دعم عسكري مصري بدعم خليجي للثوار في ليبيا في مواجهة نظام القذافي، وحذر من استخدام القذافي لصواريخ أرض - أرض ضد المدن التي يسيطر عليها الثوار.
وقد بدأ ميدان العمليات القتالية في ليبيا يأخذ منحى آخر لصالح الثوار خلال الـ48 ساعة الماضية، فعلى الرغم من الحملة التي مارسها الإعلام الرسمي للزعيم معمر القذافي حول انتصار كتائبه على ما أطلق عليه "المتمردين"، والذين وصفهم الزعيم القذافي في ظهوره الأخير بـ"الجرذان والكلاب الضالة"؛ حيث قدم الثوار عبر قيادات عسكرية وشهود عيان من مواقع المواجهات تسجيلات حية لانتصارات قواتهم وتحقيقهم نجاحات جيدة، رغم الفارق الكبير في التجهيزات القتالية.
وهذه التطورات الأخيرة لا تعني في أي حال من الأحوال أن الطريق سوف يكون ممهداً إلى باب العزيزية في طرابلس، حسب ما أكد الباحث الكويتي العجمي، الذي تحدث عن توقعاته للسيناريوهات المحتلمة لكلا الطرفين على صعيد الميدان القتالي.
وأكد الباحث أنه على الرغم من أن كثيرا من المحللين قد أشاروا إلى عدم تكافؤ ميزان القوة والعتاد بين طرفي الصراع المسلح في ليبيا، الثوار وكتائب القذافي؛ إلا أنه شدد على أن ما بحوزة كتائب القذافي من أسلحة متنوعة وكثيفة النيران، مثل الطائرات ومدافع الميدان الثقيلة والمروحيات الهجومية ودبابات المعركة الرئيسية وبعض الزوارق والغواصات التي يشكك مختصون عسكريون في فعاليتها في الدخول في هذا النزاع؛ لها تأثير كبير.
وأنه على الرغم من هذا الكم والنوع من الأسلحة لدى قوات القذافي، فإنه عند استعراض دقيق لتلك الأسلحة وأنواعها وقدراتها الفنية والقتالية، نجد أن معظمها من أجيال تسليحية متقادمة تكنولوجياً مقارنة بمقاييس التسليح العالمي.
وقال الباحث العجمي إن القوة الصاروخية الميدانية المسماة بصواريخ "غراد" تعتبر صواريخ شبه بدائية، إذ إنه يتم توجيهها بشكل عشوائي، لا سيما وأن تدميرها يسمى بالتدمير المساحي، أي أنها تفتقد لخواص الدقة وكذلك المديات الطويلة.
كما أن ما تمتلكه قوات القذافي من مدافع ميدانية سواء كانت مقطورة أو ذاتية الحركة، هي في معظمها روسية الصنع أو مهجنة ولا تحظى بكفاءة ميدانية أو قتالية عالية، الأمر الذي ينسحب على سلاح الجو المقاتل المكون في غالبية تشكيلاته الجوية من طرازات روسية "كالميغ 21 و23" و"سوخوي" من الجيل الثاني، إضافة إلى المروحيات الهجومية من طراز " Mi -24" روسية الصنع ومشتقاتها.
ولذا فإن كل هذه الأنواع من الطائرات المقاتلة أو المروحية في وظائفها المتعددة لا ترقى، وفقا لمعطيات الحرب الحديثة، لا يمكنها خوض معارك بكفاءة عالية.
التشكيلات المدرعة والمشاة
أما فيما يتعلق بالتشكيلات المدرعة والمشاة الميكانيكية، فقال العجمي: إن غالبيتها عبارة عن دبابات رئيسية من طرازات "تي 54/55"، و"تي 62" وقليل جداً من الدبابات المنتمية لطرازات "تي 72"، وهناك كميات قليلة من طراز "تي 90" الحديثة وكل هذه الدبابات صناعة روسية.
وثمة في المخازن مئات من الدبابات المتقادمة جداً، منها ما سقط في حوزة الثوار ومنها ما تم تدميره من قبل كتائب القذافي، والآخر الذي يفتقد لعمليات الدعم اللوجستي والأفراد القادرين على تشغيلها وإداراتها في عمليات القتال.
ولذا يعتقد كثير من الخبراء العسكريين أن القذافي سيحتفظ بقوات النخبة المدرعة من دبابات "تي 72 وتي 90" في معركة الدفاع عن طرابلس وما حولها، لافتاً إلى أن قوات المشاة الميكانيكية تتألف من مجنزرات قديمة نسبياً من طراز "بي أم بي 1" روسية الصنع، إلى غير ذلك من العربات الأخرى ذات المهام المتعددة، كما أن هناك كميات من هذه العربات باتت في الاستخدام الفعلي لدى قوات الثوار.
