الإستفزازات الإسرائيلية لسوريا و الإستراتيجية المتّبعة
<hr style="color: rgb(196, 207, 228);" size="1">
يوجد
الآن أكثر من وجهة نظر أو رأي في الإستفزازات الاسرائيلية لسوريا و ما
يزيد من قلة وضوح معالم المرحلة التي تمر بها سوريا و إسرائيل هي الرسائل
المتعارضة مع هذه الاستفزازات فنرى إسرائيل تخترق الأجواء السورية و التي
تمثل صورة عدوانية واضحة من الجانب الإسرائيلي إلا أننا نسمع في نفس الوقت
رسائل تطمينية بأن إسرائيل لا تفكر بالحرب مع سوريا أبداً و لكن المتتبع و
المراقب للأحداث في فترة ما بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان و بدمج
الأحداث الحاصلة الآن مع نتائج الحرب الإسرائيلية مع حزب الله يستطيع أن
يعرف ما يدور في رأس القيادات الإسرائيلية و أن يعرف الهدف من وراء هذه
الرسائل الإسرائيلية المتضاربة و المتعارضة .
فبالعودة لنتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان نجد أن أكثر هذه النتائج
أهمية هي تضرر إستراتيجية الردع الإسرائيلية و أعتبر أن هذه النتيجة هي
الأهم لما لها من أثر على كلا الطرفين العربي و الإسرائيلي فعلى الجانب
الإسرائيلي تضرر الردع الإسرائيلي يعني تهديد وجود الكيان الصهيوني نفسه
فإستراتيجية الردع الإسرائيلية كانت و لا تزال تعتبر سبب وجود إسرائيل و
تضررها يعني كارثة بالنسبة للإسرائيليين .
أما على الجانب العربي فتضرر الردع الإسرائيلي يعني أمور كثيرة و أهمها هو
عودة القناعة للإنسان العربي بإنه قادر على هزيمة الجيش الإسرائيلي بالرغم
من تواضع الإمكانات العربية مقارنةً بالإمكانات العسكرية الإسرائيلية و
التي هي نتيجة الدعم الأمريكي اللا محدود لإسرائيل .
و بالنظر لأهم أهداف استراتيجية الردع الإسرائيلية و هو منع المبادرة إلى
الحرب من جانب أي دولة عربية و بالنظر لحالة القصور التي أصابت هذه
الإستراتيجية بعد حرب تموز وجدت إسرائيل نفسها مجبرة على القيام بخطوات من
شأنها تعزيز قدرة الردع لديها في مواجهة عدوها الأول سوريا خصوصاً بعد
الرسالة التي وجهها السيد الرئيس بشار الأسد للكيان الإسرائيلي بأن خيار
السلام ليس هو الخيار الوحيد لدى سوريا لتحرير أراضيها فبدأت أولى خطوات
تعزيز قوة الردع الإسرائيلية بتنفيذ الجيش الإسرائيلي مناورات واسعة
النطاق في الجولان السوري المحتل كما تم توجيه عدة رسائل من أكثر من طرف
إسرائيلي تؤكد أن هجوم سوري على إسرائيل سيكون كارثي و تم التذكير بأن ما
حصل بالضاحية الجنوبية في بيروت قد يحصل في دمشق أما ذروة الإستفزاز
الإسرائيلي لسوريا و هي الخطوة التي اعتبرت في اسرائيل بأنها ستتوج خطة
ترميم الردع الإسرائيلي حين اخترق الطيران الإسرائيلي الأجواء السورية و
قد عبرت إسرائيل عن ذلك صراحة بعد تنفيذ عملية الإختراق حين اعلنت استعادة
قدرة الردع بالكامل و كانت هذه الخطوة نقطة تحول في الخطة الإسرائيلية فهي
نقطة النهاية في مرحلة الدفاع و نقطة البداية في مرحلة الهجوم حيث أرادت
أن تضع سوريا في موقف المدافع من خلال الأكاذيب التي روجت لها إسرائيل عن
المنشأة النووية المزعومة و التي ادعت أن سوريا تطورها بالتعاون مع كوريا
الشمالية .
و بالنظر لما تقدم نجد أن كل النشاط الإسرائيلي الحالي مركز على ترميم
إستراتيجية الردع الإسرائيلية لما لها من أهمية بالنسبة لإسرائيل و نجد
بأن التصرفات الإسرائيلية التي توحي من الخارج بعدم الإكتراث للتهديدات و
الرسائل السورية تعكس خوف و رعب في نفوس القيادات السياسية و العسكرية
الإسرائيلية من أي تحرك سوري خصوصاً و أن إسرائيل تراقب عن كثب صفقات
التسلح و تحديث الجيش السوري و تتخوف من إعادة سيناريو حرب تشرين 1973 و
تعمل على منع أي هجوم سوري في ظروف ليست هي الأفضل بالنسبة لإسرائيل و في
ظل الحديث عن تغير في ميزان القوى العسكري لغير صالح إسرائيل و ذلك لعدة
أسباب أهمها القوة الإيرانية المتنامية و ظهور عدو قوي جديد على الجبهة
الشمالية لإسرائيل و هو حزب الله وقد بات من الواضح أنه مجهز عسكرياً و
تنظيمياً لدرجة عالية جداً تصل إلى قدرته على ضرب كامل "الأراضي
الإسرائيلية" و هو ما لم تكن تتوقعه إسرائيل قبل حرب تموز بالإضافة إلى
السعي السوري الدؤوب لتطوير و تحديث الجيش لخلق ميزان قوة جديد في المنطقة
و هو الشيء الذي يؤكده الكاتب الإسرائيلي رؤوبين فدهشتور في مقالة له في
صحيفة هآرتس تحت عنوان ((ميزان الرعب الجديد)) حيث كتب بأن سوريا قد تزودت
بشكل كثيف بالصواريخ البالستية و التي من المقرر لها أن توازن التفوق
الجوي الإسرائيلي و يوجد لديها أكثر من 500 صاروخ بالستي و من بينها
صواريخ سكود- د التي يبلغ مداها أكثر من 700 كيلو متر و يضيف قائلاً : إن
تزويد الصواريخ السورية برؤوس غير تقليدية سيتيح للسوريين رسم صيغة جديدة
حيث تتيح الصواريخ التي يملكها السوريون تغطية كل مساحة إسرائيل في الوقت
الذي لا يستطيع الجيش الإسرائيلي في الوقت الراهن اعتراض هذه الصواريخ
بشكل ناجح تماماً و بالإضافة إلى الطابع الردعي و الدفاعي للصواريخ
السورية يوجد في هذه الاسلحة احتمال هجومي . و يختم الكاتب المذكور مقالته
بالاستنتاج التالي : و هكذا نجح السوريون على الرغم من التدني النسبي في
وضعهم في مجال الأسلحة التقليدية في خلق توازن رعب جديد في مواجهة إسرائيل
.
و في النهاية أعتقد أن هذه المقالة الإسرائيلية و هذه الإستفزازات التي
تقوم بها إسرائيل تعكس تماماً التفكير الإسرائيلي و مدى التخبط و القلق
الواقعة فيه إسرائيل و تعطي تفسير واضح عن السبب الرئيسي وراء توتر الجبهة
السورية الإسرائيلية .