ثورة مصر .. تدوس الشعب
د. خالد محمد غازي (جريدة ( صوت البلد )) الجمعة, 08-يوليو-2011 05:07 صباحا
ارسال مقال ارسل | اضف تعليق | حفظ المقال حفظ | طباعة مقال طباعة اضف للمفضلة اضف المقال للمفضلة
شارك اصدقائك |
ثورة مصر .. تدوس الشعب
اكتسبت ثورة الخامس والعشرين من يناير ، والتى أسقطت نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، شرعيتها من أنها ثورة شعبية غير مسيسة ، وقد دعم المجلس الأعلي للقوات المسلحة هذه الشرعية بالوقوف معها لانها خرجت من الشعب ؛ وهو الأمر الذي فرض ضرورة أن تتضافر جهود أفراد شعبها سواء من العامة أو النخبة ؛ لتقديم خطوط رئيسية لمعالم الإصلاح.
(1)
مطالب الثورة لها ما يبررها، من حالات احتقان وظلم ؛ كما أن المظاهرات تكون في يوم الجمعة؛ أي أنها إجازة رسمية، وبالتالي فهي حق مكفول لكل مواطن مصري، وأن هذه المظاهرات لا تتسبب في حدوث أي مشكلات؛ باعتبار أن المتظاهرين ينصرفون في اليوم نفسه، ولا يستمرون في اعتصامهم.. ولكن إذا كان هناك أي أشخاص لديهم رأي آخر ضد هذه المظاهرات أو الثورة، فعليهم أن يقرروا التظاهر في ميدان آخر ؛ فالثورة قامت على أكتاف شباب غيـر مـسيـس؛ فرغم وجود أربعة وعشرين حزبا قبل الثورة، إلا أنها كانت أحزابا كرتونية لا وجود لها في الشارع ، ناهيك عن أنه بعد الثورة فضَّـل بعض الشباب العودة إلى عملهم وحياتهم الخاصة، فيما اعتبر قسم كبير منهم أن السياسة جزءٌ من العمل الوطني وأن العمل السياسي ليس ترفيها، وإنما ضرورة يمْـليها الواقع الجديد.
(2)
عودة الأمن والاستقرار أمر مهم وضرورى؛ للحفاظ على ما حققته الثورة من مكاسب، مع تفعيل دور الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدنى فى المرحلة الحالية؛ من خلال المشاركة الحقيقية والمساهمة فى وضع أسس وملامح المرحلة المقبلة، مع العمل على تفعيل مبدأ سيادة القانون، وأن يتعاون الشعب مع الشرطة فى ذلك.فسيادة القانون ضرورة فى المرحلة الحالية؛ للقضاء على حالات الانفلات، والبلطجية، ومواجهة الثورة المضادة التى تريد تشويه صورة الثورة المصرية، التى أبهرت جميع دول العالم، والسؤال التي تفرضه طبيعة المرحلة : أما ان الاوان للأحزاب السياسية أن تلعب دورا مؤثرا في استثمار مكتسبات المناخ السياسى الديمقراطى فى تكوين أرضية لها فى الشارع؛ من خلال تغيير سياستها، وخططها، بشكل يتلاءم مع التطورات الحديثة والمتغيرات السياسية، مع حتمية تعاون الشعب مع الحكومة، وألا تتسرع الاخيرة فى إصدار أحكام عامة، دون إعطاء فرصة للنقاش، إضافة إلى ضرورة استغلال طاقة الشباب المتفجرة فى المشاركة فى المجتمع المدنى، والجمعيات الأهلية؛ حتى تكون لديهم خبرة تمكنهم من تأسيس أحزاب سياسية والمشاركة فى العمل السياسى عن دراية وخبرة؛ فنهضة مصر من جديد هو مشروع قومى جدير أن يلتف حوله المصريون .
(3)
إن مصر بعد الخامس والعشرين من يناير تختلف عن مصر قبل هذا التاريخ، وعلى الإطلاق لن تعود مصر إلى الخلف مرة أخرى، فهي تمر خلال المرحلة الانتقالية بسلام، حتي تصل المركب إلى بر الأمان؛ للقضاء على الفوضى العارمة التى تشوه صورة الثوار والثورة ، والتى أدخلت مصر عهدًا جديدًا نحو الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، وأيضاً علي الأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى دور فى هذه الفترة الحساسة من تاريخ الوطن؛ يستوجب عليهم النزول إلى الشارع والاتصال بالجماهير وكسر حالة الحصار المفروضة عليهم مع الفترة الطويلة من النظام السابق والنشاط على الساحة السياسية.
