جهاده وغزواته :
لا أجد كلمات أوصف بها حب المنصور بن أبى عامر للجهاد
والغزو فى سبيل الله يكفى أن تعلموا أن المنصور بن أبى عامر قاد جيوش
المسلمين الى النصر والفتح فى زهاء 54 غزوة ومعركة , فلم يهزم فى واحدة
منها قط !! وكان يأمر غلمانه بتنظيف ثوبه وأخذ ما علق به من غبار المعارك
والغزوات وأمر أن تدفن معه فى قبره لتكون شاهد له عند الله يوم القيامة
بجهاده فى سبيله !!
ووصل بجيوشه الى أماكن لم يفتحها المسلمون من قبل من
أيام طارق بن زياد وموسى بن نصير , وبلغت الأندلس فى عهده من العزة والمجد
والتمكين الى درجة لم يبلغها حاكم قبله ولا بعده !!
وقال عنه الفتح بن خاقان فى كتابه "مطمح الأنفس ومسرح
التأنس فى ملح أهل الأندلس" إنه تمرّس ببلاد الشرك أعظم تمرّس ومحا من
طواغيتها كل تعجرف وتغطرس وغادرهم صرعى البقاع وتركهم أذل من وتدٍ بقاع
ووالى على بلادهم الوقائع وسدّد الى أكبادهم سهام الفجائع وأغصّ بالحِمام
أرواحهم ونغّص تلك الآلام بكورهم وروَاحهم .)
فقد كان رحمه الله أعجوبة دهره وأوحد زمانه له فى كل
عام غزوتان "الصوائف والشواتى" كان يهتم جدا بالناحية العسكرية فى دولته
حتى لكم أن تعلموا أن عدد الفرسان فى الجيش المرابط (الثابت) وصل الى
112.000 اثنى عشر ألف ومائة فارس من سائر الطبقات جميعهم مدونون فى
الديوان وتصرف لهم النفقات والأعطية والهبات وبلغ عدد المشاة الى ستة
وعشرين ألف راجل وتتضاعف تلك الأعداد فى الصوائف بسبب كثرة المتطوعين حتى
أنها وصلت الى مائة ألف من المشاة !!
جيوش المسلمين بقيادة الحاجب المنصور حتى أنه من كثرة قوى الجيش النظامية أصدر مرسوما عام
388هـ بإعفاء الناس من إجبارهم على الغزو اكتفاء بعدد الجيش المرابط وقرأ
الخطباء على الناس ذلك المرسوم وفيه : " بأن من تطوع خيراً فهو خير , ومن
خف اليه فمبرور ومأجور ومن تثاقل فمعذور " فسُرّ لذلك الناس سرورا بالغاً .
وكانت له سُنّة فى غزواته وهى أن يحمل النصارى بأنفسهم
الغنائم الى قرطبة إمعانا فى ذلهم وتدميرا لكيدهم وكانت جميع الممالك
النصرانية فى الشمال تدفع للمسلمين الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ...
دمّر المنصور بن أبى عامر جميع الممالك النصرانية
المتواجدة فى شمال الأندلس تدميرا بالغاً كانت غزواته فى الممالك
النصرانية كالصاعقة والعاصفة المدمرة التى لا تبقى ولا تذر , فكم من قلوع
وحصون للنصارى سواها بالتراب , وكم من ملوك وقواد للنصارى هلكوا على يد
المنصور بن أبى عامر !!
فكان رحمه الله هو الذى ثأر لهزيمة المسلمين أيام
الخليفة عبد الرحمن الناصر رحمه الله فى معركة الخندق أمام قلعة سمّورة
المنيعة جدا ففى اثناء حكم الحاجب المنصور ثارت القوط وتحركت وقامت بأعمال
تخريبية فى مدن المسلمين وقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا وكان يمتنعون من
المسلمين دوما فى قلعة سمّورة الحصينة والتى هى أمنع حصون النصارى فى
الشمال فقام المنصور عام 371هـ بحملة عسكرية كالصاعقة على القوط فى تلك
القلعة واستطاع ان يدمرها ويقتحمها وفتك بحاميتها من النصارى فهرب أهلها
الى قلعة قريبة تسمى "سانت مانس" فدخل عليهم المنصور ودمرها فأصبح الطريق
الى مدينة ليون العاصمة مفتوحا وسائغا ولكنه لم يدخل ليون هذا العام لشدة
البرد وقتها وتساقط الثلوج فى تلك المناطق .
