الآثار الفنية .. تزويرها سهل وكشفه أسهل
حواس الإنسان تسبق الأجهزة الإلكترونية في
معرفة الأثر الحقيقي
القاهرة - علي القماش
الموناليزا أكثر اللوحات التي حاول مزورو الأعمال الفنية تقليدهاالتفرقة بين الآثار الحقيقية والآثار المقلدة
موضوع مهم لمحبي الحفاظ
على الآثار الحقيقية، ولكن من الطريف أن
مهربي الآثار يقومون بحصد الملايين بعد
الإفلات من عقوبة التهريب، إذا نجحوا في بيع آثار
مزورة، زاعمين أنها حقيقية
وخادعين بذلك من يقدم على الشراء منهم.
وعلى رغم تطور الأجهزة
الإلكترونية إلا أن التفرقة بين الآثار الحقيقية والآثار المقلدة
يعتمد على حواس أصحاب الخبرة الذين يعرفون الأثر
الحقيقي من الأثر المقلد بمجرد
النظر واللمس، وكأنهم يملكون الحاسة السادسة التي تفوق أحياناً أحدث الأجهزة.
أمثلة عدة أظهرت قدرة اكتشاف أصحاب الخبرة محاولات استبدال آثار حقيقية
بأخرى مقلدة.. ولعل أشهرها تلك التي أحدثت ضجة
إعلامية
كبرى عندما أعلن الأثري قدري كامل عن اكتشافه حقيقة استبدال لوحة
«أمنمحات» بلوحة أخرى مزورة أثناء عرضها في اليابان.
فقد تشكك قدري بخبرته الطويلة في مجال الآثار والتنقيب عنها وترميمها أن
اللوحة المعروضة تختلف عن اللوحة التي سافرت مع المعرض
من القاهرة، وهو ما يعني استبدالها بأخرى مزورة خصوصاً مع وجود ثغرات من
أهمها عدم إغلاق فاترينات العرض بشكل محكم،
إذ يمكن فتحها من أعلى وكذلك
مغادرة الأثري المرافق للمعرض مكان العرض في فترات الليل، وهي فترة كافية لاستبدال
اللوحة الأثرية.
وبناء على هذه الشكوك قام بمقارنة الصور
الدقيقة التي التقطها للوحة الأثرية قبل السفر، ومقارنتها باللوحة المعروضة فإذا به
يكتشف
العديد من الاختلافات الدقيقة التي لا يمكن للمشاهد العادي اكتشافها..
وقد أحدثت الضجة الإعلامية صداها إذ تقرر وضع
«بصمات»
سرية على الآثار قبل سفرها للعرض في دول أخرى.
والبصمة السرية معروف استخدامها في اللوحات الفنية، وذلك بوضعها في جزء
غير معروف مع التصوير الميكروسكوبي للوحة..
كما يمكن وضع بصمة سرية عن طريق
عمل ثقب دقيق في القطعة الأثرية، ويتم ملؤه بمادة لا تظهر إلا بالأشعة.
يستعرض الأثري عمر محمد أحمد الطرق البسيطة من واقع خبرته لتحديد الفارق
بين الأثر الحقيقي والمقلّد، بداية من نوع وتكوين مادة
القطعة الأثرية.
فالحجر، مهما كان نوع مكوناته من غرانيت أو
ألباستر أو مكونات جيرية وغيرها، تعرف حقيقته من خلال وزنه..
فكلما قل الوزن كان الحجر حقيقياً وقديماً، وإلى جانب الوزن هناك طريقة
نحت «التمثال» والتناسق الفني البعيد عن العيوب،
ومن طريقة كتابة النصوص
و«الخراطيش» الملكية على التمثال، ودقة الحروف وطريقة رسمها وحفرها، فإن الطرق
العديدة وخبرة الأثري
وعلمه تجعله يكتشف الفارق بين الأثر الحقيقي
والمقلد.
