مهلة 6 ساعات من جنرالات الجيش للرئــــــــــــــــــــــيس بن علي: يا الرحيل.. يا القتل!
الصفحة رقم 2
عادل حمودة يكتب: مهلة 6 ساعات من جنرالات الجيش للرئــــــــــــــــــــــيس بن علي: يا الرحيل.. يا القتل!
- الشرطة ألقت القبض علي «ليلي» بتهمة تهريب الملابس لتجد نفسها وجهاً لوجه مع «بن علي».. مسئول الأمن وقتها - هجرت رفيقها بحثاً عن حياة أفضل مع «بن علي» نجم السلطة الصاعد الذي سلمها خزائن البلاد بعد وصوله للحكم
عادل حمودة يكشف من باريس أسرار الانقلاب الديمقراطي في تونس:
مهلة 6 ساعات من جنرالات الجيش للرئــــــــــــــــــــــيس بن علي: يا الرحيل.. يا القتل!
- نصيحة من المخابرات الإسرائيلية والأمريكية لديكتاتور قصر قرطاج: «حياتك في خطر أهرب بجلدك»!
- فتوي من شيوخ السعودية بقتل «بن علي» وبورقيبة بسبب تقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات!
- مليشيات مثل - الحرس الحديدي - وعدت «بن علي» بإعادته للسلطة بعد أن تنتصر علي الجيش!
- لم يطلب اللجوء إلي مصر وحلق بطائرته في أجوائها ساعة وربع الساعة بعد أن طلب الإذن وكان لايزال رئيسا
- ويكيليكس كشف وثيقة يروي فيها السفير الأمريكي بتونس عجائب ما شاهده في حفل عشاء للماطري - السيدة الأولي حاولت تغطية قسوة زوجها ضد الإسلاميين بافتتاح محطة إذاعية دينية بمشاركة أحد أتباعها الذي هرب من البلاد قبل الرئيس
- صهر «بن علي» يستورد طعامه من فرنسا ويربي نمراً في بيته يأكل أربع دجاجات في اليوم! - الديكتاتور شخصية منفوخة كالبالون تفجرها صرخات الشعب وخروجه هو وعائلته وثروته آمنا.. يفرض علي زبانيته دفع الثمن وحدهم!
تتحدث نظم حكم عربية متعددة عن الحرية برومانسية سياسية مؤثرة.. تكاد معها أن تقطع شرايينها خوفا من تكذيبها أو التشكيك فيها.. ولكن.. الحرية التي تفهمها هذه النظم تفترض ــ في الحقيقة ــ أنه لا يوجد أحد علي ظهر الوطن سوي حاشية رئيسها وبطانته وأقربائه وأنصاره وأصهاره.
الحرية عند هذه النظم الغائبة عن الوعي.. معناها جعل الوطن كله - بأرضه وبحاره وجباله ورماله وسهوله ومزارعه ومخابزه وخيراته وخرائطه - أملاكا خاصة لهم.. الأحزاب.. والمعارضة.. والسلطة.. والبرلمان.. والدستور.. والمحاكم.. والصحف.. والشرطة.. والبنوك.. والسجون.. والنياشين.. والنساء.. فهم يتصرفون وكأن الشعب الذي يخنقون أنفاسه وينهبون ثرواته ويخرسون أصواته لم يخلق بعد.. وكأنهم وحدهم في البلاد.. لا قبلهم.. ولا بعدهم.
ولا نعرف هل هي نكتة أم حقيقة تلك التي تروي أن وزيرا للداخلية جاء لواحد من هؤلاء الحكام قائلا: " الشعب جاء ليودعك؟ ".. فسأل الحاكم: " هو الشعب مسافر فين؟ ".. وعندما وقعت اضطرابات في بلده أصدر أوامر لشركة الطيران المحلية بأن تستعد بكامل أسطولها لنقل الشعب إلي الخارج بسرعة ودقة ورعاية وعناية.
