عقيدة الموت والخلود:
ننتقل بعد ذلك إلي عقيدة الموت والخلود لدي المصري القديم.كانت تستهوي
فكرة الحياة الأخرى على فكر الشعب المصري القديم أكثر من أي شعب
أخر، وذلك بسبب طبيعة المصري القديم وكثرة تأمله فيما حوله من ظواهر:
مثل شروق الشمس كأنها تولد وغروبها كأنها تموت ثم تعود في اليوم التالي
تشرق مرة أخرى ، والفيضان الذي كان يجئ مرة واحدة في العام ثم
ينخفض منسوب النيل شبهوه كأنه إنسان قارب على الموت حيث لا يحمل
الخير مثلما يحمل الفيضان من السمك والطمي الخصب وفي العام التالي
يجئ الفيضان مرة أخرى. كل هذه الظواهر وتأملات المصري القديم
أظهرت فكرة الخلود ولكن كان يجب الحفاظ على الجسد لتهتدي إليه الروح
بعد الموت ليحيا حياة أخرى.
وربما كان ظهور تلك الفكرة بسبب خاصية رمال مصر التي تحافظ على
جسد الميت بطريقة تبعث على الاندهاش حيث تقارب شكل الجثة شكل
عن فن التحنيط – لاحقاً – الأحياء وسنتكلم بالتفصيل
الذي كان وما زال يبهر العالم بما حققه من حفظ كامل
لأجساد أجدادنا الفراعنة.
طقوس دفن الميت:
كان المصريون القدماء يتوجهون بجسد الميت (بعد أن يتم تحنيطه) في
موكب حتى يصل إلى الشاطئ الشرقي للنيل حيث ينتظرهم أسطول صغير
من القوارب وكان المركب الرئيسي به غرفة كبيرة مبطنة من الداخل
بأقمشة في هذه الغرفة كان يوضع جسد الميت ومعه تماثيل: إيزيس ونفتيس
الإلهتان الحاميتان للميت ويقوم الكاهن بحرق البخور وتواصل النائحات
اللطم على أرؤسهن.
وبعد عبور النيل حتى الشاطئ الغربي للنيل يستمر الموكب حتى يصل إلى
قبر الميت وبعد عمل بعض الطقوس لا يبقى سوى إنزال التابوت والأثاث
الجنائزي وترتيبه ، فيوضع التابوت المصنوع على هيئة المومياء في تابوت
أخر من الحجر يتخذ شكل حوضمستطيل ويوضع حوله عدة أشياء مثل
العصي والأسلحة والتمائم ، ثم يقفل التابوت الحجري بغطاء ثقيل ويوضع
بجانب التابوت الأواني الكانوبية (هي الأواني التي توضع فيها أحشاء الميت
وتتخذ أشكال أبناء حورس الأربعة لذا فالأواني الكانوبية أربعة) داخل
صندوق خاص.
تم توضع المواد الغذائية للمتوفى التي تسمى "الأوزيربات النابتة "وهي
عبارة عن إطارات من الخشب على شكل أوزويس محنط وبداخلها كيس من
القماش الخشن يملئ بخليط من الشعير والرمل ويسقى لعدة أيام فينبت
١٥ سم كان يجفف ثم - الشعير وينمو كثيفًا وقوياً وعندما يصل طوله إلى ١٢
تلف الأعواد بما فيها من قطع من القماش وأما الهدف من هذا العمل هو
حث المتوفى على العودة لأن أوزوريس قد أعيد أحياؤه من الموت بهذه
الطريقة.
خروج الروح:
في الدولة القديمة كان
صعود روح الملك
المتوفى إلى السماء
عبر سلم علوي عظيم
أو قابضًا على ذيل
البقرة السماوية أو
محلقاً كطائر أو
محمو ً لا على دخان البخور المحترقة من الكاهن أو عاصفة رملية. أما
الاعتقاد الذي استقر بعد ذلك.والذي كان لكل البشر بعد أن أصبح حق عبادة
الشعب لأي معبود مكفولة هو خروج الروح على شكل طائر برأس إنسان.
محاكمة الميت:
كانت قاعة محاكمة الموتى في العالم الآخر تسمى باسم قاعة التحقيق ،
ويوجد بها اوزوريس جالسًا على العرش وخلفه شقيقتاه ايزيس ونفيتس و ١٤
نائبًا، وفي وسط القاعة يوجد ميزان كبير وبجانبه وحش لحمايته، كما يوجد
في القاعة أيضًا تحوت وانوبيس.
و تبدأ اجراءات محاكمة الميت عندما يقوم انوبيس بإدخال الميت) مرتدياً
ثوبًا من الكتان) الذي يحي اوزوريس وباقي الآلهة، ثم يدافع الميت عن نفسه
36 مرة لأنه يخشى ألا يصدقوه فيعيد إقراره الدال على براءته متوجهًا نحو
ال ٤٢ إلها (كانت مصر مقسمة إلي ٤٢ إقليما فكان كل إله يمثل إقليماً من
أقاليم مصر) و بعد ذلك يذكر الميت كيف كان خيرًا يعطي الخبز للجائع
ويقدم الماء للعطشان و يكسى العاري.
