المعلومات المعروفة عن الهجمات الإرهابية في سيناء
بعد أيامٍ معدودة من تفجيرات دهب، كثفت
الشرطة عملياتها للقبض على أعضاء حركة التوحيد والجهاد. وقد قتل زعيم الحركة نصر
خميس الملاحي يوم 9 أيار/مايو 2006، في حين استسلم زميله الفار محمد عبد الله عليان
أبو غرير. إن الشهادة التي أدلى بها الأخير أمام نيابة محكمة أمن الدولة
بالإسماعيلية أوائل شهر تموز، وكذلك اعترافات أفراد الجماعة الآخرين الذين ألقت
الشرطة القبض عليهم خلال موجاتٍ متعاقبة من الاعتقالات بعد شهر تشرين الأول/أكتوبر
2004، تلقي الضوء خاصةً على ارتباك عمليات التحقيق التي تضمنت اعتقال آلاف الأشخاص
في سيناء وقتل عشرات من أفراد الجماعة. وتشدد الرواية الرسمية التي قدمتها الشرطة
على عنصرين رئيسيين: الأول هو أن تنفيذ الهجمات جاء كجزءٍ من خطةٍ واحدة وضعتها
جماعة التوحيد والجهاد؛ وأما الثاني فهو أن هذه المنظمة على صلةٍ بالتنظيمات
الإسلامية الفلسطينية.
وعلى نحوٍ أكثر تحديداً، قيل أن الفلسطينيين متورطون في تدريب أفراد
الجماعة في غزة ومصر. ويقال أن اثنين من الرجال المسؤولين عن تفجيرات دهب تدربوا في
فلسطين؛ كما يزعم أن ثلاثة فلسطينيين قاموا بتدريب أعضاء الجماعة في مصر، وأن
الشرطة عثرت مع مشتبهٍ فيه اعتقلته في أيار/مايو 2006 على هاتفٍ مرتبطٍ بالشبكة
الهاتفية الفلسطينية، وكذلك على مبلغ 1000 دولار.[7] وبإيراد هذه
المعلومات، تزعم السلطات أن ثمة صلة بين التنظيم الإرهابي وحركتي حماس والجهاد
الإسلامي في فلسطين. أما السلطة الفلسطينية التي سارعت إلى إدانة تفجيرات
دهب،[8] فتقول أن الصلة
الممكنة الوحيدة هي صلةٌ بين أفراد فقط، وأنها تستند إلى روابط عائلية
وقبلية.[9]
لم تصدر أية مطالبةٍ رسمية، كما لم يصدر
تصريحٌ رسمي، لا قبل الهجمات في سيناء ولا بعدها؛ وهذا ما يترك تلك الأحداث مفتوحةً
للتخمين.[10] لكن، وحتى إن
وجدت "صلة فلسطينية" حقيقةً، فقد أقيمت هذه الصلة في مصر أول الأمر. إن زعيم
الجماعة نصر خميس الملاحي، وواحدٌ من الأشخاص المسؤولين عن تفجيرات طابا (إياد سعيد
صالح) من أصلٍ فلسطيني، لكنهما مصريا المولد.
