هذه إحدى أخطر المحاولات التي كانت ترمي لقلب النظام النازي في ألمانيا
أواخر الحرب العالمية الثانية وباءت بالفشل وهي موضوع فلم فالكوري " بطولة
توم أكروز " أنقلها لكم .
محاولة اغتيال الفوهرر هتلر في 20 تموز 1944 من قبل
مجموعة من ضباط الجيش، حملت اكثر من دلالة: ايديولوجية بالنسبة الى رفض
النازية، وعسكرية بالنسبة الى المخططات الفاشلة، والمغامرات المجنونة التي
عادت على المانيا بالخراب والتدمير والهزيمة. هؤلاء الضباط الذين رفضوا
“جنون” هتلر، خططوا لاغتيال (12 محاولة اغتيال فشلت لاغتيال الفوهرر)
جازفوا بحياتهم في حال كشفها او فشلها؛ وهذا ما حدث فعندما فشلت المحاولة
لاسباب تتعلق بارتباك مفجر القنبلة الثانية لاعاقة في اصابعه (اصبعان
مبتورتان) قامت حملة كبيرة باعتقال هؤلاء الضباط.
لكن اللافت ان هتلر أمر بأن يعدم هؤلاء على البطيء:
بأن يحسوا موتهم لحظة لحظة، وتعذيبهم لحظة لحظة وهذا ما جعل الذين انتحروا
منهم أكثر حظاً من الذي اعدموا بطريقة وحشية نحو 200 ضابط لم ينج لا
أقاربهم ولا أصدقاؤهم من العقاب النازي المرعب. وهذا ليس غريباً عن امثال
الوحش هتلر او من يشبهه ابتداء بالفاشيين (موسوليني) وانتهاء بالصهاينة
(تلامذة هتلر النخباء) ولا ببعض دكتاتوريينا العرب المتخرجين من مدارس
ستالين ومن مختبرات القتل والتهجير والقمع والاعدام الفردية والجماعية.
فالظاهرة النازية اضافة الى الظاهرة الستالينية
فالفاشية، فالصهيونية، هي مسالك ايديولوجية وسياسية، تحولت نماذج وأنماطاً
تتبناها العديد من الأنظمة العربية والمنظومة الاشتراكية والأنظمة
التوتاليتارية. انها الأنظمة التي رفعت “القائد” الآتي من العناية الالهية
برسالة الهية او الطالع من عند الجماهير (وهو قاتلها) برسالة جماهيرية
بحيث صارت حكماً نوعاً من الأحزاب الالهية على رأسها “اله” صغير مجنون،
منفوخ بنفسه، وبنرجسيته او بعنصريته او بمذهبيته.. وكلها تصب في النهاية
في المنحى التوتاليتاري الشمولي الاستبدادي، أو الأصولية المستأصلة الآخر،
والتي انجبت بعدها، أصوليات دينية وعرقية لا تقل عنها جنوناً واجراماً
وعنفاً.
محاولة الاغتيال الكبيرة هذه تحولت فيلماً سينمائياً بطله توم كروز، وصدرت حولها كتب وتحاليل واعداد خاصة وملفات، في أوروبا والعالم
وقد خصصت “الفيغارو- هورسيري” عدداً كاملاً عن هذه
المحاولة، والفيلم الذي استلهمها؛ ومن هذا العدد ننقل هنا، معلومات ومفكرة
اليوم الكامل ووقائعها منذ لحظة التحضير، حتى لحظة الاغتيال علماً بأن هذه
“المؤامرة” لم تقتصر على الضباط فحسب وانما على مجموعة كبيرة من
الارستقراطيين والكاثوليك، والبروتستانت.
(هنا وقائع اطول يوم من اغتيال هتلر بلحظاته
ووقائعه حتى لحظة الفشل بل وحتى لحظة اعلان نجاح العملية “وشرب الضباط
وانخاب موت الخنزير هتلرً) ويذكر ان رأس المخطط وأحد منفذيه هو الضابط
ستوفانبرغ.
