الحرب البيولوجيه
من بين كل الميكروبات الممرضة للإنسان، هناك عدد قليل وقع عليه الاختيار
وتم إنتاجه وتطويره بطرق قياسية في ترسانات الأسلحة البيولوجية في العالم،
مثل: ميكروبات الجمرة الخبيثة، والطاعون، والحمى الصفراء، والتهاب المخ
السحائي، والحمي المتموجة، وحمي الأرنب والجدري.
وببساطة شديدة، تكون
ميكروبات الحرب البيولوجية قاتلة إذا كانت مقاومة لفعل المضادات الحيوية،
ثابتة في الظروف البيئية المختلفة، مقاومة لدرجات مختلفة من الحموضة
والقلوية، يصاحبها معدلاتٍ عالية من النمو، سامة جداً وتستطيع أن تفرز
سمّها في أطوار نموها الأولى - أي بعد 1:2 ساعة - لا تتأثر باللقاحات
والأمصال الموجودة بداخل الجسم البشري. ولكن، كيف تتحقق الإمكانات والشروط
السابقة لنوعٍ ممرض من البكتريا؟ ونجيب ببساطة شديدة، بأنه سيتحقق ذلك لو
استطاعت وسائل الهندسة الوراثية من استزراع ميكروبات معدلة وراثياً لتتحقق
فيها الشروط السابقة، وستكون تلك البكتريا فتاكة يمكن التحكم في نشرها
بالقدر المطلوب. وهذه الميكروبات المهندسة وراثياً موجودة بالفعل في جهات
عديدة في ترسانات الأسلحة الحيوية ببعض دول العالم، وستكون هذه الميكروبات
المهندسة وراثياً مثالية في الحرب الحيوية، وستكون سلاحاً قاتلاً فتاكاً.
وربما سيكون في استخدام مثل هذه البكتريا المهندسة وراثياً إيذاناً ببداية
الهلاك للعالم كله.
ومما لاشك فيه أن تقنية الهندسة الوراثية تعطي
الباحثين في مجال الميكروبيولوجيا العسكرية أدواتٍ فائقة المرونة، هائلة
الإمكانات لإنتاج ميكروبات طبقاً للصفات المرغوب فيها بدقة. ومثل هذه
الميكروبات سوف تشكل سلاحاً رهيباً، ولو وقعت في أيدي من لا قلب له ولا
ضمير فلن يبقي ولا يذر. وينطبق عليهم قول الله تعالى: "وَمنَ النَاس مَنْ
يُعَجبك َقوْلُه في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي
قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّيِ سَعَى فِي الأَرْضِ
لِيُفْسدَ فِيْهَا وَيُهْلكَ الْحَرْثَ وَالنَسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُ
الفَسَادَ وَإِذَا قِيْلَ لَهُ اَتَّقِ اللَّه أَخَذَتْهُ الِعزَّةُ
بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّم ولبئسَ المِهَاد" سورة البقرة آية 204-206.
ثانياً : الأسلحة البيولوجية أسلحة رخيصة التكاليف سهلة الإنتاج
تعدّ الأسلحة البيولوجية من وسائل الحرب الرخيصة إذا قورنت بالأسلحة
الكيماوية أو النووية. وجراثيم الميكروبات الممرضة يمكن تحضيرها بصورة
بسيطة غير معقدة بواسطة بعص المختصين المهرة من علماء الأحياء الدقيقة،
حيث تحضيرها لايحتاج لتقنيات علمية معقدة ولا تفاعلات عديدة أو متسلسلة.
والمدهش أن طريقة تحضيرها لا يوجد بها سرية ولا قصورٍ معرفي لدى الكثير من
العلماء، والذي يمنع من إنتاجها هو فقط الضمير الإنساني، إذ تتعالى
الأصوات في كل الدول العربية لتفادي تصنيع هذه الأسلحة ليعيش المجتمع
الدولي في أمنٍ ورخاء.