وثمة سببٌ وجيه يحمل على الاعتقاد بأن
الهجوم الأول في طابا كان على صلةٍ بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني (وإن لم يكن
مرتبطاً بالضرورة بأحد الفصائل الفلسطينية). ويمثل منتجع طابا الواقع على مرمى حجر
من الحدود الإسرائيلية وجهةً مفضلة للإسرائيليين من أجل قضاء العطلات؛ وقد كان بين
الضحايا كثيرٌ منهم. لكن الغالبية العظمى من ضحايا الهجمات اللاحقة كانت من
المواطنين المصريين.[11]
ويطرح البعض فرضيةً مفادها أن تفجيرات
شرم الشيخ ودهب كانت عملاً انتقامياً قامت به الجماعة رداً على اعتقال آلاف الأشخاص
في أعقاب تفجيرات دهب.[12] وقيل إن من
شأن هذه الفرضية أن تفسر سبب استهداف المدنيين المصريين (بفرض أن الإرهابيين قصدوا
قتل المصريين).[13] كما رأى آخرون
في تفجيرات شرم الشيخ، وبصرف النظر عن جنسيات الضحايا خاصةً، ضربةً موجهةً إلى
الرئيس مبارك (أو رسالةً له)، وذلك بالنظر إلى أن شرم الشيخ مكانٌ رئيسي لعقد
مؤتمرات القمة وإلى أن الرئيس يذهب إليها كثيراً. وقد تلقت نظرية الرسالة الموجهة
إلى مبارك مزيداً من التأييد من خلال تفجيرات دهب. وقد شاعت أنباءٌ على نطاقٍ واسع
قالت أن المؤسسة الرئيسية التي استهدفتها التفجيرات كانت مطعم آل كابوني بمركز
البلدة.[14] أما ما لم
تقله الأنباء فهو أن مالك هذا المطعم كان من مؤيدي مبارك المحليين البارزين في
الانتخابات الرئاسية التي جرت في آب/أغسطس ـ أيلول/سبتمبر 2005.[15]
وعلى نحوٍ أكثر عمومية، كانت فرضية
استهداف مصر والمصريين على نحوٍ ما (وليس السياح الإسرائيليين أو الغربيين مثلاً)
حاضرةً على نحوٍ بارز في تعليقات وسائل الإعلام المصرية.[16]
إن فرضية الاستهداف المتعمد للمدنيين
المصريين تنقض (جدلاً على الأقل) الزعم بمسؤولية تنظيم القاعدة[17] وتطرح أسئلةً
تتعلق بوضع سيناء وسكانها ضمن إطار الدولة المصرية بحيث يمكن تفسير الهجمات بأنها
تعبيرٌ عن "مشاعر انفصالية بين أهل سيناء يحملونها تجاه بقية المصريين"، وذلك حسب
تعبير عبد اللطيف المنياوي في صحيفة الأهرام. إن دعوة المنياوي إلى اليقظة إزاء
محاولات الرامين إلى تقسيم الأمة (إسرائيل تلميحاً)، وهي نظريةٌ متكررة الظهور لدى
المعلقين المصريين، تجعله يلح على أن "سيناء جزءٌ لا يتجزأ من مصر، وأن البدو هم
أبناء الأمة المصرية".[18]
إن الإصرار على هذه النقطة يكشف مدى
إشكالية دمج سيناء منذ الانسحاب الإسرائيلي منها. ومازالت نظرة سكان وادي النيل إلى
بدو سيناء تحمل أثر تركة الحروب التي دارت في شبه الجزيرة. وقد أفضت تفجيرات سيناء
إلى نظرةٍ أكثر تنوعاً إلى البدو شبه المجهولين الذين يغلب وصمهم بصفاتٍ سيئة؛ لكن
بعض المصريين مازالوا ينظرون إلى البدو بوصفهم خونة ومتعاونين مع الاحتلال
الإسرائيلي، إضافةً إلى اعتبارهم انتهازيين غير وطنيين يمارسون مختلف أنواع التهريب
(المخدرات والنساء والأسلحة)، وأنهم يعملون مع السياح الإسرائيليين، ولعلهم صاروا
إرهابيين الآن.
*أ- ملابسات
التحقيق
يتعين التعامل الحذر مع تلك الحفنة من المعلومات المتوفرة حول التفجيرات
الإرهابية في سيناء. فالصحافة، وهي المصدر الرئيسي، لا تنشر إلا ما تسمح به
السلطات. ويبدو أن جماعة التوحيد والجهاد فقدت قيادتها بعد مقتل نصر خميس الملاحي
الذي زُعم أنه قائدها، وكذلك بعد اعتقال عرفات عودة الذي يعتبر الشخص الثاني بعد أن
قتلت الشرطة في أيلول/سبتمبر 2005 خالد المساعيد، وهو من أسس الجماعة مع الملاحي.
كما اعتقل زهاء ثلاثين عضواً مزعوماً في الجماعة في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو
2006 في ذروة عملية تحقيقٍ مطولةٍ اتسمت بعنف خاص وأدت إلى مقتل 15 شخصاً خلال هذين
الشهرين وإلى مواجهاتٍ مع الشرطة بمنطقة العريش وعشراتٍ من الاعتقالات أيضاً (آلاف
المعتقلين منذ تشرين الأول/أكتوبر 2004). وقد قتل جميع من شاركوا في العمليات
مشاركةً مباشرة إضافةً إلى من يزعم أنهم قادة جماعة، وذلك إما أثناء الهجمات ذاتها
أو خلال الحملات التي شنتها الشرطة. وقد استندت إعادة بناء الأحداث على اعترافات
الأعضاء المزعومين في الجماعة، وقلةٌ منهم شاركوا على نحوٍ غير مباشر.
