مع وزارة الخارجية الأردنية .
وعلى سيرة الدبلوماسية والدبلوماسيين والبحث والباحثين وغيرها من اليافطات
التي يتستر وراءها الجواسيس ، ويتم من خلالها جمع المعلومات عن بلدنا
وأمتنا ، نحب أن نذكر أولاً بالدور الذي لعبه المستشرقون بالتمهيد
للإستعمار الذي إجتاح بلادنا بعد أن قام هؤلاء المستشرقون بجمع المعلومات
عن طبائع الناس وتوجيهاتهم والعوامل التي تؤثر في سلوكهم. بالإضافة إلى
المعلومات التي جمعوها عن الجغرافيا ومواقعها المختلفة مما وفر ثروة
معلوماتية ضخمة للسياسيين والعسكريين الذين خططوا لإحتلال بلدنا
وإستعمارها. وهو الدور الذي تقوم به بعض مراكز الدراسات والأبحاث التي
تقدم لجهات غير أردنية وبصورة منتظمة تقارير عن أسعار السلع الأساسية في
الأردن . وعن الإشاعات والنكات التي يرددها الأردنيون ، وعما يجري في
صالونات عمان وغير عمان من أحاديث .هذا إضافة إلى عقد ندوات وورشات عمل
حول الكثير من القضايا الإجتماعية والسياسية والاقتصادية يتمويل أجنبي
مقابل الحصول على نتائج هذه الندوات وورشات العمل، ونظن أن هذا باب من
أبواب الجاسوسية يجب أن يقفل .
يقودنا الحديث عن عقدة لساننا التي تحل أمام الأجنبي ، وعن الجاسوسية التي
تستتر وراء الدبلوماسية إلى الحديث عن الهجرات السكانية المتتالية التي
تعرض لها بلدنا بفعل الازمات التي عاشتها المنطقة. فمن منا يعرف عدد
الجواسيس الذين تدفقوا من خلال هذه الهجرات ؟ أوعدد الخلايا النائمة التي
دخلت إلى بلدنا بينهم بانتظار الفرصة السانحة لتمارس التخريب بين ظهرانينا
؟
قضية أخرى يجب أن نلفت النظر إليها ونعتقد أنها باب من أبواب الجاسوسية
على بلدنا وأمتنا أعني بها الثرثرة الهاتفية. فقد صار من المعلوم أن من
أهم مصادر معلومات أجهزة المخابرات المعادية التصنت على أجهزة الهاتف
واختراق المكالمات الهاتفية وهو ليس بالأمر المستحيل، بل لعله في كثير من
الأحيان في غاية السهولة. وقد سمعنا عن قصص لأشخاص امتلكوا أجهزة
الكترونية بسيطة، استطاعوا من خلالها تتبع مكالمات هاتفية ابتزوا بعدها
أصحاب هذه المكالمات خاصة السيدات ، لذلك فإننا نحذر من هذا الفلتان
الخلوي - نسبة إلى الهاتف الخلوي- الذي يمارسه الأردنيون ،حيث يتبادلون
على هواتفهم الخلوية أدق أسرارهم الشخصية والرسمية، دون أن يتذكروا أن
هناك من يتنصتون عليهم ليعرفوا أدق أسرارهم ، بما في ذلك ما يجري في غرف
نومهم ولو كان هؤلاء المتنصتون من أبناء جلدتهم لهان الأمر. لكن الفضاء
صار مفتوحاً للجميع وعلينا أن نتذكر هذه الحقيقة لعلها تلجم ألسنتنا عن
الثرثرة. ولعلنا نتوقف عن أن نهرف بما لا نعرف.
خلاصة القول : أن حماية الامن الوطني ليست مسؤولية الأجهزة الأمنية وحدها
ولكنها مسؤولية تقع على عاتق كل منا لذلك فإننا نحتاج إلى إعادة بناء حسنا
الأمني على صعيد ممارستنا اليومية، ولنتذكر أن شبكات التجسس زادت في مصر
بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وأن العدو الإسرائيلي ما زال ينظر إلينا
كعدو. وإلى بلدنا كضفة أخرى لنهر الأردن حيث يردد المتعصبون الإسرائيليون
الذين فازوا بانتخابات الكنيست الأخيرة صباح مساء للأردن ضفتان ال