Admin Admin
عدد الرسائل : 6019 العمر : 124 الموقع : ساحات الطيران العربى الحربى نقاط : 10224 تاريخ التسجيل : 05/10/2007
| موضوع: أهمية الجغرافيا العسكرية كخلفية علمية للجيوستراتيجية أ.د. جهاد محمد قربة جامعة أم القرى، قسم الجغرا الجمعة أكتوبر 29, 2010 12:07 pm | |
| أهمية الجغرافيا العسكرية كخلفية علمية للجيوستراتيجية
أ.د. جهاد محمد قربة جامعة أم القرى، قسم الجغرافيا مقدمة:يتمتع الجغرافي في أوروبابمكانة هامة في مجتمعه، ليس لأن كلمة "جغرافي" توقع نوع من الرهبة في عقولالسكان بل لأن الثقافة العامة لهؤلاء السكان ساعدتهم على إدراك دور هذاالجغرافي في صياغة المكان وبالتالي في نشؤ وتطور عظمة الأمة، وكذلكلإدراكهم في نفس الوقت، بأن الجغرافي كان له الدور الأكبر في توثيق مواقعوحركات جيوشهم الاستعمارية وتوثيقها خرائطياً بدقة عالية، متتالية معالزمن. أي أنهم يستشعرون من وراء الجغرافي تلك المهنة التي هيكلت ماضيهمالبعيد والقريب، وساهمت في غناء أوروبا الاستعمارية وأدت إلى تكوين عظمتهاالعسكرية والاقتصادية حتى منتصف القرن العشرين.والجغرافي الأوروبي بعدانقضاء الفترات الاستعمارية، شكل أصول الحضارة التي يحمل سطح الأرض أشكالبصماتها وتعكس باع الجغرافي الذي مهد هذا السطح، كونه مهندسا للمجال،لتحضير القاعدة التي سمحت لتلك المجتمعات بتطوير مرافق اقتصادهم الزراعيوالصناعي والخدمي.فالجغرافيا ليست هدفاً بحدذاتها، بل هي وسيلة أداة، وهي تحتوي على الكل، والكل المرئي والملموسوالمحسوس من سطح الأرض الذي يعيش عليه الإنسان ويحيا، يشكل الجغرافيا. ومعبداية عصر النهضة دعيت الجغرافيا بعلم "الجغرافيا الأم" لأنها أم العلومالسائدة التي اهتم بها الإنسان حيث كانت جميع الدراسات والأبحاث المتعلقةبالأرض هي "جغرافيا" وذلك حتى أواسط القرن التاسع عشر، الذي عرف البداياتالحقيقية لتخصص العلوم وتميزها وتفردها عن بعضها البعض بالتسمية، وبحقلالدراسة، وبالمنهجية، والأهداف.فإذا كان حقل الدراسة الجغرافية هو "المكانSPACE"([1])،فإن الجغرافيا إذن هي القاعدة الأرضية لكل أعمال البشر منذ بداية الحضاراتالقديمة، وسطح الأرض يحمل آثار عمل البشر التي تعكس مقدار تطورهم في مختلفالعلوم وبراعتهم الحربية والبنائية.فالجغرافيا كانت منذ أنبدأت الحضارات الأولية ولازالت هي البوتقة الأساسية للإستراتيجية العسكريةللإنسان في صياغة خططه الهجومية أو خططه التكنيكية. لقد استعرض أحد الضباطالجغرافيين الفرنسيين وهو (جوستاف ليون ينوكس ـ1890 - 1921 GUSTAVE-LEONNIOX,) في كتابه عن الجغرافيا الحربية بإسهاب دور الجغرافيا في الحروب،وهو الذي أرسى مفاهيم وأسس ومبادئ الجغرافيا الحربية، وبدأت هذه المبادئبالتطور مع نهاية الحروب العسكرية في الفترة النابليونية، وبدأت باقيالدول الأوروبية كإيطاليا، والنمسا، والبرتغال، وسويسرا، وروسيا تستفيد منالفكر الجغرافي الحربي الفرنسي القاضي بالتعرف الجيد على مختلف عناصرجغرافية المكان من أجل استخدامها والاستفادة منها للأعراض العسكرية،فأشكال التضاريس، والمناخ، والهيدرولوجيا "جغرافية المجارى المائيةالسطحية"، وجغرافية النبات، تشكل قواعد العمل الرئيسة في التحليل الحربيللأغراض الدفاعية والهجومية على حد سواء.