السيناريوهات المتوقَّعة لمستقبل الحكم في مصر
عبد الخالق فاروق
تعاني مصر منذ عدة سنوات من أزمة سياسة واجتماعية مركبة تتخذ مظاهر متنوعة؛ بدءًا من حالات الاحتجاج والاعتصامات والتظاهرات التى زادت على أربعة آلاف موقف من هذا النوع خلال العامين الأخيرين وحدهما؛ مرورًا بأزمة اقتصادية متصاعدة التأثير انتهاءً بأزمة في القيادة السياسية ووضوح المستقبل بشأن العملية السياسية التي بدت مشلولة ومسدودة منذ ثلاثين عامًا أو يزيد.
"
لم يعد مشروع توريث الحكم إلى نجل الرئيس المصري مجرد اختيار شخصي وعائلي للرئيس مبارك والسيدة زوجته فقط، لكنه صار اختيار تحالف اجتماعي واقتصادي وسياسي لجماعات المال والأعمال المرتبطة بالنظام والحكم.
"
وخلال السنوات العشر الأخيرة؛ زاد من حدة الأزمة ملامح بدت واضحة فى سياسات النظام؛ وذلك بتصعيد مكشوف لنجل الرئيس مبارك إلى سدة الحكم في عملية "توريث" قيصرية؛ استدعت تغييرًا في نصوص الدستور لتمنع تمامًا أية فرصة أمام أي شخص للترشح والمنافسة الجادة والحقيقية لنجل الرئيس، كما تطلب الأمر إلغاءً لنص ورُوح المادة (88) من الدستور التي كانت تنص على الإشراف القضائي الكامل والشامل على العملية الانتخابية.
وقد ترتب على هذه الإجراءات التوريثية ردود أفعال متعددة من جانب أطراف عديدة؛ بعضها معلَن وصاخب وبعضها الآخر لا يزال حتى هذه اللحظة صامتًا ومكتومًا خاصة لدى دوائر مؤثرة في أجهزة الدولة.
وقد تزايدت المخاوف لدى كافة الأطراف المعارضة، وحتى داخل دوائر الحكم والإدارة الحكومية في الفترة الأخيرة بعد أن تعرضت صحة الرئيس حسني مبارك لتدهور متكرر استدعى نقله إلى عدة دول أوروبية -آخرها ألمانيا- لإجراء عمليات جراحية حساسة في ظل سيناريوهات واحتمالات عديدة، يضع كل منها مصر في دوائر الخطر والانزلاق إلى المجهول.
وتناقش هذه الورقة السيناريوهات والاحتمالات القائمة في مصر خلال الشهور الخمس عشرة القادمة؛ أي حتى إجراء ما يسمَّى بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام (2011م).
وقد جرى اختيار أسلوب السيناريوهات في تحليل المستقبل السياسي الغامض في مصر لأن السيناريوهات بطبيعتها أسلوب يُنتَهَج في ظل:
1. نقص كبير في بعض المعلومات.
2. تعدد الأطراف المشاركة في الظاهرة، وتنوع أوزانها النسبية بما يؤدي إلى تعدد الاحتمالات.
3. عدم اليقين في نوايا بعض الأطراف أو الخصوم.
4. مراعاة عنصر المفاجأة الذي يغلب أحيانا في حالة الدولة غير المؤسسية.
ويجدر بالذكر أن هذه الورقة كانت أساس نقاش مجموعة منتقاة من الخبراء والمحللين هم أعضاء في "جماعة العمل الوطني"، وهي جماعة تكونت في مارس/آذار 2010م، وأعلنت عن وجودها في مؤتمر حاشد بنقابة الصحفيين المصريين آنذاك.
العناصر الحاكمة في طبيعة الصراع على مستقبل الحكم في مصر: توجد خمسة عناصر أساسية حاكمة فى طبيعة الصراع حول مستقبل الحكم في مصر، وهي:
1. مشروع التوريث (طبيعة التحالف الاجتماعي الحاكم - طبيعة الرغبات الشخصية للرئيس مبارك وأسرته).
2. قدرات قوى وحركات المعارضة المصرية، وتحديدًا قوى:
* محمد البرادعى وأنصاره.
* قوى المجتمع المدني.
* أحزاب المعارضة الرسمية.
* جماعات وحركات اجتماعية متعددة.
* الإخوان المسلمون.
3. طموحات ورغبات بعض قيادات المؤسسة العسكرية.
4. قدرات أجهزة الأمن الداخلية.
5. رغبات واتجاهات الولايات المتحدة، وقوة تأثيرها على مفاصل الدولة المصرية (الجيش ـ رجال المال والأعمال ـ المخابرات.. إلخ).
أولا: مشروع التوريث
ثانيًا: السيناريوهات المحتملة أمام الرئيس مبارك والنظام الحاكم
مشروع التوريث
لم يعد مشروع توريث الحكم إلى نجل الرئيس المصري مجرد اختيار شخصي وعائلي للرئيس مبارك والسيدة زوجته فقط، لكنه صار اختيار تحالف اجتماعي واقتصادي وسياسي لجماعات المال والأعمال المرتبطة بالنظام والحكم (تعدادهم ألفا رجل تقريبًا)، وهؤلاء يمتلكون حوالي 24% من الدخل القومي أي حوالي 200 مليار جنيه سنويًا، كما أن ارتباطاتهم بالغرب وإسرائيل قوية. بيد أن ظهور محمد البرادعى قد أعاق المقبولية الجبرية لدى المواطنين ودوائر متعددة لهذا الاختيار.