إنها عصابات عائلية تلتهم علي كل ما يقع عليه بصرها.. ويشمه أنفها.. ويجيل بخاطرها.. ويسيل له لعابها.. وهي توزع الغنائم حسب درجة القربي.. وشرعية النسب.. وصلة الرحم.. وقرابة الدم.. إذا " كان عندها دم ".
في عاصمة عربية ما يتحدثون عن أشقاء الرئيس.. وفي أخري يتحدثون عن أصهار الرئيس.. وفي ثالثة يتحدثون عن الرئيس نفسه.. فالبورصة هي الوجه للسلطة.. والفساد هو الوجه الآخر للاستبداد.
أما في تونس فصحيفة سوابق الحكم تتفجر بفضائح زوجة الرئيس.. ليلي الطرابلسي.. كوافيرة.. جذابة.. مربربة.. مغرية.. أخضعت السلطة السياسية والأمنية لثرواتها الشخصية.. ونزواتها النفسية.. وحكمت من غرفة نومها في قصر "قرطاج" شعبا لم يكن ليحلم بأكثر من لقمة خبز ولقمة حرية.. لكنه.. لم يجد سوي الفقر والقهر.. البطالة والسفالة.. السحق والحرق.. السجون والتعذيب إلي حد الجنون.
إن التونسيين شعب مثقف.. مهذب.. بسيط.. متواضع.. يكرم ضيفه.. لا يميل للعنف.. يهوي أغاني أم كلثوم وأفلام إسماعيل ياسين وموسيقي محمد عبدالوهاب وتمثيل هند صبري.. شعب "يمشي علي العجين مايلخبطوش".. لكن.. كثرة النهب وشدة الضرب وقوة الخنق أفقدته مخزون الصبر.. فأشعل النار في نفسه.. وأشعل الثورة في النظام.
لقد أحرق محمد بوعزيزي نفسه ليكون رمزا لحرق وطن بأكمله.. لقد تخرج في الجامعة.. لكنه لم يجد ما يواجه به البطالة المزمنة (أكثر من 14 في المائة) سوي بيع الخضار علي عربة خشبية حرمته شرطية المرافق منها بعد أن صفعته علي وجهه.. فأشعل النار في جسده احتجاجا علي طريقة رهبان البوذية.. وأحرق معه نظاما بأكمله.. وأصبح رمزا للمقاومة باللحم البشري المشوي بالنار في الجزائر ومصر وغيرها.
لكن.. رغم كل ما حدث.. لا أحد عرف مشاعر التونسيين.. أو قرأ دموعهم.. أو توقف عند جراحهم.. أو أوقف نزيفهم.. أو سمع صوت صدرهم المثقوب بالسعال.. لا أحد توقع أن يكونوا أول عرب يخلعون حاكما ديكتاتوريا شرسا.. وتفوقوا هذه المرة علي ملك الموت.. عزرائيل.. الوحيد الذي كان يملك إرادة التغيير السياسي من المحيط إلي الخليج.
خرج الناس هناك من "هدومهم" بسبب ما فعلت السيدة الأولي التي وصفت بالملكة ووصفت عائلتها بالمافيا.. وهي أوصاف شديدة التواضع إذا ما قورنت بأفعالها.
لقد قبض عليها بتهمة التهريب أيام كانت تشتري ملابسها من سوق " الكانتو " .. ووجدت نفسها أمام مسئول الأمن في ذلك الوقت زين العابدين بن علي.. فأفرج عنها بعد أن وقع في هواها.. أو غرق في أنفاسها.. وربما بعد أن دفعت الثمن.. لكنها.. بعد أن صادها صادته.. وبعد أن أخضعها جسديا سيطرت عليه سياسيا.. فكانت السيدة الأولي.. والسلطة الأولي.. والثروة الأولي.
كانت مطلقة.. وصديقها فريد مختار لا يستطيع أن يوفي تطلعاتها المادية رغم أن زوج أخته شخصية مهمة هو محمد مزالي الذي مات فيما بعد في حادث غامض جري التكتم عليه.
