وذلك باستخدام صور الأشياء ككلمات كاملة لتلك الأشياء، وتتبع هذا النوع من العلامات علامة قائمة Upright stroke للدلالة على أن الكلمة قد اكتملت فى علامة واحدة (أى فى علامة تُمثل شكل الشىء المراد كتابة اسمه).
4. علامات مُحدِدة أو تحديدية Determinative
عبارة عن صورة شئ يساعد القارئ على فهم المعنى المقصود، فمثلاً إذا كانت الكلمة المراد كتابتها تُعبر عن فكرة مجردة، كانوا يرسمون شكل لفة من ورق البردى مربوطة ومختومة للدلالة على أن معنى هذه الكلمة (الفكرة المجردة) يمكن التعبير عنه بالكتابة ولكن ليس بشكل تصويرى مباشر (وذلك على عكس الكلمات التى يمكن التعبير عنها بعلامات تصويرية مباشرة).
الأعداد المصرية القديمة
ابتكر المصريون القدماء نظاماً عشرياً يستعمل هذه الرموز:
العدد 1:، العدد 2:، العدد 3:، العدد 4:، العدد 5:، العدد 6:، العدد 7:، العدد 8:، العدد 9:، العدد 10:، العدد 100:، العدد 1000:، العدد 10000:، العدد 100000:، العدد 1000000 (مليون):
أمثلة:
تاريخ فك رموز اللغة المصرية القديمة إن علم المصريات لا يزال علماً حديث العهد، فلم يتسن لنا معرفة اللغة المصرية القديمة إلا منذ ما يقرب من قرن من الزمان.. كذلك لم نلم بعد بميدان علم المصريات بأكمله، فلازلنا فى مرحلة الاستكشافات، وتتواصل الحفائر بانتظام وتمدنا سنوياً بوثائق جديدة. ويجرى نشر ما سبق جمعه من آثار بشكل منهجى منسق. وطالما لم نصل بعد إلى معرفة كل المصادر التاريخية فلا يزال أملنا كبيراً فى الوصول إلى اكتشافات جديدة. بيد أن ما تجمع بين أيدينا من معلومات يكفى للشروع فى كتابة تاريخ الحضارة المصرية فى خطوطها العريضة.
ولم يكن فى مقدورنا أن نعرض هذه الصورة الإجمالية عن الحضارة المصرية القديمة، على إيجازها فى هذه الموسوعة، لولا اكتشافات "جان فرانسوا شمبوليون" (1790-1832)
Jean-François Champollion مبدع علم المصريات. وكان من النتائج المثيرة لمغامرات "نابليون"، أنها شدت انتباه العقول المتعطشة إلى المعرفة إلى الشرق.. إلى مصر. ويمكن القول دون مبالغة أن إعادة اكتشاف مصر القديمة يرجع إلى عام 1809 مع نشر كتاب "وصف مصر" De******ion de l'Egypteالذى وضعه علماء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798. لقد احتوى هذا المؤلف الهائل على مواد ومعلومات جديدة، فى نفس الوقت الذى بدأت فيه الحركة الرومانسية تحيى ذوق الماضى وذوق الشرق. وليس من قبيل المصادفة أن "ديلاكروا" Delacroixو"بيرون" Byronو"لامرتين" Lamartineعلى سبيل المثال لا الحصر، كانوا معاصرين "لشمبوليون"، وكانوا مثله مشدودين إلى عالم الشرق.
وبطبيعة الحال لم يكن كافياً أن تتوفر الظروف المواتية، وأن يتوصل علماء البعثة الفرنسية فى مصر بفضل علمهم وعملهم الرائع الدؤوب إلى جمع المعلومات اللازمة لإنجاز هذا الاكتشاف، بل كان الأمر يحتاج أيضاً إلى العبقرية. وكان "شمبوليون" يمسك هذا الوهج الذى لا غنى عنه، فقد كان شغوفاً بمصر متحمساً لها منذ نعومة أظافره. وانكب يتعلم بجد كل ما يشفى غليل ما يراوده من شغف: أن يلم بتاريخ مصر. وفتح له تكوينه الكلاسيكى الطريق أمام المصادر اليونانية واللاتينية. ثم زاد عليها بفضل جهده الدؤوب، معارف متخصصة كان يدرك مدى فائدتها: ففى القرن السابع عشر برهن الأب "كيرشيه" P. Kircher، وهو من الآباء اليسوعيين (الجزويت)، على أن اللغة المصرية الكلاسيكية، لا تزال حية من خلال اللغة القبطية التى ظلت على أيامه لغة الحديث بين رهبان مصر (ولا تزال مستعملة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية إلى يومنا هذا فى أجزاء من الشعائر الدينية)، وظل الرهبان يستخدمونها حتى القرن التاسع عشر. ومن ثم تعلم "شمبوليون" اللغة القبطية وأضاف إليها دراسة العربية والعبرية. كما تعلم السريانية والأثيوبية و"الكلدانية" (الآرامية). وهكذا واجه "شمبوليون" مشكلة المشاكل، وهى فك الرموز الهيروغليفية، وقد تسلح لها أحسن تسليح.