وأردف العجمي: وبالنسبة لوحدات مكافحة الدروع فهي في الأصل غير منظمة وفقيرة تكنولوجيا، إلى جانب محدودية قدراتها النارية والقتالية، فلدى قوات القذافي كميات هائلة من السلاح التقليدي (الآر بي جي) المحمول على الكتف وبعض الصواريخ الروسية قديمة الصنع والموجهة بطريقة سلكية وأعداد من المدافع عديمة الارتداد.
الدفاع الجوي
وفيما يتعلق بالدفاع الجوي، أفاد الباحث بأنها تنتمي إلى جيل الستينيات، فقد شاهدنا في العروض العسكرية الأخيرة في ثورة الفاتح نماذج من منظومات سام 3 و5 و6 ذاتية الحركة، وهي جميعها غير مؤهلة للدفاع الجوي في مواجهة الطائرات الأمريكية والغربية والروسية الحديثة، وتقوم بأدوارها في الدفاع بشكل فعال.
هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك عوامل رئيسية بدأت تطفو على السطح، وهي ضعف الروح المعنوية لدى قوات القذافي، والانشقاقات في صفوفها، والتي كان آخرها الانقسامات في كتيبة حمزة، والمواجهة بينها وبين كتيبة خميس، وكذلك استسلام أعداد من قوات أخرى للثوار في مدينة أجدابيا، وكذلك الأنباء المتواترة عن تدمير 16 دبابة تابعة لكتيبة خميس لدى محاولتها اقتحام مدينة مصراته، والحدث الأبرز هو هبوط طائرتين مقاتلتين في بنغازي دفعهما نظام القذافي لقصف تلك المدينة، إلا إن قائديهما انضما إلى الثوار، ناهيك عن خطاب القذافي الأخير الذي كان مزيجاً من القهر واليأس والثأر.
وأشار الباحث الكويتي إلى أن مجريات العمليات القتالية أزاحت كثيراً من مخططات القذافي وتكتيكاته والسيناريوهات المحتمل اتباعها من قبل كتائبه في غضون الأيام القليلة المقبلة، فبعد أن كانت استراتيجية القذافي تتمحور حول الدفاع عن طرابلس والضواحي القريبة منها، قام نظام القذافي بتبديل استراتيجيته إلى الهجوم، بعد أن بدأت قوات الثوار بالتقدم نحو الغرب، متجاوزة أجدابيا ورأس لانوف وبن جواد في طريقها إلى الوادي الأحمر ومن ثم إلى سرت ومنها إلى طرابلس، وكذلك إحكام الثوار سيطرتهم على مدينتي الزاوية ومصراته، وهذا ما أعطى إشارات ميدانية للقذافي بأن الثوار سيجمعون قواتهم عن طريق محاور مختلفة للانقضاض على طرابلس وتحريرها.
وعلى الصعيد الخارجي، لفت العجمي إلى إحكام المجتمع الدولي طوقه على نظام القذافي عبر الإدانات المتوالية من قبل الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن وأخيرا اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي تمخض بإجماع أغلبيته على ضرورة إقرار إقامة منطقة حظر جوي في الأجواء الليبية وتجميد أموال النظام، علاوة على اعتراف فرنسا بالمجلس الانتقالي الوطني وتشكيل مجلس عسكري وهو ما يعني عمليا أن جبهة الثوار بدأت تأخذ وضعا تنظيما وتستعيد صفوفها وتحظى باعتراف دولي بشرعيتها. وأضاف الباحث أن هذه العوامل مجتمعة ربما أدت إلى تغيير إستراتيجية القذافي من الدفاع عن طرابلس وما حولها إلى إتباع إستراتيجية حرب طويلة المدى ابرز مظاهرها بان تدخل البلاد منحى الحرب الأهلية.
وأكد العجمي أن الهجمات المتتالية على مدن: الزاوية ومصراته وراس لانوف وبن جواد وأجدابيا كلها محاولات من قبل كتائب القذافي لتشتيت قوى الثوار ومشاغلتهم عن مربط الفرس وهي طرابلس، وكذلك إدخال اليأس في نفوسهم وبالتبعية إلى الشعب الليبي من عدم قدرتهم على تحقيق نجاحات ميدانية حقيقية على الأرض، وكذلك الوصول إلى طرابلس لاقتلاع نظام القذافي وهو ما قد يجعل القذافي يقبل بفكرة تقسيم ليبيا كخيار أخير وان ادعى عكس ذلك، ولربما اختار البقاء في طرابلس وما حولها في حال عجزه عن تحقيق هذه الإستراتيجية على المدى المتوسط.
