برلمان مصر الجديد بين التشكيك في الشرعية وغياب المعارضة
كتب حسن أبوطالب – القاهرة |
12-12-2010 23:39 "مجلس عز باطل"، "الطعون تهدّد شرعية البرلمان"، "فازت البلطجة وسقطت هيبة الدولة"، "فرح الوطنى ومأتم المعارضة"، "سياسات الحزب الحاكم تهدِّد الاستِـقرار السياسي"، "سوف نكون شوكة في ظهر سياسات الوطني".. هذه عيِّـنة من عناوين صُـحف حزبية ومستقلَّـة، صدرت في اليوم التالي لإعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية، التي جرت جولتها الثانية في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الجاري، تكشِـف جميعها عن نوْع من الإحْـباط والّرفض والتّـشنيع.
تُـقابلها عيِّـنة أخرى من صُـحف قومية، ركَّـزت على زوايا أخرى، غلب عليها الطابع التفاؤلي نسبيا، من قبيل: "الإعادة ساخنة".. "أغلبية للوطني ومشاركة كبيرة للوفد"، "خمسة أحزاب تتنافس على 283 مقعدا في جولة الإعادة"، والمصريون اختاروا نُـوابَـهم، وسَـط تنافُـس شديد ورقابة وطنية.. العيِّـنتان تُـلخِّـصان النتيجة النهائية، لواحدة من أكثر الانتخابات البرلمانية المصرية، جدلا حتى قبل أن تجري أي من خطواتها.
أيْـن ضمانات النزاهة؟
فقبل ستة أشهر، كان الحديث في المجالس العامة والخاصة، مُـتمَحْـورا حوْل النتيجة المُـحتملة للانتخابات والضّـمانات التي يجب على الأحزاب أن تتمسّـك بها، لتضمَـن قدْرا معقولا من الشفافية والنزاهة وحجْـم الرقابة المحلية أو الدولية المرغوبة.
وفي كل ذلك، كان الصَّـخب مركّـزا حول أن الانتخابات سيجري طبْـخها ليفوز الحزب الوطني بأي طريقة كانت، وبأغلبية مُـريحة، ومعه عدد محدود من ممثلي الأحزاب وبعض ممثلين ينتمُـون إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأن كل ذلك سيتِـم الإعداد له بالتَّـزوير والعُـنف وسطْـوة الجهات الإدارية.
وما لم يتصوَّره أحد آنذاك، أن تخرج جماعة الإخوان تماما من البرلمان، بعد أن كان لها 88 نائبا في البرلمان السابق، فضلا عن أن تخرج رموز حِـزب الوفد من الجولة الأولى خاسرة، وأن يُـهيمن الحزب الحاكم على البرلمان من الجولة الأولى بنسبة تُـقارب 90 %!
كانت أفضل التوقعات السابقة، أن يحصل الحزب الحاكم على ما يُـوازي ثلثَـي المقاعد، وبجانبه ثُـلثا للمعارضة، يتقدّمها حزب الوفد وأحزاب أخرى وبعض ممثلين لجماعة الإخوان. أو بعبارة أخرى، أن يكون البرلمان مُـمثلا لأكبر عدد من القوى السياسية في المجتمع.
الصدمة والمفاجأة
ومن هنا، كانت صدمة كبيرة لكل المراقبين، أن جاءت النتائج النهائية بالصورة التي انتهت إليها. فقد خرجت الجماعة تماما، اللَّـهم نائب واحد فاز في الجولة الثانية وما زال يتعرّض إلى ضغوط كبيرة حتى يقدِّم استقالته من البرلمان.
ولم يحصل الوفد إلا على 7 مقاعد، ولمّا كان الوفد قرّر مقاطعة الانتخابات والانسحاب من الجولة الثانية، مُـهدِّدا مَـن يُـخالف القرار الحزبي بالإقالة، وهذا ما حدث بالفعل، فقد أصبح نوَّابُـه مستقلّـون وليسوا حزبيِّـين، ولم يبق من الحزبيين سوى ممثلي حزب التجمع اليساري والجيل والغد، ومعهم 59 نائبا من المستقلِّـين.
