«حاكمة قرطاج».. أسرار سيطرة ليلي الجن وعائلتها علي تونس
الصفحة رقم 5
«حاكمة قرطاج».. أسرار سيطرة ليلي الجن وعائلتها علي تونس
- ليلي الطرابلسي رفعت قضية في فرنسا لمنع نشر الكتاب والمحكمة ترفض الدعوي وتحكم عليها بدفع تعويض لدار النشر - تحولت من مصففة شعر إلي سيدة تونس الأولي وأطاحت بوزير الدفاع بعدما كشف فساد عائلتها
في كتاب "حاكمة قرطاج اليد المهيمنة علي تونس"يكشف الصحفيان الفرنسيان نيكولا بو وكاترين جراسيه كواليس الحكم في تونس، كما يرصدان بالتفاصيل كيف تحولت سيدة تونس الأولي السابقة ليلي الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع زين الدين بن علي إلي المرأة الحديدية في قصر الرئاسة، نجحت ليلي بن علي في التحكم في شئون البلاد والسيطرة علي كل القطاعات الاقتصادية من خلال شبكة عائلية أقرب للمافيا مسكت مقاليد الحكم التونسي ورسمت أقدار الشعب الذي أصبح كله تحت رحمة ليلي وعائلتها.
وكانت ليلي الطرابلسي قد رفعت قضية أمام المحاكم الفرنسية وطلبت حظر بيع هذا الكتاب، ووصفت الكتاب بأنه يتعمد التشهير بها والهجوم عليها دون وجه حق. ولكن القضية تم رفضها وحكم علي سيدة تونس الأولي في ذلك الوقت بدفع تعويض قدره 1500 يورو لدار النشر، ومن المعروف أن ليلي الطرابلسي هي الزوجة الثانية لزين العابدين تزوج منها عام 1992 بعد علاقة عاطفية استمرت عشر سنوات في الخفاء وانجب منها ابنتين هما نسرين وحليمة وفي عام 2005 انجبت له ليلي ابنه الوحيد محمد. وكان زين العابدين متزوجا من نعيمة الكافي ابنة الجنرال الكافي وارتبط بها عام 1964 وساعده والدها في الصعود السياسي وأنجب منها ثلاث بنات هن دورصاف وسيرين وغزوة، وقد طلقها عام 1988.
«حاكمة قرطاج».. أسرار سيطرة ليلي الجن وعائلتها علي تونس
1
جندتها المخابرات التونسية للتقرب من أصدقاء القذافي
يطرح الكتاب في بدايته سؤالاً مهماً وهو من هي ليلي الطرابلسي؟ هل هي فتاة سهلة، عاهرة كما لم يتردد بعض المواطنين في وصفها، امرأة من خلفية متواضعة تسعي لتحقيق النجاح دون الاهتمام كثيرا بالاعتبارات الأخلاقية؟ أما هي امراة طموحه ومستقلة ساعدتها العلاقات العاطفية علي الصعود الاجتماعي؟ من الصعب جدا الإجابة عن هذا السؤال مع عدم وجود حد فاصل يميز بين الشائعات والحقائق. ومما يزيد من صعوبة الموقف هو وجود اثنتين من ليلي الطرابلسي.
اسم الطرابلسي شائع جدا في بلاد الياسمين، وليس من الغريب انتشار أسم ليلي الطرابلسي، ولكن المفاجأة الحقيقية، أن المجتمع التونسي عرف امرأتين بهذا الاسم عملتا في نفس المجال الذي جمع بين صالونات تصفيف الشعر ووزارة الداخلية في فترة الثمانينيات من القرن الماضي.،هذا التشابه كان من شأنه أن يلقي بظلاله علي سيرة حياة سيدة تونس الأولي السابقة. فالسيدة التي تحمل نفس اسمها عملت في الثمانينيات في محل تصفيف الشعر "دونا" الذي كان مقراً لسيدات المجتمع الراقي ومركزاً للعلاقات المتشابكة، ومن خلاله نجحت ليلي في تكوين شبكة علاقات قوية وعملت مع وزارة الداخلية ثم مع المخابرات حيث لعبت دوراً مشابهاً لدور ماتا هاري الراقصة الهولندية الشهيرة التي استغلت المخابرات علاقاتها مع كبار رجال السلطة والسياسة من أجل جمع المعلومات. وبفضل جمالها الساحر استغلت المخابرات التونسية ليلي الطرابلسي لجمع المعلومات في الأوساط الليبية. في بداية الثمانينيات كانت العلاقات متوترة بين ليبيا وتونس، وكانت الأولي تنظر لجارتها الخضراء باعتبارها مركزاً للمتعة تماما كما ينظر أهل الخليج للبنان، ولهذا لجأت المخابرات التونسية للدفع بعدد من النساء في أحضان أصدقاء القذافي، وكانت ليلي الطرابلسي واحدة من تلك النساء، ويقال إنها ليبية الأصل والدليل اسمها نجحت المخابرات التونسية في تجنيدها، وهذه الافتراضية معقولة خاصة أن لديها جواز سفر مزدوج ولقبها مقتبس من مدينة طرابلس.
