العقيده العسكريه الاسرائيليه
العقيدة
العسكرية هي مجموعة المبادئ والأفكار التي تعتمدها دولة ما لتسويغ
استراتيجية عسكرية خاصة بها، بحيث تشكل هذه الإستراتيجية أساسا صالحا
لتحقيق استراتيجيتها العليا أو القومية.
وتستمد العقيدة العسكرية الصهيونية (التي هي أساس الإستراتيجية العسكرية
"الإسرائيلية" المعاصرة) جذورها من معتقدات وأفكار من كتاب اليهود المقدس،
أي "العهد القديم" الذي هو التاريخ العسكري لدى المعتمد لدى اليهود بدءا
من تاريخ خروجهم من مصر (القرن الثالث عشر ق.م). حتى ثورة المكابيين على
السلوقيين (في القرن الثامن ق.م)، رغم ما يشوب أحداث هذا الكتاب من
أسطورة، وما يعتريها من شكوك، بسبب بعدها عن المنطق وعن العملية معا.
وإذ تتخذ الحركة الصهيونية كتاب اليهود (العهد القديم) حجة ومبررا، بل
سندا إلهيا، لمطالبتها السياسة بأرض الميعاد موطنا لليهود (ولسنا هنا في
مجال مناقشة هذه المطالبة القائمة على العنصرية والوهم والأسطورة)، نرى
أنه لا بد لأي باحث في العقيدة العسكرية الصهيونية من أن يلمس، بوضوح، مدى
تجذر هذه العقيدة في الفكر العسكري الديني التاريخي لليهود، والذي أسهب
العهد القديم، نفسه، في التعبير عنه والتأكيد عليه، بحيث شكل هذا الفكر
مصدرا، لا يمكن إهماله، من مصادر العقيدة العسكرية "الإسرائيلية"
المعاصرة.
ويمكننا أن نستخلص، من مراجعة العهد القديم، المعتقدات والأفكار التي تشكل، بدورها، العقيدة العسكرية الصهيونية، وهي:
أولا: الطبيعة العدوانية.
ثانيا: العنف والإرهاب.
ثالثا: الاحتلال والتوسع والسيطرة.
رابعا: الحرب الجماعية أو الأمة المسلحة.
خامسا: التعبئة النفسية والمعنوية.
أولا: الطبيعة العدوانية
لا شك في أن الطبيعة العدوانية التي تميز بها التاريخ اليهودي، وبالتالي،
الشعب اليهودي نفسه، هي طبيعة متأصلة في هذا الشعب، بحكم التوارث والتربية
الدينية التوراتية، وليست ظرفية أو مكتسبة. ونجد في "العهد القديم" أمثلة
كثيرة تدل على هذه الطبيعة العدوانية المتميزة بالهجومية ومنطق القوة لدى
شعب "إسرائيل"، إذ يبدو هذا الكتاب مليئا بالتحريض على العدوان والعنف
والاحتلال والتوسع والاستيلاء على أرض الغير بدون وجه حق، ويبدو شعب بني
"إسرائيل" شعبا مهاجما دائما، ومعتديا دائما، ولم يكن مدافعا قط، وهو ما
فتئ منذ وجوده، يقاتل كل الشعوب التي تقف حائلا، دون تحقيقه لأطماعه
السياسية العدوانية التي يبررها بوعد الرب، رب "إسرائيل"، له بأرض الميعاد
"من نهر الكبير، نهر الفرات
و يتحدث الصحفي الفرنسي "جان لارتيغي" في كتابه "أسوار "إسرائيل" " عن
النزعة العدائية للشعب اليهودي على مر التاريخ والعصور فيقول: "كل التاريخ
القديم "لإسرائيل"، الذي تقصه التوراة علينا، هو عسكريا قبل كل شيء، فجنود
موسى ويشوع وداود لم يتخلوا قط عن القتال والنزاع، حتى فيما بينهم. إنهم
ليسوا برحومين مع أعدائهم المغلوبين... وإن يهوذا إله "إسرائيل"، هو،
أيضا، إله الجيوش، إنه محارب قاس، قاد بعناد شعبه غير المنضبط، الذي جرب
كل المستجدات. فقد قاتل اليهود، بالتتابع، كلا من الآشوريين والبابليين
والمصريين والـمؤابيين والـفرس والـيونان والـرومان" ، مغفلا، ربما عن
عمد، ذكر عدائهم المتجذر توراتيا لشعب فلسطين، واعتداءاتهم المتكررة
تاريخيا، على هذا الشعب.
