أترككم مع قصة هذا الشيخ على لسان من رواه
لقد عشت في المدينة التي درس فيها الشيخ ... وما عن حضر الشيخ حتى اجتمع اكثرالطلاب المسلمين في تلك المدينة ... وكان الطلاب – قبل مجيئه – في غفلة وإعراض عندينهم ... فلم يكونوا يصلـّون الجمعة على الأقل ... وقليل منهم من يصلي لوحده فيبيته ... فجمعَـهم الشيخ على مأدبة غداء ... ووعظهم وذكّـرهم وحثهم على المحافظةعلى الصلوات الخمس في جماعـة ... و أوصاهم بالمحافظة على صلاة الجمعة وعدم التفريطفيها ...
فاعتذروا بعدم وجود من يخطب بهم خطبة الجمعة ... فتكفل هـو بالقيامبالخطبة والصلاة ابتغاء ثواب الله تعالى ...
وبدأ الطلاب المسلمون فيالجامعة يصلون الجمعة ... بشكل دائم ومنتظم ... بل لقد استأجروا مصلىً ليصلوا فيهالصلوات الخمس كل يوم ... وبدا كثير منهم يعود إلى الله تعالى ... ويُقلع عما كانعليه من ضلال ومجون... وانحرافٍ مع الحضارة الغربية الزائفة ومغرياتهاالدنيويـّـة...
وبفضل الله وتوفيقه ... ثم بجهود هذا الشيخ الصالح... تشكلتحركة إسلامية لطلاب الجامعة ... أخذت تدعو إلى الله تعالى في وسط المجتمع الكافرالضال ... وهدى الله على يديها خلقا كثيرا من الشباب والعرب والأجانب ...
وكان من عادة الشيخ "عبد الرحمن" في كل رمضان ... أن يدعو كل الطلبةالمسلمين في الجامعة ... في أول يوم من رمضان ... لتناول طعام الإفطار عنده ... فيجتمع الطلاب الصائمون وتوزع التمرات عليهم ... وبعدها يُقيمون صلاة المغرب ... وبعد ذلك يتناولون طعام الإفطار ...
وذات مرة دعاه أحد العرب في الجامعة ... لتناول طعام الإفطار عنده ... وكان ذلك الشاب كثير الهزل والمزاح ... وكان فاسقاقليل التمسك بدينه !!...
وقبل الشيخ الدعوة بالترحيب ... وهو لا يدري ما الذيينتظره في هذه الدعوة !!...
وحان موعد الإفطار ... وأفطر الشيخ "عبد الرحمن" على تمرات إتباعا للسنة ... ثم ناوله صاحب الدار كأسا من العصير وأصرّ عليه أنيشربه ... فشرب منه الشيخ "عبد الرحمن" عدة رشفات ... ولكنه ردّه عن فمه لما أحس أنفيه طعما غريبا ... وقال لصاحب الدار :
أحس أن في هذا العصير طعما غريبا !!...
فرد صاحب الدار قائلا : نعم ... فيه طعم غريب ... لأن الشركة المنتجة لهذاالعصير أعلنت أنها تُجرب مادة جديدة أفضل من السابقة ...
وصدق الشيخ "عبدالرحمن" هذا الكلام ... فأكمل شرب كأسه ... ثم قام لصلاة المغرب ... وصلى معه بعضالحاضرين ... بينما كان الباقون في شغل بإعداد المائدة !...
ولما انتهى الشيخ منصلاته ... صبّ له صاحب الدار كوبا آخر من نفس العصير ... فشربه الشيخ ...
ولماانتهى الشيخ من شرب الكوب الثاني ... قال له صاحب الدار :
أهلا بك يا شيخ ... لقد شاركتنا الإفطار على الخمر!!... لقد وضعنا بعض الويسكي في كوبك الذي شربتَ منه ... ولذا أحسست بتغير طعم العصير ...
وأخذ صاحب الدار يضحك ... وشاركه بعضالحاضرين في الضحك... بينما عقدتْ الدهشة والذهول ألسنة بقية الحاضرين ...
وهناأخذ الشيخ "عبد الرحمن" يرتجف ... وأخذت أوصاله ترتعد !!...
وما كان منه إلا أنوضـع إصبعه في فمه ... وتقيأ كل ما شربه وأكله – في بيت هذا الطالب الفاجر – علىالسجادة في وسط الغرفة !!... ثم أجهش بالبكاء ... وأرسل عينيه بالدموع ... وعلاصوته بالنحيب !!...
لقد كان يبكي بحرقة شديدة ... ويقول مخاطبا ذلك الشابالفاجر : ألا تخاف الله يا رجل ؟!!!
أنا صائم وفي أيام رمضان المباركة ... وتدعوني إلى بيتك لتضحك علي !!...
أعلى الخمر اُفطر ؟؟!!... أما تخاف الله؟!!... جئتك ضيفا فهل ما فعلتَهُ معي من أصول الضيافة العربية فضلا عن الإسلامية؟!!... لقد ضيعتم فلسطين بهذه الأخلاق !!... وضيعتم القدس بابتعادكم عن الإسلاموتقليدكم للغرب ...
