[size=16] اكتشف العرب أمريكا قبل كولومبوس؟[/size][size=16]سؤالمحل جدل بين أوساط المهتمين بالتأصيل للدور الريادي للجغرافيين العربوالمسلمين في علم الجغرافيا بصفة عامة وفي حركة الكشوف الجغرافية بصفةخاصة توجهنا به إلى الأستاذ الدكتور/ يوسف عبد المجيد فايد – أستاذالجغرافيا الطبيعية- جامعة القاهرة والمتخصص في الأمريكتين فقال: ليس ثمةدليل على اكتشاف العرب للعالم الجديد أو أمريكا قبل كريستوفر كولومبوس رغمالكلام الكثير الذي يثيره البعض حول هذا الموضوع، فتجد مثلاً آراء تقول إنالمصريين القدماء كانوا أول من اكتشف هذا العالم الجديد مستندين في هذاإلى وجود بعض الأهرامات في المكسيك والتي تعود إلى عصور قديمة والتي تشبهالأهرامات في مصر القديمة، ولكن رغم ذلك فإن أي مزاعم بوصول عرب أو حتىأوروبيين إلى أمريكا قبل كولومبوس مشكوك في صحتها غير أن الهجرات الحقيقيةإلى أمريكا والتي سبقت كولومبوس بقرون هي هجرات أسلاف الهنود الأمريكيينالذين وجدهم كولومبوس عند وصوله إلى أمريكا. وقد هاجر أسلاف الهنود منآسيا عن طريق مضيق "بيرنج" من الطرق الشمالي الشرقي لقارة آسيا إلى"آلاسكا" الطرف الشمالي لقارة أمريكا وهذا يفسر صفات الأمريكيين المغوليةأو الشبيهة بالمغولية الواضحة.
ويضيف قائلاً: إن الذينيجتهدون لإثبات أن العرب قد وصلوا إلى العالم الجديد قبل الأوروبيين ينسونأن الوصول إلى شواطئ ذلك العالم ليس في نفسه بذي أهمية ولا يدل على تقدم،ولا يوصف بأنه كشف، فالهنود الذين تحدثنا عنهم توًا كانوا قطعًا أول منوصل إلى هذا العالم الجديد، ورغم ذلك فلم يوصفوا بالتقدم ولم يعدوامكتشفين، إنما العبرة في عمل كولومبوس أنه قام على نظرية علمية وأثبتصحتها، وهو أن المتجه من شواطئ أوروبا غربًا يصل إلى آسيا؛ لأن الأرضكروية، وكروية الأرض نظرية عربية يوجد فيها نصوص صريحة وواضحة للعالمالجغرافي المسلم أبو عبيد الله البكري، وهذا هو الكشف الصحيح وموضع الفخر،أما أن يكون الذي قام بتطبيق هذه النظرية العربية كولومبوس أو غيره فمسألةتلي ذلك في الأهمية، وقد تحققت لعوامل علمية وصناعية أخرى مثل إتقان فنالخرائط البحرية، أو تقدم صناعة السفن وإحكام استخدام البوصلة، ثم لعواملسياسية أهمها المنافسة الشديدة بين البرتغاليين والأسبان، فأماالبرتغاليون فقد قادهم العرب علميًا وعمليًا إلى آسيا؛ إذ إنه من الثابتتاريخيًا أن البحار العربي "ابن ماجد" قد أفاد فاسكو دي جاما البرتغاليمكتشف طريق رأس الرجاء الصالح بما قدم له من خرائط عربية ممتازة توضحمعالم الرحلة، فجعله قائدًا لسفينة القيادة التي كان عليها حتى تم الوصولإلى الهند؛ ليكون أول من سلك طريق رأس الرجاء الصالح بمساعدة ابن ماجد.[/size]
[size=16]كيف قاد العرب كولومبوس علميًا؟[/size]
[size=12]بحارة بملامح عربية على سفينة كولومبس[/size]
[size=16]يمكنناالقول بأن القيادة العلمية من قبل العرب لكولومبوس في رحلة اكتشافهلأمريكا جاءت من خلال استعانته بالتراث العلمي الجغرافي الذي ساهم فيهالعلماء العرب والمسلمون الذي كون لكولومبوس الإطار المعرفي الذي مكنه منالانطلاق على أسس واقعية، ولعل نظرة سريعة على أهم إنجازات الجغرافيينالعرب والمسلمين في العصور الوسطى التي سبقت كولومبوس كفيلة لتوضيح الدورالعربي في اكتشاف أمريكا حتى ولو كان بطريقة غير مباشرة.