أما الإستراتيجية الثالثة والتي سيحاول القذافي بكل ما أوتي من قوة ووسائل وإمكانات تنفيذها وهي محاولة ضرب رمزية الشرعية القائمة حاليا في ليبيا والمتمثلة في المجلس الانتقالي وذلك عبر تهديد مدينة بن غازي ووضع سيناريوهات لإدخالها في رعب نفسي وعسكري. وهذه الإستراتيجية تقوم هز عزيمة الثوار نفسيا وعمليا الذين يستمدون دعمهم وتوجيههم من رمزية هذه الشرعية في المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي بات مؤكدا أنه يحظى بإجماع كبير لدى الشعب الليبي والقوة المعارضة داخليا وخارجيا.
الاستراتيجية الرابعة وهي محاولة استقلال كل ما أتيح له من الزمن قبل فرض حظر جوي على الأجواء الليبية أو إمداد الثوار بأسلحة تقلب معادلة التكافؤ العسكري أو مشاركة قوات أجنبية بتوجيه ضربات انتقائية مؤثرة لتجمعات كتائب القذافي ووسائل اتصاله وطائراته وأنظمة دفاعه الجوي، يحاول بالطبع جلب المزيد من المرتزقة والعتاد والذخيرة سواء عن طريق الجو أو عن طريق البر عبر الجوار الجغرافي الأفريقي المتمثل في تشاد أو بعض الحدود الجغرافية العربية.
مواجهة بين النظام والثوار
ويرى استراتيجيون أن القذافي يمكنه ولكن بشكل غير مضمون وفعال للحصول على بعض المتطلبات العسكرية محدودة الكفاءة بهدف إطالة أمد الحرب وخلق فوضى تسلح عارمة في أوساط المناصرين له من دائرته الضيقة التي بدأت تدب الإخفاقات والانشقاقات في صفوفها.
أما الاستراتيجية الخامسة فهي تقوم على استخدام بعض الأوراق غير المشروعة وإحداث مفاجآت (الرمق الأخير) وهي تتجسد في إطلاق صواريخ سكود أرض أرض التي لم يتعرض لخطورها أحد من الخبراء العسكريين وهي ما سوف تحقق اثرا ذا بعد نفسي ومعنوي لساكني مدن المعارضة والثوار وعلى رأسها بن غازي والزاوية ومصراته وبقية مدن الشرق على اختلاف مواقعها. وما قد يؤكد هذه الاستراتيجية هي التصريحات المتكررة للزعيم القذافي ونجله سيف الإسلام (بأننا لم نستخدم بعد كل ما نملكه).
أما في الضفة المواجهة فإن الثوار لديهم كذلك بعض الاستراتيجيات المختلفة التي يعولون عليها وهي أولا: إعادة تنظيم عمل قوات الثوار وتحويل مجهودهم الحماسي إلى مجهود ذي طبيعة قتالية تكتيكية فعالة وهذا بالفعل ما شاهدنا آثاره من خلال الانتصارات المتحققة خلال الثلاثة أيام الماضية من نصب لكمائن أو اتباع لأساليب الانسحاب التدريجي وعمليات الاختفاء والتمويه ، وهذه يعني أن الثوار باتوا في حقيقة الأمر يتلقون أوامرهم وتعليماتهم من قبل قيادات عسكرية محترفة بل إن قوى الثوار باتت مطعمة بعناصر قتالية مدربة من قبل المنظمين من وحدات الجيش الذي انشق الكثير من عناصره أو الذين لم يلتحقوا بمقار عملهم.
ثانيا: استخدام الآلة الإعلامية بشكل فعال للتأثير على المترددين من كبار القيادات التي مازالت لم تتخذ موقفا حاسما إزاء ما يجري من صراع مسلح مابين الثوار وكتائب القذافي، وقد شاهدنا إن المعارضة تبرز استقالات كبار الضباط عبر الفضائيات الكبرى وكذلك عبر وسائل الاتصال الاجتماعي (الفيس بوك وتويتر).
ثالثا: أصبح مؤكدا أن قوات الثوار قد قطعت شوطا لا بأس به فيما يوصف بأنه سباق مع الزمن لتأهيل عناصرها وتدريبها وهو ما تمثل في فتح معسكرات لاستقبال المتطوعين وتدريب الراغبين في الانخرط في ثورة تحرير ليبيا وهو ما أكده رئيس أركان الجيش الوطني الجديد اللواء الركن عبدالفتاح يونس وزير الداخلية السابق.
