اصدر مؤخرا الصحفي منير أديب كتابا تحت عنوان" عنابر الموت" وهو كتاب وثائقى حول التعذيب ، يتعرض الكتاب لطرق التعذيب المختلفة فى أمن الدولة، حيث يؤكد الكتاب أن الجهاز خصص، الدور الرابع بمقره القديم بلاظوغلي للتعذيب ، وكذلك معظم أفرع المحافظات الرئيسية لإدارة عمليات التعذيب علي المواطن المصري ومعظم الإسلاميين .
وذلك قبل افتتاح مقر مباحث امن الدولة في مدينة نصر ، لتمام السيطرة علي معظم من يفلت من هذه الأفرع الرئيسية وكان يقال لمن يحضر في هذا المكان ( العنتيل بيجي هنا ينخ يا ولاد الوسخة ) فما أن تدخل أي من مقرات أمن الدولة حتى تسمع صرخات المعذَّبين وآهاتهم التى تملأ الجدران المعزولة .
فكان الضباط يستخدمون هذا الأنين وهذه الصرخات ليمارسوا بها تعذيبا آخر على بقية السجناء السياسيين، للإشاعة الرعب في نفوس الضحايا أو ما يعرف بالردع عن بعد (شفت يبني بيحصل ايه هنا جيب من الأخر ) للتأثير علي الشخصية وإرهابها وكان يواجه هذا النوع من الإرهاب بتدريب مقابل طلق عليه كيف نقهر الخوف يدرب عليه العنصر الإسلامي علي معدلة مقابلة لهذا التعذيب .
قصص واقعية من واقع السجون والمعتقلات
كتاب الصحفي منير أديب"عنابر الموت.. قصص واقعية من داخل السجون المصرية"، يعرض من خلال تفاصيل للمأساة التي تعرض لها السجناء السياسيون طيلة ثلاثين عاما هي فترة حكم المخلوع حسني مبارك ، مقدما تفاصيل جديدة عن التعذيب، سواء كان بدنيا، أو معنويا ، وهذه التفاصيل التي امتلأت بها السجون المصرية على اختلاف أنواعها فى شرق البلاد وغربها أو مقرات أمن الدولة،حيث كان الهدف من عمليات التعذيب هو كسر إرادة هؤلاء السجناء.
قدم الكتاب رئيتين رؤية لجيل من تعرض لتعذيب وتم قهرة والتنكيل به وهم نبيل المغربي أحد أقدم السجناء السياسيين في عصر مبارك، ثم محمد حسنين من جيل الوسط في الجماعة الإسلامية بأسيوط ، وأيضا المحامي الشاب سيد فرج والذي مكث ما يقرب من 15 عام ، وعلي الديناري من المنيا ، ثم علاء شتا من الجهاد والذي لم يمكث سوي 3 أعوام في بداية عهد مبارك ولا اعرف لماذا وضع مع ضحايا التعذيب في الفترة الأخيرة .
مأمور سجن العقرب وشهادة حية من العالم الأخر
ثم طرح مفاجئة من العيار الثقيل وهي شهادة أو ما أطلق عليها اعترافات مأمور سجن العقرب اللواء ابرهيم عبد الغفار ، والغريب انها كانت متسقة مع معظم شهادات التعذيب ، رغم ان السيد المأمور لم يخفي انه شاهد وعاصر هذه الانتهاكات إلا انه قدم رؤية مختلفة حية من واقع الأحداث أمتلك في الحقيقة شجاعة يحسد عليها في عرضها في وسائل الإعلام المختلفة هذا فضلا علي ما تم عرضه في الكتاب .
رؤية مختلفة للمحنة منحة أيضا
وجيل أخر قديم قدمه أديب ومثلتها شهادة الشيخ ناجح إبراهيم والتي جاءت لتأكد إن لسجن محاسن وانه ليس علي طول الوقت محنة وتعذيب ، لتفتح مجالاً للجدل حول التعذيب في عصر مبارك هل كان قهر واستبداد وتنكيل في كل الأوقات ، ام انا هناك فترات ما بين بين ، يري د ناجح ويدلل غلي ميا يقول و بأنه لو كان الأمر كذلك تعذيب علي طوال الخط لما حصل كثير من السجناء السياسيين علي الدكتوراه والماجستير ، وأنجب البعض الآخر (في الخلوة الشرعية او ما يعرف في لغة السجون بالخباء ) بل وزار البعض الأخر ذويهم في إطار الرعاية الاجتماعية للسجون ، غير ان البعض يري أن ما يقوله د ناجح كان من قبل ذر الرماد في العيون ولكي يتجنب النظام هجوم منظمات حقوق الإنسان الأجنبية وضغوطاتها في مجال حقوق الإنسان .
يتكون الكتاب الذي صدر عن دار أوراق لطباعة والنشر من ثلاثة فصول : ـ
الفصل الأول توثيق شهادات التعذيب
عرض الفصل الأول، لتوثيق شهادات التعذيب، وعرض شهادات، لأقدم سجين سياسي في العالم، والذي طاف على كل السجون بلا استثناء وهو نبيل عبد المجيد المغربي ، وقدمت توثيقا على تعذيب النساء سواء داخل مقرات أمن الدولة وتحديدا الدور الرابع بمقر أمن الدولة أو مقرات الجهاز فى المحافظات المختلفة أو فى السجون المختلفة، كما تعرض للمآسي، وبخاصة الأشقاء الذين كانوا يتواجدون فى سجن واحد دون أن يعرف بعضهم بعض .