ولأجل أن تؤدي الجغرافيادورها، فقد قامت المدارس والكليات العسكرية الكبرى بتدريس الجغرافياالحربية وأصولها وقواعدها وهذا الأمر يعني ويعكس أهمية العلوم الجغرافيةللأغراض العسكرية! كيف لا، والجميع قادر الشعور بالكيفية التي قامت بهامختلف وزارات الدفاع في العالم القديم بتطوير أهم تابع لها وهي التوابعالمتمثلة في الخدمات الطبغرافية، التي تدعى بإدارات المساحة العسكرية، أوالمديريات الطبوغرافية، أو المعاهد القومية الجغرافية كما في العاصمةباريس، وكيف قامت هذه الإدارات والمعاهد المساحية ـ الجيوديزية ـالطبغرافية بأداء دورها في تمثيل مختلف عناصر سطح الأرض خرائطيًا وبمقاييسعدة، وضعت بداية لخدمة الأغراض العسكرية وأصبحت في الوقت الحاضر تخدممختلف النشاطات المدنية للإنسان.ولكي يتمكن العسكريون منتنفيذ خططهم، فكان لابد من السيطرة على جغرافية سطح الأرض، فكيف يمكنالسيطرة على جغرافية السطح دون التمكن منه بواسطة الخرائط العلمية الفنيةعالية الدقة في التنفيذ، الأمر الذي أضفى ويضفي على العلوم الجغرافية، هذاالبعد الفني الرائع الذي طورته الجغرافيا بواسطة علومها الكارتوجرافيةالمختلفة.لقد سيطرت الجغرافيا علىالفكر العسكري للغرب طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وحتى منتصف القرنالعشرين، وكانت الجغرافيا الحربية توحد هذا الفكر العسكري الغربي، وكذلكالشرقي، أي كانت تشكل عامل مشترك للفكر الاستراتيجي العسكري للقوى الكبرىفي العالم. ولأسباب تتعلق بأساليب الكشف المتطورة فيما وراء الحدود التيعرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها الكشف الراداري المحمولبواسطة الطائرات والأقمار الصناعية، تطور المسح الأرض بواسطة الأقمارالصناعية، وتطورت آليات المسح الفضائي والجوي الرقمي واستخدام الحواسيب فيآليات الكشف والتحليل، جعلت الجغرافيا بداية تتجرد من أهميتها الحربية،ولتصبح "جغرافيا مدنية" وتحولت الدراسات والأبحاث الجغرافية من أهدافهالتستقر عند تطوير واستخدام سطح الأرض الاستخدام الأمثل، وتحول الجغرافي منمهندس حربي للمكان الى مهندس تخطيطي للمجال، وفي نفس الوقت أدى إلى ترجيحكفة العلوم الجغرافية باتجاه التطبيقات الحضرية عوضًا عن التطبيقاتالحربية التي كانت سائدة في القرنين 18 و19 وبداية القرن العشرين.لقد عرفت الجغرافياالحربية ذروتها في القرن التاسع عشر، ففي إيطاليا تؤكد دراسات "FerrucioBotti" ذلك وبأن الجغرافيا كانت أهم مركبة يجب أن تدرك في الفنونالعسكرية، وفي الواقع وتأثرت المدرسة الفرنسية العسكرية بالمدرسةالايطالية واشتهر في فرنسا عدد في كبار الضباط الذين تخصصوا في الجغرافيةالحربية خاصة بعد الحرب الفرنسية الألمانية (1870-1871م) ومنهم على سبيلالمثال وليس الحصر"Niox" و "Marga"الذين قاما بتأليف موسوعة هامة فيالجغرافيا الحربية الفرنسية وقاما بتدريسها حتى نهاية الثلاثينات من القرنالعشرين.أما سويسرا فقد كان لهاباع كبير في الجغرافيا العسكرية الحربية التي طورها وساهم في بلورةأهميتها في المعارك الحديثة العقيد "Arnold keller" الذي كان رئيساًلأركان الجيش السويسري، قام بدوره بتأليف مرجع في الجغرافيا العسكريةلسويسرا وهو مكون من 34 كتاب (جزء) بين عامي 1906 و1922م، وكان يعتقد بأنالدول الأوروبية لن تحترم كون سويسرا دولة محايدة غير حربية وغير عدوانية،وبأنها ستتعرض للعدوان المباشر أو ستستخدم أراضيها لعبور الجيوش المتحاربة.