وفى عام 373هـ قام المنصور بغزوة "ليون الكبرى" حيث
قاد الحاجب المنصور الجيوش ووصل الى مدينة ليون عاصمة اقليم جيليقية
وحاصرها حصاراً شديدا , فجاء اليها المدد من كل مكان لأهميتها وقدسيتها
للنصارى , فوصل مدد من إفرنسة "فرنسا" بشكل خاص ولكنه استطاع فى النهاية
ان ينزل الهزيمة على الفرنجة والنصارى ودخل عاصمتهم وخرب قلاعها وحصونها
وساق منها 3 آلاف أسير وأمر أن يرفع الآذان فى جنبات ليون لأول مرة بعد أن
سقطت لأول مرة منذ الفتح الإسلامى الأول ..
الأندلس فى عهد الحاجب المنصور وفى عام 374هـ أعاد فتح برشلونه فى أقصى شمال الأندلس
وهزم الفرنسيين شر هزيمة وضمها مرة أخرى للمسلمين , بعد ان سقطت فى أيدى
الفرنجة من الفرنسيين بعد فتحها على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير أيام
الفتح الأول.
ولم تقتصر منطقة نفوذ الحاجب المنصور على الأندلس فقط
بل سيطر على شمال المغرب سيطرة تامة وخضعت لسلطانه بعد أن ثار البربر من
أهل العدوة على الحسن بن كنّون نائب الخليفة الفاطمىّ العبيدىّ على المغرب
واستطاع هذا الرجل ان يجمع حوله الأنصار من البربر وثارت القلاقل والفتن
فى المغرب فلم ينتظر الحاجب المنصور أن تكبر الفتنة , بل أرسل ابن عمه
عمرو بن عبد الله على رأس جيش لمحاربة الحكم الفاطمى العبيدى الشيعى
وإخراجهم من المغرب ثم أرسل جيشا آخر بعد ذلك بقيادة ابنه عبد الملك الظفر
بن المنصور بن أبى عامر ودخل فاس واستقر أمر المغرب للمنصور فبلغت الأندلس
فى عهده أقصى اتساع لها !!
وفى عام 379هـ ثار عبد الله بن المنصور على أبيه
الحاجب المنصور إذ كان يحكم مدينة "سانت استيفان" ولجأ الى بلاد البشكنش -
اقليم الباسك حالياً -فطلب المنصور من "غرسيه" حاكم البشكنش بتسليم ابنه
فرفض "غرسيه" فقام المنصور بحملة عسكرية قوية على بلاد البشكنش ودام
القتال أياما وكان قتالا مروعا حتى أنزل الله النصر على المسلمين وأيدهم
بجنود من عنده وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وهُزم البشكنش مما اضطر غرسيه
الى قبول الصلح وتسليم عبد الله بن المنصور الى أبيه ومعه كل من ساعده من
المسلمين فقام المنصور بضرب أعناقهم جميعا بما فيهم ابنه عبد الله !!
غزوات المنصور - الأسهم السوداء ومن أهم وأعظم معارك المنصور على الإطلاق والتى هى
بمثابة غرة المعارك الإسلامية فى جزيرة الأندلس هى معركة "شنت ياقب" سانت
يعقوب حيث وصل الى أقصى بلاد جيليقية الى حيث لم يصل مسلم من قبل ومدينة
سانت يعقوب تمثل العاصمة الروحية الدينية لنصارى أوربا قاطبة وكعبة
النصرانية وتأتى أهيمتها بعد بيت المقدس ورومية عندهم فبها قبر يعقوب
الحوارىّ ويزعمون أنه كان من أخص حوارىّ عيسى عليه الصلاة والسلام وكان
قبره بمثابة الكعبة عندهم ويفدون اليه من رومية وشرق أوربا ومن كل مكان .
كنيسة شنت ياقب - sandiago - فى أقصى شمال غرب أسبانيا وقد قاموا ببناء كنيسة ضخمة جدا على هذا القبر وكانوا
يحجون اليه من كل مكان كما ذكرنا . وكانت تلك البلاد هى أمنع بلاد النصارى
فى الأندلس لوعورة طرقها وخطورة مفاوزها وصعوبة اجتيازها بالجند . ولم
يفكر أحد من قادة المسلمين من أيام طارق بن زياد أن يقصد تلك المنطقة
الجبلية الوعرة .
فقصد المنصور بن أبى عامر تلك البلاد لسببين رئيسيين ذكرهما د. محمد عبد الله عنان فى كتابه (دولة الإسلام فى الأندلس ) وهما :
1) أنها كانت ملاذا وملجأ لملوك ليون , يمتنعون بها كلما أرهقتهم الغزوات الاسلامية بقيادة المنصور.