لم تتردد في هجر رفيقها بحثا عن حياة أفضل مع نجم السلطة الصاعد بن علي الذي تزوجها وأنجب منها نسرين وحليمة ومحمد.. وما أن اصبح رئيسا حتي وضعها مثل بلقيس (ملكة سبأ) علي خزائن البلاد.. وسلمها شفرة مغارة علي بابا.. وخصها بخريطة كنوز الملك سليمان.
الخبز وجعل المتظاهرين يهتفون: " خبز وماء.. بن علي لا".
وفرض أخوها بالحسن ــ وهو واحد من 11 شقيقاً لها ــ نفسه علي عالم البيزنس.. كان يذهب هو وبعض أخوته إلي رجال الأعمال بصحبة موثق من الشهر العقاري ليطالب بنصف شركاتهم مجانا.. ولم يجرؤ أحد أن يعترض.. فالبديل اعتقاله وتشريد عائلته ومصادرة ممتلكاته.. وبعد تراكم ثرواته تزوج بالحسن من ابنة هيدي جيلاني.. المشهور بـ " عمدة البيزنس " في تونس.
صديقت من المياه الدولية وتغيير ملامحها وبيعها.. ويبحث الإنتربول عنهم الآن.
وفي برقية من برقيات "ويكيليكس" يعود تاريخها إلي يوليو 2009 يروي السفير الأمريكي في تونس روبرت جوديك ما جري في دعوة عشاء وجهها إليه محمد صخر الماطري صهر بن علي في قصره المطل علي شاطئ البحر عن مدينة الحمامات: "المكان يمتلئ بالأشياء الثمينة" و"التحف الفنية الآثرية من أعمدة رومانية ولوحات موزاييك ورأس أسد تنبع منه المياه وتصب في بركة" أندلسية.. و"تضمن العشاء آيس كريم وزبادي مستورد منذ ساعات من مدينة سانت تروبيه علي شاطئ الريفيرا الفرنسية".
وما لفت النظر وجود نمر ضخم يسمونه "باشا" وهو في حوزتهم منذ كان عمره ثلاثة أسابيع ويتناول النمر أربع دجاجات يوميا ".
ولم يكن من الصعب رسم صورة جديدة لزوجة " فخامة " الرئيس.. فقد وجدت من يسهل لها الحصول علي ليسانس الآداب من جامعة تونس بالمراسلة.. ولم تكتف بذلك.. بل حصلت علي الدكتوراة في القانون من جامعة تولوز الفرنسية بالمراسلة أيضا.
وفي مايو الماضي تولي رجل دعاية تونسي يعمل في لندن هو عفيف بن يادر فبركة استفتاء نشرته مجلة " ميدل إيست " مقابل مبلغ من المال دفعه لناشرها لتصبح ليلي الطرابلسي واحدة من أهم خمسين شخصية نسائية مؤثرة في الشرق الأوسط.. إنها لم تنهب الثروة فقط ولم تحتكر القوة فقط وإنما جارت علي السمعة أيضا.
وفي السنوات الأخيرة حاولت تغطية نظام زوجها المشهور بقسوته في التعامل مع الجماعات الدينية بمحطة إذاعية إسلامية شاركها فيه أحد أتباعها كان أول من هرب معها خارج البلاد بعد الثورة الديمقراطية المباغتة.. ولحق بهما سبعة من عائلتها دخلوا الجزائر جوا قبل لحظة اللاعودة.. وشهدت منطقة بن جردان الحدودية مع ليبيا محاولات تسلل مئات من رجال الرئيس في مقدمتهم مسئولو الأمن في قصر الحكم.. ورفض الطيار محمد كيلاني الإقلاع بطائرة خاصة بعد أن عرف أن علي متنها أفراداً من عائلة الطرابلسي.
