تراجع الدور المصري في المنطقة
الأزمة التي نشأت عن أسر الجندي
الإسرائيلي على يد ثلاث من فصائل المقاومة الفلسطينية لم تكشف فقط الضعف
العربي مجدداً، وأن قلة الحيلة العربية تتفاقم بشكل مستمر، بل كشفت أيضاً
أن الدور المصري، أبرز معالم قلة الحيلة العربية، يتآكل بشكل واضح.
والمقصود بتآكل الدور المصري هنا هو أن قدرة مصر في التأثير على الأحداث
والسياسات الإقليمية المتصلة بمصلحة مصر والمصلحة العربية، تتراجع بشكل
واضح ومستمر. دول عربية أخرى تعاني من الظاهرة نفسها، لكن الحالة المصرية
تتميز في أنها الدولة العربية الأكبر، وأن السبب الرئيس لما يحدث لدورها
هو في الأساس السياسة المصرية نفسها. ليس من الصعب على أي مراقب ملاحظة أن
الدور المصري تراجع في أفريقيا مثلاً لصالح دول مثل جنوب أفريقيا وليبيا.
بل إن الأخيرة بما تملكه من ثروة نفطية، واستمرار واشنطن في تطبيع
علاقاتها مع طرابلس، سوف تزيد من تأثير الدور الليبي في القارة. ولعل تعثر
الوساطة المصرية، وربما فشلها كما يبدو، في إيجاد حل لأزمة الجندي
الإسرائيلي الأسير، هو آخر المؤشرات على تآكل الدور المصري. فشلت مصر في
إقناع "حماس"، وفشلت مع سوريا أيضاً. ولذلك اتجه الرئيس حسني مبارك إلى
الرياض في محاولة للاستعانة بها.
كانت النظرية المصرية أن علاقاتها
مع إسرائيل ستوفر لها نافذة للتأثير على السياسة الإسرائيلية، لكن واقع
الأمر، وبعد أكثر من ربع قرن على اتفاقيات كامب ديفيد، هو على العكس من
ذلك. أصبحت إسرائيل هي التي تستفيد من السياسة المصرية، ومن تآكل الدور
المصري في المنطقة. الدور الإسرائيلي يتنامى مع تنامي القوة الإسرائيلية.
الدور التركي كذلك يتنامى. ثم يأتي بعد ذلك الدور الإيراني الذي ينطلق من
أن هناك دوراً إقليمياً لإيران لابد من الاعتراف به دولياً. في المقابل
يتراجع الدور العربي، وتحديداً الدور المصري.
في الأزمة الحالية يبدو أن ضعف الدور المصري مرتبط بسيطرة اليمين على
الحكم في إسرائيل، من ناحية، ودخول المقاومة الفلسطينية ممثلة بـ"حماس" في
لعبة الحكم في فلسطين المحتلة، من ناحية أخرى. كل منهما يحاول في هذه
الأزمة توظيف الدور المصري لمصلحته، لكن من دون أن يكون حليفاً لمصر، أو
مرتبطاً بالسياسة المصرية. تدرك القيادة المصرية لهذه الطريقة التي يتعامل
بها كل منهما مع دورها هنا. لكن اللافت أن القيادة المصرية لا ترى في ذلك
ما يفرض عليها تغييراً في هذا الدور، لأن هدف مصر بشكل عام، ومن جهودها
لإيجاد مخرج للأزمة الحالية تحديداً، هو تجنب التصعيد العسكري الإسرائيلي
فقط. ما هو الهدف المصري بعد ذلك؟ وهل يمكن بالفعل وضع خطة على المدى
الطويل لتفادي التصعيد العسكري كطريقة للتعامل مع مثل هذه الأزمة؟ هذه
أسئلة لن تجد إجابة عليها في السياسة المصرية. الأسوأ، وحيث إن إسرائيل هي
مصدر التصعيد دائماً، أن مصر لا تستطيع تقديم أية ضمانات بأن إسرائيل لن
تستخدم التصعيد العسكري في أية لحظة تراها. وهذا يعكس انعدام التأثير
المصري على السياسة الإسرائيلية. والأرجح أن هذا هو أهم الأسباب لكون
السياسة المصرية تكتفي بالحلول المؤقتة، أو الإدارة المؤقتة للأزمات التي
تتوالد بشكل متواصل بحكم طبيعة الصراع الدائر في المنطقة، وبسبب السياسة
الإسرائيلية.