"حجر رشيد". كان أحد قواد "بونابرت" الفرنسيين قد اكتشف فى دلتا النيل كتلة من البازلت الأسود نقش على سطحها نص مدون بثلاثة خطوط مختلفة. هذه الكتلة الحجرية المعروفة اصطلاحاً بـ"حجر رشيد" نسبة إلى المكان الذى عثر عليها فيه، نشرت فى كتاب "وصف مصر". وعلى الفور صارت محل اهتمام الدوائر العلمية بالنظر إلى أهميتها. وفى واقع الأمر كان أحد الخطوط الثلاثة، وهو الخط اليونانى معروفاً، فأماط اللثام عن مرسوم صادر عن "بطليموس الخامس إبيفانوس (الظاهر)". أما الخطان الآخران، فكان يتكون أحدهما من علامات تشبه تلك التى تُشاهد على سطوح المبانى المصرية التى حفظها الزمن وهو الخط الذى يعرف اصطلاحاً منذ "إكليمندس السكندرى" بالخط الهيروغليفى (علامات الكتابة المقدسة) أما الخط الآخر – وهو مختلف كل الاختلاف، مع وجود بعض أوجه الشبه بينه وبين الخط العربى: فلابد أنه كان الخط الديموطيقى، وهو خط مختصر شاع استخدامه فى الوثائق الشعبية. وأقر الجميع على الفور وبحق، أن النصين الهيروغليفى والديموطيقى هما بكل بساطة ترجمة للنص اليونانى. وبدى أن المشكلة بسيطة: فالمطلوب قراءة وفهم لغة مجهولة تُرجم إليها نص مفهوم. وبالنظر إلى أن النصين المصريين لم يتركا فواصل بين الكلمات شأنهما شأن النص اليونانى – كان لابد من التوصل إلى موضع كل كلمة ومعناها ومحلها فى الإعراب. لقد وقفت نخبة من عقول هذا العصر الثاقبة عاجزة أمام هذه المشكلة السهلة الحل فى ظاهرها. زد على ذلك، أن المشكلة لم تطرح نفسها بالبساطة التى عرضنا لها. فبداية النقش الهيروغليفى كان مهشماً والباحثون يجهلون عدد السطور الناقصة. أما النص الديموطيقى فكان وحده سليماً. بادئ ذى بدء، تصدى "اكربلاد" Akerbladو"سيلفستر دى ساسى" Sylvestre de Sacyلهذا النص الأخير، وتوصلا إلى تحديد موضع أسماء "بطليموس" فى النص. ولم يذهبا إلى أبعد من هذا. وانكب "يونج" Young، الطبيب والفيزيائى البريطانى الذائع الصيت، على النص الهيروغليفى، فتوصل هو أيضاً إلى تحديد موضع اسم "بطليموس". واستخدم الأصوات التى اعتقد أنه قد استطاع استنتاجها، لمحاولة قراءة باقى النص، ولكن دون جدوى. عندئذ تدخل "شمبوليون" الذى كان يتابع فى شغف أبحاث من سبقوه. فمسألة المنهج هى التى كانت تقف فى واقع الأمر حائلاً دون تقدمهم. هل الكتابة المصرية تصويرية، فتشير كل علامة فيها إلى صوت واحد، كما هو الحال فى اللغات الحديثة. وما هى هذه الأصوات؟ وهل هى أبجدية أم مقطعية؟ إن "شمبوليون" نفسه قد تردد طويلاً. واكتشف بداية إن الحروف الساكنة وحدها هى التى تكتب مع إغفال الحروف المتحركة، شأنها فى ذلك شأن العبرية والعربية القديمة. فلا يتبقى من الكلمة سوى هيكلها العظمى. ومن فرط ما تلمس طريقه، ومن كثرة ما قلب المسألة فى ذهنه، لاحت له الحقيقة فجأة. إذ كان النص المصرى يحتوى بكل وضوح ورغم ما أصابه من تشويه على عدد من العلامات أكثر بكثير من النص اليونانى. وهى ظاهرة كانت تحتاج قبل كل شئ إلى تفسير. وأدرك "شمبوليون" على الفور أن هذه العلامات الزائدة مردها إلى حقيقة أن المصرية القديمة كانت فى آن واحد تصويرية وصوتية. أو كانت بعبارة أخرى، تضم علامات تُقرأ وأخرى لا تُقرأ – وهدفها تحديد معنى الكلمة فحسب. شرع "شمبوليون" يطبق ما توصل إليه من اكتشافات، فقرأ أول ما قرأ جميع أسماء الملوك اليونانيين، فى ترجمتها المصرية. ثم تصدى بعد ذلك للكلمات المصرية، بمعنى الكلمة. واعتمادا على إلمامه باللغة القبطية، لم يتوصل فحسب إلى قراءة اسم الملك رمسيس الشهير فحسب، بل نجح أيضاً فى فهم معنى الاسم ويعنى "رع (إله الشمس) أنجبه". وهكذا خطى الخطوة الفاصلة، فاستطاع أن يفهم الهيروغليفية (1822).
