أزمات الانتشار النووى فى الشرق الأوسط <hr style="color: rgb(255, 255, 255);" size="1">
تنبيه من المشرف
برجاء تصفح الموضوع بكامل صفحاته حيث تم دمج اكثر من موضوع معا
يمثل
الموقف المصرى من الأزمة النووية الإيرانية امتدادا لمنهج دأبت السياسة
المصرية على تبنيه منذ بداية التسعينيات، ويقوم هذا المنهج على توظيف
الأزمات أو التفاعلات الخاصة بالانتشار النووى أو الخاصة بضبط التسلح فى
منطقة الشرق الأوسط لانتزاع مكاسب خاصة بالأولويات الأكثر إلحاحاً فى
الأجندة المصرية، لاسيما المتعلقة بالتصدى للترسانة النووية الإسرائيلية،
ولكن من دون إغفال الأهمية الموضوعية لهذه الأزمات بحد ذاتها.
ويتأسس الموقف المصرى هنا
على صيغة مقايضة تقوم من ناحية على موافقة مصر على مطالب القوى الكبرى،
لاسيما الولايات المتحدة، بشأن الأزمة المعنية، وهى هنا الأزمة النووية
الإيرانية، فى مقابل قبول تلك الأطراف لبعض عناصر المطلب المصرى المتعلق
بإدراج المسألة النووية الإسرائيلية فى معالجتها لتلك الأزمة.
وتمثل هذه السياسة انعكاساً دقيقاً للأولويات
المصرية، وتطبيقاً عملياًً لهذه الأولويات، كما أنها تعكس إصراراً واضحاً
على الهدف من جانب الدبلوماسية المصرية. ولهذا الأمر مغزاه الهام، إذ أن
تفاعل مصر، أو أى دولة، مع القضايا الهامة المثارة على الساحتين الدولية
والإقليمية يجب أن يكون مرتكزا على رؤية محددة وواضحة لمصالحها وأولوياتها
الوطنية فى هذه الأزمة، وليس لأى اعتبارات أخرى، مع تحديد الخطوات
الملائمة لتحقيق هذه المصالح، لاسيما مواقفها وتفاعلاتها فى المحافل
الدولية، فيما يتعلق بتلك القضايا.
ركائز الموقف المصرى
ينصب التركيز الرئيسى فى سياسة مصر بشأن
قضايا الانتشار النووى على المسألة النووية الإسرائيلية، حيث ظلت مصر منذ
الستينيات تنظر إلى القدرات النووية الإسرائيلية باعتبارها تهديداً للأمن
والاستقرار فى الشرق الأوسط، لاسيما مع بدء تسرب معلومات عن التطورات
المحمومة التى كانت إسرائيل تقوم بها منذ منتصف الخمسينيات لامتلاك السلاح
النووى. وفى مواجهة هذا التهديد، فإن مصر وجدت نفسها أمام أحد خيارين،
فإما القبول بحقيقة امتلاك إسرائيل للسلاح النووى، أو الرفض الكامل
ومحاولة امتلاك سلاح نووى مماثل لتحقيق التوازن فى مواجهة إسرائيل.
ولكن مصر اختارت منذ فترة مبكرة موقفاً
وسطاً، يقوم على الامتناع عن دخول سباق تسلح نووى فى مواجهة إسرائيل،
نظراً للتكاليف الباهظة والتداعيات الفادحة التى قد تترتب على ذلك، ولكن
مع محاولة تقييد قدرات إسرائيل النووية من خلال الوسائل الدبلوماسية، وعبر
الآليات الدولية، مع التركيز على دفع إسرائيل للانضمام إلى معاهدة منع
الانتشار النووى، والتخلص من ترسانتها النووية.
كان ذلك هو البديل الذى اختارته مصر منذ فترة
مبكرة، ولم تتبن مصر فى أى فترة من الفترات سياسة رامية لامتلاك السلاح
النووى. وليس صحيحاً على الإطلاق ما تشير إليه بعض المصادر الغربية فى هذا
المجال بشأن محاولة مصر امتلاك السلاح فى الستينيات، أو الإشارة إلى
تصريحات للرئيس جمال عبد الناصر فى بداية الستينيات حذر فيها من أنه إذا
امتلكت إسرائيل السلاح النووى، فإن مصر بدورها سوف تسعى لامتلاكه بكافة
الطرق. فهذه التصريحات تبدو ردود أفعال انفعالية على أحداث معينة، ولكنها
لم تكن تعبيراً عن سياسة رسمية لامتلاك السلاح النووى، أو الدخول فى سباق
نووى مع إسرائيل.