وقد لقيت
الاعتقالات والتحقيقات شجباً واسعاً من جانب منظمات حقوق الإنسان. ففي الأيام التي
أعقبت تفجيرات طابا، وقدرت هيومن رايتس ووتش وبعض الجماعات المصرية أن عدد
المعتقلين بلغ 3000 شخصاً في العريش وشرم الشيخ وشيخ زويد ورفح واحتجازهم أشهراً
كثيرة من غير إجراء تحقيقٍ قضائي معهم.[19]وقد كشفت
الشهادات عن استخدام التعذيب في الاستجواب.[20]وضع شمال سيناء
في حالة شبه حصار وجرت مراقبة الطرق مراقبةً شديدة. وبعد تفجيرات شرم الشيخ ودهب،
تحدثت الصحافة عن آلاف الاعتقالات، كما عبرت منظمات حقوق الإنسان المصرية عن قلقها
الكبير.[21] لكن تقدير عدد
الاعتقالات أو إجراء استطلاع ميداني حولها كما جرى بعد تفجيرات طابا كان أمراً
مستحيلاً لأن "الناس كانوا خائفين من الكلام وتقديم الأدلة" كما يقول أحمد سيف
الإسلام مدير مركز هشام مبارك الحقوقي ومحامي الدفاع في محاكمات طابا.[22] وهو يقول أن
الشرطة تقلل من الرقم الحقيقي كثيراً. وقد استهدفت الاعتقالات شمال
سيناء[23] على نحوٍ خاص
حيث ينتمي معظم أفراد الجماعة، لكن جنوب سيناء شهد اعتقالاتٍ أيضاً.[24]
*ب- جماعة التوحيد
والجهاد
أتت
المعلومات الوحيدة المتوفرة عن هذه الشبكة الإرهابية من اعترافات المشتبه فيهم.
وتقول هذه الاعترافات أن منفذي الهجمات كانوا من البدو وغيرهم من ذوي الأصول
الفلسطينية من أعضاء الجماعة التي تشكلت بعد بداية الحرب العراقية. ويبلغ عدد أعضاء
الجماعة 40 شخصاً تشير أسماؤهم إلى انحدارهم من القبائل والعائلات البارزة في شمال
سيناء (السواركة والمساعيد والترابين).
وقد أسس الجماعة كلٌّ من خالد المساعيد
ونصر خميس الملاحي. وقتل المساعيد، وهو طبيب أسنان من العريش والمشتبه فيه الأول في
تفجيرات شرم الشيخ، على يد الشرطة في أيلول/سبتمبر 2005. أما الملاحي، وهو خريج
كلية الحقوق، فقد بدأت الشرطة البحث عنه بعد تفجيرات طابا وكان من بين المتهمين
الخمسة عشر في المحاكمة التي بدأت في شباط/فبراير 2006 وانتهت في 30 تشرين
الثاني/نوفمبر 2006.[25] وكان الملاحي
المولود في دلتا النيل لأبوين فلسطينيين جاراً للمساعيد في مدينة العريش؛ ويقال أنه
كان شاباً ذكياً لكنه ترك الدراسة للعمل في الحقل. وكان يحرص على التردد إلى جامعٍ
في منطقة شيخ زويّد كان خطبته تدعو إلى الجهاد، أي إلى استخدام جميع الوسائل من أجل
تغيير المجتمع، إضافةً إلى المقاومة والتضامن مع الشعبين العراقي
والفلسطيني.[26]
ووفقاً لإفادة أحد المتهمين بتفجيرات
طابا أمام المحكمة،[27] كانت الجماعة
تعتبر حكام مصر وشرطتها من الكفرة، وكانت تعتبر السياحة والآثار الفرعونية من
المحرمات وتصف زيارة المواقع الأثرية بأنها عبادة أصنام.[28] وقام الملاحي
والمساعيد بتجنيد شباب من منطقة شيخ زويد الزراعية التي تتفشى فيها البطالة، وهي
منطقةٌ تتميز بسوء البنية التحتية الأساسية الشديد أو بانعدامها، وكذلك بقربها من
فلسطين لا من ناحيةٍ جغرافيةٍ فقط بل من ناحية الصلات العائلية والقبلية واللغوية
والاقتصادية.
