أسرار إطلاق القمر الصناعي سبوتنيك عام 1957 روسيا تحتفل بذكرى الخمسين لإطلاق سبوتنيك عندما أطلق الاتحاد السوفياتي السابق القمر الصناعي "سبوتنيك" إلى
الفضاء الخارجي قبل 50 عاماً، نظر العالم أجمع إلى السماء بدهشة واستغراب
وخشية مما بدا في تلك اللحظة مقدمة لغزو سوفياتي لغزو الفضاء وتحقيق
انتصار على الغرب في الحرب الباردة التي كانت مستعرة بين المعسكرين الشرقي
والغربي آنذاك.ولكن بعد 50 عاماً على تلك الحادثة، أصبح جلياً أن تلك اللحظة التاريخية
والعلمية الباهرة لم تكن جزءاً من مخطط استراتيجي سوفياتي لتحقيق تفوق
شيوعي على الغرب الرأسمالي، وبدلاً من ذلك، اتضح أنها عبارة عن مقامرة
آنية ناتجة عن أحلام مجموعة من العلماء، تمكنت من إقناع زعماء الكرملين
بالبدء بعصر الفضاء.
والآن، ما هي القصة الحقيقية للقمر الصناعي "سبوتنيك"؟
في سلسلة مقابلات أجرتها الأسوشيتد برس مع مؤسس البرنامج الفضائي
السوفياتي، بوريس شيرتوك (95 عاماً)، قال الأخير إن ما شهده العالم قبل 50
عاماً ما هو إلا المرحلة الثانية من الصاروخ الفضائي الذي كان يحمل
المركبة سبوتنيك.
وكان اسم شيرتوك واسم كبير العلماء سيرجي كوروليوف من أسرار الدولة في تلك
الفترة، كما لم يكن له أن يتحدث عن إنجازاته والدور الذي لعبه في تاريخ
استكشاف الفضاء والافتخار بكل ذلك باعتباره من الأسرار.
وقال شيرتوك: "كل صاروخ من تلك الصواريخ كان كحبيبة لنا.. لقد كنا غارقين
في عشق هذه الصواريخ.. ونسعى من أجل الوصول إلى إطلاق ناجح لها.. وكنا
مستعدين للتضحية بقلوبنا وأرواحنا من أجل رؤيتها تحلق بعيداً."
وبحسب ما ذكره العلماء السابقون في موسكو، فإن أول مركبة مدارية فضائية
ولدت من برنامج سوفياتي مختلف كلياً، وتحديداً من تطوير صاروخ قادر على
ضرب الولايات المتحدة بقنبلة هيدروجينية.
ونظراً لأنهم لم يعرفوا حجم الرأس الحربي الذي سيحمله الصاروخ، فقد تم
بناء صاروخ R-7 البالستي، الذي اعتبر حينها "أقوى بكثير من أي صاروخ
أمريكي" بحسب ما قال مهندس الصواريخ ورائد الفضاء جورجي غريشكو.
وصدف أن الصاروخ R-7 الوسيلة الأمثل لإطلاق مركبة لمدار حول الأرض، وهو أمر غير مسبوق.
وأوضح العلماء السوفيات أنه لو لم يكن هناك تهديد نووي لتأخر مشروع إطلاق القمر الصناعي سبوتنيك إلى الفضاء.
وقال شيرتوك: "السبب الرئيسي وراء ظهور سبوتنيك هو أجواء الحرب الباردة
والسباق مع الأمريكيين.. وكان الصاروخ العسكري الشيء الرئيسي الذي كنا
نفكر فيه في ذلك الوقت."
ومارس كوروليوف ضغوطاً على الكرملين من أجل السماح له بإطلاق قمر صناعي،
وهو ما كان يخطط الأمريكيون لتنفيذه في العام 1958 كما أوضح، باعتبار تلك
الخطوة جزءاً من السنة الجيوفيزيائية العالمية.