سكت الشيخ "عبد الرحمن" قليلا ليسترد أنفاسه ... ثم تابعقائلا :
أنا أشهد أن الغربيين أشرف منك أيها العربي !!... إنهم يحذرونني من أيشيء يحتوي على الخمرة ولحم الخنزير ... .بينما أنت أيها العربي المسلم اسما فقطتخدعني وتضع لي الخمر سرا في كوبي الذي أشرب منه !!... وأين تفعل ذلك ؟!!... فيبيتك وأمام الناس ليضحكوا مني ويهزءوا بي !!! ... عليك من الله ما تســـتحق ... عليك من الله ما تسـتحق...
واُسقط في يد صاحب الدار ... وتوجهت أنظارالحاضرين تجاهه كالسهام الحارقة... لقد كانت تلك الكلمات الصادرة عن الشيخ كأنهارصاصات موجهة إليه ... فلم يملك إلا أن قال بنبرة منكسرة ... وقد علا الخجلوجهه:
أرجوك ... أرجوك سامحني ... أنا لم اقصد إهانتك ... لقد كانت مجرد فكرةشيطانية ... إنك تعلم مقدار حبي واحترامي لك ... إنني والله أحبك يا شيخ !!... أحبّـك من كل قلبي !!...
وساد صمتٌ مطبق لفترة ... وقطعه صوت صاحب الدار وهويقول :
أرجوك يا شـيخ اجلس على كرسيك ... وسأنظف السجادة بنفسي !!... وأنت تناولبقية فطورك ... أرجوك كفّ عن البكاء ... أنا المذنب !!... أنا المخطئ !!... وذنبيكبير !!... أرجوك سامحني وأعطني رأسك لأقبله !!... أرجوك سامحني !!...
وساد صمتٌمطبق ... قطعه صوت الشيخ والدموع تترقرق من عينيه قائلا :
كيف أسامح من ارتكبمنكرا ؟!!... وسقاني الخمرة وهو يعلم أنها حرام !!...
وتفاجأ جميــعالحاضرين بالشيخ "عبد الرحمن" وهو يسجد على الأرض مناجيا ربه تعالى قائلا في سجودهومناجاته :
ربّـاه إنك تعلم أنني لم أشرب حراما طيلة حياتي ... رباه إنك تعلمأنني قضيت في هذا البلد خمس سنوات ... لم أقرب فيها لحما ... لأن هناك شبهة فيذبحه... رباه إنك تعلم أن ما شربته اليوم لم يكن بعلم مني ... اللهم اغفر لي ... اللهم اغفر لي ... اللهم لا تجعله نارا في جوفي ... اللهم لا تجعل النار تصل إلىجوفي بسبب خمرة شربتها ولم أدري ما هي !!... ربِّ أطلب منك الغفران ... فاغفر لي يارب !!.
وهنا نهض أحد الطلبة الإنجليز المدعوين للطعام واسمه "جيمس" ... وقال : يا شيخ :إني أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله !!...
وعلاالذهول والدهشة وجوه الحاضرين جميعا ... .وتابع "جيمس" كلامه قائلا :
لقد أسلمتعلى يديك يا شيخ في هذه اللحظة !!... أنا "جيمس"أخوك في الإسلام فسمني باي اسمإسلامي ... أنا أريد أن أصلي معك يا شيخ ...
وانفجر "جيمس" بالبكاء... وبكىالشيخ "عبد الرحمن" ... وبكى كافة الحاضرين في المجلس ... حتى صاحب الدار – ذلكالشاب الفاسق الفاجر – بكى من هول الموقف وروعة المشهد وتأثيره !!...
ولماهدأ "جيمس" وكفّ عن البكاء ... اعتدل في جلسته ثم أخذ يحدثهم عن سبب إسلامهقائلا:
أيها الاخوة ... لقد كنتم في شغل عني وأنتم تتناقشون !!... لقد دُعيتلأتناول معكم طعام الإفطار ... أو أخر غدائي .وحين جئتُ إلى هذا المكان كنتُ أفكرملياً... نعم كنت أفكر كيف أن الشيخ "عبد الرحمن" شخص من ماليزيا ... وهي بعيدةآلاف الأميال عن مكة التي ولد فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ... ومع هذا كله ... ومع كونه في بلد غريب كافر ... يختلف الجو فيه عن جو بلده ماليزيا ... مع هذافهو صائم !!... سألتُ نفسي حينها :
لماذا يصوم هذا الشيخ ؟!!... لماذا يمتنع عنالطعام والشراب ؟!!... وأخذني التفكير إلى احتمالات واسعة متشعبة ... وزاد تفكيريحين رأيت الشيخ يتحرى تمرات ليفطر عليها !!... هنا في أقصى الدنيا حيث يعزّ التمرويقل وجوده !!... يتحراها لا لشيء إلا لأن محمدا عليه الصلاة والسلام نبيه الكريم ... كان يفطر على تمرات !!.
