قضية الشرك بالله ..هل يمكن أن يعبد " الخالق المطلق " للوجود بأي دين ..؟!!!وللإجابة
على هذا السؤال سوف نبدأ بما يقدمه الدين الإسلامي في هذا الشأن .. مع
الإشارة ـ في الوقت نفسه ـ إلى ما تقول به الديانتين اليهودية والمسيحية
معا . فمن منظور الفكر الإسلامي ؛ نجد أن الاعتقاد في أن الله ( سبحانه وتعالى ) يمكن أن يعبد بأي دين لا يعني سوى الشرك بالله ( عز وجل ) . والشرك بالله هو إثم عظيم .. لا يغفره الله سبحانه وتعالى لعباده .. كما جاء في قوله تعالى ..) إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)(( القرآن المجيد : النساء {4} : 48 )
وهذا هو جزاء الشرك بالله ..) .. إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)(( القرآن المجيد : المائدة {5} : 72 )
ومن أهم نتائج الشرك بالله .. هو أن الإنسان يلغي ببساطة شديدة الغايات من خلق الإنسان .. كما جاء في قوله تعالى ..) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) (
( القرآن المجيد : الذاريات {51} : 56 )
حيث تجمع هذه الآية الكريمة بين فطرة التدين ( أي الإيمان بدين ما .. ودوافع ممارسة العبادة ) من جانب ، وبين فكر الغايات من خلق الإنسان من جانب آخر ؛ وذلك على حسب حركة الحرف الأخير من كلمة " ليعبدون " بين السكون : " ليعبدونْ " .. أو الجر " لِيَعْبُدُونِ
" .. وكلاهما في القراءة جائز ( وأرجو أن يتنبه القاريء إلى هذا الإعجاز
المذهل لحركة حرف واحد فقط .. والتي تبين النقلة الفكرية الهائلة التي
تصحبه .. بين وجود الفطرة .. وبين الغايات من الخلق ..!!! ) . فمن منظور فطرة التدين تنطق الكلمة ( ليعبدونْ ) .. أي بسكون النون .. أي أن الإنسان مفطور على العبادة بشكل مطلق والتدين بدين ما ؛ أما من منظور الغايات من الخلق ؛ فتنطق الكلمة بكسر النون .. أي ( لِيَعْبُدُونِ ) .. وهو ما يعني أن الله ( سبحانه وتعالى ) ما خلق الإنسان إلا للتوجه بالعبادة له ـ وحده لا شريك له ـ وليس لأحد سواه . ويتأكد هذا المعنى الأخير والذي ينهي أي مقولة بالتوجه بالعبادة إلى غير الله سبحانه وتعالى .. في القرار الذي جاء في قوله تعالى ..) وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ .. (23) (
( القرآن المجيد : الإسراء {17} : 23 )
وبديهي ؛ مثل هذا
القرار يعتمد ـ ضمنيا ـ على وجود العقل لدى الإنسان .. وعلى وجود البرهان
الراسخ . وهكذا ؛ يأتي دور الفكر الذي يقود الإنسان إلى الإيمان المبني
على العقل .. كما جاء في قوله تعالى ..) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174)(
( القرآن المجيد : النساء {4} : 174 )
أي أن القرآن
العظيم يحوي البرهان على صدقه .. وهو البرهان الذي سوف يقود الإنسان إلى
التعرف على وجود الله ( سبحانه وتعالى ) بكمالاته المطلقة ( وليس بالصور
المتدنية التي جاءت عليها صفات الإله في الديانتين اليهودية والمسيحية ..
والديانات الأخرى كذلك ) ، وإلا ما خلق الله ( سبحانه وتعالى ) العقل في
الإنسان على مثل هـذا النحو . ولهذا أتت جميع رسالات الأنبياء والرسل إلى
التنبيه إلى مثل هذه الحقيقة . أي تمحورت رسالات الأنبياء والرسل حول
الدعوة إلى عبادة الإله الواحد الأحد ( لا صور و لا أقانيم ولا أشخاص ..
ولا خرفان .. ولا بقر .. ولا خلافه من الصور الوثنية والخرافية الساذجة ..