وكان طبيعيا أن تكون ممتلكات " العائلة " هي أول أهداف التخريب والنهب أمام الغاضبين.. سيارات.. يخوت.. قري سياحية.. شركات إنتاج فني.. سوبر ماركت كارفور.. توكيلات تجارية.. بنوك خاصة.. وقصور فاخرة منتشرة كالبثور علي جلد البلاد.
وبع ورجال النظام.
ش يهتم بهم.. وسيكونون ــ وقد نجا بعمره وثروته وأولاده ومجوهراته ــ مجرد كلاب ضالة.. لا تعامل إلا بالخرطوش أو " الطروش " حسب اللهجة التونسية.
لقد قتل عماد شقيق زوجة بن علي واعتقل حسام شقيقها الآخر وقبض علي قيادات الأمن السري والعلني وشماشرجية الحكم في قصر الرئاسة (مثل علي السرياطي قائد الحرس الجمهوري ورفيق بلحاج وزير الداخلية وابن شقيق الرئيس قيس بن علي) وخربت بيوتهم وحرقت سياراتهم ونهبت ممتلكاتهم وخطف أطفالهم وقتلت زوجاتهم.. إن الانتقام الشعبي أعمي.. منفلت.. يتلهف علي الدم.. يعوض في دقائق قليلة ما تشوق إليه الناس في سنوات طويلة.
أما الديكتاتور نفسه.. فقصة أخري.. إن الجنرال القاتل.. الظالم.. المتكبر.. سرعان ما ينفجر كالبالون الرخيص بمجرد أن يصرخ الشعب في وجهه مطالبا بإسقاطه.. يتحول الأسد إلي فأر.. وينكمش العملاق ليصبح قزما.. وتضيق الدنيا الرحبة في وجهه.. تصير أصغر من خرم إبرة.. وبدلا من استقباله بحرس الشرف يدخل من باب الخدم في منفي الدولة التي تأويه.
وعادة ما يثق الديكتاتور في رجاله وصحافته وأجهزته.. يصدق تضليلهم.. ويطمئن إلي أكاذيبهم.. ويوافق علي ظلمهم.. ويدمن خداعهم.. فيري نفسه أكثر عدلا من عمر بن الخطاب وأكثر زهداً من غاندي وأكثر نجومية من مارلين مونرو.. لكنه.. لا يعرف الحقيقة إلا بعد أن يحمل لقب " سابقا ".. فصوره تداس.. وتماثيله تسقط.. وسمعته تلطخ.. وعائلته تشرد.. ورائحة البخور تنقلب إلي رائحة مجاري.
لقد عزله رجاله قبل أن يعزله شعبه.. ولفظه أصحابه قبل أن يلفظه أعداؤه.. ومات علي عرشه قبل أن يدفن في الغربة.
لقد رفضت الولايات المتحدة استضافة عميلها الوفي محمد رضا بهلوي بعد ثورة الخوميني في إيران.. وضاقت السودان بجعفر نميري ولم تنقذه سوي قطرة مياه شربها من نيل مصر فقبلت بوجوده.. ولم يجد صدام حسين مأوي له سوي حفرة تحت الأرض في ريف بلاده.. وخلصت رومانيا شاوشيسكو من هذه الحيرة فقتلته.. واستوعبت فرنسا التجربة الأمريكية وأنقذت نفسها من غضب التونسيين وأغلقت مطارها في وجه رئيسهم المخلوع.. فعلي أرضها يعيش 600 ألف تونسي مهاجر لن تأمن شرهم.
كانت زوجته قد تركت البلاد وهي تحمل ثلاث حقائب بها مجوهراتها وأشيائها الثمينة وهبطت دبي واتصلت من هناك بعائلات سعودية مؤثرة في الحكم كانت قد دعتها هي وابنتيها لتأدية فريضة الحج قبل سبع سنوات.