2) أنها كانت كعبة اسبانيا
النصرانية ومزارها المقدس ورمز زعامتها الروحية وقد شاء المنصور أن يضرب
أسبانيا النصرانية فى صميم معقلها القاصى وفى صميم زعامتها الروحية ..
وخرج المنصور بن أبى عامر على رأس جيش ضخم فى يوم 23
الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة 387هـ ( 3 يوليه 997م ) وكانت هذه هى
الغزوة الثامنة والأربعين للمنصور , وفى نفس الوقت تحرك الاسطول الاسلامى
الذى أعده المنصور لهذه الغزوة العظيمة من مرساه أمام قصر أبى دانس على
الساحل الغربى للأندلس فى بلاد البرتقال – البرتغال الآن – وتحرك شمالا فى
محاذاة الشاطىء البرتغالى وهو يحمل أقوات الجنود والذخيرة وكل ما يحتاجونه
من مؤن ..
وكانت الخطة التى وضعها المنصور بن أبى عامر محكمة
للغاية فجعل يمشى بجنده على اليابسة شمالا باتجاه الغرب على أن يوافيه
الاسطول الاسلامى عند نهر دويرة وكانت مسيرة المنصور بن أبى عامر فى غاية
المشقة لكثرة السلاسل الجبلية وكثرة الأنهار ووعورة الطرق حتى أنه فى
أثناء مسيره عرض له جبل ضخم شامخ شديد الوعورة لا مسلك فيه ولا طريق ولم
يهتدى الأدلاّء الى سواه فجعل المنصور يقدّم الفَعَلة الحرفيين ويمدهم
بالحديد والفوؤس لتوسعة الشعاب وتسهيل وتعبيد المسالك والمفاوز !!
الى هذا الحد كان المنصور حريصا على غزو النصارى ولم
يفت في عضده او يوهن كيده صعوبة الطريق ووعورته !! وبالفعل استطاع المنصور
بن أبى عامر أن يفتح المسالك والشعاب واخترق الأراضى الوعرة وهو فى أثناء
ذلك يقتحم حصون النصارى ويأسر منهم أعداد كبيرة فى طريقه وما ان يسمع أهل
قرية بقدوم المنصور حتى يهربوا منها وتفرّ حاميتها الى قرى مجاورة , فغنم
أمولاً عظيمة وأسلحة كثيرة ولله الحمد والمنة ...
وعند وصول المنصور الى نهر دويرة وافاه الاسطول
الاسلامى فجعل منه المنصور بن أبى عامر جسرا لعبور قواته الى الجانب الآخر
وهكذا واتجه الجيش الاسلامى صوب جيليقة مخترقا الشعاب والسهول والوديان
والجبال والأنهار وهو فى مسيره لا يكف عن الجهاد والقتال فيحطم القلاع
والحصون ويهدم المدن والقرى ..
حتى وصل الى مشارف مدينة (شنت ياقوب) سانت يعقوب يوم
الأربعاء الموافق 2 الثانى من شعبان عام 387هـ ( 11 اغسطس 997م) فدخلها
المنصور بجنده وقد فرّ منها أهلها وحاميتها فأمر المنصور بهدم القلاع
والحصون وخرّب المدينة ودمّر الكنيسة العظيمة التى بنوها فوق قبر الحوارىّ
المزعوم عندهم فسواها بالتراب ولكنه أمر بحماية القبر وصونه وعدم مساسه
بأى اذى !! احتراما لتعاليم الاسلام ...
وأخذ المسلمون أبواب المدينة والكنيسة ونواقيس الكنيسة
العظمى وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة ، واستخدمت في توسيع
الجامع وعلقت به النواقيس رؤوسًا للثريات الكبرى وأصبحت الكنيسة العظمة
للنصارى أثرا بعد عين !!
ووجد المنصور رجلاً شيخا كبيرا من النصارى جالس بجوار القبر فسأله عن شأنه فقال : أونس يعقوب !! فأمر المنصور بالكفّ عنه .
قبر يعقوب الحوارىّ المزعوم لدى النصارى بداخل الكنيسة وترك المنصور بن أبى عامر المدينة كأن لم تغن بالأمس ,
واهتزت النصرانية من أقصاها الى أقصاها , ونزل الخبر على نصارى العالم
كالصاعقة فمنذ الفتح الأول للمسلمين للأندلس لم ينهزموا مثل هذه الهزيمة
ولم يلحقهم مثل هذا الذل والصغار !!
وأرسل المنصور كتاب الفتح والنصر الى قرطبة , ففرح
المسلمون بهذا النصر جدا ولهجت العامة بالدعاء لمنصور , وظل المنصور فى
جهاده مع النصارى فى الأندلس طوال 27 عاما غزا فيها أكثر من 54 غزوة !!