علي أية حال، عرفت ليلي طريقها للسلطة، وعرفت الكثير من رجال الحكم بما في ذلك الجنرال زين العابدين بن علي، وفي أواخر الثمانينيات أصبحت عشيقة محمد علي المحجوبي المعروف لدي أصدقائه باسم الشاذلي الحامي . هذا الرجل كان أول رئيس لأمن الرئيس زين العابدين بن علي ثم وزير الداخلية. ولكن الشاذلي الحامي وعشيقته ليلي كانا مصدر إزعاج للسيدة الأولي المستقبلية، ففي ذلك الوقت لم تكن ليلي الطرابلسي سوي عشيقة للرئيس ابن علي. لقد شعرت عشيقة الرئيس بالتهديد من جانب عشيقة وزير الداخلية التي يجمعهما نفس الاسم، وكانت النتيجة طلب ابن علي من الشاذلي التخلص من الحبيبة غير الشرعية ذات التاريخ المثير للجدل، ولكن الشاذلي رفض لتأخذ القصة مجري مختلفا. في عام 1990 تم القبض علي وزير الداخلية وعشيقته واتهمهما بالتخابر مع إسرائيل. حل علي الجنزاوي محل الشاذلي في الخارجية والأمن وكان يحظي بحماية ليلي الطرابلسي الرئيسة الفعلية لتونس. والمؤكد أن قصة التخابر مع إسرائيل كانت قصة وهمية والدليل الافراج عن الشاذلي بعد مرور عامين.
أما ليلي الطرابلسي زوجة رئيس تونس السابق فقد ولدت عام 1956 في عائلة متواضعة تعيش في باردو والبعض يشير إلي أن أغلب أفراد عائلة الطرابلسي يعيشون في مدينة حفيصة وهي واحدة من أكثر المناطق المتهدمة في تونس. والدها بائع فواكهه مجففة ووالدتها ربة منزل تتولي تربية 11 طفلاً وطفلة. دخلت ليلي مدرسة تعلم تصفيف الشعر وعملت في البداية بمحل تصفيف وفاء حيث التقت وهي في الثامنة عشرة من عمرها مع زوجها الأول خليل معاوية صاحب إحدي وكالات الرحلات ولكنها لم تستمر معه سوي ثلاث سنوات قبل أن يطلقها. في ذلك الوقت عملت ليلي في وكالة 2000 السياحية وكانت لاتزال في بداية العشرينيات، فتاة مستقلة صغيرة تقود سيارة رينو وتسعي لاكتشاف العالم وتعشق السهر، بدأت ليلي رحلتها مع عالم جديد عليها تعرفت فيه علي رجال الأعمال والسلطة وأدركت أن طموحاتها تتجاوز أحلام الفتاة الصغيرة القادمة من بيئة متواضعة. في ذلك الوقت كانت معروفة باسم "ليلي جن" حيث كانت تعشق مشروب الجن الكحولي، وكانت حريصة علي إبقاء علاقاتها العاطفية المتعددة سرا. في محاولة لزيادة دخلها كانت تسلم بعض البضائع الجمركية ما بين ايطاليا و باريس، وفي إحدي المرات تم كشفها وسحب جواز سفرها.
أما اللقاء الذي أعاد تشكيل حياة ليلي الطرابلسي كان مع فريد مختار أحد الشخصيات العامة في تونس عاشق الفن وكرة القدم وصاحب الشركة التونسية لصناعة الألبان إحدي كبري الشركات التونسية، كما أنه شقيق زوجة محمد مزالي رئيس الوزراء آنذاك. بفضل فريد تم التعاقد مع ليلي بوصفها الأمين التنفيذي في باتيمات إحدي الشركات المصرفية الكبري.
