عبدالناصر رفض استبدال أم الرشراش بكوبري استراتيجي والسادات فضل استعادة طابا ومبارك تجاهلها تحت ضغوط أمريكية
العصابات اليهودية نفذت مذبحة ضد 350 ضابطا وجنديا مصريا للاستيلاء علي أم
الرشراش والليكود يخطط الآن لمنع تقديم القضية لمحكمة العدل الدولية
منذ رحيل مبارك ونظامه، وإسرائيل تختلق الاسباب لجر مصر إلي صراع ما،
لإلهائها عن مكتسبات الثورة، وكأن رحيل مبارك أفقدها حليفا قويا لها في
المنطقة وراعيا لمصالحها بدءا من الغاز المصري، مرورا باستقبال الفلسطينين
ومنحهم الجنسيات المصرية حتي لا يعودوا للاراضي المحتلة للمطالبة بحقوقهم،
والتغاضي عن خنق سكان غزة ، وإغلاق المنافذ والحدود الي هذا القطاع ترضية
لعيون اسرائيل لمنع المعونات والمساعدات، وصولا الي تجاهل حق مصر في قرية
أم الرشراش المعروفة اسرائيليا باسم «إيلات».
يمثل ملف قرية أم الرشراش المصرية المحتلة أرقا وهاجسا اسرئيليا تاريخيا
تجاه مصر، وشهدت العقود الماضية ارهاصات ومطالبات ظهرت علي استحياء لمطالبة
اسرائيل بإعادة تلك البقعة من الارض الي حضن وطنها مصر، إلا أن تلك
المحاولات كانت لا تلبث ان تختفي تحت الضغوط الامريكية والغربية عامة، خاصة
في عهد مبارك، الأمر الذي دفع بمجموعة من المصريين الوطنيين، لتشكيل ما
اطلق عليه باسم «الجبهة الشعبية لتحرير أم الرشراش عام 1997، وتضم الجبهة
نخبة من الباحثين ورجالات القانون والجغرافيا، ممن لديهم قناعة ودلائل
وثائقية تؤكد حق مصر التاريخي والقانوني في أم الرشراش، ويتولي أمانة
الجبهة محمد الدريني، وعضوية الجبهة لكل الشعب الراغب في استعادة ارض مصر
من ايدي محتليها، إلا ان الحكومات السابقة لم تعط بالا او هتماما لتلك
الجبهة، وتجاهلت القضية حتي لا تثير المشكلات مع إسرائيل.
غير انه بعد ان بدأت ثورتنا المصرية تجني ثمارها، تحرك ملف أم رشراش
مجددا، وبادرت الجبهة الشعبية لاستعادة أم الرشراش بإرسال ملف وصور من
وثائق هذه القضية الحساسة الي مرشحي الرئاسة المحتملين في المرحلة المقبلة،
لجس نبضهم حول ما يمكن ان يقدمونه لهذه القضية من أجل استعادة قطعة
استراتيجية مهمة من الأرض من ايادي اسرائيل، غير ان الجبهة لم ترسل الملف
لعمرو موسي، واستثنته، لأن موسي لم يرحب من قبل بفتح قضية أم الرشراش إبان
منصبه بالجامعة العربية، او حتي منصبه السابق كوزير لخارجية مصر فقد كان
يعتبر هذا الملف مصدر ازعاج، وأن الوقت لم يكن دوما يسمح من وجهة نظره
لفتحه مع اسرائيل، وأثار فتح هذا الملف في الوقت الحالي المخاوف
الاسرئيلية، فبدأت جماعات الليكود المتشددة ومن خلفها عصابات المحافظين
خدام مبدأ الحفاظ علي الارض المحتلة وعدم التنازل عن شبر منها، في وضع خطوط
دفاعية وخطط لإزاحة هذا الملف للمرة الالف الي الوراء، وإبراز ملفات اخري
تجتذب الاهتمام العالمي والساحة السياسة المصرية، وهي ملف سيناء، ومزاعم
الفراغ الامني، وتصدير الارهاب من سيناء الي اسرائيل.