ثم رأيت الشيخ يترك الطعام وهو جائع مشتاق إليه ... ويترك جميع الحاضرين ... ثم يقف يتوجه إلى الكعبة ... يصلي لله بخشوع وخضوع وتضرع ... يقوم بهذه الحركات التعبدية الرائعة بمفرده ... ويصلي معه بعض الحاضرين ... فيحين ترك اكثر الحاضرين معنا في هذه لدار الصلاة وقصّروا فيها لقد رأيته يسجد للهويركع لله ... ويقوم لله ... ويفكر في مخلوقات الله ...
والله معه في كل تصرفاتهوحركاته وسكناته ... ثم رأيت الشيخ يشرب كأسا وهو لا يعلم ما فيها ... ومع هذا فهويخاف الله ويخشاه بعد أن علم ان فيها خمرا ... والأعجب من كل ما تقدم ... أنه يضعإصبعه في فمه ليتقيأ الطعام والشراب الذي به خمر ... غير مبال أو مهتم بأنه يتقيأأمام ناس وفي غرفة !!... وعلى سجادة فاخرة نظيفة !!...
لقد كان تصرفه هذا حركةطبيعية ... ردة فعل حقيقية !!... إنه حين علم أنه قد شرب من الخمر ... تحرّكَتحرُّكَ الملدوغ !!... شعره وقف!!... وجلـده اقشعرَّ ... وعيناه دمعتا !!... وأنفهسال !!... حتى فمه شارك في الاستفراغ !!...
أي درجةٍ تلك التي يصل إليهاالإنسان حين ينسى نفسه ؟!!... وينسى زملاءه ... وينسى من حوله !!... ولا يتذكر ولايراقب إلا ربه وخالقه العظيم ؟!!...
لقد قرأتُ كثيرا عن الإسلام ... وسمعتمنكم أيها الطلاب المسلمون الكثير منذ اختلطتُ بكم ... وكنت أراقب !!... أراقبالمسلم الذي يصلي !!... والمسلم المتمسك بدينه ... وكنت أرى مَنْ لا يصلي ولا يتمسكبدينه ... كأي إنسان عادي ... لا فرق بينه وبين أيّ رجل من بلادنا الكافرة ...
ولكن – وللحقيقة – أقول : أنّ للمتمسك بدينه شخصية خاصة به ... وطبعا متميزا ... يضطرني إلى التفكير فيه وفي تصرفاته !!...
واليوم ... هذا اليوم بالتحديد ... لم أتمالك نفسي !!... نعم لقد رأيت اليوم معنى العبودية والذل لله عند المسلمينالحقيقيين الصادقين ... اليوم رأيت كيف يكون حبُّ محمد عليه الصلاة والسلام في قلوبهؤلاء المسلمين الصادقين ... رأيت هذا عمليا لا قوليا ... فأردت أن أشاركهم في هذاالصدق وهذا الحب وهذا الدين !!...
سكت"جيمس" قليلا... ثم قال والدموع تتحدرمن عينيه :
أرجوكم ... علّموني الإسلام ... علـّموني الصلاة ... أنا منذ اليومأخوكم ... الحمد لله الذي هداني لهذا الدين العظيم !!...
وأنت يا صاحب الدار ... لقد كانت نكتة غيّرتْ مجرى حياتي !!... نعم لقد كانت نقطة تحول في حياتي كلها !!...
لم يصدق الحاضرون ما يسمعون ... وساد صمت رهيب ... ووجوم مُطـبق ... لميقطعه إلا الشيخ "عبد الرحمن" حين قام وقبّل "جيمس" ... وردد الشهادة ببطءٍ... ورددها "جيمس" خلفه ... وأصبح اسمه منذ ذلك اليوم "محمد جيمس" !!... ثم التفتَالشيخ "عبد الرحمن" إلى صاحب الدار ... وقال له :
الحمد لله الذي استجاب دعائي ... والحمد لله الذي هدى مسلما على يديّ ... ولأن يهدي الله بكَ رجلا واحدا خيرُ لكمن الدنيا وما فيها ... سامحك الله يا ولدي على ما اقترفت ... وليغفرْ الله لك ماجنيت ...
وهنا اغرورقت عينا صاحب الدار بالدموع ... وقال والعَبْرةتخنقهُ:
أعدك يا شيخ بأنني منذ الآن لن أقطع الصلاة ... ولن أضيع فريضة واحدةًأبداً... واُشهد الله على ذلك ... وسأكفّر عما فعلت معك... وسأحج هذا العام لعلالله أن يغفر لي ما اقترفت !!...
وهنا التفت صديق الشيخ الماليزي إلى زميلهوهما في صالة المطار ... فوجد الدموع تترقرق من عينيه ... فقال له :
هذه هي قصةالشيخ الماليزي التي لا تخطر على بال ... ألا تغبط الشيخ الماليزي على هذه النعمةالتي أعطاها الله إياه ؟!!...
وشهد بعض الذين حضروا القصة أنهم التقوا ذلكالشاب صاحب المأدبة في الحج و كله ندم علي ما بدر منه
اللهم أعز اسلامك يا الله