حبه للأدب والعلوم :
كان المنصور بن أبى عامر يعشق الأدب والشعر بل وينظم شعراً فمن شعره يفتخر :
ألم ترنى بعتُ الإقـامـةَ بالسُّرى .. ولين الحشايـا بالخــيول الضـوامرِ؟
تبدَّلْتُ بعد الزعفــرانِ وطِـيبِه .. صدا الدّرع من مستحكمات المسـامرِ
أرونى فتىً يحمى حماىَ ومـوقفى .. إذا اشتـجر الأقـرانُ بين العساكرِ
أنا الحـاجب المنصور من آل عامرٍ ..بسيفى أقُدُّ الهـام تحت المغـافرِ
تــلادُ أمـير المـؤمنين وعَبـــدُهُ .. وناصــحه المشـهودُ يــومَ المفـــاخرِ
فــلا تحسـبوا أنــى شُـغلت بغــيركم .. ولكـــن أطـعتُ الله فى كــل كـافرِ
ومن شعره أيضاً يفتخر :
رميت بنفسى هول كل عظيمةٍ ..وخاطرتُ والحر الكريمُ يخاطرُ
ومـا صاحبى إلا جنـان مشيعٌ ..وأسمر خطى وأبيـض بـاترُ
ومن شيمى أنى على كل طـالبٍ .. أجـودُ بمالٍ لا تقيه المعـاذرُ
وإنى لزجاء الجيـوش الى الوغى .. أسـود تلاقيها أسـود خوادرُ
فسُدتُ بنفسى أهل كل سيادة .. وفاخرت حتى لم أجد من أفاخرُ
ومـا شِدتُ بنياناً ولكن زيادة .. على ما بنى عبد المليك وعـامرُ
ورفعنا المعـالى بالعوالى حـديثَهُ .. وأورثناها فى القـديم معـافرُ
وله أيضا يتوعد صاحب الدولة الفاطمية العبيدية الخبيثة ويمنى نفسه فى القضاء عليه وحكم مصر والحجاز :
منع العين أن تذوق المناما .. حُبها أن ترى الصفا والمقاما
لى ديون بالشرق عند أناسٍ .. قد أحلوا بالمشعرين الحراما
إن قضوها نالوا الأمـانى وإلا .. جعلـوا دونهـا رقـاباً وهـاما
عـن قـريبٍ تـرى خـيول هشـام .. يبلغ النيلَ خطوُها والشآما
وكانت دولة المنصور وحكومته تضم عددا من الوزراء
والكتاب والشعراء الأفذاذ أمثال : أبو العلاء صاعد اللغوى وكذلك أبو مروان
عبد الملك بن شهيد وأحمد بن سعيد ابن حزم والد الفيلسوف والعالم الشهير
ابن حزم وآخرون ممن هم مشهود لهم بالفضل والعلم وواسع المعرفة .
وكان يوسع النفقة على الأدباء والشعراء وكان المنصور
له مجلس أسبوعى يعقده للبحث والمناظرة ويشهده كثير من العلماء والأدباء ,
كما اهتم جدا بإنشاء دور العلم فى الأندلس وفى قرطبة وبالغ فى الإنفاق
عليها وكان يزور المساجد والمدارس بنفسه وكان يجالس الطلاب أحيانا !!