ثم يوضع قلبه في كفة الميزان وفي الكفة الأخرى تمثال صغير للحقيقة
(معات) ولم يذكر تفصيلاً كيف يوزن قلب الميت ولا أحد يعرف هل الآثام
كانت تثقل القلب أم تجعله خفيفًا ؟ وإذا أثبت أن هذا الرجل بريئاً كان له
الحق في الحياة و السعادة في العالم الآخر أم إذا كان مخطئًا فإنه يدمر
بواسطة الملتهمة(وحش خرافي مزيج من التمساح وأسد وفرس البحر.(
كان الشغل الشاغل للمصري القديم هوما سيحدث له في المحاكمة لأنه كان
يعرف أنه ليس كل الناس سوف يحظون بالنعيم في الآخرة،لذا فقد عمد
الكهنة إلي عمل بعضالتمائم والنصوص السحرية لحماية الميت وتبرئته في
المحاكمة ومن هذه الصيغ السحرية صيغة
تجعل إله الشمس (الذي يعتبر القوى الحقيقية وراء تلك
المحاكمة) يسقط من سماواته في النيل إذا لم يخرج ذلك
الميت برئ الساحة من المحاكمة.
كما وضع الفصل ١٢٥ في كتاب الموتى(سنتحدث عنه بعد
قليل) لتخليص المذنبين من خطاياهم وكان هذا الفصل ينسخ
على ورق بردي ليوضع داخل التابوت بين ساقي المومياء ليبرأ ساحة
الميت، وكان الكهنة يتحايلون بهذه الطريقة على الشعب حيث أوهموهم أن
بمساعدة النصوص السحرية يمكن أن تبرأ ساحة الميت وإن كان مخطئاُ.
و من ضمن الأمثلة أيضَا أسئلة القضاه في حساب المحكمة:
. هل عشت أجلك الذي حدده لك الإله كاملاً؟
. هل راعيت حق بدنك عليك كما رعاك الإله في شبابك؟
. هل حفظت جسدك طاهرًا كرداء نظيف لم تلوثه القاذورات؟
الحياة في العالم الآخر:
تصور المصري القديم أن الحياة في العالم الآخر مثلها مثل الحياة على
الأرض حيث يوجد سماء مثل سماء الأرض ،ونظرًا لأن الزراعة كانت
عماد الحياة في مصر أيضًا ستكون ذلك في العالم الآخر حيث تصورا العالم
الأخر حقول من القمح والشعير يحصدونها ويتمتعون بالخير الوفير
والأمان.
ولكن النبلاء كان من الصعب عليهم أن يعملوا في الحقول فظهرت تماثيل
الأوباتشي التي تمثل الخدم أثناء عملهم والخبازين والجزارين والنساء وهن
ينسخن القماش، وفائدتها أنها تقوم في العالم الآخر بخدمة مولاها وعمل كل
الأعمال التي كان يجب أن يعملها بنفسه.
كتاب الموتى:
كان من أهم الكتب لدي المصري القديم، وهو
كتاب يحتوي على مجموعة من النصوص
الدينية والسحرية عرفت عند المصريين باسم
"فصول السير أثناء النهار" وكتاب الموتى في
الواقع سليل نصوص الأهرام والتوابيت والمراد منه توفير حياة أخروية
مريحة للميت وإعطائه القوى اللازمة لمغادرة المقبرة عند اللزوم .ومعظم ما
وجد في المقابر أجزاء من كتاب الموتى التي كان يعتقد الميت أنه في حاجة
إليها أما الباقي فلا ينسخ ولكن وجدت نصوص كثيرة تحتوي على كتاب
الموتى كله، وفيما يلي بعض السطور من هذا الكتاب و ترجمتها حسب
ترتيب السطر.
دعاء ل "رع" عند ظهوره في الأفق الشرقي
يقول: " – أنظر "اوزوريس" كاتب قرابين الأرباب المقدسة جميعهم "آني
العزة لك يا من أتيت مثل "خبرى" خبرى مثل خالق الأرباب
إنك تبزغ ، وتسطع ، جاعلاً أمك ثاقبة ، متوجًا ملكًا للأرباب
تعمل لك الأم "نوت" بيديها فعل العبادة تستقبلك
اللعنات وانتقام الميت:
كان الميت يخشى اعتداء اللصوص على الذهب والفضة الموجودين في
القبر كما كان يرتاب الموظفين المنوط بهم لصيانة الجبانة، لذا فمن لا يؤدي
واجبه منهم بإخلاص كان الميت يتوعده بأشد العقاب بأنهم لن ينالهم شرف
التكريم الذي يمنح لأفاضل الناس، ولن يسكب عليهم أحد من المياه المقدسة
ولن يتقلد أولادهم وظائفهم كما سوف تنتهك حرمات نسائهم على مرأى منهم
، أما إذا عملوا بجد فسوف يكافئهم الملك وسوف يمنحهم العديد من
الوظائف. وإلي جانب ذلك كان يوجد موتى أشرار الذين كان
المصري القديم يعتقد انهم يتركون مقابرهم ويزعجون الأحياء
كما كان يعتقد أن أغلب الأمراض التي يعانيها الأحياء بسبب
الموتى الأشرار.
وإلي هنا تنتهي فكرة الموت والخلود لدي المصري
القديم .نرجوا أن نكون أعطيناها حقها.
وبهذا نكون قد ألقينا الضوء على كل جوانب الديانة المصرية القديمة بإيجاز
وعرفنا شغف المصري بالاهتمام بتجهيز نفسه للحياة الأخرى واتخاذه كل
السبل للوصول للنعيم الدائم وكيف كانت العبادة ووجود الآلهة بمثابة ضمير
وواعظ أخلاقي وكيف كان المصري أول من وصل إلي فكرة التوحيد