وإنني - كمتدرب ومختص في الهندسة الوراثية
للبكتريا - يمكنني أن أقول إن الأسلحة البيولوجية، هي أسلحة الفقراء
الصامته، فأي مصنع مضادات حيوية (كالبنسلين) يمكن برمجته لينتج أسلحة
بيولوجية، فبدلاً من أن نضع قطرة البنسيليوم المنتجة للبنسلين مثلاً ، نضع
ميكروب باسبللس آنثراسيس لينتج ميكروب الجمرة الخبيثة أو ميكروب باستوريلا
بستس لإنتاج الطاعون، وغيرهما.
ويأتي الخطر الفادح إن استعملت سموم
الميكروبات كسلاح بيولوجي، حيث يمكن استخلاص هذه السموم بطرقٍ سهلة لتحدث
المرض بطريقة أشد فاعلية من الإصابة بالميكروب نفسه، نظراً لتركيز السم
وإصابته المباشرة للإنسان، ولأن الميكروب يأخذ فترة حضانة معينة يفرز
خلالها سمّه. هذا السمّ لو أُخذ جاهزاً لكانت الكارثة الإنسانية المحققة،
حيث يقتل الإنسان فوراً، ولتصوّر فظاعة السموم الميكروبية، وُجدَ علمياً
أن ميللي جرام واحداً "جزءاً من ألف جزء من الجرام" من أقوى سم بكتيري
معروف - وهو سم البوتشولين المنتج من بكتيرة كلسترويم تيتاتي - يقتل مليون
خنزير من خنازير غينيا التي أجريت عليها هذه التجربة.
ثالثاً : الغزو البيولوجي، سرّي الاستعمال ويصعب اكتشافه
لعلنا نعرف الآن فظاعة الأسلحة البيولوجية، أسلحة الفقراء الصامتة المدمرة
الرهيبة، فكم من حروبٍ حسمت بهذه الأسلحة الرخيصة التي تعتمد على قوة
العقل وبراعة التفكير والتدبير. واستعمالها يبث الذعر والفزع والقلق
بالمجتمعات المعادية، وهذا أسلوب سرِّى يبث الهلع بين الأفراد، حيث إنهم
يهاجمون بميكروب لايرونه ويفتك بهم ليضعف روحهم المعنوية ويثبط أفكارهم.
وهذا الأسلوب هو حرب نفسية قوية تأتي بالقطع بأسلوب مدبر وعالي التخطيط.
ومن المدهش أن استعمال هذه الأسلحة لا يكتشف بسهولة وبسرعة، حيث يأخذ
الميكروب فترة حضانة لحين ظهور المرض. ومن الصعب معرفة مرتكبي جرائم الحرب
البيولوجية بسهولة لأن الهواء قد يحمل ميكروباً آلاف الأميال ليهاجم
الأفراد في مكانٍ بعيد، وكل ما سبق يعرفنا بخطورة الأسلحة البيولوجية
ويجعلنا من المنادين دائماً بحظر استعمالها.
رابعاً : الأسلحة البيولوجية متعددة التأثير
من الأسلحة البيولوجية ما هو مضاد للمحاصيل الزراعية؛ ومنها ما هو مدمر
للحيوانات الاقتصادية التي يعتمد عليها شعب ما؛ ومنها ما هو مهلك ومدمر
للإنسان فقط دون غيره؛ ومنها ما هو مزدوج التأثير كالأمراض المشتركة التي
تعدي الحيوان فتُهلك الثروة الحيوانية ويُعدى الإنسان من الحيوان بعد ذلك
فتحدث أمراض وبائية للإنسان. ونتحدث هنا في عجالة شديدة عن ذلك.
أ- الأسلحة البيولوجية المضادة للمحاصيل الزراعية
هناك بعض الدول في كل قارات العالم تعتمد رسمياً على الزراعة، وتتميز كل
دولة من هذه الدول على محصول زراعي قومي هو عماد الاقتصاد الوطني للدولة.