ومن ذلك التاريخ فصاعداً، انكب "شمبوليون" على ما وقع بين يديه من نصوص، فعمل بنشاط منقطع النظير وتغلب على كل ما اعترضه من عقبات. وفى عام 1832، بعد مضى عشر سنوات على اكتشافه الأول، وضع كتاباً فى قواعد اللغة المصرية وشرع فى إعداد قاموس. وجمع خلال رحلة قام بها إلى مصر مادة لمجموعة من المؤلفات عن آثار مصر والنوبة. وأخذ يعد العدة للاستفادة من أعماله لإلقاء محاضرات فى "الكوليج دى فرانس"
Collège de France، عندما وافته المنية وهو فى الثانية والأربعين من عمره، وقد أنهكه ما بذله من جهد جهيد.
نقوش هيروغليفية تُزين أحد التماثيل. وحتى نوفى عمل "شمبوليون" حق قدره – إذ غالباً ما صدرت فى حقه أحكام مجحفة وغير منصفة – ينبغى أن نأخذ بعين الاعتبار مستوى معارف علم المصريات، قبل فك رموز الكتابة الهيروغليفية. فماذا كنا نعلم عن مصر قبل عام 1822؟ منذ أن أغلقت المعابد المصرية أبوابها فى القرن الرابع الميلادى اختفى كل من كان له القدرة على قراءة الهيروغليفية لتتحول كل الوثائق المصرية الأصلية إلى علامات صماء. فانحصرت معلوماتنا بالضرورة على ما كتبه المؤلفون الإغريق عن مصر، نذكر منهم "هيرودوت" و"ديودورس الصقلى" و"استرابون" و"بلوطارخوس". ويمكن أن نضيف إلى هذه المصادر بعض ما كتبه آباء الكنيسة، أمثال "أكليمندس السكندرى" و"يوسابيوس القيصرى".
ولا ينبغى بالطبع التقليل من أهمية هذه المصادر الكلاسيكية، فمن وسط هذه المؤلفات، يشدنا أحدها بصفة خاصة. ففى زمن أحد البطالمة وضع كاهن مصرى يدعى "مانتون" تاريخاً لمصر تلبية لطلب الملك الإغريقى. ولو حفظ لنا الدهر هذا السفر كاملاً، لكان جليل الفائدة، نظراً لأن "مانثون" كان مازال يمتلك ناصية الهيروغليفية. وللأسف ضاع هذا المؤلف النفيس ولكنه تواتر إلينا على هيئة شذرات مبعثرة وردت ضمن ما استشهد به بعض الكتاب كالمؤرخ اليهودى "يوسفيوس" و"سكستوس يوليوس" المؤرخ الإغريقى الملقب بالإغريقى والمختصر الذى أعده عنه "يوسابيوس القيصرى". ومع ذلك فكل مانعرفه عن هؤلاء الكتاب الأواخر إنما وصلنا من خلال المصنف الذى صنفه "جورج السنسيلى" George le Syncelle فى النصف الثانى الميلادى.