رابعا: استراتيجية تقوم على الاستفادة من موانىء بن غازي ومطارتها في جلب العتاد الضروري وقطع الغيار والذخيرة ووسائل الدعم اللوجستي على الأقل لتشكيل طوق دفاعي منيع لمناطق الشرق أمام تهديدات القذافي وتوعداته بغزو بن غازي وإعادتها تحت سيطرته، يؤكد ذلك ما جاء على لسان رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبدالجليل بأن بن غازي ومدن الشرق ستكون عصية على كتائب القذافي وأن هناك مشاورات بين المجلس الانتقالي وأطراف خارجية لبحث إمكانية مساعدة المجلس عسكريا ولوجستيا.
خامسا: محاولة قوى المعارضة من خلال المجلس الوطني فرض حظر جوي بأسرع وقت ممكن وعدم ممانعة توجيه ضربات انتقائية كجزء من مهام الحفاظ على تطبيق ما سيصدر من قانون لتطبيق ذلك الحظر على قوات القذافي الضاربة ومراكز الثقل المهمة لديه، وهي خطوة إن تحققت سريعا فسوف تعزز من وجود الثوار في الميدان وتسريع عمليات تخطيهم لمدن عدة في اتجاه الغرب الليبي.
سادسا: تعقد المعارضة الليبية آمالا كبيرة على دول مجلس التعاون الخليجي كونها كانت محركا رئيسيا لاستصدار قرار من الجامعة العربية بأغلبية أعضائه لفرض منطقة حظر جوي، وهو قرار كان يطالب به الاتحاد الأوروبي وترغب الولايات المتحدة الامريكية بوجوه، كي يكون مسوغا للأمريكيين والغربيين بفرض حظر جوي واستعمال القوة العسكرية إن تطلب الأمر. ويعول المجلس الانتقالي الوطني والمجلس العسكري أيضا في ليبيا على دعم مباشر مالي وتقني وعسكري من قبل مجلس التعاون الخليجي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وذلك لفرض شرعيته وتضييق الخناق على نظام القذافي.
مساعدة خارجية
عمليا اقترح الباحث السياسي العجمي واحدا من المخارج المناسبة لتمكين المعارضة وقوات الثوار من ترجيح كفتهم العسكرية على قوات القذافي بطلب المساعدة العسكرية من قبل جمهورية مصر العربية، وإن كان هذا الطلب فيه بعض العقبات والتحديات المتمثلة بضرورة وجود قرار آخر من قبل الجامعة العربية يبرر هذا التدخل، لكن المسألة باعتقاد الباحث لن تأخذ البعد العلني وهي مبادرة إذا نجحت واستطاعت دول مجلس التعاون أن ترعاها وتتبناها فإنها ستقلب معادلة التوازن والتمكين لصالح قوات الثوار في غضون أيام قليلة.
وأكد الباحث على أن اختيار مصر لدعم قوى الثوار يأتي لأسباب موضوعية: أولها الجوار الجغرافي، مما يسهل عمليات الإمداد والتسريع بوصول المعدات والخبرات إلى غير ذلك، البعد الآخر وهو تشابه غالبية المعدات العسكرية التي يستخدمها الجيش الليبي مع المعدات التي بحوزة الجيش المصري، كالدبابات والراجمات وطائرات الهيلوكوبتر والطائرات المقاتلة، وهو أيضا ما يسهل عملية استخدام قوات الثوار من أي إمدادات عسكرية على هيئة معدات وقطع غيار وذخيرة.
البعد الثالث وهو إمكانية قبول الفكرة على نطاق واسع في ليبيا وكذلك على الصعيد العربي والدولي لعدة عوامل من أبرزها: أن العنصر الذي يدعم الثوار هذه المرة ليس عنصرا أجنبيا وإنما هو عنصر عربي، وجود ما يقرب عن مليون ونصف عامل مصري في ليبيا قبل اندلاع الثورة وهو ما عزز كثير من الروابط ووشائج الصلة ما بين الشعبين، وكذلك عدم وجود ممانعة عربية ودولية لخيار الدعم العسكري المصري وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في تصريحه أمس الأربعاء من إمكانية إقامة حظر جوي و القيام بمساعدة عسكرية بواسطة قوات أجنبية وعربية. وتبقى المسالة الأهم في تحقيق هذا المطلب هو من سيقوم في الوقت الراهن بدفع الفاتورة المالية لحجم المجهود العسكري المقترح من الجانب المصري لقوات الثوار فضلا عن إزالة كل المعوقات التي تعترض تنفيذ هذا السيناريو من قبل القيادات العسكرية في الجيش المصري والنخبة السياسية وكذلك الرغبة الخليجية في دعم هذه الفكرة.