وهكذا نجد بأن لكل دولةأوروبية عدد من الجغرافيين العسكريين الذين ساهموا في وضع استراتيجياتدفاعية هامة عن بلادهم أخذ بعين الاعتبار الخصائص الجغرافية داخل المجالالوطني، وكذلك أخذا بعين الاعتبار شروط الموقع وخصائصه، ونستطيع أن نجد فيالسويد أعمال "Gunnar Aselius" وفي رومانيا أعمال "Tudorel Ene" وفيالبرتغال أعمال "Toao Vieira Borges". ولا يستطيع أحد الجزم بأنالجغرافيا الحربية هي جغرافيا أوروبية فإن عدد كبير من الدراسات الجغرافيةالعسكرية ظهرت في كندا بين عامي 1867 و2002م والتي تؤكد بأن المدرسةالجغرافية العسكرية الكندية بعد تأثرها بالفكر الفرنسي تحولت إلى التأثيربالفكر الأنكلوساكسوني الأميركي.وبالرغم من تراجع كفةالجغرافيا الحربية في الغرب لتحل محلها الجغرافيا المدنية أو الحضرية، فقدبقيت الجغرافيا الحربية ذات أهمية خاصة في مجموعة الدول الأسيوية وخاصةلدى المفكرين العسكريين في اليابان، والصين وكوريا وأندونسيا، دراسات"Kyoichi Tachi Kawa" في اليابان تثبت بأن من أهم أهداف الجغرافيا الحربيةفي اليابان تكمن في تنظير المجال "Space" لأغراض إستراتيجية تطبيقيةدفاعية أو هجومية وأقرت قيادة أركان الجيش الياباني أهمية الجغرافياالحربية من خلال هذا التعريف منذ عام 1941.الدراسات والأبحاث فيالجغرافيا الحربية أو العسكرية التي عرفت ذروتها في القرن 19 أدت إلىتطوير علوم عسكرية هامة منشقة أو متفرعة منها وخاصة علم الجيوستراتيجية"Geostrategy" أو الجغرافيا الإستراتيجية ـ فما هي أصول هذه الجغرافياومفاهيمها.الجيوستراتيجية: التغيراتالملاحظة في الفنون الحربية والأدوات الالكترونية المستخدمة بها لعملياتالكشف المكاني، وللكشف فيما وراء الخطوط بالإضافة إلى الاستخدام الموسعلآليات القتال عن بعد ولوسائل التدمير الشامل غير الإستراتيجية، ومختلفأنواع الحروب الإعلامية المتطورة، والالكترونية، وحروب المحاصرة السياسيةوالمحاصرة الاقتصادية، والتجليات التي أدت الى تطور آليات الحروبالاقتصادية، ناهيكم عن حرب النجوم، والحروب التجسسية العسكرية منهاوالاقتصادية، القائمة حتى بين الدول الصديقة، جعلت الجيوستراتيجية تتخذلنفسها أبعاد عملاقة تتعدى حدود القارات لتشمل العالم أجمع وتعتبر الأرضبأنها ميدان واحد للعمليات، وأنه على المفكرين المتخصصين فيالجيوستراتيجية أن يتدربوا على هذا البعد الكوني، بالرغم من كون هذاالمسرح العالمي للعمليات الذي هو ميدان الجيوستراتيجية مع مطلع القرن 21،هو مسرح مركب بداخله يحتوي على عدد من المستويات السياسية والاقتصاديةالخاصة بعلاقة الدول مع بعضها البعض، تحدد أنماط المسارح الرئيسةللعمليات، التي تتفاوت فيما بينها من حيث الأهمية، ومن حيث النتائجالمتولدة عن انتهاء أو وصول إحدى العمليات الى أهدافها الجزئية أو الكلية.ونستطيع على سبيل المثال،مقارنة مسرح العمليات في جنوب الهادي المشتمل على بعض المستعمرات الفرنسيةالقديمة، الذي بدأ دوره بالتقلص من حيث كونه مسرحاً ذو أهمية سياسية خاصةبعد أن انتهت فرنسا من إجراء آخر تجاربها النووية في عام 1995، مع المسرحالعمليات لشمال الأطلسي الذي يعتبر جزيرة أيسلندة مركزًا جغرافيا له. لقدبدأت الأهمية الجيوستراتيجية لهذا المسرح بالتطور بشكل عجيب كون أيسلندةجزيرة مفصلية بين العالم القطبي والعالم الأطلسي، مما جعل أيسلندة غيرقادرة على الحفاظ على حيادها السياسي.