إن مؤلف "مانتون" كما وصلنا ليس سوى ظل لظل، والفائدة الوحيدة التى ندين بها له هو تقسيم تاريخ مصر إلى ثلاثين ولا تمثل جميع هذه المصادر مجتمعة سوى أقل القليل، إذ من الصعب أن نستفيد منها. وبالفعل لم يجمع أصحاب هذه المؤلفات ما توصلوا إليه من معلومات، مباشرة وبدون وسيط، بل لم يتعد كاتبوه عن كونه مجموعة من "القيل والقال". ثم جاء اكتشاف "شمبوليون" ليغير من وضع المسألة، إذ اضحت الوثائق المصرية سهلة المنال بعد أن كانت طلاسم وألغاز، وصار فى الإمكان التحقق من صحة المصادر الكلاسيكية واستكمالها. وشرعت مصر القديمة تولد من جديد. وبفضل الأسس التى وضعها "شمبوليون"، أمكن لعلم المصريات أن ينهض، ومازال يواصل نهوضه، بالنظر إلى أنه لم يتم إلى الآن حصر الثروات التى قدمتها لنا مصر القديمة، ولا هو على وشك أن يتم، فمازالت مصر القديمة تدخر لنا اكتشافات، على غرار اكتشاف مقبرة توت عنغ امون واكتشاف دفنات تانيس – "صان الحجر" حالياً – فى وقت لاحق. ومن ثم تظل مصر القديمة حاضرة – رغم كل ما يبدو من مظاهر – فنراها تبعث إلى الحياة أمام أعيننا مع كل صدفة تقود إلى اكتشاف جديد. ويتم نشر هذه الاكتشافات تباعاً فى العديد من الدوريات الفرنسية وغير الفرنسية، بلغات عديدة. وبالتدريج يزاح الستار عن حضارة كانت من الناحية العلمية فى طى النسيان قبل قرن ونصف من الزمان، وهو ما لا ينبغى أن يغيب عن بالنا. اللغة والكتابة المصرية القديمة إذا تركنا جانباً القسمات البدنية العرقية، فإن اللغة هى السمة المميزة لشعب من الشعوب. فما أصول اللغة المصرية إذن؟ ظل المتخصصون يتجادلون لفترة طويلة بين قائل بأصولها السامية وآخر يرى أن أصولها إفريقية. بل وذهب البعض إلى افتراض أن أصولها أقيانية! أما اليوم فيسود شبه اتفاق على أن المصرية والكوشية (اللغات السودانية) والبربرية واللغات السامية، تشكل كل منها مجموعة مستقلة عن الأخرى، وإن كانت جميعها مشتقة من لغة قديمة مشتركة. وهو ما يفسر، فى ذات الوقت، ما نلحظه من أوجه شبه عديدة بين المجموعات المختلفة وبالتحديد بين المصرية واللغات السامية وبين البربرية والمصرية. وهو ما يجعلنا أيضاً فى غنى عن الافتراضات التى كانت قد ظهرت – وعلى رأسها افتراض الغزو – والتى تكونت فى الماضى لتفسير أوجه الشبه هذه. ومن ثم ينتمى المصرى إلى غيره من شعوب إفريقيا البيضاء من حيث القسمات البدنية ومن حيث اللغة، على حد سواء. تواترت إلينا اللغة المصرية كتابة منذ العصر الثينى أو حوالى عام 3100 ق.م، ولذا تعتبر من أولى كتابات البشر المعروفة، ومن المفيد أن نطل عليها إطلالة سريعة. لقد سبق أن ألقينا نظرة على تاريخ فك رموزها. وعلى رأس ما يشدنا إلى هذه الكتابة أنها نشأت نشأة محلية أصيلة، فلم تستعر كل ما تستخدمه من علامات هيروغليفية من عالمى الحيوان والنبات فى وادى النيل فحسب، وهو برهان على أن ظهورها ونموها كانا ظاهرة محلية، بل تصور هذه العلامات أيضاً بعض الأدوات والأوانى التى كانت تستخدم فى مصر منذ العصر الأدنى للحضارات النحاسية الحجرية، وهو دليل على أن الكتابة هى بالقطع نتاج الحضارة المصرية دون غيرها، وأنها قد نشأت على ضفاف النيل.