ويُعرف الأثر الحقيقي من المقلد من الطبقات
المكونة للحجر المصنوع منه القطعة الأثرية، فالطبقة الأولى للحجر ماثلة للطبقة
التالية ومتماسكة
معها.
الطريف أنه في بعض حالات الغش
يتم وضع قطع آثار مقلّدة في مناطق صحراوية بعيدة، ثم يقوم المزور بإيهام الضحية
بعلمه بموقع أثري
في الصحراء، ويصطحبه متظاهراً بالتنقيب في
الموقع المذكور حتى يكشف عن القطع التي وضعها بنفسه ثم يبيعها
له!
أما عن القطع المعدنية فيقول أحمد: «إنها تختلف تبعاً لنوع المعدن..
فإذا أزيلت الطبقة الأولى وكانت الطبقة التالية باللون نفسه
فهي قطعة قديمة وأثرية.. وإذا كانت غير ذلك فهي حديثة ومقلدة، إضافة إلى
أن نوع المعدن نفسه يحدد الفارق من خلال مواصفاته
وخصائصه.. فالنحاس يتغير لونه
بصورة تختلف عن الذهب أو الفضة أو الحديد.. وكذلك يمكن المعرفة من طريقة صناعة
المعدن
واللحام ومادة اللحام المستخدمة وطريقة نحت المعدن ونوع الزخرفة
والكتابة وطريقة الحفر..
أما النسيج فيُعرف من نوعه وتاريخ ظهوره، فكان
الكتان في القديم ثم الصوف فالحرير.. ويُعرف من أسلوب زخرفته وألوانه والرسوم
المصاحبة لكل عصر، وكذلك في السجاد، الذي انتشر تهريبه، فيُعرف من
الزخرفة والألوان ومكوناتها والعُقد، وكلها تختلف مع اختلاف العصور وأماكن
الصناعة.. فمثلاً الألوان كانت قديماً من الأكاسيد العتيقة والقوية.. وإذا استطاع
الخبير إزالة شيء من الألوان فهو حديث.. وهناك طريقة أخرى سهلة للكشف عن الفارق بين
السجاد الأثري والحديث.. وهي حرق «فتلة» من السجادة فإذا تحولت إلى رماد فهي قديمة.
ويُعرف الخزف من خلال مادته وطريقة صناعته التي تختلف باختلاف العصور..
ففي العصر الفرعوني والمصري القديم كان الفخار
ثم الفخار المحروق المطلي، وفي
العصور الإسلامية ظهر الخزف الجيري والفيومي والخزف ذو البريق المعدني.. ويستطيع
الخبير الأثري
معرفة حقيقة الخزف من طريقة صناعته ونوعه
وطبقاته وزخرفته، وتناسب الزخرفة مع العصر الناتج منه والألوان المستخدمة فيه،
وتوقيع الفنان إن وُجد.
والأمر نفسه في الزجاج وإن كان
يقل تهريبه إلى الخارج خوفاً من تعرضه للكسر إلا أنه يُعرف من خلال شكله وحجمه
واستخدامه من عصر
إلى آخر، ومن طريقة تصنيعه وأسلوب زخرفته
والحفر عليه.
أما الأسلحة فتتم معرفتها من نوع المعدن
المصنوعة منه وطريقة التصنيع والزخرفة والتكفيت، إن وُجد، والكتابة ومن كيفية قراءة
النص.
وتعد اللوحات الفنية من أهم الفنون التي يلجأ
البعض إلى تقليدها وتقليد توقيع فنانها بدقة بالغة.. ولكن يمكن تحديد حقيقتها من
خلال الألوان
المستخدمة فيها، ومدى تغيرها مع الزمن.. وطريقة أسلوب الفنان الأصلي في
الرسم واتجاه «الفُرشاة» ونوعية الموضوع
وطريقة التلوين وطريقة توقيع
الفنان، وأخيراً من خلال لمس اللوحة الفنية.