ففي مجال الجغرافياالوصفية قدم الجغرافيون العرب والمسلمون نظريات حول شكل الأرض تؤكدكرويتها للجغرافي الأندلسي المسلم "أبو عبد الله البكري" وللتدليل على هذهالفكرة قدم عالم آخر اسمه أبو الفدا ولد 1273م/672هـ بعض الأدلة المنطقيةعليها مثل تغير وقت شروق الكواكب وغروبها كلما تحرك الشخص من الشرق إلىالغرب، وتزايد ارتفاع النجم القطبي والكواكب الشمالية كلما تقدم الشخص نحوالشمال، وفكرة كروية الأرض كما سبق وأوضحنا هي التي انطلق منها كولومبوسفي رحلته الاستكشافية نحو الغرب والتي وصل من خلالها إلى العالم الجديد(5).
ويضاف إلى ذلك إسهامالمسلمين في فكرة خطوط الطول ودوائر العرض، ووصول المسلمين إلى درجة عاليةمن الإتقان في القياس، ففي القرن العاشر الميلادي ذكر "المقدسي" أن الأرضكروية، وأن خط الاستواء يقسمها نصفين، وأن محيطها مقسم إلى 360ْ درجةطولية 180ْ درجة عرضية، كما أن البيروني كان أستاذًا في نفس الموضوع، وقدوضع أرقامًا دقيقة لدوائر عرض عدد كبير من الأماكن، وكانت الطريقة التياستخدمها في حسابها مبنية على رصد النجوم التي تدور حول القطب، وبالإضافةإلى ذلك فإن للبيروني إسهامات أخرى في اكتشاف قوانين التوازن المائيوتأثيرها على حياة العيون والآبار الارتوازية.
وقد كانت صناعة الأجهزةمن ضمن الإنجازات العلمية الهامة للمسلمين، ومن أشهر هذه الأجهزة جهازالإسطرلاب، والساعة المائية والمزولة التي كان خط العرض يوضح عليها بدقة،وكذلك البوصلة التي استخدمها العرب في أوقات مبكرة كما أشار الإدريسي، وكلهذه الأدوات استعان بها كولومبوس في رحلته نحو أمريكا(6).
وإسهام العرب والمسلمينفي مجال الخرائط بكافة أنواعها حقيقة معلومة؛ إذ بلغ عدد الخرائط التيرسموها في عصر النهضة الإسلامية قرابة 450 خريطة أشهرها خريطة العالمللإدريسي، والتي صنع بجوارها كرة أرضية من الفضة.
وقد أشار "المقدسي" فيكتابه "أحسن التقاسيم في دراسة الأقاليم" إلى الخرائط الملاحية المعقدةالتي استخدمها العرب للملاحة بسفنهم الشراعية في المحيط الهندي، وقد لاحظفي أسفاره المهارة الفائقة للملاحين العرب في استخدام هذه الخرائط، وكيفأن الخرائط نفسها كانت مرسومة بحسابات غاية الدقة. ومن المعروف أن ماركوبولو استعان بهذه الخرائط في المحيط الهندي. كل هذا بالإضافة إلى العديدمن المؤلفات الضخمة التي لا يتسع المقام لعرضها(7).
وأيًا ما كان الأمر فإننانعتقد أن كولومبوس ما كان له أن يصل إلى اكتشاف أمريكا بدون الاستفادة منهذه الخلفية المعرفية الجغرافية التي قدمها علماء المسلمين بالإضافة إلىأن ثلث بحارته كانوا من العرب.[/size]
[size=16]أثر الحركات الكشفية على العرب والمسلمين[/size]
[size=16]يرىالدكتور عمر عبد العزيز (أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الإسكندرية) أن ثمةانعكاسات حادة وخطيرة ترتبت على حركة الكشوف الجغرافية على عالمنا العربيوالإسلامي؛ إذ عمل الأسبان والبرتغاليون بعد أن تم الكشف الجغرافي علىالتبشير بالمسيحية على المذهب الكاثوليكي بين أهالي المكسيك وأمريكاالجنوبية، وكان ذلك أكبر تعويض للبابوية والكنيسة الكاثوليكية عن نفوذهاالذي ضاع في كثير من جهات أوروبا بعد ظهور حركة الإصلاح الديني، وتعذربالضرورة وصول الدين الإسلامي إلى هذه البلاد في وقت مبكر.