وقد وصلتنا الكتابة فى ثلاث صور مختلفة، يطلق على الأولى اصطلاحاً الهيروغليفية. وكانت وقفاً على الأنصاب والعمائر، فتدون كل علامة بمفردها مع الاهتمام الفائق بتفاصيل الرسم. فالطائر على سبيل المثال لا يشار إليه بخطوطه الجانبية وحسب، بل بشتى ملامحه الداخلية أيضاً مع توضيح الأجنحة والعينين والمخالب الخ.. وغنى عن البيان أن تدوين هذه الكتابة كان يستغرق وقتاً طويلاً، حتى مع اختزال الرسم، لأن الكلمة الواحدة قد تتكون من خمس أو ست علامات مختلفة. ومن ثم فقد استخدم المصريون منذ أقدم العصور كتابة مختصرة، تعرف اصطلاحاً بالهيراطيقية. وهى الكتابة التى اعتمدتها غالبية النصوص الادبيه والإدارية والقانونية المصرية التى بين أيدينا. وأخيراً، فقد تم اختصار الهيراطيقية بدورها فى العصر المتأخر، فنشأت الديموطيقية. والتطور الذى طرأ على العلامات الديموطيقية بلغ حداً يستحيل معه التعرف على النماذج الهيروغليفية الأصلية. استخدم الخط الديموطيقى فى تدوين العديد من الوثائق القانونية الهامة التى تعتبر غالباً مصدرنا الوحيد عند دراسة بعض المؤسسات. ومن الملاحظ أن الكتابة المصرية القديمة، سواء بالخط الهيروغليفى أو الهيراطيقى أو الديموطيقى – لم تتطور أبداً وظلت متمسكة بأصولها الأولى، رغم ما تمتلكه من علامات بسيطة، ولم تتحول أبداً إلى الكتابة الألفبائية، شأنها شأن الفينقيه واليونانية واللغات الحديثة، إلا مع التحول إلى اللغة القبطية فى العصور التالية، وهى اللغة التى مازالت تستخدم فى الكنيسة المصرية حتى يومنا هذا. وتُعد الكتابة القبطية كتابة ألفبائية حيث تستخدم مزيج من حروف خاصة بها وأخرى يونانية. ونظام الكتابة المصرية (ما قبل القبطية) تركيب معقد فى واقع الأمر. فمن ناحية كان بوسعها على الدوام أن تصور الماديات بصورها. فإذا أردنا كتابة كلمات مثل مجداف وقوس ومحراث الخ.. يكفى أن نرسم مجدافاً وقوساً ومحراثاً. ويُعرف هذا الضرب من الكتابة بالخط التصويرى، وشاع استخدامه فى الكتابة المصرية على مر العصور. بيد أن الخط التصويرى لا يصلح للتعبير عن كل شئ. فعلى سبيل المثال كيف يمكن تصوير الأفعال كالمشى والعَدْو والصعود أو الكلمات المجردة كالفكر والحب الخ.. وللخروج من هذه المشكلة، طبق المصريون قاعدة اللغز المصور، فقاموا بتفكيك الكلمات المجردة إلى عناصرها المكونة التى يمكن تمثيلها بأشياء لها صوت مماثل.
ولتوضيح الأمر نختار مثالاً باللغة الفرنسية. كيف نكتب إذن كلمة Détourner – معناها: أدار (رأسه) – يبدل الاتجاه – حول (نظره) – بالاعتماد على الطريقة المصرية القديمة، يمكن أن نقسم الكلمة إلى ثلاثة عناصر ونرسم على التوالى "نرد" "Dé" ثم "برج" "Tour" وأخيراً "أنف" "Nez". انه مبدأ الكتابة الهيروغليفية ذاته كما استخدم فى العصر الثينى لكتابة أسماء الأعلام – ولكن هذا النظام كان فى حاجة إلى إضافات حتى يصبح صالحاً للاستخدام. وبادئ ذى بدء، قد تكون العلامة كقيمة صوتية مصدر غموض والتباس. فقد يفسر القارئ على سبيل المثال صورتى "البرج" و"الأنف" تفسيراً خاطئا ويقرأهما "قلعة" و"فتحة الأنف" مثلاً. وتجنباً لهذه الأخطاء أضاف المصريون علامة هجائية وضعوها أمام العلامة المقطعية أو خلفها لتحديد قراءتها. وقياساً على ذلك سنضع حرف "T" أمام "Tour" وحرف "Z" بعد "Nez" وأخيراً كانوا ينهون الكلمة بعلامة لا تقرأ وإن كانت تحدد القراءة المطلوبة بالإشارة إلى المعنى للكلمة، ومن خلال فكرة، كفكرة الحركة على سبيل المثال أو الشيخوخة أو القوت الخ.. وكانت هذه العلامات محددة بشكل ثابت ونهائى. وإذا عدنا للمثال الذى ضربناه لأضفنا إلى الرسومات السابقة رجلاً يدير رأسه توضيحاً لفكرة "أدار" التى تنطوى عليها الكلمة التى كتبناها بطريقة صوتية. فالكتابة المصرية تشمل إذن علامات صوتية على غرار حروفنا الهجائية إلى جانب العلامات التصويرية التى لا يوجد ما يناظرها فى لغاتنا، وإن ظلت الكتابة الصينية محتفظة بها. وإضافة إلى ذلك تتكون بعض العلامات الصوتية بدورها من حرفين ساكنين أو ثلاثة حروف ساكنة للرسم الواحد. إنها العلامات المقطعية.