ومن ناحية أخرى، يلاحظإجماع المتخصصين، على أن من أهم المسارح الجيوستراتيجية على الإطلاق هوالمسرح المكون من مجموعة دول الخليج وبلاد الشام ومصر، الذي يعتبر محركاًللسياسة العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي استقطبوسيستقطب أهم المخططين الجيوستراتجيين في العالم.المسارح الجيوستراتيجيةالإقليمية تعكس أصداء المستويات الثلاثة للعمل الجيوستراتجي، وهي المستوىالعالمي والمستوى الإقليمي، والمستوى المحلي، وتداخل أصداء الجيوستراتيجيةالخاصة بهذه المستويات الثلاثة داخل أحد مسارح العمليات، يؤول إلى نشوءوضعيات في غاية التعقيد، ونتائج يصعب أحيانا تحملها على المستويين السياسيوالاقتصادي، ولا أدل على ذلك إلا بالنظر إلى مسرح العمليات في منطقة الشرقالعربي، والعلاقات الإستراتيجية المعقدة الناتجة عن الصراع العربيالإسرائيلي.والسؤال الأهم الذي يطرحنفسه الآن يكمن في ماهية دور الجيوستراتيجية؟، وهل نعتبرها كلمة مرادفةإضافية لمجموعة المفردات المتوفرة لدينا مثل: الجغرافيا السياسية، أوجغرافية التفكير السياسي؟، أم أن الجيوستراتيجية هي علم حديث له تصوراتهومبادئه ومنهجياته وطرقه، تاريخه وفلسفته، وأنه كعلم قادر على الإجابة علىالإشكاليات التي تجابهه والتي تنتج عنه؟وتعتبر الإجابة عن هذهالأسئلة عملا ضخما لا يستطيع محيط هذا المقال من استيعابها، وستؤدي الىتأليف عدد في الكتب المتعلقة بالجيوستراتيجية، لذلك فمن المفضل الاكتفاءبتناول المعنى الأكثر قربا لإدراك تعريف مقبول لها، فإذا قبلنا بأنالجغرافيا السياسية تعني سياسة المجال أو سياسة المكان فأن الجيوستراتيجيةتعني إستراتيجية المجال أو إستراتيجية المكان. وهنا نستطيع أن ندرك بأنالجيوستراتيجية تعني عبقرية إدراك الخصائص المكانية ـ الجغرافيةلاستخدامها لمختلف الأهداف العسكرية،السياسية، أو الاقتصادية بهدف السيطرةوتحقيق المكاسب التي تعتبر المكاسب العسكرية جزء منها.المركبات الجغرافية للجيوستراتيجية: يستطيعالمجال أو سطح الأرض أن يشكل حاجزا منيعا، تستهلك بداخله العدة والعتاد،وكلما كبرت أبعاد مسرح العمليات كلما انخفضت النتائج المتوخاة من الخططالإستراتيجية المتبعة للوصول إلى الهدف، بالرغم من استخدام الإنسان الحديثلوسائل نقل وأدوات اتصال، وطرق إليكترونية متطورة لكشف ما وراء مسارحالعمليات ولكشف مسارح عمليات الآخر. ومن الخطأ في العمل الجيوستراتجيإدراك المسافات والأبعاد فقط لكونها تعتبر أهم المكونات الجغرافية للمسارحالجيوستراتيجية، وعليه فإن المخطط الجيوستراتجي العامل لأهداف عسكرية أواقتصادية أو لأهداف إدارية ـ سياسية، أن يعتمد مختلف العناصر الجغرافية فيخططه، وهكذا نستطيع دون الدخول في تفاصيل نوعية المخطط الاستراتيجيوالأهداف المنوطة بالعمل الجيوستراتجي، القول بضرورة الاعتماد على كافةالعوامل الجغرافية التي تتضافر وتتفاعل مع بعضها البعض لتكوين الشخصيةالجغرافية لمختلف المسارح الجيوستراتيجية.