وفي إلي الشعب أبدي أسفه لسقوط ضحايا برصاص الأمن ".. لكنه.. استهزأ من الرد قائلا: " إن فن الحكم أن تقول أمام الناس شيئا غير الذي ندبره لهم في الخفاء ".. ثم اضاف: " إن حياتنا جميعا في خطر لو انفلت الشارع.. لابد للجيش أن يتحمل مسئوليته كاملة مهما كانت التضحيات فالأمن وحده علي قوته لم يعد يكفي ".
المعروف أن قدرة قوات الأمن علي الصمود لا تزيد عن ثماني واربعين ساعة هي الحد الأقصي لصمود إنسان بلا نوم.. ليتدخل بعدها الجيش بمدرعاته وتشكيلاته.. وثقة الشعب فيه.. ولكن.. الجيش التونسي (35 ألف جندي) لم يسبق له التدخل في الأزمات السياسية وظل واقفا في منطقة وسطي بين حماية المواطن وصيانة تراب الوطن.. فما الذي يجعله يغير من طبيعته.. خاصة أن النظام مهدد بالسقوط فعلا.. فمن يقتل شعبه.. يفقد شرعيته.
رفض قادة الجيش تنفيذ التعليمات الأخيرة للرئيس بإطلاق النار علي الشعب في الشوارع بل ودهسه بالدبابات إذا ما لزم الأمر حسب ما قال.. وعندما صرخ الرئيس في وجوههم مهددا بإقالتهم جميعا أغلقوا عليه الباب ونقلوا التهديد إليه مكتفين بمنحه ست ساعات كي يرحل في سلام عن البلاد دون مطاردة أو محاسبة.. وإلا قبض عليه وحوكم.. أو سلم للجماهير الغاضبة.. ولو أبدي مقاومة كان القتل رميا بالرصاص سيكون مصيره.. وكان واضحا أن الدبابات التي تحمي القصر الجمهوري قد زادت كثافتها .. وشعر الرئيس بحسه الأمني أن الحراس أصبحوا جلادين فوافق علي الخروج الآمن في لحظة ضعف لم يتوقعها أحد مهما بلغ خياله السياسي.
واستشار الرئيس قياداته الأمنية.. ومنهم رئيس الحرس الجمهوري علي السرياطي الذي نصحه بالانحناء للعاصفة والخروج مؤقتا من البلاد ليعود إليها بعد أن تستعيد الأجهزة الأمنية سيطرتها علي الشارع ".
وفي تونس 17 جهازا أمنيا مخيفا منها مليشيات غير مسجلة (تشبه الحرس الحديدي الذي أسسه الملك فاروق) تنفذ عمليات الخطف والاغتيال والإخفاء التي تطلب منها ".. وتولت هذه المليشيات إحداث الفوضي في البلاد بعد رحيل بن علي.. وانضمت إليها قوات الحرس الجمهوري التي وجدت نفسها في حرب مع الجيش.. في مأساة أهلية كان ثمنها فادحا.
لكن.. معبد جربة.. ونفذت العملية وسط الفوضي الشاملة في البلاد وقت الأحداث الأخيرة ورغم إغلاق المجال الجوي.. وأغلب الظن أن تهريب اليهود حدث عبر زوارق بحرية أخذت معها بالحسن الطرابلسي.. اللص الأول في عائلة زوجة الرئيس.
ويمكن القول إن بن علي ترك البلاد بضغوط من القوي العسكرية مثلما حدث من قبل مع الملك فاروق في مصر.
ومن جانبها وافقت فرنسا في البداية علي استقبال بن علي بعد اتصاله برئيس حكومتها.. وبالفعل هبطت طائرة خاصة مطار بورجيه (المطار الخاص بطائرات الأثرياء والرؤساء) ونزل منها أفراد من عائلة بن علي منهم ابنتاه وسط حراسة أشخاص يرتدون ملابس سوداء ويحملون أجهزة الوكي توكي.. ولكن.. الرئيس الفرنسي أبدي استياءه مما حدث.. فتغيرت تعليمات الحكومة لسلطة المطار.. فرفضت هبوط طائرتين تاليتين كانتا في طريقهما إلي بورجيه وعلي متن واحدة منها الديكتاتور المخلوع.
