سباق تسلح جديد بين الولايات المتحدة والصين
رسالة طوكيو: د. أحمد قنديل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] رغم
الابتسامات ومصافحة الأيدي الحارة التي تبادلها وزيرا الدفاع الأمريكي
روبرت جيتس ونظيره الصيني ليانج جوانجيلي أمام كاميرات المصورين في المؤتمر
الصحفي الذي عقداه في10 يناير الماضي.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إلا أن اجتماعهما الأخير في بكين والذي يسبق القمة الصينية الأمريكية في
واشنطن اليوم يبدو أنه أخفق في نزع فتيل عدم الثقة المشتعل في علاقات
واشنطن وبكين منذ بداية العام الماضي.
إعلان وزيري الدفاع الأمريكي والصيني عن نيتهما العمل معا لتعزيز الاتصالات
العسكرية بين بلديهما في الفترة المقبلة لمنع حدوث اشتباكات عسكرية بينهما
في ظل تصاعد التوتر في منطقة شرق آسيا خاصة في شبه الجزيرة الكورية يبدو
أيضا أنه لن يفلح كثيرا في تخفيف حدة الهواجس والشكوك االمتبادلة بين قادة
كل من بكين وواشنطن في ظل التصادم الملموس في مصالحهما علي المدي المتوسط
والبعيد.
حيث يري عدد من مساعدي الرئيس الأمريكي باراك اوباما أن الصين اصبحت تتمتع
الآن بالقدر الكافي من القوة التجارية المدعومة بأكثر من تريليوني دولار
أمريكي في هيئة احتياطيات من النقد الأجنبي للاضطلاع بدور حاسم في تعزيز أو
عرقلة حل المشاكل العالمية من أجندة مجموعة العشرين, إلي الجهود الرامية
إلي كبح جماح الطموحات النووية لكوريا الشمالية. ومن ثم فهي ستسعي إن
آجلا أو عاجلا إلي محاولة منع استمرار الهيمنة الأمريكية البحرية الكاملة
علي منطقة شرق آسيا من أجل تحقيق مصالحها القومية العليا في عدم انفصال
تايوان, وتأمين وارداتها من البترول والموارد الطبيعية وحسم المنازعات
الاقليمية مع اليابان وكوريا الجنوبية ودول آسيان حول عدد من الجزر الغنية
بالبترول والغاز الطبيعي.
مبيعات الأسلحة الأمريكية إلي تايوان قبل تسعة أشهر والتي بلغت قيمتها أكثر
من6.4 بليون دولار(37.12 بليون جنيه مصري) كانت الشرارة الأولي التي
اشعلت نيران عدم الثقة بين واشنطن وبكين في ظل إدارة الرئيس الأمريكي
اوباما. وقد اتضح ذلك بجلاء في المؤتمر الصحفي المذكور. حيث انفعل وزير
الدفاع الصيني وارتفعت نبرة صوته ردا علي سؤال لأحد الصحفيين عن إمكانية
تكرار صفقات السلاح الامريكية إلي تايبيه( عاصمة تايوان) في
المستقبل. وأكد المسئول العسكري الصيني أن هذه الصفقات تضر بشدة بالمصالح
العليا الصينية مطالبا في حسم وحزم كاملين بعدم تكرار واشنطن ذلك مرة
اخري.
ولاشك أن هواجس ومخاوف وزير الدفاع الأمريكي ومساعديه من تنامي القوة
العسكرية الصينية في الآونة الأخيرة قد تفاقمت عندما استقبلت بكين زيارته
لها بالإعلان عن إجراء أول اختبار لمقاتلاتها الشبح( جي20) مما مثل
نقلة نوعية كبيرة في القدرات العسكرية الصينية, خاصة ان هذه المقاتلات
ذات حجم اكبر من مثيلتها الأمريكية, الأمر الذي قد يمكنها من الطيران
لمسافات أبعد, ومن حمل متفجرات بكميات أكبر.
هذا وتعد أنشطة بكين في مجال تطوير الأسلحة الجديدة مصدرا رئيسيا لقلق
وزارة الدفاع الأمريكية لأن الفشل في اكتشاف هذه الانشطة قد يؤدي إلي حدوث
تحول كبير في ميزان القوي القائم في منطقة شرق آسيا, كما أنه قد يؤدي
أيضا إلي حدوث سباق جديد للتسلح في المنطقة.
ففي نهاية العام الماضي أكد مصدر عسكري أمريكي رفيع المستوي أن النظام
الصيني الخاص بالصواريخ الباليستية المضادة للسفن( دونج فينج21 دي)
والمعروف اختصارا باسم( ايه اس بي ام) قد بلغ مستوي' القدرة
التشغيلية المبدئية'. ويطلق الخبراء العسكريون علي هذا النظام الذي يبلغ
مداه1500 كيلو متر اسم قاتل حاملات الطائرات لأن لديه قدرة فائقة علي
إصابة أهدافه المتمثلة في هذه الحاملات.