وقد أثرت حركة الكشوفالجغرافية بدرجة كبيرة على مركز مصر التجاري، وكان العرب قد اهتموااهتمامًا بالغًا بالتجارة التي درت عيهم ثروات طائلة بصفتهم وسطاء بينالهند والصين من ناحية وأوروبا من ناحية أخرى، وسيطروا على التجارةالعالمية في العصور الوسطى؛ حيث كانت تنقل تجارة التوابل والحرير إلىأوروبا عبر الطرق الهامة المارة بالمنطقة العربية. وجنت مصر من هذهالتجارة الكبيرة الكثير، وأصبحت الضرائب المفروضة على هذه التجارة موردًاهامًا من الموارد المالية المصرية، وظل الأمر كذلك حتى شاهد العالم التحولالواضح من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي.
وعندما فتح هذا الطريقالجديد في عام 1498م حاول مماليك مصر يؤيدهم في ذلك البنادقة الذين عانواأيضًا من جراء هذا الكشف أولاً بالوسائل الدبلوماسية ثم بالحرب، القضاءعلى هذا الخطر البرتغالي. ولكن جهودهم باءت بالفشل إذا استطاع البرتغاليونإيقاع الهزيمة بالأساطيل المصرية، وتوغلوا حتى الخليج العربي والبحرالأحمر. وفي عام 1510م وقعت مسقط وهرمز والبحرين في أيدي البرتغاليين.
ولم يستطع الشرق العربياستعادة طرق مواصلاته مرة أخرى حتى القرن التاسع عشر. ونتج عن تحول طريقالتجارة آثار متعددة، أفقرت أسواق القاهرة والإسكندرية من تلك الحركةالتجارية الهائلة، وحرمت حكومة مصر من تلك الضرائب التي طالما تمتعت بها،كما فقد الأهالي الفوائد الكثيرة التي كانوا يجنونها من نقل هذه المتاجر،بينما أخذت دول غرب أوروبا في التوسع والاستعمار.
وعلى الصعيد السوريتدهورت الأوضاع الاقتصادية نتيجة لهذه الكشوف الجغرافية، واضطر التجارالسوريون بعد ذلك إلى أن يجعلوا جل اعتمادهم على التجارة البرية؛ إذ كانترأس الخط التجاري الذي ينتهي إلى بغداد فالبصرة. وهكذا تمكنت حلب منالتفوق على دمشق، بينما استطاعت الإسكندرية وطرابلس أن تنتزعا من بيروتمكانة مرفئها التجاري، وبقيت حلب حتى القرن السابع عشر السوق الرئيسيةللشرق الأوسط.
ولكن أهم نتيجة لحركةالكشوف الجغرافية الحديثة هي أن الدولة العثمانية دخلت في المواجهة معالأوروبيين محل المماليك الذين كانوا يسيطرون على مصر والشام.
* المراجع:
(1) عبد الفتاح حسن أبو عطية، تاريخ أوروبا وأمريكا الحديث، الرياض دار المريخ 1979، ص 16.
(2) زينب عصمت راشد، تاريخ أوروبا الحديث، القاهرة، دار الفكر العربي 1998، ص 47.
(3) جورج هارب، الموجز في تاريخ الكشف الجغرافي، تعريب (عبد العزيز طريح) مؤسسة الثقافية الجامعية الإسكندرية 1993، ص 143.
(4) زينب عصمت راشد، مرجع سبق ذكره.
(5) أحمد رمضان أحمد، الرحلة والرحالة المسلمون، جدة، دار البيان العربي، ص200.
(6) حسين مؤنس، تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس، مكتبة مدبولي القاهرة 1986، ص 172.
(7) جورج هارب، مرجع سابق، ص 163. [/size]