وفيما بعد شوهدت البنت الكبري في يورو ديزني (ديزني لاند باريس) بصحبة حراسها.. ولكن.. ما أن عرفها رجال أمن المكان حتي فرت هاربة هي ومن معها وتركت العاصمة الفرنسية ولحقت بعائلتها في جدة بعد أن قبلت السعودية بوجودها علي أرضها.. وفي اليوم نفسه أعلنت فرنسا أن عائلة بن علي غير مرحب بها علي أرضها.
كانت السعودية آخر دولة يمكن تصور أن تقبل بن علي فقد سبق أن أصدر شيوخها فتاوي بتكفيره هو وسلفه الحبيب بورقيبة بسبب قوانين الأحوال الشخصية التي تطبق في تونس وتحرم الزواج الثاني وتقيد الطلاق وتحدد الإنجاب بطفلين.. وبسبب موقفه المتشدد من الجماعات الدينية (ومنها حزب النهضة المحظور) وبسبب ما وصف بالإباحية الجنسية كوسيلة جذب سياحية (يأتي لتونس ثمانية ملايين سائح سنويا).
وليس صحيحا أن بن علي طلب اللجوء إلي مصر.. ولكنه.. طلب الإذن بالعبور وهو في طريقه إلي جدة.. واستمر فوق أجوائها ساعة وربع الساعة (من التاسعة إلي العاشرة والربع مساء) وكان لا يزال رئيسا.. وقد هبطت طائرته مطارا خلفيا في جدة في النصف ساعة الأولي من فجر اليوم التالي لرحيله.
وكانت طائرة بن علي قد اتجهت مباشرة إلي جدة دون محاولة الهبوط في مالطا التي رفضت استقباله علي أرضها كما أبلغه القذافي في اتصال تليفوني بينهما.. وفي الوقت نفسه لم يتحمس بن علي للإقامة في ليبيا رغم أن القذافي صرح علنا بأن الشعب التونسي خسره في الحكم.. وطالب باستمراره في الرئاسة حتي آخر العمر.
وقبل أن تهدأ الأنفاس شعرت فرنسا بتصرفات مريبة في الحسابات البنكية التونسية فقررت تجميدها هي وكافة الحسابات الشخصية لكل أفراد عائلة بن علي بلا استثناء.
اللافت للنظر أن مبرر إقالة بن علي كان هو نفسه مبرر إقالة بورقيبة.. لقد جاء بن علي بعد شهر واحد من توليه منصب الوزير الأول (فجر 7 نوفمبر 1987) بسبعة أطباء فرنسيين شهدوا بأن بورقيبة عاجز عن اداء مهام الرئاسة.. وهي نفس الجملة التي وصف بها بن علي بعد فراره.. ومن سخرية القدر أن الذي أعلن ذلك رئيس حكومته محمد الغنوشي المعروف بلقب " مسيو وي وي " بكسر الياء.. أي " السيد نعم نعم ".
لكن.. بورقيبة الذي ناضل من أجل استقلال بلاده لم يكن يتقاضي مرتبا من الدولة.. ولم تكن له حسابات في البنوك.. واكتفي بمقايضة مهنته الرئاسية بطعامه وشرابه وثيابه في قصر الحكم.. ورغم حبه الشديد لزوجته الثانية «وسيلة» فإنه لم يتردد في أن يطلقها بعد أن اكتشف استغلال نفوذها في عمليات بيزنس.. وحرم أبنه من زوجته الفرنسية الأولي من الحصول علي قرض لشراء فيللا قائلا: " لا أنا ولا أنت نملك شيئا نضمن به القرض ".