بل إن العكس هو الصحيح، إذ كانت مصر على
الدوام واحدة من أوائل الدول الرئيسية الداعية إلى منع الانتشار النووى
على الساحة الدولية منذ بداية الستينيات، ولعبت دوراً رئيسياً فى الجهود
الدولية التى جرت منذ تلك الفترة، وفى مقدمتها معاهدة منع التجارب النووية
فى الغلاف الجوى والفضاء الخارجى وتحت الماء، التى أبرمت فى عام 1963، كما
كانت مصر من أوائل الدول التى دعت إلى صياغة معاهدة منع الانتشار النووى،
وشاركت فى مفاوضات صياغة هذه المعاهدة، ثم كانت من أوائل الدول التى وقعت
عليها فور الانتهاء من صياغتها فى الأول من يوليو 1968.
وكانت هذه الممارسات من جانب مصر تعبيراً
قوياً عن رغبتها منذ فترة مبكرة فى الحيلولة بكل قوة دون نشوب سباق تسلح
نووى فى الشرق الأوسط.
ولم تقتصر جهود مصر على الآليات الدولية من
خلال معاهدة منع الانتشار النووى، وإنما حاولت أيضاً فى بعض الفترات إشراك
الولايات المتحدة فى الإشراف على برنامج إسرائيل النووى، حينما كانت مصر
قد أيدت بقوة فى السبعينيات إشراف الولايات المتحدة الكامل على البرامج
النووية لكل من مصر وإسرائيل، وهو مطلب كانت إدارة جيمى كارتر قد وضعته
شرطاً لبيع مفاعلات نووية لكل من مصر وإسرائيل، فى إطار صفقة متكاملة.
ووافقت مصر بحماس شديد على هذا الشرط الأمريكى، باعتبار أنه يوفر فرصة
للكشف عن حقيقة قدرات إسرائيل فى المجال النووى، ويتيح بالتالى فرصة لدفع
إسرائيل للتخلص من ترسانتها النووية، إلا أن إسرائيل هى التى تحينت الفرصة
لنسف هذه الصفقة، من أجل حرمان مصر من الحصول على مفاعلات نووية، ولمنع أى
إشراف أجنبى على قدراتها النووية.
وفى خطوة لاحقة، بلورت مصر سياستها فى هذا
المجال بصورة أكثر تكاملاً، من خلال مبادرة الرئيس حسنى مبارك فى أبريل
1990 بشأن إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والتى تميزت بأنها
لم تقتصر فقط على الأسلحة النووية، وإنما ركزت على جميع الأنواع من أسلحة
الدمار الشامل، بما يخلق نوعاً من الربط بين تلك الأسلحة.
مصر وسياسة المقايضة
طورت مصر رؤية جديدة لسياستها فى مجال منع
الانتشار النووى منذ بداية التسعينيات، فى اتجاه يقوم على الاستفادة من
قضايا محددة على الساحة الدولية والإقليمية، تحتاج خلالها الولايات
المتحدة إلى موافقة مصر على قرارات دولية محددة بشأن تلك القضايا، مثل
العراق أو إيران أو غيرهما، مما يتيح لمصر الاستفادة من مثل هذه التطورات
لتمرير مطالبها بشأن التهديد النووى الإسرائيلى، باعتبار ذلك نوعا من
المقايضة، ترهن فيها مصر موافقتها على القرارات المطلوبة بموافقة الولايات
المتحدة على مطلب مصر بشأن إدراج المسألة النووية الإسرائيلية.
ويقوم المنطق الرئيسى وراء مثل هذا الربط على
أنه لا يجوز فى سياق التعامل الدولى مع قضايا من نوع تدمير أسلحة الدمار
الشامل العراقية، أو الأزمة النووية الإيرانية، أن يتم النظر إلى هذه
القضايا باعتبارها جهداً دولياً منعزلاً عن القضايا الأوسع لضبط التسلح فى
الشرق الأوسط، لاسيما مسألة امتناع إسرائيل عن التوقيع على معاهدة منع
الانتشار النووى، وإنما لابد من المعالجة المتكاملة لتلك القضايا من منظور
أكثر شمولاً يضع فى الاعتبار المصالح الأكثر إلحاحاً لدول المنطقة.