ومنذ منتصف القرن الميلادي الثامن عشر، بدأ اليهود يعدون العدة للعدوان
على فلسطين، وذلك من خلال ما ابتدعوه، وحرصوا على المحافظة عليه وعمدوا
إلى إثارته بين الفينة والأخرى، مما سموه بالمسألة اليهودية وعقدة
اللاسامية، وحاجة هذا الشعب "المظلوم والمشرد والبائس والمستضعف" إلى أرض
يمتلكها ووطن يأوي إليه ويستجير به، واستطاعوا، بما أوتوا من حنكة ودراية
ودهاء، أن يقنعوا العالم بعدالة قضيتهم، فكانت "فلسطين"، وللمرة الثانية،
ضحية عدوانهم، بل فداء لكل الشعوب الأرض التي نبذتهم وكرهت استضافتهم.
قامت الدولة العبرية على العدوان إذن في القرن الثاني عشر قبل الميلاد،
كما قامت على العدوان، أيضا، في القرن الميلادي العشرين. وكما طرد بنو
"إسرائيل"، بدون وجه حق، ومنذ اثنين وثلاثين قرنا، "سبع أمم" من أرضهم
وديارهم، طردوا، بدون وجه حق، كذلك، وفي هذا القرن (الميلادي العشرين)،
الفلسطينيين العرب من أرضيهم وديارهم. وكما امتلك بنو "إسرائيل"، منذ
اثنين وثلاثين قرنا، وبدون وجه حق، "مدنا عظيمة لم يبنوها، وبيوتا مملوءة
كل خير لم يملئوها، وآبارا محفورة لم يحفروها، وكروما وزيتونا لم يغرسوها"
امتلكوا، في هذا القرن بالذات، وبدون وجه حق كذلك، مدن الفلسطينيين،
وبيوتهم المملوءة خيرا، وآبارهم وكرومهم وزيتونهم. فأي تاريخ، في البشرية،
أكثر عدوانية وهمجية من تاريخ بني "إسرائيل" هذا؟
ويكفي أن تكون ""إسرائيل" الدولة الوحيدة، في هذا العالم، التي لم يرد في
دستورها حدود لها، حتى تتأكد، بلا جدال، الطبيعة العدوانية لهذه الدولة.
كما أن الوضع القائم حاليا في الجولان وجنوب لبنان والبقاع الغربي يشكل
النموذج الساطع للعدوان "الإسرائيلي" المستمر والمتمادي ضد سوريا ولبنان.
ثانيا: العنف والإرهاب
لقد استخدمت "إسرائيل"، منذ قيامها، مختلف وسائل العنف والإرهاب بقصد
اقتلاع الفلسطينيين من ديارهم أولا، ثم ردعهم عن السعي للمطالبة أو العودة
إليها، فيما بعد، حتى غدت هذه الوسائل (العنف والإرهاب) حجر الأساس في
الإستراتيجية الصهيونية القائمة على مبدأ (الاحتلال والتوسع بهدف
الاستيطان) قبل قيام "إسرائيل"، واستمر بعد قيامها. ثم ما لبث العنف
والإرهاب أن أضحى، بعد قيام الدولة العبرية، وفي مواجهة النضال الفلسطيني
والعربي ضد الاحتلال الصهيوني، والرافضة لوجوده، وخصوصا تلك التي احتلت
أرضها من قبل العدو الصهيوني، ولا تزال.
وأصبح العنف والإرهاب، بالتالي، عنفا رسميا وإرهابا رسميا، تعتمده الدولة
العبرية، بهدف ردع المقاومة والشعب الفلسطينيين عن مواصلة نضالهما
لاسترداد الحقوق الفلسطينية المغتصبة، كما تعتمده بهدف ردع الدول العربية
التي احتلت أرضها عن النضال في سبيل استرداد هذه الأرض. والوضع القائم
حاليا في جنوب لبنان والبقاع الغربي يشكل النموذج الساطع للعنف
"الإسرائيلي" المستمر والمتمادي ضد لبنان.
وقد اعتمدت الصهيونية العنف والإرهاب في كل نشاطاتها السياسية والعسكرية،
وفي مختلف مراحلها، أي منذ نشأتها كحركة سياسية وحتى قيام دولتها
"إسرائيل"، واستمرت بعد قيام هذه الدولة، ولا تزال، فهي قد اعتمدت العنف
والإرهاب كوسيلة سياسية في فلسطين، في عهد الانتداب البريطاني، ضد
الفلسطينيين، وضد البريطانيين أحيانا، كما اعتمدتها كوسيلة عسكرية في سائر
مراحل نزاعها مع العرب، في السلم والحرب معا. وقد تنوعت أساليب العنف
والإرهاب التي استخدمتها الحركة الصهيونية، ثم عمليات عسكرية ضد الآمنين
والمسالمين والعزل من السلاح، في فلسطين وسائر الدول العربية من المحيط
إلى الخليج. ونذكر، على سبيل المثال لا الحصر:
عمليات العنف والإرهاب التي قامت بها المنظمات الإرهابية (الهاغانا
والارغون وشتيرن) في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، (عملية نسف فندق
الملك داود بالقدس في 22 تموز - يوليو 1946).