وما يثير الدهشة أن بن علي حقق خلال فترة حكمه الطويلة (23 سنة) تجربة تنموية متميزة وصفها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بالمعجزة.. ولكن.. كل ثمار هذه المعجزة سقطت في حجر العائلة الحاكمة ولم ينل منها الشعب سوي الفتات والبذور بعد أن بصقتها في وجهه.
ولو أكتفت مافيا الحكم بربع أو نصف ما نهبت لكان من السهل إرضاء التونسيين.. فنحو ثمانين في المائة منهم يمتلكون بيوتهم.. وهم حذرون في الإنجاب.. ومستوي معيشتهم يزيد علي 4500 دولار.. وتحويلات ذويهم في المهجر تساعدهم كثيرا.. لكن.. نهب مياه النهر أصاب الناس بالجفاف.. فخرجت تطالب بالحياة.
وفي الوقت نفسه احتكرت العائلة كل الصلاحيات والسلطات وسنت القوانين التي تضمن استمرارها في الحكم وتوريثه لمن تراه محافظا علي كيانها ومصالحها.
ولاحظ المراقبون أن سبعين في المائة من الغاضبين التونسيين الذين بقوا في الشوارع هم من الشباب تحت الثلاثين وقد نجحوا في التجمع بسرعة عبر رسائل التويتر.. أحدث وسيلة تخاطب عبر شبكة الإنترنت.. وهم لا ينتمون للأحزاب القائمة أو الأحزاب المحظورة.. وهو ما يعني أن رصيد الغضب لم ينفد.. ويمكن أن يتكرر لو سرق السياسيون الحزبيون ثورتهم.. وهو ما قد يعيدهم إلي الشارع من جديد.
كما أن الخطر لم يأت ــ كما كان متوقعا ــ من التنظيمات الإسلامية المتشددة التي حشدت لمواجهتها أجهزة الأمن الباطشة والمتعاونة مع مثيلاتها في العالمين العربي والغربي.
لم تأت الثورة من راشد الغنوشي وإنما جاءت من بوعزيزي.
ولا وأثرت الثورة البلشفية في دول مختلفة من العالم.. فليس هناك ما يمنع من أن تتكرر التجربة التونسية في دول عربية أخري.. فالظروف واحدة.. والضغوط واحدة.. وطبيعة الحكم واحدة.. والشعوب ليس لديها ما تخسره لو حاولت وجربت وخرجت وغضبت واعترضت وتظاهرات وأصرت ونجحت.
إن السؤال المطروح علي العالم الديمقراطي كله: من الحاكم العربي التالي بعد بن علي؟ وهل سيأخذ حذره؟ ويصلح من نظامه؟ ويحجم نهب حاشيته؟ ويتخلص من منافقيه؟ ويزيد من عدالته؟ ويخفف من سطوة أمنه؟ ويتقرب لشعبه؟ ويسمح بمشاركة معارضيه؟ أم أنه لن يستوعب الدرس ويكتفي بمعالجة السرطان بالأدعية والتعويذ ومقالات الصحف وصور الشوارع ونشرات الأخبار التليفزيونية؟.
ملحوظة:
كنت في فرانكفورت عندما وصلت الثورة التونسية إلي ذروتها وفكرت في السفر إلي قلب الأحداث لكن كانت منافذ الوصول إليها مغلقة فقررت متابعتها من فرنسا.. الدولة الأكثر اهتماما بتونس.. وبعد حوارات تليفونية مع صحفيين متخصصين في «لموند» و«أكسبريس» بجانب مثقفين تونسيين مهاجرين هناك وجدت أن من المناسب السفر إلي باريس.. وقد كان.. إن كل ما حصلت عليه في هذا التقرير من معلومات وأسرار لم تنشر من قبل في الصحافة العربية هو جهد أشخاص يعرفون تونس وما يجري فيها كما يعرفون لون عيونهم وقد وضعت كثيرا مما عرفت علي موقع «الفجر» الإلكتروني الذي انفرد بأخبار سبق بها أكثر وسائل الإعـلام سرعة.
ساركوزى
الغنوشى
بورقيبة