[ برلين، 19 تموز، الساعة الثامنة مساء.
الكولونيل كلاوس فون ستوفنبرغ يتوقف عند كنيسة ستيغليتز. يشارك في القداس ويتناول القربان المقدس للمرة الأخيرة.
[برلين، 10 تموز، قرابة منتصف الليل، تريستانرستراس، منزل آل ستوفمبرغ.
مع أخيه برتولد، يقرأ بصوت مرتفع قصائد لستيفان جورج الكاتب الرمزي الذي أثر به، وهو يمسك كأساً بيده، وسيجار “الهافان” في فمه.
[برلين، 20 تموز، مطار رانغستورف، الساعة السابعة صباحاً:
ضباب، طائرة هنكل 111 تدير محركها في ضباب الصيف.
ينقل برتولد اخاه بسيارته والملازم أول فون هايفتن مساعده في معسكر ستوفنبرغ ينتظره. عند الثامنة يقلعان.
[راستنبرغ، شرق بروسيا، الشارع الرئيسي للفوهرر الساعة 10 و15 دقيقة.
ستوفنبرغ وهايفتين يصلان الى والفشانز حيث يقطن
الفوهرر في بروسيا الشرقية. ولتحضير الاجتماع مع الفوهرر عند الساعة
11,30، دخل ستوفنبرغ ليلتقي الماريشال كايتيل، القائد الأعلى في واهرفاخت.
بقي هايفتين في الخارج ليتحاشى التفتيش. ففي جيب سترته عبوتان ناسفتان وبعض الصواعق الكيمياوية.
برلين، بندلرستراس، مقر الجيش الاحتياطي حوالي الساعة 11,30.
الجنرال اولبريتش مخطط عملية والكيري ينتظر بفارغ
الصبر وبحرارة المعلومات من مرافق الفوهرر. فهو يتردد في اعطاء اشارة
الانطلاق بعد محاولة الاغتيال الفاشلة في 15 تموز حيث توجب عليه قطع عملية
ستوفنبرغ بسبب غياب هيملر وجويرنغ اللذين كان يتوجب التخلص منهما ايضاً
وبالتالي اوقف في برلين مخطط عملية والكيري التي كانت بدأت التنفيذ للتو.
اما الكولونيل مارتز فون كيرنهايم، القائد الاعلى،
فقد ضغط عليه للتصرف، وذلك ليكون كل شيء جاهزاً فور وصول ستوفنبرغ
وبالتالي فالعملية يجب ان تبدأ في الساعة الحادية عشرة. لكن اولبريخت امر
بتأخير التوقيت.
[والفشانز، الشارع العام للفوهرر الساعة 12 و15 دقيقة.
بسبب الزيارة غير المتوقعة لموسوليني، اللقاء
الاعتيادي عند الواحدة مع الفوهرر اجل الى الساعة الثانية عشرة ظهراً
وثلاثون دقيقة. لم يعد ستوفنبرغ يمتلك اكثر من دقائق قليلة ليحضر القنابل.
طلب الانسحاب بحجة تغيير قميصه رافقه هايفتن. عمل كلاوس على اخراج
القنابل. وتحاشياً لصوت التيك تاك المقلق، تقرر استخدام اللوح الصامت بفعل
استخدام الاسيد في المنطقة المحددة في القنبلة حيث يجب تحريرها ومن ثم
تنفجر بعد 14 الى 29 دقيقة.
وحين كان هايفتن يساعده على خلع ملابسه حضر
ستوفنبرغ المتفجرة الأولى بواسطة ملقط خاص يساعد يده التي كانت قد تعرضت
لاعاقة، ثم ادرج المتفجرة في عجينة بلاستيكية. وحاول بعدها ان يفعل نفس
الشيء مع المتفجرة الثانية. طرق احد العسكريين المعاونين الباب. وضع
هايفتن رجله امام فتحة الباب واحتفظ به مقفلاً وقال: “لنحترم حميمية جريح
حرب كبير! وبسبب انشغاله بالمعادن العسكري، لم يعد قادراً على مساعدة
ستوفنبرغ. اما كلاوس فلم يتمكن من تحضير القنبلة الثانية بيد واحدة وفاقدة
لأصبعين. فعدل عن الموضوع.
