ثانيا: تقويم أداء العرب وإسرائيل في جوانب الصراع
ركز المشروع الصهيوني قبل قيام إسرائيل وبعدها على التخطيط الإستراتيجي
المتواصل الذي يقدم تنبؤات بديلة ويطرح سلم أولويات وأفضليات قومية، في
حين تميز الأداء العربي وباستثناءات قليلة في الخمسينيات والستينيات
بالتعامل العملي البراغماتي والموسمي والظرفي مع تطورات وأحداث الصراع مع
إسرائيل, وفي حين تخصص العديد من المؤسسات والأوساط البحثية في مختلف
المجالات النووية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والديموغرافية في
التعامل مع الصراع وإدارته، مايزال التعامل العربي يقتصر على الإدارة
الرسمية البيروقراطية التي تضم مؤسسات الحكم ووزارات الخارجية والدفاع
وإدارات المخابرات فقط ونادرا ما تعتمد الحكومات العربية على مراكز
التخطيط الإستراتيجي العامة والخاصة فقد أنجزت إسرائيل بداية من عام 1990
خطة هي الأولى من نوعها منذ قيامها بعنوان "إسرائيل عام 2020" استغرقت ست
سنوات حيث ركز فريق بحثي برئاسة البروفيسور (آدام مزور) مخطط مدن من معهد
التيخنيون- معهد الهندسة التطبيقية بحيفا ويضم نحو 250 متخصصا وأطقما من
عشر وزارات، وتمخض العمل عن وضع 18 مجلدا تحاول تغطية جميع جوانب الشؤون
الإسرائيلية الداخلية والخارجية، بل إن إقامة الكيان الصهيوني أسهم
بالتخطيط والتنفيذ فيه منظمات وهيئات صهيونية منها (جمعية الاستعمار
اليهودي، المنظمة الصهيونية العالمية، صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار،
الصندوق القومي اليهودي، شركة تطوير الأراضي المحدودة في فلسطين،
الهيستدروت، الصندوق التأسيسي لفلسطيني، الوكالة اليهودية، النداء اليهودي
الموحد، المؤتمر اليهودي العالمي وغيرها).
وفي ما يتعلق بالتخطيط الإسرائيلي للتغلب على النمو السكاني الكبير بين
عرب 1948 في ضوء تناقص معدلات المواليد بين الإسرائيليين هناك استجلاب
يهود مهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق بمعدل مليون مهاجر في
السنوات القادمة بعد أن تمكنت من جلب مليون آخر عامي 1990 و2000 وهناك
كذلك تعديل الميزان السكاني لصالح اليهود من خلال توسيع عمليات الاستيطان
والتهويد ضمن ما يسمي بالخط الأخضر، وذلك يدل على توافر مستوى عال من
الوعي الإستراتيجي لدى إسرائيل بطبيعة الصراع باعتباره صراعا شاملا يمتد
إلى الجوانب الديموغرافية والمائية وما يتعلق بالأرض والاقتصاد إلى جانب
المواجهة العسكرية والمخابراتية، فقد وضعت مجموعة عمل يترأسها وزير البنية
التحتية الصهيوني المتطرف (ليبرمان) والذي ينادي بطرد الفلسطينيين إلى
الأردن طواعية أو قصرا، خطة عرفت باسمه عنوانها "إسرائيل عام 2000" وكان
ذلك أواخر عام 1996 وشملت الخطة ثلاثة محاور للعمل: 1- إضافة مناطق جديدة
لما يسمى "بلدات التطوير". 2- تقديم حوافز لمن يذهب للبناء والسكنى في هذه
البلدات. 3- الربط بين المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية مع توسيع
الخط الأخضر حتى يضم إلى القدس مناطق كبيرة من الضفة وهذا ما يتم حاليا في
عهد حكومة شارون بالتوازي مع الإسراع في بناء الخط الفاصل بين العرب
والإسرائيليين بامتداد القدس العربية والحزام الأخضر.
وفي الجوانب العسكرية يتضح الإدراك الإسرائيلي العالي إستراتيجيا من الخطة
الأخيرة المسماة "نسيج 2000" والتي تقوم على الاستعداد المستمر لخيار
الحرب وترتكز الخطة على القواعد التالية:
وجود ما يسمى الردع المستند إلى صورة إسرائيل كدولة نووية عظمى في نظر دول المنطقة العربية.
الدفاع الفعال: خطة السور لحماية إسرائيل من صواريخ أرض أرض.
الدفاع السلبي: الوقاية والدفاع المدني.
الإنذار والمعلومات الإستراتيجية بما في ذلك قمر التجسس أوفك.
القدرات الهجومية ومنه التزود بطائرات إف 15
وتطوير أجهزة السيطرة والمراقبة للمسافات البعيدة، في حين تبنت معظم
الأطراف العربية ما يسمي بالسلام كخيار إستراتيجي، ولم تضع احتمال نشوب
الحرب وكيفية التعامل مع حالات التوتر وانعدام الاستقرار كما يحدث منذ
اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000 وحتى الآن.
غير أن الانتفاضة وما كونته من قدرات تنظيمية
وشعبية وتسليحية ولو بسيطة إلى جانب الجهود الشعبية واسعة النطاق لمواجهة
التطبيع مع الكيان الصهيوني ورفع شعار المقاطعة للسلع والمنتجات الأميركية
يمكن أن توفر مستوى ملموسا ومعقولا مما يمكن أن نسميه الردع الشعبي الذي
يساعد على توفير بيئة من التهديد للأمن الإسرائيلي.
_______________
* أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد- جامعة القاهرة
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C...52EB9802.htm#7