[b][size=12][b]عبد الباري عطوان
كنا نتمني لو ان
الرئيس الفلسطيني محمود عباس بادر فورا بتصحيح المغالطات المرعبة التي
وردت علي لسان ضيفه الرئيس الامريكي جورج بوش اثناء المؤتمر الصحافي
المشترك الذي عقداه سويا بعد مباحثاتهما في رام الله، خاصة تلك المتعلقة
بالأمم المتحدة وقضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات. ولكنه للأسف لم يفعل،
وبدا كما لو انه موافق علي طرح الرئيس الامريكي، وسعيد بحديثه عن انهاء
الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة بغض النظر عن طبيعة هذه الدولة وما
اذا كانت تلبي الطموحات الفلسطينية او لا.
الرئيس بوش ارتكب
خطيئة كبري عندما الغي الأمم المتحدة ودورها في تسوية الصراع العربي ـ
الاسرائيلي، عندما قال انها فشلت في حل هذا الصراع، ويجب وضعها جانبا.
وكأنه يقول ان رؤيته للحل، التي تتطابق مع الرؤية الاسرائيلية هي اساس
للتسوية التي يتطلع الي انجازها قبل انتهاء فترة رئاسته الثانية مع نهاية
هذا العام.
الامم المتحدة لم
تفشل في حل الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وانما جري افشالها عمدا من قبل
الولايات المتحدة واسرائيل لانهما تستخدمانها وقراراتها لخدمة اهدافهما،
وتضعان قراراتها جانبا اذا كانت تتعارض مع اطماعهما العدوانية والتوسعية.
الرئيس بوش يلجأ
الي الامم المتحدة لاضفاء الشرعية علي حروبه، وتبرير قتل الملايين من
الابرياء مثلما فعل في العراق، وانتزاع اراض من دول اسلامية مثلما فصل
تيمور الشرقية عن اندونيسيا، ودارفور عن السودان، ولكن عندما تنصف الامم
المتحدة العرب، فإن جميع قراراتها لا تنفذ.
هناك اكثر من ستين
قرارا صدرت عن الجمعية العامة ومجلس الامن بدءا من قراري التقسيم وعودة
اللاجئين وانتهاء بالانسحاب الاسرائيلي من المناطق المحتلة عام 1967، ولكن
ايا من هذه القرارات لم يطبق لان الفيتو الامريكي جاهز دائما لتعطيلها
وحماية اسرائيل من اي عقوبات.
الرئيس بوش تسبب
في قتل اكثر من مليون ونصف المليون عراقي بذريعة تطبيق قرارات الشرعية
الدولية وربما يستعد لتدمير سورية وتخريب لبنان وتمزيق وحدته واستقراره
تحت ذريعة المحكمة الدولية، وتطبيق قرارات مجلس الامن، وهو يطالبنا الآن
بعد كل ذلك ان نعترف بفشل الامم المتحدة وانها منظمة لا تصلح لحل الصراع
العربي ـ الاسرائيلي وعلينا البحث عن صيغ اخري وهيئات اخري غيرها.
فكيف تنجح الامم
المتحدة في العراق وافغانستان وتيمور الشرقية وكوسوفو ولبنان ودارفور
وتفشل، او لا ينبغي ان تنجح في فلسطين، هل لان اسرائيل فوق الشرعية
الدولية، هل لانها فوق كل القوانين؟
?پ?پ?
هذا المنطق الأعور
هو الذي يجعل الرئيس بوش العدو الاكبر للاستقرار والعدالة في العالم،
يتظاهر الملايين ضده في كل بلد يشد اليه الرحال، ويقذفونه بالبيض الفاسد
باعتباره مجرم حرب، ملطخة يداه بدماء الابرياء في اكثر من بقعة من العالم
الاسلامي.
رسالة الرئيس بوش
الي الشعب الفلسطيني والأمة العربية التي القاها في مؤتمره الصحافي رسالة
ملغومة وملوثة، رسالة تقول انسوا الامم المتحدة وقراراتها. انسوا مبادرة
السلام العربية، انسوا اللجنة الرباعية وخريطة طريقها، وما عليكم الا
القبول برؤيتي للسلام اذا اردتم حلا ودولة فلسطينية مستقلة.
رؤية الرئيس بوش
التي بدأت بكونها احدي مرجعيات مؤتمر انابوليس للسلام الي جانب مرجعيات
ثلاث اخري هي الامم المتحدة وخريطة الطريق ومبادرة السلام العربية، لتصبح
هي الوحيدة، تجب ما قبلها، هذه الرؤية تقوم علي التسليم باسرائيل دولة
يهودية خالصة، وبالتالي اسقاط حق العودة، والقبول بعلم رمزي علي المسجد
الاقصي، وكل المستوطنات المحيطة به.