) .. أي عبادة الله وحده لا شريك له .. كما جاء في قوله تعالى ..) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ
فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ
الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ (36) (( القرآن المجيد : النحل {16} : 36 )
[ التفسير :
الطاغوت : كلمة جامعة تعني كل ما هو غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومنها
الأوثان بصفة عامة والأنظمة الطاغوتية الحاكمة / عاقبة المكذبين : أي
النهاية بالهلاك للمكذبين برسالات رسل الله سبحانه وتعالى ] وهذا الفكر ليس بدعا في الرسالات السابقة على الإسلام .. فالله ( عز وجل) يقـرر في خطابه لموسى ( عليه السلام ) في العهد القديم من الكتاب المقدس ( أي الديانتين اليهودية والمسيحية معا ) أنه إله غيور ولا يقبل أن تعبد معه آلهة أخرى كما جاء في هذا النص التوراتي التالي ..[ (3) لا يكن
لك آلهة أخرى أمامي . (4) لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مّما في
السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض . (5) لا
تسجد لهنّ ولا تعبدهن ّ.لأني أنا الرب إلهك اله غيور .. ]( الكتاب المقدس : سفر الخروج : {20} : 3 - 5 )
وبداية ؛ لابد لي
أن أنبه القاريء إلى أن الاستشهاد بفقرات ( وليس بآيات ) الكتاب المقدس له
شروطه الصارمة ( لكون الكتاب المقدس هو كتاب مُحَرّف بشكل صارخ ) ، وتأتي
في مقدمة هذه الشروط أن تتفق نصوص الكتاب المقدس مع ما جاء في القرآن
المجيد .. تحقيقا لقوله تعالى ..) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .. (48) (
( القرآن المجيد : المائدة {5} : 48 )
والهيمنة تعني
الرقابة على معاني نصوص الكتب السابقة ووضع الإطار العام لضمان عدم
انحرافها . فالحقيقة ؛ أن الباحث في الكتاب المقدس ( أي الديانتين
اليهودية والمسيحية ) مثل الباحث في حضارة عظيمة قديمة قد انتهت ولم يعد
منها سوى الاطلال والخرائب ..!!! ولكنه يجد أحيانا بعض الأطلال ( بعض
الفقرات ) التي تدل على وجود مثل هذه الحضارة العظيمة السابقة ..!!! وكما نرى ؛ من
فقرة الكتاب المقدس السابقة ( أي الديانتين اليهودية والمسيحية معا ) أن
الدعوة العامة في جميع الأديان هي : " أن الله ـ سبحانة وتعالى ـ لا يقبل
أن يعبد معه " آلهة أخرى " لأن هذا المعنى يقود إلى الشرك بالله ( سبحانه
وتعالى ) بشكل مباشر . وبديهي ؛ لا يصح القول بأن الديانة المسيحية تعبد " الإله الواحد " .. كما يقولون عادة : " تثليث في وحدانية ووحدانية في تثليث " .. ( الآب ، والابن ، والروح القدس .. إله واحد آمين ) .. لأن مثل هذا القول لا قيمة له .. ولا يعفيهم من إثم الشرك بالله .. لأنهم في جميع الأحوال يعبدون عيسى ابن مريم .. وليس الله عز وجل
. ومن هذا المنظور يكونون قد وقعوا في هاوية الشرك بقولهم إن الله هو
المسيح ابن مريم .. كما كفروا بقولهم بالتثليث .. كما جاء في قوله تعالى ..) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ
وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا
يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) (( القرآن المجيد : المائدة {5} : 72 – 73 )
وأكرر للمرة الثانية .. ) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ .. ( .. ) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ .. ( .. لأعمق إدراك الأخوة المسيحيين بحقيقة كفرهم وضلالهم .. وحقيقة ديانتهم ( وحتى لا يتقولوا علينا ـ زورا وبهتانا ـ بأن القرآن المجيد يشهد لصحة الكتاب المقدس ) .. و )
.. إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ
الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ( . فهذه هي شهادة القرآن العظيم ـ العلانية ـ بأنهم :