مسجد قرطبة مناقب المنصور بن أبى عامر :
اهتم المنصور بن أبى عامر بالأوجه الحضارية كذلك
فابتنى مدينة "الزاهرة" على غرار "الزهراء" ونقل اليها كل دوواين الحكم
وجعلها عاصمة لملكه وفرغ من بناءها عام 370هـ وكانت آية فى البناء الجمال
وجلب اليها المنصور بن أبى عامر غلمانه وحاشيته ووزراءه ففرغت "الزهراء"
منهم وملئت الزاهرة وكثر فيها الأسواق والقصور وامتازت بحسن حدائقها وجمال
عمرانها واعتدال هواءها وفيها يقول صاعد اللغوىّ :
يا أيهـا الملكُ المنصـورُ من يمنٍ .. والمُبتنى نسبـاً غـير الذى انتسبا
بغزوة فى قلـوب الشـرك رائعة .. بين المنـايا تُناغى السُّمر والقُضُبَا
أما ترى العين تجرى فوق مرْمَرِها .. هوىً فتجرى على أخفاقها الطربا
أجريتها فطـما الـزاهى بَجرْيتها .. كمـا طمــوتَ فَسـُدْتَ العُـجْمَ والـعَرَبَا
تخــالُ فـيه جـنـودَ المــاءِ رافلــةً .. مستلئمـات تُـريـك الــدرع والـيَلَبـَا
تَـحِفـُّهـا مـن فنــونِ الأيْكِ زاهـرةً .. قــد أوْرَقـَتْ فضـة إذْ أَوْرَقَـت ذَهَـبا
بديعـــة المـلك مـا ينفكُّ نـاظـرها .. يتلـو على السمـعِ منها آيــة عَـجَبَا
ولا يُحْســن الــدَّهْرُ أن يُـنشي لـها مَثَلا .. ولـو تعنّت فـيها نفســه طَلَبـَـا
وأصحبت الزاهرة هى حاضرة الأندلس ونافست قرطبة فى
جمالها وروعة بنيانها واتسعت وزادت مساحتها حتى اتصلت أرباضها بأرباض
قرطبة وبنى المنصور بمنطقة فيها مجموعة من قصوره وسماها (مُنية العامرية)
وكانت بها أروع قصور المنصور وأحظى بيوته ودخل عليه يوما ابن أبى الحُباب
فى بعض قصوره بمنية العامرية والورد قد تفتحت أوراقه وزاد جمال القصر
وبهجته والشمس ساطعة تعكس أنوارها المياه الجارية بالقصر فكان المنظر بحق
بديع فقال فى ذلك :
لا يـوم كاليـوم فـى أيامــك الأُولِ .. بـالعامــرية ذات المـاء والظُـللِ
هـواؤها فى جميع الدهر معتدلٌ .. طيـبا وإن حــل فصلٌ غيـرُ معـتدلِ
ما إن يُبالى الذى يحتل ساحتها .. بالسعد أن لا تحلّ الشمسُ بالحملِ
كما أن المنصور بن أبى عامر جدد بناء قنطرة قرطبة التى
تعد من عجائب الدنيا فى ذلك الزمن وأعاد بنائها سنة 378هـ واستغرق بناؤها
سنة ونصف وأنفق لذلك مائة وأربعين ألف دينار !!!
وبنى كذلك قنطرة آستجة على نهر شنيل وكلفت كثير من
الجهد والوقت لكنها سهلت الكثير على المسلمين ولهجت العامة بالدعاء
للمنصور بن أبى عامر رحمه الله .
قنطرة قرطبة فى أسبانيا التى جددها المنصور بن أبى عامر .. ومن أعظم مناقبه كذلك وهى الزيادة والتوسعة التى وسعها
فى جامع قرطبة العظيم الذى لم يبنى مثله فى الإسلام !! , فأضاف اليه مثل
مساحته تقريبا , وكان يرسل أسرى النصارى للعمل فى البناء , وكان المنصور
يشترك بنفسه أحيانا فى أعمال البناء وكانت تلك هى أضخم وآخر التوسعات التى
تمت لجامع قرطبة فشرع فى البناء عام 387هـ واشترى المنصور البيوت والأملاك
الواقعة ضمن منطقة التوسعة وحرص على إنصاف أصحابها , وتضاعف حجم الجامع
جدا وبلغ عدد سوارى المسجد ما بين كبيرة وصغيرة الى ألف وأربعمائة وسبعة
عشرة 1417 سارية عمود وبلغت كذلك عدد الثريات مابين كبيرة وصغيرة الى
مائتان وثمانون 280 وعدد الكؤوس سبعة آلاف وأربعمائة وخمس وعشرون كأسا
7425 وكان يخدم الجامع من أئمة ومقرئين وأمناء ومؤذنين وسَدَنة ومُوقدين
يوقدوا الشموع والمصابيح للإنارة وغيرهم أكثر من مائة وتسعة وخمسون 159
شخصاً وفى رمضان يُوقد العود والطيب فى جميع أنحاء الجامع .
مسجد قرطبة ومن أهم مناقب المنصور هو عمله على إذلال الممالك
النصرانية فى الشمال والعمل على تأديبهم المستمر حتى لا يفكروا إلا فى طلب
ود وجوار المسلمين ومن أجل ذلك أرسل ملك قشتالة "شانجة" ابنته جارية عند
المنصور فى قرطبة لينال رضاه !!
وعندما جاء الى قرطبة بعد هزيمته مع المسلمين وأثناء
مروره بين صفوف العسكر والجند وأهل الخدمة انخلع قلبه من الرهبة والهيبة
حتى ارتعدت فرائصه ودخل مجلس المنصور فما إن وقعت عينه على المنصور بن أبى
عامر حتى هوى على الأرض من فرط هيبيته وقبّل قدم المنصور ويده !!!
أى عزة هذه بالله عليكم !!!..............