إشكاليات وتجاوزات
الخريطة النيابية على هذا النحو، تعني سيادة كاملة للحزب الوطني الحاكم بنسبة تصل إلى 89%، والباقون خليط من المستقلّـين وخمسة أحزاب، وهو ما يطرَح إشكاليات عدّة أمام عمل البرلمان الجديد، تبدأ من التشكيك في شرعيته وتطالِـب بحلِّـه فوْرا وإعادة الانتخابات بكاملها، وتنتهي بالحديث عن طبيعة المعارضة المحتمَـلة ومدى فعالِـيتها، وهل يُـمكن أن يقوم الحزب الحاكم بدوره الرقابي والتشريعي، كحزب أغلبية ومعارضة في آن واحد؟ وكيف يحدث ذلك؟ الجزء الأكبر من هذه الإشكاليات، نابِـع من رصد منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحزبية والخاصة.
أدى عدد كبير من التّـجاوزات، من قبيل تسويد البطاقات في عدد لا بأس به من الدوائر واستخدام واسع للمال، لشراء أصوات الناخبين، وأشكال من العنف والبلطجة، حالت دُون دخول الناخبين إلى اللِّـجان، الأمر الذى اعتبرته هذه المنظمات أدلّـة تزوير لإرادة الناس، وقرينة بطلان شرعية البرلمان، ليس فقط بالنسبة للدوائر التي تم رصد التجاوزات فيها، بل بطلان المجلس برمته.
استئساد الحزب الحاكم
يُـضاف إلى ذلك، أن سقوط رموز الوفد وعدم حصول جماعة الإخوان والحزب الناصري ـ لاسيما في المرحلة الأولى ـ على أية مقاعد نيابية، اعتُـبِـر دليلا على استئساد الحزب الحاكم على كافة القِـوى السياسية والحزبية، ودليلا على رغبته في احتكار العمل البرلماني وطرد المعارضة من تحت قبّـة البرلمان، ثم جاء قرار الإخوان والوفد بالانسحاب، ليزيد الأمر تعقيدا.
كانت دوافع الطرفيْـن محصورة في أمريْـن أساسييْـن. الأول، كشف التزوير وفضح النظام. والثاني، نزع الشرعية عن البرلمان، غير أن الدافعين على هذا النحو، لم يحُـولا دون استمرار بعض المرشحين لكِـلا الطرفين في الجولة الثانية، وهو ما نتج عنه فوز سبع نواب للوفد ونائب واحد للإخوان، وهو ما حاول الحزب الوطني استثماره بالقول، أن البرلمان لم يخْـلُ من ممثلين لكل القِـوى السياسية الفاعلة، وبالتالي، فهو يعكِـس الأوزان النسبية لكل طرف، استنادا إلى تأييد الشارع.
أين المعارضة؟
المشكلة الرئيسة في عمل البرلمان الجديد، لاسيما بعد تحوّل نواب الوفد إلى مستقلِّـين ـ تكمُـن في أن المعارضة الفاعلية القادِرة على تعديل مشروعات القوانين أو الرّقابة على عمل الحكومة، ومهما كانت قوّة النواب مُـنفردين، فهي لن تحُـول دون تشريع القوانين، وِفقا لما يراه الحزب الوطني الحاكم، وحتى في حالة وجود معارضة من بعض أطرافه لبند هنا أو بند هناك، فسيكون الأمر جزئيا وله سقْـف محدود، لا يمكن تجاوزه، وبما يعني خُـلُـو المجلس من المعارضة الفاعلة، وهو ما يطرح بدَوْره، أمرا مُـهمّـا: هل ستتحوّل المعارضة إلى الشارع؟ وبالتالي، تُـصبح مصر أمام أشكال متزايدة من الاحتجاجات الاجتماعية، المغموسة بالسياسة والاقتصاد، وهل سيتحوّل الإخوان مرّة أخرى إلى العمل السري، بعد أن جرّبوا العمل العام ونالوا منه ما نالوا، أم سيجدون المخرج في إعادة تقويم السنوات الخمس الماضية، وبالتالي، إعادة النظر في إستراتيجية العمل الدعوي الممْـزُوج بالسياسة والعكس أيضا؟
ومن الأسئلة الكُـبرى أيضا: كيف سيتحرّك حزب الوفد، بعد أن رفض أن يكون ممثلا في البرلمان بسبْـع نواب، يضمَـنون له قيادة المعارضة تحت قبّـة البرلمان؟ وهل سيكتفي بأن يكون خارج النظام، بعيدا عن التأثير في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
أزمة شرعية أم مُـجرّد تجاوُزات إدارية؟
كثير من هذه الأسئلة وغيرها، تجسّـد أزمة الشرعية من وِجهة المعارضين، وتجسِّـد مأزق الحزب الحاكم، الذي لم يقبَـل بوجود معارضة شرعية فعّـالة، قادرة على أن تعبِّـر عن تيارات حقيقية في الشارع السياسي.
