رادارات المراقبة الأرضية بسم الله الرحمن الرحيم
أثّر تزايد استخدام الرادارات في الحروب، بصورة إيجابية ومتوازنة على
العديد من المفاهيم المرتبطة بشكل مباشر، أو غير مباشر، بالقتال الحديث،
فقد كان اكتشاف الرادار دليلاً منذ البداية على تحول نوعي هام في نطاق
الكشف وتوسيع إمكاناته وأدواره. وتطورت الأمور فيما بعد، إلى حد أصبح معه
الرادار من المكونات الأساسية لنظم التسليح، مهما كان دورها العملياتي.
وقبل اختراع الرادار، كان مجال الرؤية محدوداً بمدى الأفق، ولعل الامتداد
إلى ما وراء ذلك هو التطور النوعي الذي أعطى للرادار طابعه الخاص. ومع
تقدم التكنولوجيات الحديثة في مجال الكشف بالأقمار الاصطناعية، وأجهزة
التصوير والتجسس، والطائرات بدون طيار المحلقة على ارتفاعات شاهقة، لم
يتأثر الدور الخاص بالردار، بل على العكس، تكثف وتوسعت مجالات استعماله.
خضع استعمال الرادار عموماً لمنطق الانتقال من العام إلى الخاص، ومن
الاستراتيجي إلى التكتيكي، ومن إدارة وتسيير المنظومات الضخمة أو المعقدة،
إلى التعامل مع وحدات أصغر ومنظومات أقل تعقيداً.
واذا كان الرادار قد ارتبط في مراحله الأولى بمراقبة وتغطية العمليات
البحرية والجوية، فما لبث نطاق الاستخدام الأساسي أن تعدد وتشعب ليشمل
المجالات البرية، المعتبرة تلقائياً بأنها بالغة التباين، وقد يكون لذلك
اعتبارات عدة، وفي مقدمتها اعتبار المدى، وبخاصة إذا ارتبط عمل الرادارات
بساحات القتال البرية القريبة، وبالكشف عن أوضاع تكتيكية متغيرة، وما يهم
من هذا القبيل، ليس مدى الكشف فحسب، بل دقته وفعاليته أيضاً.
إن التغير الذي يتلاءم مع النوعية الجيدة للاستعمال، قد يطرح مشكلات
إضافية على مستوى التشغيل، وانطلاقاً من هذا، فإن ما تطرحه المنظومات
البرية الصغيرة الحجم، المعدة للاستخدام الفردي، أو للتفكيك والتركيب في
ساحات القتال المحدودة، لا تطرحه رادارات الدفاع البحري والجوي، التي تشكل
مجموعة هوائيات كثيفة، وأجهزة إلكترونية ضخمة، يتطلب استخدامها مجالاً
معيناً.
وبما أنه من غير الممكن الاستفادة من كل الإيجابيات في وقت واحد، فإن ما
يمكن اكتسابه في مجالي المناورة والمرونة، يتم فقدانه في المدى. وحتى في
إطار سيناريوهات من هذا النوع، لابد من الحكم على الأمور بصورة نسبية،
وبالتالي لا تجوز المقارنات إذا تجاوزت حداً معيناً، لأن المطلوب من
الرادار البري التكتيكي والمتنقل، هو غير المطلوب من رادار الدفاع البحري
أو الجوي، الذي يجهز القطع البحرية المتنوعة، والحاملات الجوية الضخمة.
ولا يعني ذلك أن المدى الذي تغطيه الرادارات التكيتيكة في العمليات
البرية، يتميز دائماً بالصغر، فالتحسينات مستمرة، وهوائيات الرادار قابلة
للتعديل والملاءمة، وليس هناك في الواقع من حدود مرسومة بشكل مسبق سوى
التوفيق بين أحجام الهوائيات واختيار الترددات المناسبة.
ويلعب مدى الكشف الراداري دوراً مركزياً، لاسيما إذا كان هذا الميدان هو
ساحة القتال البري القريبة، وتحظى دقة الكشف وفعاليته بالأهمية نفسها التي
يتمتع بها عامل المدى، وهو ما يفسر - إلى حد ما أيضاً - تعقيد النظم
البرية بصفة عامة، مقارنة بالنظم البحرية والجوية. والكشف الراداري يلعب
هنا الدور الذي كانت تقوم به وسائط الكشف البصري والآليات الدائرة في
فلكها.