علاقة ليلي مع فريد مختار استمرت لأربع سنوات حتي وضع فريد نهاية لها عام 1984، وهو نفس العام الذي شهد عودة ابن علي من منفاه في بولندا. لقد عاد لمحب القديم وفي تلك المرة لم يكن ابن علي مستعداً للابتعاد عن حبيبته التي أصبحت عشيقته الرسمية، وبالفعل اشتري لها فيللا أنيقة علي طريق سكرة، وعاشت ليلي في ظل عشيقها الذي عاد لمنصب وزير الداخلية. جمع بينهما الحب والطموح السياسي وكان ابن علي يقول لها "اصبري سنكون قريبا في قصر قرطاج".
2
الصراع بين الرئيس والرئيسة
ليلي الطرابلسي لا تكتفي فقط بدور السيدة الأولي فهي تسعي دائما لسياسة مرتفعة خاصة بها، ولا تكتفي بأن الجميع يطلق عليها لقب الرئيسة وأن الكل يدرك أنها من تحكم بالظل، فهي تريد مكانة علانية ومعترفاً بها. وقد كثفت جهودها في الفترة ما بين 2004 و2005 من أجل تحقيق هذا الحلم، وفي أكتوبر 2004 حظيت بشرف قراءة الكلمة الختامية للمرشح التجمع الدستوري الديمقراطي، وهو زوجها. لقد صفق لها الجميع عندما انهت كلمتها، ولكن لم يكن الجميع يشعر بالرضا، في مقدمة الرافضين لمحاولة ليلي لاحتلال مكانة سياسية كان نبيل عادل الرجل القوي في الأمن الرئاسي والمسئول عن ملف الإرهاب والإسلاميين، لقد عبر عن رفضه لهذه المحاولات وكانت النتيجة القبض عليه بتهمة الفساد. ثار العديد من المسئولون في الدوائر الأمنية علي الطريقة التي تعاملت بها زوجة الرئيس مع نبيل عادل، كما عبر عدد من العسكريين ومن كوادر التجمع الدستوري الديمقراطي عن غضبهم في رسالة غير موقعة نشرت علي الانترنت في أبريل 2005 عبروا فيها عن رفضهم لممارسات قصر الرئاسة. وأمام حالة الغضب التي اجتاحت الأوساط السياسية والدوائر المحيطة بقصر الرئاسة، فضلت ليلي التراجع عن مخططها السياسي والتركيز علي قضايا المرأة. ظاهريا، لم تلعب زوجة الرئيس أي دور سياسي حقيقي، ولكن مكانتها في الحكم زادت صلابتها منذ انجابها للابن الذكر الوحيد لزين العابدين بن علي والملقب بالأمير الصغير الذي يحتل قلب والده المجنون به.
هناك الكثير من الحكايات عن قوة ونفوذ ليلي. محمد جيجهام رجل يحمل تاريخاً كبيراً بالعمل السياسي، فهو يحظي بثقة زين العابدين، وزير دفاع سابق، وزير داخلية سابق، ومستشار الرئيس السابق، لهذا الرجل سيرة لا غبار عليها، لكن هذا التاريخ العريق لم يساعده في مواجهة غضب ليلي. في 2007 قدم هذا الرجل مشورة لزين العابدين بضرورة الانتباه لزيادة فساد عائلة الطرابلسي. لم تنتظر ليلي كثيرا وتم نفي الرجل خارج تونس كسفير لبلاده في روما ثم تم نقله إلي بكين ولكنه رفض وفضل التقاعد ليبدأ عمله الخاص.
ولكن يبقي المجال المفضل لزوجة زين العابدين هو المجال الاقتصادي، وتؤكد الشائعات أنها كانت تجتمع مع عائلتها في الصالون الأزرق بقصر قرطاح لكي يتشاوروا بشأن المجال الاقتصادي الذي يمكن الاستيلاء عليه. إذا شعرت بأهمية مشروع اقتصادي تحدد أحد من أفراد أسرتها لكي يدخل في المشروع ويشارك أصحابه المكاسب. وفي حالة حدوث خلاف تتولي هي الحكم بين المختلفين من أفراد عائلتها، فهي زعيمة المافيا التي يخضع لها الجميع.