وبما يتجاوز الملابسات المتعلقة بهجمات سيناء، وكذلك بالنظر إلى عدم
شفافية التحقيق، نقول إن ثمة مخاطر في محاولة إعادة إنشاء تفاصيل ما حدث؛ وذلك حتى
في الإطار العام. لكن الهوية البدوية والفلسطينية لأفراد الجماعة الإرهابية تقدم
نقطةً يمكن الانطلاق منها. وهي تقود تحديداً إلى التفكير في ما يدعى باسم "مسألة
سيناء" عامةً، وتلقي الضوء على أربعة جوانب رئيسية في هذه القضية:
q خصوصية هذه المنطقة الحدودية المصرية التي ترتبط تاريخياً
واجتماعياً بجوارها الشرقي أكثر مما ترتبط بوادي النيل؛
q تعدد أصول سكان المنطقة،
بمن فيهم الفلسطينيون الذين يعيشون ويعملون فيها ولهم صلاتٌ تاريخيةٌ وعائليةٌ
واقتصادية ولغوية عبر الحدود؛
q
الأوضاع الوحشية على حدود غزة رغم انسحاب
الإسرائيليين منها في آب/أغسطس 2005 وتولي المصريين والشرطة الفلسطينية والمراقبين
الأوروبيين المسؤولية عن ضبط الحدود؛
q
حقيقة كون هذه العمليات نفذت على يد رجال من
شمال سيناء واستهدفت منتجعاتٍ سياحية في جنوبها، وهي منطقةٌ ذات أهميةٍ استراتيجيةٍ
للسياحة نجت في التسعينات من العنف الذي مارسته الجماعة الإسلامية في وادي النيل.[29] وبكلماتٍ أخرى، نقول أن هذه الأفعال
تلقي الضوء على عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الشمال الذي يعتبر من أفقر
المحافظات المصرية، وبين الجنوب الذي تتركز فيه الاستثمارات الخاصة والمساعدات التي
يقدمها المانحون.
وتبين هذه العناصر الحقائق الاجتماعية والسياسية المعقدة في المنطقة، كما
تظهر عدم إمكانية رد الأمر إلى حالةٍ عارضةٍ مؤقتة أو إلى بعض البدو المتمردين
وعددٍ محدود من الفلسطينيين المعزولين. فالأمر يتعلق بالوضع الجيوسياسي، وهو يكشف
ضمناً عن مدى الصعوبة التي واجهت الحكومة المصرية في دمج هذه المنطقة الحدودية التي
عاشت أخطار الحرب والسلم أكثر من 50 عاماً (وهي منزوعة السلاح من عام 1982)؛ وكانت
لمدةٍ أطول من ذلك بكثير نقطة تقاطع سياسية وعسكرية واستراتيجية واقتصادية دولية
هامة من أجل بناء الأمة المصرية.
[1]- تقع رأس الشيطان بين طابا ونويبع. وقد أقيمت فيها
مؤخراً مخيماتٌ بدوية للسياح (ومعظمهم إسرائيليون).
[2]- قتل 12 إسرائيلياً، وجرح 120 في هجمات طابا ورأس
الشيطان.
[3]- لم يعد الإرهاب إلى سيناء وحدها. ففي 7 نيسان/أبريل
2005 انفجرت قنبلةٌ في حي خان الخليلي السياحي بالقاهرة فقتلت سائحين فرنسيين
وأمريكياً واحداً. وفي 30 نيسان/أبريل، في القاهرة أيضاً وفي حادثةٍ يرجح ارتباطها
بما قبلها (كان منفذوها من نفس الحي)، ألقى رجلٌ بنفسه من فوق جسر 6 أكتوبر، وعند
انفجار قنبلة منزلية الصنع كان يحملها، قتل ذلك الشخص وجرح ثمانية أشخاص آخرين.
وبعد ساعة من ذلك أطلقت شقيقته وخطيبها النار على سياح إسرائيليين قرب قلعة القاهرة
ثم قتلا نفسيهما.