وطبقت مصر هذا المنهج فى العديد من
المناسبات، يجئ فى مقدمتها مسألة إزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية، عقب
حرب تحرير الكويت فى أوائل عام 1991، حيث أصرت مصر وبعض الدول العربية على
تضمين قرار مجلس الأمن رقم 687 الصادر فى 3 أبريل 1991، بنداً ينص على أن
تكون عملية تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية جزءاً من عملية إخلاء
الشرق الأوسط بالكامل من أسلحة الدمار الشامل.
وتكرر هذا المنهج أيضاً فى مفاوضات الأمن
الإقليمى وضبط التسلح، التى جرت فى إطار عملية مدريد للسلام فى الشرق
الأوسط، فى أواخر عام 1991، حيث رفضت مصر الأفكار الجزئية التى طرحها
الإسرائيليون والأمريكيون بشأن البدء بإجراءات بناء الثقة أو التركيز على
قضايا التسلح التقليدى.. وغير ذلك.
وقد طبقت مصر المنهج ذاته فى موقفها من
معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية فى عام 1992، فطالبت بضرورة تضمين مشروع
المعاهدة ضمانات فعالة لحماية الأعضاء ضد استخدام أو التهديد باستخدام أى
نوع من أسلحة الدمار الشامل، لتحقيق التكامل بين جهود ضبط التسلح فى كافة
المجالات، إلا أن الدول المالكة للأسلحة النووية رفضت هذا المطلب، مما دفع
مصر لرفض التوقيع على المعاهدة، باعتبار ذلك نوعا من الاحتجاج الرمزى على
مضمون المعاهدة.
وفى مؤتمر التمديد اللانهائى لمعاهدة منع
الانتشار النووى فى عام 1995، أصرت مصر على ربط موافقتها على تمديد
المعاهدة بضرورة انضمام إسرائيل إليها. ومع أن هذا الهدف لم يتحقق
بالكامل، إلا أن مصر نجحت فى أن تنتزع من المؤتمر قراراً خاصاً بالشرق
الأوسط، يؤيد بقوة هدف إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى وكافة
أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها، ويدعو جميع الدول غير الأعضاء فى
معاهدة منع الانتشار النووى إلى الانضمام إليها، وإخضاع أنشطتها النووية
للإشراف الكامل من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويتمثل التطبيق الأحدث لهذا المنهج فى قيام
مصر بالاستفادة من عضويتها فى مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية،
وربط موافقتها على الاقتراح الأوروبى ـ الأمريكى بنقل الملف النووى
الإيرانى من مجلس محافظى الوكالة إلى مجلس الأمن، بضرورة ربط هذا الاقتراح
بالمسألة النووية فى الشرق الأوسط، لاسيما فيما يتعلق بإسرائيل، حيث اضطرت
الإدارة الأمريكية والأطراف الأوروبية، بعد ممانعة قصيرة، لإضافة بند فى
ديباجة قرار مجلس أمناء الوكالة الصادر فى 4 فبراير 2006، ينص على: أن
المجلس يعترف بأن حل القضية الإيرانية من شأنه أن يسهم فى الجهود العالمية
لمنع الانتشار، وفى تحقيق الهدف المتمثل فى إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة
الدمار الشامل ووسائل إيصالها.
وبالتالى، فإن سياسة المقايضة هذه أتاحت لمصر
تحقيق بعض النجاحات الدبلوماسية فى التعامل مع المسألة النووية
الإسرائيلية، لاسيما من حيث تكثيف الضغوط على إسرائيل، إلا أن الإشكالية
هنا تتمثل فى محدودية النتائج العملية المترتبة على ذلك، حيث لم تتحول
الضغوط الواقعة على إسرائيل إلى سياسات محددة لدفعها للانضمام لمعاهدة منع
الانتشار النووى أو التخلص من ترسانتها النووية. ويبدو ذلك واضحاً إلى حد
ما فى أن القرارات التى نجحت مصر فى استصدارها من المحافل الدولية سالفة
الذكر، لم تتحدث بالتحديد عن إسرائيل، ولم تذكرها بالاسم، وإنما حرصت
الولايات المتحدة، وإلى حد ما الدول الأوروبية، على منع الإشارة إلى
إسرائيل تحديداً، وجرى الاكتفاء بالإشارة إلى دعوة الدول غير الأعضــــاء
فى معاهــــدة منع الانتشار النــــووى للانضمام إليها، ناهـــــيك عن أن
تلك القرارات لم تكن تنص على وضع آلية عملية لمتابعة تنفيذ هـــــذه
الصياغــة المطاطة، علاوة على أن نصوص هذه القرارات لم تكن ذات صيغة
إلزامية، وإنما تقتصر فاعليتها على التأثير المعنوى.