المسافة:يتحدد المسرح الاستراتيجيللعمليات مع كبر المسافات المقطوعة، بالرغم من أن التطور التكنولوجيلوسائل النقل أدى إلى إدخال تغيرات هامة في كيفية التعامل مع هذا العاملالجغرافي للحد من تأثيراته، فبينما كانت الحرب العالمية الأولى ذات مسرحعمليات جيوستراتجي ينحصر في قارة أوروبا، صار المسرح العملياتالجيوستراتيجية للحرب العالمية الثانية مسرحا دوليا عالميا. واليوم بعد أناستطاعت التكنولوجيا الحديثة هضم المسافات الأرضية بانتقالها إلى تطويعالمجالات الفضائية، لتدخل أبعادا إضافية في الجيوستراتيجيات الحديثة،والمتمثلة في السيطرة على المسارح الجيوستراتيجية للأرض ابتداء من الفضاء،مما أدى الى تطوير تعابير جديدة منها على سبيل المثال لا الحصر "الجيوستراتيجية الفضائية" التي يكمن دورها في تقديم الدعم الفضائي لمسارحالعمليات وأصبحت النتائج العملياتية متعلقة بنوعية التوابع المستخدمة مماجعل للجيوستراتيجية مركبة تقنية ـ فضائية هامة جدا.الشروط المناخية: تأثير المناخ على المسارحالجيوستراتيجية هو من المسلمات التي تمت دراستها عدد كبير في المرات ، ولاشك بأن الشروط المناخية تدخل تغيرات تؤدي إلى تأجيل تنفيذ أو إلغاءالعمليات التكتيكية التي تمهد لتطبيق الخطط الجيوستراتيجية على المجالالعملياتي إن كان عسكريا أو اقتصاديا أو لأغراض الإدارة المدنية كإدارةالأراضي وغيرها.والأمثلة كثيرة في تاريخالحروب العالمية والإقليمية، فالثلوج تمنع من استخدام جيد ومتناغم لسلاحالطيران، كما أن العواصف الرملية تؤدي إلى تعطيل كامل ومحتم للعملياتالتكتيكية، والترب الطينية المتولدة عن ذوبان الجليد تؤثر في حركة الآلياتالثقيلة، والحرارة الناتجة عن تشغيل محرك الدبابات الثقيلة وناقلات الجنودالميدانية، تسمح بكشفها في ليالي الباردة، وفي الأراضي ذات المناخاتالباردة وشبه القطبيةْ، ناهيكم عن تأثير التجلد أو الجمد على رجالالعمليات الميدانية بمختلف أنواعها، وخاصة في الأراضي ذات المناخات الصعبةالقريبة في المناطق القاحلة أو القطبية الصرفة، وأراضي الجبال العالية فيالعروض المعتدلة وغير المعتدلة في كافة فصول السنة.الطبوغرافية:تحدد الطبوغرافية ممراتواتجاهات العمليات والتنقلات العسكرية والبشرية الهامة للبضائع والسلعوالتكنولوجيا، وغالبا ما تشكل الممرات مثل ممر خيبر في أفغانستان المستخدممن قبل الغزاة والفاتحين منذ الاسكندر الكبير، الطريق الوحيدة المفتوحةللحركة، ناهيكم عن الفتحات الجبلية التي لولاها لما استطاعت الحركةالبشرية مهما كانت أغراضها أن تتم بسهولة على سطح الأرض كفتحة فولدا فيوسط ألمانيا وفتحة كوزيزيا على الحدود الإيطالية، وفتحة حمص في سورياوالممرات الجبلية بين سلاسل الأطلس المتوسط والأطلس الكبير في المغربالعربي التي لولاها لما استطاع الإنسان التحرك بين الواجهتين الأطلسيةوالقارية للمغرب.الجميع يعلم أهمية ودورالتلال في تكوين التحصينات العسكرية المتقدمة في الجبهات القتاليةالحديثة، وخير مثال على ذلك تمركز الجيش الإسرائيلي بشكل دائم على رؤوسالتلال في جبهاته الشمالية مع سورية ولبنان، واستغلاله لأعلى قمة فيالمنطقة وهي قمة جبل الشيخ لإنشاء أكبر مرصد عسكري إلكتروني حديث فيالمنطقة، ونجد من ناحية أخرى أهمية الطبوغرافية في العمليات العسكرية فيالحرب الدائرة في جبال كشمير بين الهند وباكستان، وكذلك في أفغانستان، حيثتلعب طبوغرافية الجبال دورا هاما في فشل أو نجاح العمليات التكتيكية بينمختلف أطراف النزاع الميداني، ناهيكم عن المناوشات الكردية التركية فيشمال العراق التي بدورها تستفيد من الطبوغرافية الجبلية بشكل موسع.