ويعتبر نظام الكتابة الهيروغليفية مرناً جداً، إذ يمكن أن تبدأ الكتابة من اليمين أو من اليسار، على حد سواء، بل وأيضاً من أعلى إلى أسفل. ويمكن تمييز اتجاه القراءة (من اليسار إلى اليمين أو بالعكس) من خلال أشكال الإنسان والحيوان المرسومة والتى تتجه بوجوهها دائماً ناحية بداية السطر. كما يتم القراءة من أعلى إلى أسفل. وهناك ما يشبه الإملاء. وتيسر الذاكرة عملية القراءة. وأخيراً، نجد أن العلامات المقطعية وهى كثيرة جداً، (إذ تبلغ عدة مئات من العلامات الشائعة)، يلحق بها دائماً علامة هجائية واحدة أو اثنتان أو ثلاث، تعزيزاً لها ومعيناً على القراءة. بيد أن المصرى لم يصل إلى حد اختراع الكتابة الهجائية كما نعرفها اليوم. ولم يكتف وحسب برفضه القاطع التخلى عن العلامات التصويرية والعلامات المقطعية وصولاً إلى اكتشاف الأبجدية، بل يبدو واضحاً أنه ابتعد عنها، أكثر فأكثر. لقد تباعدت الكتابة المصرية فى العصر المتأخر عن الكتابة الهجائية، بعد أن ضاعفت من العلامات المستخدمة، وفى مقدمتها العلامات التصويرية، بالمقارنة مع كتابة الدولة القديمة التى لم تسرف فى استخدام العلامات. وأخيراً، لم تُقْدِم الهيراطيقية والديموطيقية على تبسيط الكتابة بحذف العلامات غير الضرورية لكنها استخدمت خطاً يوفر كتابة أسرع. أما بالنسبة لقواعد اللغة فتتميز المصرية بأن موضع كل كلمة من كلماتها له ترتيبه الصارم الذى لا يحيد عنه، فتتعاقب الكلمات فى المعتاد على النحو التالى: الفعل فالفاعل ثم المفعول المباشر وأخيراً المفاعيل غير المباشرة. إن حالات الإعراب كما عرفتها اليونانية واللاتينية لا وجود لها فى المصرية. ولكنها تنفرد بمشكلة خاصة بها، ألا وهى أنها تفتقر إلى أدوات العطف والوصل. ويجد المرء صعوبة فى تحديد الرباط الذى يربط الجملة بما يسبقها أو يليها.
من تعاليم "بتاهوتيب" (أو "بتاحوتب"): "لا حدود للفن، كما لا يوجد فنان أو صاحب حرفة متمكن بصورة كاملة تماماً من فنه أو حرفته". بعد أن تم فك رموز الكتابة أصبح فهم الوثائق المصرية القديمة متاحاً وباتت تكون فى الوقت الراهن أهم مصادر التاريخ المصرى وهى مصادر شديدة التنوع، وتضم: مسارد السير الذاتية المنقوشة بالهيروغليفية على اللوحات الحجرية وسطوح جدران مقابر الأفراد، والمسارد الرسمية للحملات الملكية وقد نُحتت فى الغالب على جدرانالمعابد والقوام الملكى المدونة على ورق البردى أو المنقوشة على الحجر، والنصوص الادبيه أو الإدارية المكتوبة بالخط الهيراطيقى على ورق البردى أو الألواح الخشبية الصغيرة أو لُخاف الفخار أو الحجر ("الأوستراكا"). كما أن هذه المصادر هى أحياناً مجرد أسماء حفرت على أشياء صغيرة أو جعارين أو تماثيل صغيرة. وبفضل هذا الحشد من الوثائق، أمكن إعادة كتابة تاريخ مصر كما نعرفه الآن.