اليوم نحن مطالبون
باسقاط حق العودة باعتباره حقا غير عملي عفا عليه الزمن، وفي الغد سنجد
انفسنا مطالبين باسقاط حق مليون ونصف المليون عربي من البقاء في دولة
اسرائيل باعتباره حقا غير شرعي لان اسرائيل اصبحت دولة لليهود فقط باعتراف
العرب والسلطة الفلسطينية.
ويعلم الله بماذا سيطالبوننا بعد غد، حتي نصبح معتدلين وواقعيين ونستحق الصدقات الامريكية.
الرئيس بوش طالب
الدول العربية بمد اليد الي اسرائيل، وتطبيع العلاقات معها لتشجيعها علي
القبول برؤيته هذه، واقامة الدولة الفلسطينية علي اساسها، ولن نفاجأ اذا
ما تجاوب بعض القادة العرب الذين جعلوا من ايران العدو الاكبر، مع هذه
الدعوة لنيل رضا سيد البيت الابيض وبركاته.
ولن يكون مفاجئا
بالنسبة الينا ايضا لو طالب الرئيس بوش القادة العرب، بالاستثمار في
الدولة العبرية، وبناء جزر صناعية قبالة حيفا، ونقل خبراتهم العريضة في
بناء الابراج، خاصة ان دخل العرب من العوائد النفطية بات يفوق الالف مليار
دولار سنويا ولم تعد المجالات الاستثمارية في الدول النفطية قادرة علي
استيعابه، فلم تبق شواطئ لبناء مدن عليها، وباعتبار ان الاستثمار في دول
عربية فقيرة مثل اليمن ومصر وسورية غير آمن لانها دول غير متحضرة ولا تحتل
اراضي الآخرين.
?پ?پ?
الشعب الفلسطيني
يجب ان يرفض رؤية بوش هذه، وان يقاوم كل من يقبل بها، لانها تفريط
بالثوابت الفلسطينية، وخاصة حق العودة الذي يعتبر اساس القضية الفلسطينية،
ولا عدالة دون تحقيقه. لهذا فإن كل الآليات التي تحدث عنها الرئيس بوش
لتعويض اللاجئين مرفوضة، لان الشعب الفلسطيني لا يمكن ان يبيع وطنه وأرضه
بكل اموال الارض.
يجب ان لا ننخدع
بمطالبة الرئيس بوش بقيام دولة فلسطينية وانهاء الاحتلال، وقول بعض
المنافقين انه اول رئيس امريكي يذهب الي هذا الحد في محاولة لتسويق رؤيته،
وتبرير التنازلات التي يتهيأون لتقديمها. فالرئيس بوش ليس نبيا، ولا هو
مخول بفرض الاملاءات الاسرائيلية علي الشعب الفلسطيني.
التنازلات المؤلمة
التي يتحدث عنها الرئيس بوش لا تنطبق علي الشعب الفلسطيني، لانه لم يعد
لديه اي تنازلات يستطيع تقديمها مؤلمة كانت او مريحة، الا يكفي تنازل
سلطته في لحظة خديعة كبري عن ثمانين في المئة من ارض فلسطين التاريخية،
لتجد نفسها تتعرض لمساومات ابتزازية للتنازل عن ربع هذه النسبة المخجلة؟
اسرائيل لا تقدم
علي تنازلات مؤلمة عندما تسحب قواتها ومستوطناتها من الاراضي المحتلة،
فأين الألم في ذلك؟ فهذا الاحتلال غير شرعي، وهذه المستوطنات مسروقة من
ارض شعب مغلوب علي امره، جري انتزاعها، مثل باقي الاراضي، بالقوة والقتل
والارهاب وبدعم المجتمع الغربي المتحضر.
الشعب الفلسطيني
يجب ان يقبل التعويضات في حال واحدة، اي تعويضه ليس عن الارض التي اغتصبت
منه، فهذا حق لا يعوض بكل اموال الدنيا، وانما عن كل نقطة ماء، وكل شمة
هواء، وكل سمكة، وكل محصول جناه المحتلون من ارضه علي مدي ستين عاما.
مؤسف ان يعانق
الرئيس عباس ضيفه بوش بهذه الطريقة وهو الذي جاء ليكرس الظلم الاسرائيلي
علي شعبه، ومؤسف اكثر ان يخرج علينا بعض رجالات السلطة بأقوال تحاول ترقيع
السقطات التي وردت علي لسان بوش في مؤتمره الصحافي.
[/b]