[ والفشانز، الشارع العام للفوهرر، الساعة 12 و30 دقيقة.
قاد احدهم ستوفنبرغ الى مكان الاجتماع. لم تكن في
المكان المعهود دائماً. وبسبب تهديدات خفيفة بالسلاح الجوي ذاك النهار،
اختار الفوهرر ان تجمع القادة في مخيم عسكري آخر. طلب كلاوس ان يجلس
بالقرب من الفوهرر بسبب سمعه الخفيف نتيجة اصابات سابقة في الجبين. لم يعد
هناك سوى جنرال واحد بين الطاغية وبينه. وامام رجليه محفظته على الارض
مقابل عود الباطون الداعم للطاولة المصنوعة من السنديان.
[والفشانز، الشارع العام للفوهرر، الساعة 12 و35 دقيقة.
من دون ان يعطي اي شرح لتصرفه، نزل ستوفنبرغ الى الشارع حيث المساعدات للمخيم وحيث ينتظره هايفتن.
وبسبب تسرعه نسي قبعته العسكرية وحزامه.
أخذ ضابط آخر مكانه، بالقرب من الفوهرر، فأبعد الضابط المحفظة المفخخة على الأرض ووضع محفظته.
والفشانز، الشارع العام للفوهرر، الساعة 12 و45
دقيقة: كان ستوفنبرغ على بعد 200 م تقريباً حين سمع صوت انفجار، فطار
متفجراً المخيم العسكري حيث كان يجتمع رجال السلطة، سيطرت حالة من الذعر،
سارع رجال ال “أس.أس” (جهاز المخابرات) وأخرجوا على حمالة رجلاً مغطى
بالغبردين الواقي من المطر الخاص بهتلر، اعتقد ستافنبرغ انه تعرف الى
الفوهرر.
فلجيابل المتعاون مع رجال السلطة قطع كل الاتصالات
مع الخارج. قفز كلاوس مع هايفتن داخل سيارة بسرعة، انطلقت فيها صفارة
الانذار. فرفض المسؤول عن المخرج ان السماخ لهم بالمرور، ان كنت كولونيلاً
او لم تكن، الأوامر هي الأوامر. بدأ ستوفنبرغ يفاوض وبعد ان تواصل على
الهاتف مع احد المتعاونين مع السلطة، اكد هذا الأخير ان “الكولونيل هو في
مهمة خاصة مع الفوهرر”. عند الساعة الواحدة تماماً، فتح العارضة وانطلق
ستفنبرغ وهايتفن بسرعة مميتة نحو المطار. عند الواحدة و15 دقيقة، اقلعت
الطائرة بهما.
[ برلين، بندلرستراس، مقر جيش الاحتياط، الساعة الواحدة:
مارتس فون كيرنهايم ينتظر الأخبار ويتآكله القلق،
والاتصالات انقطعت مع والفشانز، انها علامة جيدة. وهذا يعني ان محاولة
الاغتيال حصلت. اراد ان يطلق سراح والكيري على الفور، لكن اولبريتش طلب
الانتظار قليلاً.
والفشانز، الشارع العام للفوهرر، الساعة الواحدة،
اصابت القنبلة بضعة جنرالات، خمسة منهم ماتوا. لكن الفوهرر لم يتعرض سوى
لاصابات طفيفة. كان موقع القنبلة قد تغير. أما عامود الباطون الداعم
للطاولة فقد ساهم في حماية الفوهرر. كان يجب ان تنفجر القنبلتان او ان
يجري الاجتماع في المعسكر الاعتيادي الأول المصنوع من الخشب والمادة
الموضوعة في المتفجرة كان يجب ان تجعل كل الموجودين يموتون بفعل انفجار في
الرئة، غير ان السقف والنوافذ امتصت هذه المادة. ولقد نسي فلجيابل ايضا ان
يقص الخطوط المباشرة مع كايتل وهيملر، اي الخطوط الرئيسية. اضافة الى كل
هذا، فقد اتصل هو نفسه بالتلفون. وخلال محاورة مع الجنرال تيال، المسؤول
عن ايصال الأوامر للجيش في برلين، اعلن أن الفوهرر لا زال على قيد الحياة.