والسؤال الذي يطرح نفسه أين زين العابدين؟ ماذا كان يفعل الرئيس؟ وأين ذهب في الوقت الذي زادت فيه نفوذ زوجته وعائلتها؟ أسئلة عديدة حاول بعض الملاحظين الاجابة عنها ومنها أنه كان منشغلاً بالقضايا الأمنية والعلاقات الدبلوماسية. وهناك تحليل آخر مجهول المصدر حمل عنوان " المناخ الفساد في قصر قرطاج" تم نشره عام 2006 علي موقع تونس نيوز، وأشار هذا التحليل إلي أن زين العابدين محاط بعائلة زوجته، تلك العائلة التي تحولت لستار يحيط بالرئيس تنقل له ما تريد وتعزل عنه ما تخشاه، وفي النهاية الأمر يشعر زين العابدين بأنه الرئيس ولكنه في الحقيقة مجرد شخص ينفذ خطط الآخرين التي لا يدركها. البعض لا يتفق مع هذه الوجهة من النظر، حيث يري الكثيرون أن زين العابدين هو من يمسك خيوط اللعبة ويحركها في الاتجاه الذي يريده، لقد أطلق لزوجته حرية التحرك والتخطيط ولكن حرص علي أن تكون له الكلمة الأخيرة مستمتع في نفس الوقت بدور الضحية التي تسيطر عليه زوجته.
3
الرئيس لعائلة زوجته: اسرقوا .. لكن المشكلة أن الناس كشفاكم
خلال السنوات الأربع الأولي التالية علي زواج ابن علي من ليلي الطرابلسي عام 1993، لم تحظ عشيرة الطرابلسي بأي منافع من هذه الزيجة. هذا الوضع لم يستمر طويلا، وفي عام 1996 بدأت هذه العائلة في مسيرتها لنهب تونس. لم تصمد كثيرا عائلات الطيف مبروك أو شيبوب أمام العائلة الجديدة القادمة بقوة من أجل أخذ نصيبها من التورتة التونسية. في هذا العام وضع الشقيق الأكبر من زوجة الرئيس والقريب من قلبها بلحسن الطرابلسي يده علي شركة الطيران التي سيصبح اسمها خطوط طيران قرطاج. لعب بلحسن الطرابلسي دور منسق الشئون المالية لعائلته.
ويبدو أن تورتة تونس لم تعد تكفي سوي عائلة واحدة، فعشيرة الطرابلسي لا تفضل من يشاركها طعامها. لم يعد هناك صفقات مع أجانب دون أن يكون لعائلة الطرابلسي نصيب بها، لا توجد أرض قيمة لم يضعوا أيديهم عليها. لا يوجد فرد واحد من هذه العشيرة لم يستفد من الوضع الجديد. منصف الطرابلسي شقيق ليلي الثاني بدأ حياته مصوراً، وأراد الحصول علي قرض من البنك لاستصلاح أرض زراعية، أبناء هذا الرجل وبفضل "ليلي الطرابلسي" أصبحوا من أهم رموز المجتمع التونسي. الابن الأكبر حسام أسس شركة موسيقية اشتهرت بعدم احترام العقود، الابن الثاني معز وشقيقه عماد المفضل لدي عمته زوجة الرئيس تورطا في عملية سرقة ليخت بفرنسا عام 2008 ولكن بفضل عمتهما لم يخضعا لأي مساءلة قانونية.
جليلة شقيقة ليلي حظيت بنصيبها من الفوائد وزوجها الذي كان يملك كشكا للبنزين أصبح واحداً من أشهر الأسماء في مجال العقارات.
في عام 2002 أدرك ابن علي أن عائلة زوجته تسيطر علي البلاد وفي محاولة لحفظ النظام التقي بعدد من الأعضاء البارزين في أسرة الطرابلسي وقال لهم " إذا أردتم المال، فعلي الأقل قوموا بإخفاء الأمر، استخدموا ستاراً من الشركات والشخصيات الوهمية". أي في عبارة أخري اسرقوا باحترافية.
ولكن يبدو أن عائلة الزوجة لم تنفذ نصيحة بن علي، لقد تدخلت عائلة الطرابلسي في كل القطاعات الاقتصادية سواء بعلم أو بدون علم الرئيس التونسي بن علي. فقد كان هناك ملكة تحكم قصر الرئاسة وتونس هي ليلي حاكمة قرطاج.