أما من وجهة نظر الحزب الوطني، فالمسألة ليست بهذا السّوء. فمهما كان حجْـم التجاوزات، فهي لا ترقى لبُـطلان الانتخابات، فهي تجاوزات متكرِّرة في كل انتخابات وتُـعدّ من قبيل التجاوزات الإدارية أو العُـنف المجتمعي الشائع بين الناس، ولا تصِـل إلى حدّ البطلان الدستوري، الذي يعني بطلان القانون الذي تمَّـت على أساسه الانتخابات، وهو الأمر الوحيد الذي يفرض حلّ البرلمان، كما حدث من قبل مرتيْـن في سنوات الثمانينات من القرن الماضي.
أما حديث المعارضة الغائبة، فهو أمر لا يقلق الحزب الحاكم، بل يُـسعده تماما. فقد تخلَّـص الحزب من صُـداع أعضاء الإخوان، وهو ما خطط له الحزب جيِّـدا منذ اللّـحظة الاولى لانتهاء انتخابات عام 2005، كما قلّـص عدد المستقلين ذوي الصوت المرتفِـع، وما زال هناك ممثلون لعدد من الأحزاب، يُـمكنهم أن يمثلوا نقطة ارتِـكاز للمعارضة المناسبة للفعل الديمقراطي، دون أن تؤثر على عمل البرلمان ككل.
بعبارة موجزة، فإن الحزب الحاكم يرى أنه حصد ثِـمار جهوده وتخطيطه وتنظيمه الداخلي المُـحكم، واستقطابه لأجيال جديدة وِفق برنامج عمل واضح، يستهدف كلّ شرائح المجتمع، وأنه بذلك حصل على تفويض شعبي عريض، لكي يستكمل المسيرة التي خطط لها من قبل.
حصاد مُـرّ.. حصاد حِـلو
وهكذا، الحصاد الإيجابي للوطني، يقابله حصار مُـرّ في الأحزاب، بما في ذلك التي حقَّـقت مقعديْـن أو أكثر قليلا، إذ تعني النتائج إجمالا، أن الحياة السياسة في مصر لم تنضح بعدُ، رغم مرور ما يقرُب من أربعة عقود، وأن أحزاب الأمس أو حتى الأحزاب التي حصلت على ترخيص في السنوات القليلة الماضية، فلا شعبية لها، وليست لديْـها القدرة في الانتشار أو التفكير في المشاركة في الحُـكم بأي شكل كان.
والأمْـر المُـحزن، أن يتصارَع الوفد مع نفسه، وهو الحزب التاريخي الكبير، ولكنه ينتصر في النهاية إلى الانسحاب التام من البرلمان والاكتفاء بالمعارضة عبْـر صحيفته اليومية.
حصيلة غريبة لانتخابات غريبة، ولكنها ستمُـر مع الأيام، وتبقى الدّروس التي ما زالت تتفاعل، في الشارع وبين الناس وفي داخل الأحزاب نفسها.
المصدر: سويس انفو