عمليات اغتيال زعماء سياسيين وقادة عسكريين ومفكرين ومثقفين فلسطينيين
(غسان كنفاني، وكمال ناصر، محمد يوسف النجار، وكمال عدوان، وعلي سلامة،
ومحمود الهمشري، ومحمد بوديا، ومحمود صالح، وحسين أبو الخير، ووائل زعيتر،
وماجد أبو شرار، ومنذر أبو غزالة، وخليل الوزير (أبو جهاد، وغيرهم)،
وبالإضافة إلى محاولات اغتيال متعددة أبرزها محاولة اغتيال الدكتور أنيس
صايغ رئيس مركز الأبحاث الفلسطيني ببيروت في 19 تموز - يوليو 1972.
عمليات قصف المخيمات الفلسطينية والقرى والمدن اللبنانية والسورية
والأردنية والمصرية طيلة سنوات عديدة من صراع العرب مع العدو الصهيوني.
عمليات القصف الجوي والمدفعي التي تعرض لها جنوب لبنان في صيف 1993 (آب -
أغسطس) والتي استمرت سبعة أيام، وقد عرفت هذه العمليات "بحرب الأيام
السبعة" على لبنان.
عمليات القصف الجوي والمدفعي والحصار البحري التي لا يزال يتعرض لها جنوب لبنان إلى اليوم.
عملية "عناقيد الغضب" التي نفذها العدو الصهيوني ضد المواطنين اللبنانيين
المدنيين في الجنوب والبقاع الغربي بين 11 و 26 نيسان 1996.
وغير ذلك من عمليات العنف والإرهاب التي ارتكبها الكيان الصهيوني والتي
يصعب حصرها (الخطف والاعتقال والسجن - أعمال القرصنة البحرية والجوية -
النسف والتدمير - طرد السكان العرب وتدمير المدن العربية - عمليات القتل
الجماعي - الخ ...).
وقد حاول الإرهابي الصهيوني المعروف "مناحيم بيغن" أن يفلسف إستراتيجية
العنف والإرهاب التي اعتمدتها الصهيونية، وخصوصا المنظمة الإرهابية
المسماة (الأرغن) التي كان يرأسها، في أثناء الانتداب البريطاني على
فلسطين، فرأى أن الصهاينة استطاعوا، في المرحلة الأولى من "الثورة" بلوغ
هدف استراتيجي مهم هو نجاحهم في "إلغاء العامل العربي المحلي"، إذ أنه لم
يعد بإمكان البريطانيين أن يتذرعوا، بعدها، لبقائهم في فلسطين، "بحماية
اليهود من العرب"، وهي الذريعة التي كانوا يتذرعون بها سابقا.
وهكذا، أضاع العرب المبادرة العسكرية، وصار على البريطانيين، لكي يبقوا في فلسطين، أن يتذرعوا بـ"حماية العرب من اليهود" .
ومما لا شك فيه أن العنف والإرهاب يشكلان ركيزتين من أهم ركائز الفكر
الإستراتيجي الصهيوني، وقد ظهر ذلك واضحا في كتابات "جابوتنسكي" الذي يرى
أن "السيف لا يمكن إلغاؤه" وأن "التوراة والسيف أنزلا علينا، معا، من
السماء" ، وفي كتابات "وايزمن" أو لرئيس للدولة العبرية، الذي رأي أنه،
رغم أن الإرهاب الذي تقوم به (الهاغانا) شيء رديء، إلا أنه ربما كان
"بمثابة ظاهرة لها حسناتها لتحقيق الوطن القومي اليهودي" وكذلك في كتابات
"بن غوريون" الذي رأى أن "مملكة داود لا تقوم إلا بالدم، وأن مصير اليهود
مرتبط بقوتهم العسكرية" وأخيرا في كتابات "مناحيم بيغن" الذي كان يؤمن
إيمانا شديدا بفوائد العنف والإرهاب من أجل بناء دولة اليهود فيقول: "نحن
نحارب، إذن، نحن موجودون" ، رغم أنه يحاول أن ينفي عن اليهود، وخصوصا
منظمة (الأرغن)، تهمة الإرهاب، معتبرا أن ما تقوم به هو "ثورة" وليس
إرهابا .
وليس أدل على إرهاب الصهاينة من اعتبار الكثير من "الإسرائيليين" "باروخ
غولدشتاين" مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في عام 1994، بطلا قوميا