وفيما أعطته الحكومة الضوء الأخضر للشروع في ذلك في يناير/كانون الثاني
عام 1956، كان القادة العسكريون يرغبون في الاحتفاظ بالصاروخ من أجل
برنامج القنبلة الهيدروجينية.
وقال غريشكو (76 عاماً): "لقد تعاملوا مع القمر الصناعي باعتباره دمية.. باعتباره حلماً سخيفاً لكوروليوف."
وأوضح غريشكو أن الأمريكيين كان لديهم برنامجهم الفضائي الخاص بهم، مضيفاً "غير أنهم وجدوا أنفسهم متخلفين عنا."
وكشف غريشكو، الذي وضع مخطط مسار وإطلاق القمر سبوتنيك، أنه وعدد آخر من
المهندسين حاولوا إقناع كوروليوف بتجهيز سبوتنيك بأدوات وتجهيزات علمية،
غير أن الأخير رفض ذلك.
وتم تصنيع أول قمر صناعي في غضون ثلاثة شهور، وبلغ وزنه 184 رطلاً، حيث
قام المصممون السوفيات ببناء جسم كروي مضغوط من صفائح الألمنيوم المصقولة
مضافاً إليه نقطتي بث لاسلكي وأربعة هوائيات.
وتم تحديد موعد إطلاق القمر الصناعي في السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام
1957، غير أن كوروليوف كان يعتقد أن الأمريكيين سيطلقون قمرهم قبل يوم من
ذلك التاريخ، وعلى الفوز قام بإلغاء عدد من تجارب الإطلاق المقررة وقدم
موعد الإطلاق يومين، بحيث يكون في الرابع من الشهر نفسه.
وتم إطلاق القمر الصناعي من جمهورية كازاخستان، التي كانت تتبع الاتحاد
السوفياتي آنذاك، لتكون بذلك أشهر عملية إطلاق صاروخي في العالم، رغم أن
العلماء لم يدركوا أهمية ذلك الحدث إلا لاحقاً.
وأوضح شيرتوك ذلك قائلاً: "في الأيام الأربعة الأولى لم ندرك أهمية ما
قمنا به، لكننا أدركنا لاحقاً أننا صنعنا نقطة تحول في تاريخ الحضارة."
وبعد يومين فقط نشرت صحيفة "برافدا" الناطقة باسم الحزب الشيوعي خبراً موجزاً عن سبوتنيك.
ونظراً للإثارة التي خلفتها العملية، والشعور بأن الاقتصاد والعلوم
السوفياتيين باتا على المسار الصحيح، أمر الرئيس السوفياتي السابق خوروشوف
بإطلاق قمر صناعي آخر بمناسبة ذكرى الثورة البلشفية في السابق من
نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917.
وخلال أقل من شهر قام العلماء السوفيات ببناء مركبة جديدة وأطلقوا
"سبوتنيك 2" في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1957، وكانت المركبة
تحمل أو مخلوق حي، وهو ال***ة "لايكا"، التي ماتت جراء الحرارة بعد أسبوع،
وهي العملية التي أثبتت أنه يمكن للإنسان أن يبقى حياً في الفضاء الخارجي.
وبقيت سبوتنيك في مدارها حول الأرض حوالي ثلاثة شهور قبل أن تحترق بعد
دخولها المجال الجوي للأرض، ودارت حول الكوكب أكثر من 1400 مرة.
وتم الكشف عن اسم كبير العلماء السوفيات كوروليوف بعد وفاته في العام
1966، فيما سمح لشيرتوك بالسفر إلى الخارج في أواخر ثمانينيات القرن
العشرين، بعد أن قام آخر الزعماء السوفيات، مايكل غورباتشوف، بتنفيذ
خطواته الإصلاحية والليبرالية، التي أدت إلى تفكك الاتحاد السوفياتي
والكتلة الشيوعية.