ومسألة تحضير ميكروب ليصيب هذا المحصول معناه تدمير لاقتصاد هذه الدولة.
وإدخال هذا الميكروب لهذه الدولة أمر غاية في السهولة، فقد يدخل مع هبوب
الرياح أو يدخل مع بعض العملاء والجواسيس بأسلوب سري، أو يدخل مع شحنات
التقاوي الزراعية المستوردة ... وغيرها. وقد يرش الميكروب بالطائرات في
الحرب البيولوجية المعلنة، كتلك التي استعملتها الولايات المتحدة
الأمريكية ضد فيتنام، فقد رشوا سائلاً أصفر نزع اليخضور من الأشجار وقضى
على محصول الأرز في هذا العام.
ودلت التقارير العلمية الموثقة
المنشورة بأن ترسانات الأسلحة البيولوجية الأمريكية والروسية والإنجليزية
والفرنسية، وأخيراً الأمريكية، تحتوي على كمياتٍ من الأنواع الجرثومية
لفطريات الأمراض النباتية كتلك المحدثة لتفحم الذرة والقمح والشعير،
ومحدثات صدأ القمح والفول البلدي والشعير والأرز، ومحدثات لفحات البطاطا
والطماطم والفلفل والباذنجان، ومحدثات صدأ البصل والثوم ... وغيرها.
وإصابة النبات بغزو بيولوجي من الأمراض السابقة يعني تدميراً للنبات بشكل
وبائي، إذ تكمن جراثيم هذه الأمراض بالتربة بعد إحاطة نفسها بجدار سميك
لعدة سنوات طويلة دون أن تُضار، مع إصابة النبات في كل عام بعددٍ معين
منها بشكل لاينتهي، حيث ينتج النبات المصاب جراثيم مرة ثانية تكمن مدة
أخرى في التربة، ولذلك يجب أخذ الحيطة من الأسلحة البيولوجية المضادة
للمحاصيل الزراعية، ويجب المناداة بوقف إنتاجها واستعمالها.
ب- إصابة الإنسان والحيوان معاً
ومن الأسلحة البيولوجية ماهو مزدوج التأثير، فقد يصيب الإنسان بطريقة
مباشرة، أو يصيب الحيوان بطريقة مباشرة، أو كليهما. وقد يُعدى الإنسان من
الحيوان من خلال أكل لحومه أو الاحتكاك به، مثل مرض الجمرة الخبيثة الذي
كان لها وضع خاص منذ بعيد الزمن في نظر أولئك الذين يريدون استخدام
الميكروبات كسلاح. فقد تتطلب الأوبئة مخلوقات حيوانية متعاونة، إذ على
البرغوث أو البعوضة أو الذبابة أن تلدغ الضحية من الإنسان ليحدث المرض؛
ولكن بكتريا الجمرة الخبيثة، وعندما يتم تغذيتها بمغذيات بسيطة، تتكاثر
بسهولة في وعاء عادي من أوعية المختبر؛ وعندما تصيب، فإنها تصيب الإنسان
أو الحيوان أو كليهما، أو يُعدى الإنسان من الحيوان، ولذلك يجب وقف إنتاج
هذا السلاح الذي يدمر الحيوانات الاقتصادية والإنسان معاً.
ج- إصابة الحيوان ثم عدوى الإنسان
ومن الأمراض البيولوجية ما يصيب الحيوان أولاً مسبباً بذلك خسارة
اقتصادية، ثم يصاب الإنسان من الحيوانات المصابة بعد ذلك بأكل لحومها أو
استعمال أصوافها وأظلافها، مثل مرض حمى الوادي المتصدع.
لكل ما سبق،
نرى أن الأسلحة البيولوجية أسلحة خطيرة لسهولة إنتاجها ورخص ثمنها وتعدد
تأثيرها على أشكال الحياة المختلفة من نبات وحيوان وإنسان