ليكتشف الجميع بعد سبع سنوات، أنهم كانوا فى سجن واحد، ولكن لكل واحد منهم العنبر الخاص به ، فلا يعرف عن السجناء الآخرون أى شىء وبعضهم دخل وخرج من المعتقل ولم يري شقيقة وأبية بل وامه أحيانا كثيرة كما في حالة المغربي وأبو العلا .
انماط التعذيب في السجون المصرية والمعالجة الأمنية لها
وتعرض الفصل الثانى، لأنماط التعذيب المختلفة والمعالجة الأمنية للمختلفين معها، والذي انتهي إلا ان التعذيب في عصر مبارك لم يكن عشوائيا وإنما كان منظما ومدرسا ولأصحابه وكان ليس بهدف واحد وإنما كان لأهداف كثيرة، كما تعرض نفس الفصل لوضع السجون المصرية وما مرت به خلال الثلاثين عاما، فوضع هذه السجون كان مختلفا فى عهود وزراء الداخلية المتتابعين،
فمن العقرب شديد الحراسة
إلي وادي النطرون 1,2
إلي الوادي الجديد
إلي ابي زعبل الليمان وشديد الحراسة
إلي الفيوم
وليمان طرة
والحضرة بالإسكندرية
العقرب في عهد عبد الغفار ونور الدين
كانت السياسة فى السجن تختلف من وقت لآخر وفى عهد الوزير الواحد،بل ومن عنبر إلي عنبر في داخل السجن الواحد ، وعرض نفس الفصل لمفاجأة، حيث نقل شهادة أحد مأمور سجن شديد الحراسة والمعروف بالعقرب، وهو الواء إبراهيم عبد الغفار ، حيث كان في عهده ضابط امن الدولة يدعي مصطفي نور الدين (في الغالب اسم حركي ) والذي تولي العقرب بعد العقيد عبد الناصر الطحاوي أحد جنرالات التعذيب في السجون المصرية ، ، ليرصد مشاهد كثيرة على التعذيب تمت داخل السجون المصرية كان شاهدا عليها .
إحصائيات قتلي الجماعات الإسلامية
عرض الفصل الثالث فى الكتاب للموقف القانوني لهؤلاء السجناء، وأعدّ بحثا كاملا عن أعداد قتلى السجناء السياسيون، سواء جراء التعذيب أو التصفية الجسدية أو من قتل بدم بارد، هذه الدراسة تعرضت لأسماء هؤلاء وأرقام، فهي تعد أول دراسة فى هذا الملف ، وان كانت هناك أسماء مكررة ، وأنحصر بعضها في الجماعة الإسلامية فقط ، وربما يكون المؤلف معذورا لأنهم الأكثر عددا وهم في الغالب لا يعطون أي ( الجماعة الإسلامية ) أي معلومات تخص غيرهم ، كما ختم الكتاب بمحور مهم فى التعذيب، خاص بتعذيب النساء داخل السجون المصرية.
التعذيب لا الأفكار مجال الكتاب
هناك امر أخر أن الكتاب لم يتعرض من قريب أو بعيد لأفكار هؤلاء السجناء، فقال أديب في مقدمة الكتاب أنني قد نتفق وتختلف مع هذه الأفكار، ولكنك فى ذات الوقت لا يمكن أن تختلف على استنكار أى تعذيب وقع عليهم وطال أسرهم وأبنائهم بل وغوائلهم، فهناك من كان يعتقل ويعتقل معه عمه وخاله وأبناء عمومته.
البرنامج الوطني لتوثبق التعذيب
والحق يقال لتاريخ ان برنامج توثيق التعذيب في عصر مبارك ثم يليها مؤخرا رابطة المعتقلين السياسيين من أوائل من اهتم بهذا الملف علي أطلاقه ، بحيث ان كل تيار في القديم كان يقوم بتوثيق ما حدث له بداية من الإخوان المسلمين في الستينيات ، ونهاية بالجماعة الإسلامية ، لكن ان يهتم تيار من داخل الحركة الإسلامية بتوثيق هذه الجرائم امرا كان بعيد المنال نظرا لظروف السياسية والأمنية .
كما ان مقدمة د كمال الهلباوي جاءت معبرة في الحقيقة عن الربط بين جيلين وقع عليهم الاضطهاد والتعذيب والتنكيل جيل الستينيات وعصر عبد الناصر وجيل الثمانينات وعصر مبارك .
الكتاب محطة جديدة في هذا الملف الكبير والخطير والمليء بالأسرار والحكايات الإنسانية والعبر والوثائق والحقائق والخبايا ، ربما تكون البداية ولكنها ليس بالتأكيد النهاية ، فقد فتح منير اديب ذلك الصحفي الذي يعمل في جريدة (المصري اليوم ) في قسم الإسلام السياسي( الجريدة المناوئة في الغالب للإسلاميين) والذي يرئسه أحمد الخطيب بما له وما عليه ، لكنها خطوة جريئة علي طريق العمل الصحفي الموثق بالأرقام والدلائل والحقائق