ورغم ان' قتلة حاملات الطائرات' التي تطورها الصين ومقاتلاتها الشبح
لايزال امامهما شوط كبير لكي يتم توظيفهما عمليا في الاشتباكات العسكرية
إلا ان الدوائر العسكرية الأمريكية تنظر إليهما بقلق بالغ لأنهما قد يمنحان
بكين القدرة علي منع حاملات الطائرات الأمريكية من الاقتراب من المياه
القريبة من الصين في حالة وقوع صدام عسكري حول تايوان, أو في شبه الجزيرة
الكورية او في بحر الصين الشرقي.
ويشير عدد من المراقبين الذين التقت بهم الاهرام في طوكيو وفضلوا عدم ذكر
اسمائهم إلي ان الدوائر الدفاعية الامريكية واليابانية تراقب أيضا عن كثب
الانشطة الصينية في مجال إطلاق الصواريخ من الغواصات المعروفة باسمSLBM
باعتبار أن هذه الصواريخ هي الحل الانسب لخبراء التكتيك الصينيين الذين
يدركون ان شن هجوم ناجح علي حاملات الطائرات الأمريكية يتطلب عدم استخدام
منصات الصواريخ الأرضية, لأنها أهداف سهلة نسبيا للقوات الأمريكية.
غير ان الأمر الأخطر والأكثر قلقا من وجهة نظر القادة العسكريين في واشنطن
وطوكيو هو سرعة قيام جيش التحرير الشعبي الصيني( الاسم الرسمي للجيش
الصيني) بتطوير التقنيات الجديدة القادرة علي تعطيل البنية الأساسية
الأمريكية الخاصة بأنظمة القيادة والتحكم والاتصالات والكومبيوتر وجمع
المعلومات والمراقبة والاستشعار والمعروفة عسكريا باسمC4ISR.
حيث توجد قناعة لدي الصينيين مفادها أنه لكي يكون لهم اليد العليا في أي
صدام عسكري مع الأمريكيين أو اليابانيين أو الكوريين الجنوبيين في
المستقبل, فلابد ان يكون لديهم تفوق في الفضاء من أجل تدمير مركز الاعصاب
الرئيسي لواشنطن وإمتلاك القدرة علي الرصد الدقيق للأهداف المهمة واختراق
المظلة الأمريكية للدفاع ضد الصواريخ الباليستية
وقد ساعدت هذه القناعة علي ظهور أنظمة تسليح صينية جديدة مثل تكنولوجيات
الطاقة الموجهة وهجمات الإنترنت المصممة لشل الآلة العسكرية الأمريكية.
كما اختبر جيش التحرير الشعبي الصيني أيضا انظمة تسليح متطورة قادرة علي
تدمير وتعطيل الاقمار الاصطناعية للعدو في الفضاء.
وفي ضوء هذه التطورات يتوقع عدد من المراقبين أن يصبح جيش التحرير الشعبي
الصيني قادرا في المدي المنظور علي شن هجمات متزامنة في مجالات الفضاء
والانترنت والمعلومات مع العمليات العسكرية التقليدية بهدف شل حركة الخصم
في هجمة واحدة سريعة. ولذلك لم يكن غريبا خلال اللقاء الأخير بينهما في
بكين ان يلقي اقتراح وزير الدفاع الأمريكي الخاص باستئناف عقد الحوار
الاستراتيجي بين القادة العسكرين في البلدين حول مسائل الاسلحة النووية
وانظمة الدفاع الصاروخي والمسائل المتعلقة بالفضاء والانترنت ردا فاترا من
جانب نظيره الصيني الذي اكتفي بالقول' سوف ندرس هذا الأمر'.
فالصينيون لا يستطيعون في الوقت الحالي الثقة في واشنطن التي قامت في
الشهور الأخيرة بإجراء مناورات بحرية واسعة النطاق مع حلفائها في اليابان
وكوريا الجنوبية في المياه القريبة من الصين رغم المعارضة الشديدة لهذه
المناورات من جانب بكين.
ويطرح الفتور الصيني تجاه الاقتراح الأمريكي عدة اسئلة مهمة من ابرزها:
هل سيتحول الأمر إلي سباق جديد للتسلح بين الأمريكيين والصينيين في ظل
تصادم المصالح بينهما علي الصعيد العسكري وهل سيتحارب البلدان من أجل
الهيمنة علي القرن الحادي والعشرين أم هل يعملان علي جعل هذا القرن أكثر
سلاما وازدهارا.
لقاء القمة المرتقب بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الصيني هو
جينتاو في واشنطن قد يعطي مؤشرات حول الاجابة علي هذه الأسئلة المهمة التي
ستحدد ملامح القرن الحالي