فالمطلوب التزام الجميع بإعلاء مصلحة الوطن، وتجنب المصالح الشخصية، والحرص على أمن البلاد واستقرارها؛ حتى تمر المرحلة الانتقالية بسلام، وتتجه نحو عهد ديمقراطى جديد تُحترم فيه إرادة الشعب، كما يجب أن تتضافر كل القوى والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى؛ فى وضع أسس وقواعد لتحديد مستقبل التحول ديمقراطى سليم، يساهم فى تحسين معيشة المواطن، وتحقيق وضع اقتصادى أفضل بزيادة معدلات التنمية والاستثمار، وكذا إعطاء فرصة للحكومة أن تعمل فى مناخ من الهدوء والاستقرار؛ يسمح لها بتحقيق أهدافها وطموحات المواطن البسيط ، مع الحذر فى إصدار أحكام متسرعة تساهم فى تفاقم الأوضاع وزيادتها سوءًا، وادراك أهمية تكاتف الجميع - خصوصًا الشباب الواعى - للحفاظ على مكتسبات الثورة، وإنقاذها من الثورة المضادة في أن تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه من السوء والاضطهاد، وتريد نشر فوضى فى البلاد.
فالاستقرار بعد هذا العرض يعتبر أهم شىء فى هذه الفترة الحساسة من تاريخ الوطن؛ نعم .. الثورة وضعت مصر على الطريق نحو عهد ديمقراطى حقيقى، تكون فيه السيادة للشعب والقرار بيد الشعب الذي اراد جكامه من قبل تغييبه ؛ لكن الشعب امام تحريات منها عودة الأمن وعودة جهاز الشرطة بشكل جديد يحترم فيه المواطن وتواجه بحسم الخارجين على القانون للقضاء على حالة الانفلات الأمنى، والثورة المضادة؛ من جانب أعداء الثورة لتصدير مشهد الفوضى وعدم الاستقرار، وضرورة أن تشارك القوى السياسية المتباينة لوضع مبادئ وأسس المرحلة المقبلة لتأمين المرحلة الانتقالية وتحديد شكل الدولة ومؤسساتها، مما يساهم فى وجود مجلس برلمانى متوازن تمثل فيه كل التيارات.. مع الحذر فى الوقت ذاته من خطورة المظاهرات الفئوية المستمرة على عجلة الإنتاج والاقتصاد القومى، وبالتالى فالعمل شىء مهم وضرورى حتى يتم إنقاذ الاقتصاد القومى من الانهيار.
ولا نبالغ إذا ذكرنا علي سبيل المثال - إن السياحة المصرية تحتاج إلى خطة إنقاذ! فما إن هدأت الأوضاع نسبيا بعد نجاح ثورة يناير، حتى بدأت الثورة المضادة فى تنفيذ مخططاتها الرامية الى إشاعة أجواء من الفوضي، والانفلات الأمني؛ الأمر الذى لا يزال يلقى بظلاله على الحركة السياحية المصرية؛ لدرجة أن العديد من المنشآت السياحية فى شرم الشيخ، ونويبع، أغلقت أبوابها لحين تحسن الحركة السياحية، ومن ثم تراجعت معدلات الأشغال إلى المربع "صفر"، بينما وصلت نسبة الأشغال فى بعض الفنادق والقرى إلى 20% فى أحسن الحالات، فى حين قام العديد منها بمنح إجازات مفتوحة للعاملين بدون رواتب ، كما تراجعت الحجوزات السياحية ؛ الأمر الذى يستلزم وضع حلول عاجلة؛ لكى تعود الحركة السياحية إلى نشاطها المعهود قبل الثورة، وحتى لا تتدهور الأوضاع أكثر مما هى عليه الآن، فثمة مشكلات كبيرة في تخصيص موارد الموازنة العامة للدولة، ينبغي أن يعاد فيها النظر؛ ليكون التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، مجالات ذات أهمية، خاصة وأن يعاد النظر في المخصصات التي كانت تنفق على الأمن بغرض تأمين النظام الدكتاتوري، وأن تقتصر على ما يعد أمنا حقيقيا للوطن.