وفي البحار والمحيطات فإنالممرات والمضائق البحرية تشكل نقاط إستراتيجية هامة، تحاول الدول القويةبحريا في العالم السيطرة عليها، كما أن أشكال السواحل وتعرجاتها تؤدي إلىنشوء حماية طبيعة للدفاع عن الأراضي الساحلية ولحماية السفن والمراكب فيأيام الحرب، أما في أيام السلم فهي تشكل موانئ طبيعية تسمح لمختلف أنواعالمراكب والبواخر باستخدامها كملاجئ أيام الاضطرابات الجوية الهامة.شبكة الطرق والمواصلات:جاء التطور التقني الخاصبالمركبات والآليات والسيارات المختلفة بضرورات جديدة خاصة بشبكة الطرقوالمواصلات التي يجب أن تكون شبكة من الطرق المعبدة بشكل تسمح بتحقيقسرعات عالية مع تحمل كثافة مرورية عالية، وأن تكون بشكل دائم جيدةالصيانة، لتسهيل الحركة داخل مسارح العمليات إن كانت عسكرية أو مدنية.ولا شك بأن تطوير شبكاتالطرق يؤدي إلى تسهيل مهمة المحتل في المسارح العسكرية، كما حدث للجيوشالألمانية عند احتلالها للأراضي الفرنسية التي تحمل فوقها شبكة كثيفة منالطرق.وكانت الطائرات في الحربالعالمية الثانية قادرة على الهبوط على أية أرض مستوية، أما اليوم فإنالطائرات الحديثة بمختلف أغراضها تتطلب تطوير قواعد جوية تحتوي على مختلفالتجهيزات الخاصة بالطيران النفاث وصيانته، وتحولت بدورها القواعد الجويةإلى قواعد عسكرية قتالية من الطراز الأول، وهذا الأمر جعل منها أهداف يجبالسيطرة عليها في الجيوستراتيجيات التكتيكية.تناسب القوى:والمقصود بهذا العامل هو"السكان"، فالكثافات السكانية لمختلف مسارح العمليات، وبقع التنازع السلميوالعسكري وكذلك أقاليم التطوير الإداري ـ السياسي التي تتطلبجيوستراتيجيات سلمية خاصة للتخطيط وإعادة استغلال الأراضي. فالحجومالسكانية تشكل قوى تؤدي إلى تزويد مسارح العمليات بالرجال ـ الأفراد،وكذلك تؤدي إلى تزويد السلطات العليا المسؤولة عن مسارح العملياتبالمفكرين القادرين على إدارة الأزمات إن كانت حربية أو مدنية.الإنسان مولد للثروةوللتكنولوجية ومن هنا تأتي الأهمية الإستراتيجية لبعض الدول الناميةكالصين والهند واندونيسيا والبرازيل، فالقوة البشرية أدت إلى تغيير النزاعأو تحويله لصالح المحتل أو لإيقاف العمليات العسكرية وتغيير مهمتها، وهذاما أدى إلى تطور حروب العصابات لدى المجتمعات المتفوقة بأعداد سكانهاوالضعيفة تكنولوجيا، والأمثلة في هذا المجال لا تعد ولا تحصى في التاريخالقديم والحديث، لعدد من دول العالم شرقه وغربه، فهل تعتبر مهمةالجيوستراتيجية غزو المكان أم أن أهدافها المعلنة تكمن في استخدام خصائصالمكان من أجل إعادة تطويعه لأغراض الإنسان النفعية الاقتصادية منها وغيرالاقتصادية.