وهناك أيضاً صعوبات تشغيل تفرض نفسها نتيجة العمل داخل أجواء إلكترونية
مكثفة، ولا يخفى أن قواعد التحكم، وأنماط الاستخدام، واعتبارات نقل
التجهيزات وتفكيكها وتركيبها، تطرح مشكلة أوسع بالنسبة إلى الرادارات
البرية الصغيرة الحجم، فيما تستند رادارات الدفاع الجوي والبحري إلى منشآت
ضخمة ومجموعات تجهيز ثابتة، أو محمولة جواً، تواكبها مجموعة هوائيات
مناسبة.
وإذا كان الرادار البري المحدود، لا يوفر المدى العملياتي الواسع، فإنه
يوفر بالتأكيد درجة عالية من المرونة والقدرة على المناورة، إضافة إلى
التمتع بحيز ضيق للإشارات يلعب دوراً هاماً على مستوى الأمان العملياتي
المباشر.
وعلي ضوء تحسين آليات الرادارات التكتيكية للاستخدام البري، تم تحقيق مدى
متزايد دون أى تأثير على نوعية الكشف، من خلال تركيب هوائيات مناسبة،
قابلة للتعديل والملاءمة، وقادرة على بث الترددات بإيقاعات مختلفة، حسب
المهام المطلوبة، فالهوائيات المعدة لتجهيز الرادارات البرية التكتيكية -
أيا كانت أبعادها وأحجامها ونوعية الذبذبات الصادرة عنها - شهدت تطوراً
ملموساً في السنوات الأخيرة، إلى جانب إدخال تحسينات متلاحقة على مستوى
كيفية دمج النظم ورفع درجة الفعالية، ومن شأن ذلك أن يضاعف من مستوى
الأمان ضد الوسائط الإلكترونية المضادة.
تأمين ومراقبة الحدود
برزت خلال سنوات الحرب الباردة الحاجة إلى اختراع آلات إلكترونية لمراقبة
الحدود من خطر تسلل جماعات معادية، وتتمكن في الوقت ذاته من الاكتشاف
المبكر لكل حركات عدوانية يجري الإعداد لها عبر الحدود من جانب الدول
المجاورة، وتركز استخدام هذه الآلات في الحدود مع دول الستار الحديدي في
أوروبا آنذاك، وفي المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل بين كوريا الشمالية
وكوريا الجنوبية.
وفي الوقت الراهن، اكتسبت قضية تأمين الحدود بعداً سياسياً متناهي
الأهمية، بل أصبحت عنصراً هاماً من عناصر الأمن القومي، وغالباً ما تنصب
على الحد من ظاهرة التسلل والهجرة غير المشروعة من دولة لأخرى، وردع
محاولات تسلل الجماعات الإرهابية من دولة مجاورة ترعى هذه الظاهرة، كما
أنها توفر للدول المعنية إشارات مبكرة لأعمال عدوانية لم تكن في الحسبان.
وتشمل هذه الجهود الدؤوبة استخدام أجهزة إلكترونية محمولة على متن
الطائرات العادية أو الحوامات، يمكنها التقاط صور شمسية أو بالأشعة تحت
الحمراء، لتعزيز وتأكيد المعلومات التي ترصدها القواعد الجوية بواسطة
أجهزة الرادار وأجهزة الاستشعار عن بعد، واستخدام أنظمة المراقبة المحمولة
جواً لاستكشاف أهداف قد تصل مسافتها من 75 إلى 150 كيلومتراً داخل حدود
الدولة المراقبة، أو عبر المنطقة الفاصلة بين دولتين في حالة عداء. وفي
العادة تتم مثل هذه العمليات في سرية وأمان كاملين، وتقوم بها فرق عالية
التدريب والكفاءة تعمل من وراء خطوط الأعداء لفترات زمنية طويلة.
ورادرات المراقبة الأرضية هي أكثر الأنظمة استخداماً في مراقبة الحدود،
وأهم ما يميز هذه الأنظمة، هو قدرتها على تحديد واكتشاف مواقع الأهداف
المتحركة في ظروف تعجز معها أنظمة المراقبة الأخرى عن العمل بكفاءة،
فالرادار الذي يستخدم ثابتاً أو متنقلاً، يتيح الحصول على معلومات
استخبارية سريعة ودقيقة، وترصد أجهزة رادار المراقبة الأرضية الأهداف التي
يمكن قصفها مستقبلاً، فى حالة اندلاع الاشتباك المسلح، وأكثر الأجهزة
شيوعاً الآن هي الأنظمة الأمريكية طراز Tps-21 أو Tps-38.