قبل حرب 1948 كانت تتواجد بأم الرشراش قوات مصرية قوامها 350 جنديا، ووقعت
مصر اتفاقية هدنة «رودس» في 24 فبراير1949، لإنهاء الحرب، لكن كعادة
اسرائيل في خرق اي هدنة او عهد، شنت عصابات يهودية في مارس 1949 يقودها
اسحاق رابين هجوما داميا علي أم الرشراش، ورغم ذلك التزمت القوات المصرية
المتواجدة بأم الرشراش بالهدنة ولم تقابل الهجوم باطلاق النيران، وتعرضت
القوات المصرية لمذبحة بشعة حيث ابادتهم العصابة اليهودية، واحتلت بالتالي
أم الرشراش لأهميتها الاستراتيجية، واقامت فوقها مدينة وميناء ايلات عام
1952، وكانت دوما ام الرشراش وسيلة ضغط وتهديد لقناة السويس، كما تسعي
اسرائيل الآن لإقامة مطار السلام بالقرب منها، لإنهاء أي أمل مصري في
استعادتها، فبموجب هذا المطار، ستقسم اسرائيل المنطقة بما فيها أم الرشراش
الي ايلات شرقية وغربية، لتضيع ملامح وحدود القرية، رغم عدم امتلاك
اسرائيل لأي اوراق او مستندات يمكن ان تتخذها ذريعة لامتلاك ام الرشراش،
ورغم حق مصر المثبت تاريخيا وحدوديا في هذه القرية، خاصة اذا ما طالبت مصر
اسرائيل بالعودة لحدود 1947، وتنفيذ قرار التقسيم رقم 81، و الذي أصدرته
الامم المتحدة.
ومر ملف ام الرشراش بالعديد من المنعطفات التاريخية، فعندما سعت امريكا من
اجل عقد صلح بين العرب واسرائيل في عهد الرئيس السابق كيندي، وكان الاخير
تربطة علاقة قوية بعبدالناصر، أثار عبدالناصر ملف قرية أم الرشراش وحق مصر
بها، فاقترح كنيدي أن تتم اقامة كوبري يمر فوق أم الرشراش، علي ان يكون
الهدف منه الربط بين المشرق والمغرب العربي، بشرط ان تتناول مصر عن حقها
التاريخي والقانوني في استعادة هذا المثلث الاستراتيجي، إلا أن عبد الناصر
رفض العرض، رفض ان يستبدل قطعة من ارض مصر بكوبري يمكن ان تهدمه او تدمره
اسرائيل في اي لحظة تحت اي علة، وعاد الملف خطوات الي الوراء.
وفي عهد السادات، تم التركيز علي طابا، وجاء ذكر ام الرشراش عرضا، فقد
كانت طابا تمثل اهمية اكبر للسادات لاستعادتها، رغم ذلك ادرجت ضمن ملف
التحكيم الدولي الذي رفعته مصر بشأن طابا، اما في عهد مبارك، فقد ظهرت عدة
ارهاصات للمطالبة بأم الرشراش علي استحياء، إلا أن الضغوط الامريكية دوما
ازاحت الملف من الواجهة، ورضخ مبارك حتي لا يغضب الأمريكان.
ويؤكد المستشار حسن عمر خبير القانون الدولي، والمهتم بدراسة ملف أم
الرشراش، أن مصر لم توقع أي اتفاق بخصوص أم الرشراش، لذا يبقي الباب
القانوني مفتوحا للمطالبة بها، ومحاولات التضليل الاسرائيلي لإثبات حقوق
ليس لها في أم الرشراش.
فيما تحذر الجبهة الشعبية لأم الرشراش بدورها من خطورة استمرار بقائها تحت
الاحتلال الاسرائيلي، خاصة مع امتلاك اسرائيل في الوقت الحالي غواصات الـ
«دولفين» ذات الرؤس النووية، وما يمثله ذلك من تهديد للأمن المصري والعربي
عامة، بوصول اسرائيل الي قلب شواطئنا المصرية عبر هذا المثلث اذا ما نشبت
حرب او ثار صراع، كالذي تحاول إسرائيل الآن جر مصر إليه عبر سيناء الآن،
كما ان اسرائيل تعزز وجودها في البحر الاحمر والعربي والخليج بخطة تهدف الي
شق قناة تربط ام الرشراش والبحر الميت.