ومن أجل الوصول إلى هذاالهدف فإن الجيوستراتيجية الحديثة تبحث عن تطوير الأمن القومي الداخليكونه الإطار الذي يسمح بتطوير الأمة بمختلف قطاعاتها الاقتصادية، وإتباعالجيوستراتيجية الحديثة لمنهج "سلمي" قائم على تطوير آليات الدفاع عنالمسرح العملياتي القومي الوطني الذي يمتد على كامل التراب الوطني للدول،ولا يعني هذا تخلي أصحاب القرار الجيوستراتيجي خاصة في الدول الكبرى عنطموحاتهم في السيطرة على اقتصاديات العالم للمحافظة على مكتسباتهم فيخيراته وثرواته، لدرجة جعلت رؤساء بعض من هذه الدول يعلنون صراحة أنه منالخطأ التفكير بأن دولنا هي دول محايدة، ولن تتردد في استخدام الخياراتالعسكرية المدعومة بالسلاح الرادع لتحقيق الأهداف الستراتيجية لحمايةمصالحها.ويلاحظ المهتمونوالمتابعون لشؤون السياسة العالمية، بأن تطوير العالم لتكنولجيا المراقبةالفضائية باستخدام توابع ذات مرئيات عالية الوضوح المكاني، كمرئيات التابعالصناعي "إيكونس" والتابع الصناعي "كويك بيرد" جعل للجيوستراتيجية بشقيهاالعسكري والمدني بعداً فضائياً هاماً، كما يمكن اعتماد التفكير المغايرلذلك، والقول بأن الطموحات التي مازالت كثيرة ومتعددة للدول المتقدمة فيالعالم في حربها الاقتصادية، ونتيجة لمتطلبات الجيوستراتيجية الحديثة، فقدتم تطوير هذه التوابع الصناعية الماسة للأرض التي تقدم مرئيات في غايةالدقة والتفصيل لمختلف مسارح العمليات.ولا شك في هذا المجال بأنالهدف الثاني والأكبر بعد الهدف الرئيسي الأول للجيوستراتيجية الحديثة،يكمن في تحقيق المكاسب وتكوين مناطق التأثير والأنظمة اللاحقة أو التابعة،ذلك أن الجيوستراتيجية التطبيقية تتطلب أن يكون هناك منافع ومكاسب من وراءالأراضي المحتلة ، التابعة أو الحليفة، بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريقعبقرية اتخاذ القرار الصادر عن الاستراتيجي المسيطر أو الأقوى الذي يتخذعادة "القرارات التكتيكية الهجومية" التي لها بالضرورة علاقات مكانية،وإلا فإنها لن تكون جيوستراتيجية ولن يتمكن الاستراتيجي من تطويع "مكانالآخر" لصالحه، وذلك باعتماد واقع المكان والعلاقات السياسية ـ الاقتصاديةالمهيمنة أو السائدة والأهداف الإستراتيجية المطلوب الوصول إليها.وتحتاج الجيوستراتيجية اذنإلى المعلومة المكانية ـ الزمنية، وهذه المعلومة يجب أن تكون موثقة وصحيحةلكي تتمكن القرارات التكتيكية الصادرة حسب الخطة الجيوستراتيجة من أن تكونصحيحة وقيمة وبالتالي ذات فاعلية، والحصول على المعلومات المكانية بأن عنطريقين فقط هما: العمل الميدان، وآليات استشعار عن بعد بواسطة المرئياتالفضائية عالية الدقة، كما أن الحصول على المعلومات المكانية المرئيةوالبيانات الخاصة بمختلف الخصائص الجغرافية لأي مسرح عمليات تسمح بعزلوحصار هذا المسرح إعلامياً وقطعه عن العالم مما يؤدي إلى شلل كبير فيمختلف مرافق هذا المسرح وسرعة وقوعه كقيمة نافعة إن كان ذلك بالمعنىالفكري أو المدني للجيوستراتيجية المستخدمة.وهكذا نجد بأنالجيوستراتيجية هي ليست نوعاً من أنواع الإستراتيجية لأن المسئولالجيوستراتجي يهدف إلى السيطرة المتكاملة على المجال ـ الزمن من أجل أنيتمكن الإستراتيجي من اتخاذ قراره الصحيح والأمثل، ونظرياً نعتقد بأنالجيوستراتيجية لا تستخدم لأغراض "محو الآخر" أي لأغراض عسكرية بل هي تقومعلى دراسة الطرق الأمثل لتنظيم المجال لزمن محدد لتحقيق أهداف عسكريةومدنية ولخدمة الاستراتيجية السياسية ـ الاقتصادية، فهي إذن من هذاالمنطلق أداة تقنية لاتخاذ القرار وهي تكتسب كل أهميتها من هذا المنطلق. | |
|