برلين، بندلرستراس، مقر جيش الاحتياط، الساعة الواحدة و15 دقيقة.
علم كل من اولبريتش ومرتز من خلال تيال ان الفوهرر
لم يمت. كانا ينتظران اي شيء سوى فشل محاولة الاغتيال. لم يأخذ اولبريتش
اي قرار وخرج ليتناول طعام الغداء وكأن شيئاً لم يحصل. امل في ان تعود
الأمور الى طبيعتها في غيابه.
بقي مرتز وحده، ومن حوله فقط بعض الكولونيلات في امرته.
عند الساعة الثانية، اخذ المبادرة وحده بطلب التحرك
بسبب “فوضى في الداخل”. وقد اعلنت “والكيري I” الى ضباط جيش الاحتلال
مفادها ان هتلر قد تعرض للقتل على يد جهاز المخابرات “أس. أس” وان الجيش
يضع يده على السلطة بقيادة الماريشال فلون ويتزلين لمنع حصول اي انقلاب.
[كرامبنتنر، مدرسة ضباط الفروسية، بالقرب من برلين، الساعة الثانية و15 دقيقة”
فور تلقيه التيلكس، عمد مدير مدرسة ضباط الفروسية،
الكولونيل موم والذي كان معارضاً الى اطلاق صرخته: “امر عسكري، زجاجة
شمبانيا، فالخنزير قد مات”.
وبناء على الأوامر، انطلق جميع الطلاب في المدرسة نحو برلين.
[ برلين بندلرستراس، مقر جيش الاحتياط، الساعة الثانية و30 دقيقة:
عند الساعة الثالثة، عاد اولبريتش من الغداء، لم
يجرؤ على اطلاق “والكيري Ii ” ما معناه المرحلة التنفيذية لإلقاء القبض
على السلطات النازية، وايضا على رجال المخابرات وعناصر الحزب.
[باريس، اوتيل ماجستيك، مقر قيادة الجيش الاحتلالي في فرنسا، الساعة الثالثة و30 دقيقة:
بعد ان اطلع احد اقرباء ستوفنبرغ القائد المسؤول في
فرنسا وهو الخصم اللدود لهتلر الجنرال فون ستولبناغل خبر الاغتيال، اصدر
هذا الاخير قراره اي أيضا “والكيري Ii” ومضمونه انه مع بداية الليل، يلقى
القبض على النازيين وعلى رجال المخابرات النازية وكل اعضاء الحزب النازي،
كما اصدر ستولبناغل امراً بالتجمع في “بوادو بولنيي” لتحضير الفرق
الصدامية.
مطار رانغسدورف، بالقرب من برلين، الساعة 3 و45 دقيقة.
حطت طائرة ستوفنبرغ، وهذا الاخير مقتنع بأنه قام
بالاغتيال على اكمل وجه. لم يكن يملك اي شك في الفشل. اسرع الى التلفون
ليتصل ببندلرستراس. طلب منه مرتز ان يصل بسرعة. فالأمر: “والكيري Ii ” حتى
الان لم يتم اصداره رسمياً. اولبريتش يتردد. وكلاوس حانق.
[راستنبرغ، الشارع العام للفوهرر، الساعة الرابعة:
بعد ان تمالك نفسه من الصدمة وغير ملابسه ووضع له
المسعفون بعض الضمادات القليلة، استقبل هتلر موسوليني امام القطار الذي
اقله من ايطاليا، تعانق الديكتاتوريان وقد شرح بعد لحظة القائد النازي
للقائد الفاشي انه “يرى في نجاته التي لم يكن من امل منها، البرهان الأكيد
بأن العناية الالهية قد اختارته ليكمل النصر النهائي للقوات الألمانية”.