(4)
محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ورموز نظامه ، أمر عادل ومطل شعبي ؛ لما قام به من جرائم فساد واستغلال النفوذ ، إلا أنه الأهم الآن التأكد من تطبيق محاكمة عادلة لمبارك ونظامه السابق، وأن ينالوا عقابهم كاملا بعيدا عن أي ألاعيب قانونية، والتريث في استخدام ورقة المظاهرات المليونية للضغط علي الحكومة، وعدم استخدمها إلا في الضرورة القصوى، حتي لا يتم إحراقها بمرور الوقت، والاستغناء عنها بالحوار الوطني مع القوي السياسية كافة، والمرتبط بعدد من الآليات لإمكانية تنفيذ قراراته، وأن الأولي في المرحلة المقبلة التركيز علي قضية الدستور الجديد، والعقد الاجتماعي، وصلاحيات الرئيس القادم، والتي لم يبت فيها بعد، كذلك قانون مباشرة الحقوق السياسية؛ لخلق مجلس شعب متوازٍ، يكون معبرًا عن الأطياف السياسية كافة؛ أى أنه من الضرورى عدم التفرغ والترقب والمبالغة في متابعة تلك المحاكمات، وترك الأولى والأهم من خلال العمل والإنتاج؛ لتعويض الخسائر والعمل لإعادة بناء الدولة الجديدة؛ والتى أولها بناء دستور جديد، وليس مجرد تعديل لدستور 1971، نظرًا إلي أن دستور 71 يكرس لنظام الحكم الرئاسي الفردي؛ بما يتضمنه من صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية، فضلاً عن تناقضات مواده بفعل التعديلات والترقيعات التي أدخلها عليه النظام السابق، والشعب يريد دستوراً جديداً يؤسس لنظام جديد هو النظام الديموقراطي البرلماني الذي يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية برلمانية حديثة، ويؤسس لدولة القانون والحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة، ودعم المطالب المشروعة للفئات الاجتماعية والمهنية، التي خرجت للتعبير عن رأيها، وعن مظالمها، ومطالبها الإدارية والاقتصادية، باعتبارها تحركات داعمة للثورة في أبعادها الاجتماعية المرتبطة بشعار تحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد، وهي تحركات ومطالب ديمقراطية لا ينبغي تجاهلها أو تصور أنها مجرد مطالب فئوية أو غير سياسية، بل هي تعطي للثورة السياسية مضمونها الاجتماعي الضروري لتطورها.
وكذا السعي نحو تنظيم التحركات الاجتماعية والعمالية والمهنية المطالبة بحقوقها الاقتصادية في الإطار السلمي للثورة، في أشكال من اللجان الشعبية والنقابية ، وابتكار أساليب عمل تجمع بين الاحتجاج، ورفع المطالب، وعدم تعطيل الإنتاج ومصالح المواطنين، والضغط على الإدارات العليا من أجل تحقيق تلك المطالب الاقتصادية والوظيفية والإدارية المشروعة، والعمل من أجل تبني المجلس الأعلى للقوات المسلحة حق الإضراب والتظاهر السلمي، وإقرار حد أدنى وحد أقصى للأجور؛ لمعالجة التفاوت الكبير في دخول المواطنين بين الفقراء والأغنياء، ومعالجة اختلالات الأجور التي تساهم في نشر الفساد وزيادة أوضاع الفقر .
(5)
ومع نجاح ثورة يناير في انهاء عهد مبارك ونظامه ، تتطلع مصر إلى أداء اقتصادي مختلف، يجعل منها دولة قوية اقتصاديا وسياسيا، واقع يحقق آمال الشباب، الذي لا ينحصر فقط في تلبية مطالبهم في الحصول على العمل والخروج من دائرة الفقر، ولكن واقعًا جديدًا يجعل من الأداء الاقتصادي يكرس لمبدأ تقديم أهل الخبرة على أهل الثقة، ويكبح الفساد، ويصنع إرادة سياسية واقتصادية، تستغني بها مصر عن المعونات ولا تخضع للتبعية أو وجود شبهة تأثير على قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.