عدد الرسائل : 6019 العمر : 124 الموقع : ساحات الطيران العربى الحربى نقاط : 10224 تاريخ التسجيل : 05/10/2007
موضوع: بروتوكولات ملالى ايران الأربعاء يوليو 08, 2009 7:25 am
ــ فى عام 1958 , توفى " عبد الحسين شرف الدين " المرجع الدينى لشيعة لبنان بعد أن أوصى أن يخلفه فى مرجعيته حفيد المرجع " عبد الحسين العاملي " أحد كبار علماء الشيعة اللبنانيين الذين ساهموا في ترسيخ المذهب الاثنى عشرى فى بدايات الدولة الصفوية واستقروا فيها كما ذكرنا فى الحلقة السابقة . ـ كان هذا الحفيد هو الامام الشيعى " موسى الصدر " الذى ولد فى ايران وتتلمذ على يدى " الخمينى " قبل أن يصبح صهرا له ، وتنفيذا للوصية ، التى أثبتت مع مرور الأيام بعد نظر الموصى وصواب اختياره ! جاء " موسى الصدر " الى لبنان سنة 1958 وعمره حوالى الثلاثين عاما ، وحصل على الجنسية اللبنانية وبدأ فى التفاعل الفورى مع القوى السياسية المختلفة بطريقة ذكية تنم عن دهاء كبير يفتقده الكثير من السياسيين المحترفين ربما يعود الى خلفيته العلمية كأحد خريجى كلية الحقوق والاقتصاد والسياسة من جامعة طهران ، طريقة اعتمدت على تكثيف الروابط داخل لبنان وخارجه ، فأصبح الرجل قطبا لبنانيا كبيرا له وزنه المحلى والاقليمى ، وصاحب رسالة " سياسية " محددة لخدمة طائفته نذر نفسه لتحقيقها بكل اخلاص وبطريقة تستوجب الاحترام حتى لو اختلفنا معه ، ساعده على ذلك الدعم المالى الكبير الذى قدمه شاه إيران وقتها " محمد رضا بهلوي " الذى كان حريصا ، لأسباب سياسية ، على قمع الحركات الدينية داخل إيران ، سنية أو شيعية ، حريصا على دعمها الكامل خارجها ، وعلى رأسها حركتا " موسى الصدر " في لبنان ، و" محمد باقر الصدر " في العراق ، لذلك فقد دعم الشاه تنفيذ وصية المرجع " شرف الدين " على أساس أن ذلك من شأنه تعزيز مشروع الهلال الشيعى ، العراق وسوريا ولبنان . ـ كانت الطائفة الشيعية اللبنانية عند وصول " الصدر " متفرقة مشتتة ليس لها أى ثقل أو تأثير يذكر على الساحة السياسية اللبنانية ، حتى فى معقلها التاريخى فى " جبل عامل " فى الجنوب اللبنانى الذى أصبح يعج بالفلسطينيين النازحين من الأراضى المحتلة تحت وطأة المذابح الصهيونية ، وكانت خاضعة لهيمنة الطائفة السنية باعتبارها صاحبة مذهب " اسلامى " ، أو كما يقول الأستاذ " عبد المنعم شفيق ـ حزب الله رؤيا مغايرة " ( جاهد الصدر كثيراً لضم الشتات المبعثر لشيعة لبنان ، وما إن بدأ الالتئام حتى سعى إلى الانفصال التام بالشيعة باعتبارها طائفة مستقلة عن المسلمين السنة في لبنان ، فقد كان للمسلمين في لبنان وقتها مُفتٍ واحد ودار فتوى واحدة ، وكان المفتي وقتها هو الشيخ حسن خالد ، رحمه الله ، وادعى الشيعة أن الشيخ حسن خالد رفض التوصل إلى عمل مشترك معهم ، وفكر الشيعة في إنشاء "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" عام 1966م ووافق مجلس النواب اللبناني على إنشائه واختير الصدر رئيساً للمجلس ، وبهذا أصبح الشيعة طائفة معترفاً بها رسمياً في لبنان كالسنَّة والموارنة ، وأصبح هذا المجلس المرجعية السياسية والدينية الجديدة التي تهتم بكل ما يتعلق بالشيعة اللبنانيين وبجميع شؤون حياتهم ومماتهم ) . ـ وبعد نجاحه فى انشاء هذا " المجلس الشيعى " ، أثبت " الصدر " مرة أخرى أنه بالفعل رجل سياسة من الطراز الأول بامكانه تحريك الشارع واستقطابه بكل أطيافه ، وذلك حين قام ، ربما اقتداء بالزعيم الهندى " غاندى " وتجربته المشابهة الناجحة ، بتأسيس حركة اجتماعية سماها " المحرومين " كانت تنادى بتحسين أحوال الشيعة اللبنانيين خاصة فى الجنوب ، وضع لها شعارات براقة ، كالإيمان بالله والحرية والعدالة الاجتماعية والوطنية و " تحرير فلسطين " ! ، مروجا أن الحركة تأسست لتكون ملاذا لجميع المحرومين وليس للشيعة فقط ، وبذلك استطاع تجميع وتوحيد عناصر الشيعية اللبنانية المختلفة داخل الإطار القوى لحركته ، وأن يجعل من " الحرمان " ، بما تحمله الكلمة من إيحاء بالزهد والتجرد من متع الدنيا ، شعارا مميزا لهم بصرف النظر عن الفروق الاجتماعية والثقافية والمادية ، وهو ما ساعده أيضا على استقطاب الشباب الذى سبق وانضم الى تنظيمات سياسية مدعومة من سوريا أو العراق أو تظيمات ماركسية ويسارية مختلفة بسبب افتقاده لوجود تنظيم لبنانى قوى يعبر عن ايدولوجية سياسية واضحة وحقيقية يستطيع من خلاله المشاركة فى العمل السياسى الوطنى . ـ كان من أهم التنظيمات المنضمة تحت لواء حركة " المحرومين " هى " الجماعة الإسلامية " الشيعية الإيرانية الولاء لاحقاً ، والتى تحولت بعد ذلك الى جناح مسلح عرف باسم " أفواج المقاومة اللبنانية " وعبر عنه اختصارا بحركة " أمل " وكان هدفه الأول توفير الأمن للطائفة ثم التحول بلبنان كله الى دولة شيعية متى أتيحت الفرصة ، وكان أحد أهم عناصر هذا التأمين الى تَشَكَلَ الجناح المسلح على خلفيتها هو مواجهة اللاجئين الفلسطينيين ، وأغلبهم من المسلمين السُنّة , بعد أن شكل وجودهم الكثيف فى الجنوب اللبنانى بما يقترب من النصف مليون نسمة منذ 1948 ، اضافة الى الفارين بعد ذلك من مذابح " أيلول الأسود " نتيجة مواجهة التنظيمات الفلسطينية مع السلطة الأردنية ، شكل خللا فى موازين القوى داخل لبنان بين السنة والشيعة لصالح السنة ، وبالتالى أصبح وجودهم يمثل خطرا شديدا لعدة أسباب أهمها : ـ أولا : اتخاذ الفلسطينيين من الجنوب اللبنانى قاعدة لعملياتهم الفدائية ضد الصهاينة ، ربما اقتناعا منهم بالقومية العربية وبأن الجرح الفلسطينى جرح لكل العرب ، وهو ما أسفر عن الغارات الاسرائيلية المتواصلة التى ربما كان تركيزها على مناطق وقرى الشيعة لدفعهم الى الثورة على الفلسطينيين واخراجهم من الجنوب الى الأبد . ـ ثانيا : خطورة استقرار الفلسطينيين ، السنة على أغلبهم ، فى الجنوب بعتادهم وسلاحهم وخبرتهم القتالية حتى ولو لم تحدث منهم عمليات فدائية ضد الصهاينة ، وعلى خلفية العداء التاريخى بين السنة والشيعة ، كان من البديهى أن يشكل ذا الوضع تهديدا قويا ومباشرا على وجود الطائفة الشيعية وسطوتها التى خلقها " الصدر " ونَسْف كل الجهود التى بذلها لتوحيدها . ـ هذا الموقف الشائك فى الجنوب ، تناوله " الصدر " بكل حذر وكياسة ، فداهن المقاومة الفلسطينية بما ذكره فى أدبيات حركة المحرومين ( فلسطين ، الأرض الـمـقــدســـة التي تعرضت ، ولما تزل ، لكل أنواع الظلم ، هي في قلب حركتنا وعقلها ، وإن السعي إلـى تحـريــرها أول واجباتنا ، وإن الوقوف إلى جانب شعبها وصون مقاومته والتلاحم معها شرف الحركة وإيمانها ) ، وهى مناورة ، فى رأيى الذى قد يحتمل الخطأ ، سببها يقين " الصدر " أنه لم يكن بوسعه ولا بوسع حركته البقاء والاستمرار على الساحة اللبنانية اذا استشعر الفلسطينيون خطرها من اللحظة الأولى ، وأن أى صدام مع الفلسطينيين فى بدايات تجميع حركته ستكون نتيجته لصالحهم لا ريب ! اضافة الى أنه لم يكن بمقدور شيعة لبنان تغيير الوضع فى الجنوب لصالحهم قبل أن يصبح لهم كيان مسلح قوى ، لذلك وضع " الصدر " منذ البداية خطة بعيدة المدى تركزت فيها استراتيجيته على محورين : الأول : النهوض بالطائفة الشيعية ودعمها اجتماعيا وعلميا ، بعيدا عن العمل الدينى أو السياسى بشقيه المدنى والعسكرى ، وذلك للقضاء على آفات أى مجتمع وأسباب ضعفه من فقر وجهل ومرض ، فانشأ مدارس ومعاهد تعليم مهنية ومستشفيات ومراكز رعاية اجتماعية وكل ما من شأنه التدعيم بعناصر القوة الاجتماعية ان جاز التعبير ، مع ترك حقل العلوم الدينية والامامية الى المرجع " حسين فضل الله " الزعيم " الروحى " لحزب الله بعد ذلك وصاحب المقولة الشهيرة ( لم يـكـن هؤلاء الذين حكموا العالم الإسلامي في الماضي يحكمون باسم الإسلام ) " باتريك سيل ـ الأسد .. الصراع على الشرق الأوسط " ، وأيضا مقولته الأشهر ( الفقيه العادل هو أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم ) " وضاح شرارة ـ دولة حزب الله " . ثانيا : التحول ، بعد امتلاك عناصر القوة المجتمعية والاستقلال عن الطائفة السنية ، الى حركة سياسية ذات أنياب واظافر منذ 1974 عندما خطب " الصدر " يوم 18 فبراير من نفس العام ، أو فلنقل أعلن عن هذا التحول قائلا ( إن اسمنا ليس الـمَـتَاوِلة ، إننا جماعة الانتقام ، أي هؤلاء الذين يتمردون على كل استبداد ، حتى إذا كان ذلك سـيـكـلـفـنـا دمَنا وحياتنا ، إننا لم نعد نريد العواطف ، ولكن نريد الأفعال ، نحن تعبون من الكلمات والخـطابات ، لقد خطبت أكثر من أي إنسان آخر ، وأنا الذي دعا أكثر من الجميع إلى الهدوء ، ولـقــد دعوت إلى الهدوء بالمقدار الذي يكفي ، ومنذ اليوم لن أسكت أبداً ، وإذا بقيتم خاملين ، فأنا لست كذلك " ، " لقد اخترنا اليوم فاطمة بنت النبي ، يا أيها النبي ، يا رب ، لقد اجتزنا مرحلة المراهقة ، وبلغنا عمر الرشد ، لم نعد نريد أوصياء ، ولم نعد نخاف ، ولقد تحررنا ، على الرغم من كل الوسائل التي استخدموها لمنع الناس من التعلم ، ولقــد اجتمعنا لكي نؤكد نهاية الوصاية ، ذلك أننا نحذو حذو فاطمة ، وسننتهي كشهداء" ) " الإمام المستترـ فؤاد عجمي " ، " الإسلام الشيعي عقائد وأيديولوجيات ـ يان ريشار ترجمة حافظ الجمال ـ بيروت " ، مع ملاحظة أن كلمـة " المتاولة " يطلقها أهل الشام على الشيعة ومعناها " الذين يؤلون كتاب الله وآياته والأحاديث النبوية الشريفة " وذلك من باب رفضهم للتسليم المطلق بكتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم . ـ ثم وعلى نفس المحور ، وفي خطابه فى 20/1/1975 دعا " الصدر " المواطنين اللبنانيين إلى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية ، حسب مبرره المعلن وقتها ، ثم أعلن في مؤتمر صحفي فى 6/7/1975 عن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية " أمل " , على إثر إنفجار وقع في معسكر تدريبي لحركة " المحرومين " في قرية " عين البنية " في قضاء بعلبك الهرمل ، قتل فيه أكثر من 35 من شباب الحركة ، ورغم أن لبنان وقتها كان مسرحاً لانفجارات أعنف وأكثر دماراً لم تكن تستهدف طائفة معينة ، إلا أن إنفجار " عين البنية " كانت له نتائج مختلفة أسفرت عن ولادة الجناح المسلح الذى أراده " الصدر " لتعزيز قدرة طائفته العسكرية ، ومن الطريف ، أو المبكى ، أن الزعيم الفلسطينى الراحل " ياسر عرفات " هو الذى اقترح الاسم " أمل " على " الصدر " ، ( " نبيه بري " لمجلة الوسط عدد 28/4/1997) . ـ الشاهد أن " الصدر " ، ذلك السياسى البارع ، حرص على توطيد تحالفه وعلاقاته الجيدة مع الفلسطينيين فى بداية تأسيس حركته احتماء بهم عسكريا ضد أى قوى لبنانية أخرى تحاول إجهاض مشروعه الوليد ، لذلك استطاع الوصول بعلاقاته مع الفلسطينيين ، جيران الجنوب الأقوياء ، الى الحد الذى جعل منظمة " فتح " بما لها من خبرة قتالية كبيرة ، تتولى بنفسها تدريب ميليشيات " حركة أمل " على فنون القتال المختلفة بكل اخلاص ومثابرة ، بل وامدادها ببعض الأسلحة البسيطة أيضا دون أن تعلم أنهم يتدربون تحت يديها اليوم لقتالها غدا !! ( كينيث كاتزمان ـ الحرس الثوري الإيراني نشأته وتكوينه ودوره ، وضاح شرارة ـ دولة حزب الله ) . ـ هكذا كانت براعة " الصدر " فى الانتقال خلال أقل من العشرين عاما ! بمجموعة من " الأُسر" الشيعية المتشرذمة المفككة دون رابط ، الى مجتمع موحد قوى يشبه الدولة المستقلة يعتمد فى بقائه على عقيدته وتلاحمه وقوته لا على الدولة الرسمية ، مجتمع له اقتصاده وعلومه وتكافله الاجتماعى وعلاقاته الخارجية بل وجيشه شبه النظامى أيضا ، الأمر الذى فشل فيه بجدارة أغلب زعماء الدول العربية الذين توافرت لهم كل العناصر والمقومات اللازمة لاقامة دولة قوية ، ولم يبدأوا بأظافرهم من الصفر كما فعل " الصدر " ! ألا يستوجب ذلك احترام الرجل ، سياسيا ، حتى لو اختلفنا معه ومع أهدافه وعقيدته ؟! ، ونستكمل فى حديث قادم ان أراد الله تعالى ، ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية .