الجزائر أصرت على دعم حركات التحرر والتفريق بينها وبين عصابات الإجرام
''الولايات المتحدة الأمريكية متحيزة في صف إسرائيل وإن استمرت واشنطن في سياستها هذه فإن مصالحها في العالم العربي سيكون محكوم عليها بالفشل..''، بهذه اللهجة التي لم يعتد أي دبلوماسي أمريكي سماعها من نظرائه في العالم، خاطب عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية في فترة السبعينيات، نظيره الأمريكي دافيد نيوسوم، وتحديدا بتاريخ 21 أكتوبر من عام 1976، في لقاء جمعهما في نيويورك، وحضره من الجانب الجزائري عبد اللطيف رحال، ممثل الجزائر بالأمم المتحدة آنذاك والدبلوماسي عبد القادر بوسلهام، ومن الجانب الأمريكي الدبلوماسي ديسيبرا، بالإضافة طبعا إلى وزير خارجية واشنطن.
في هذا اللقاء الذي دام ساعتين كاملتين، ووردت كامل تفاصيله في تقرير سري للمخابرات الأمريكية، وجّه عبد العزيز بوتفليقة بصفته وزيرا للخارجية كلاما لم يسبق لدبلوماسي أمريكي أن سمعه، حيث دافع عن موقف الجزائر تجاه قضايا التحرر في العالم، كما أصر على ضرورة التفريق بين حركات المقاومة وعصابات الإجرام، فيما برّأ أيضا ساحة الحكومة والسلطات الجزائر من تهمة دعم حركة أمريكية مسلحة تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقرا ومسرحا لأنشطتها.
وحسب ما ورد في الوثيقة السرية، التي تنفرد ''النهار'' بنشر تفاصيلها، فإن بوتفليقة تحدث إلى نظيره الأمريكي، حول مواضيع تخص القضية الفلسطينية، حركات التحرر في العالم، اختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن، إلى جانب حركة ''الفهود السود'' التي كانت تعتبرا واشنطن حينذاك تهديدا للأمن القومي الأمريكي.
وفي التفاصيل، قالت الوثيقة إن الوزيرين تطرقا لطلب أمريكي قدمته واشنطن في وقت سابق يدعو الجزائر لرفض استقبال الطائرات المختطفة على أراضيها، مضيفة أن وزير الخارجية الأمريكي تحدث عن أن حادثة اختطاف الطائرات من طرف مناضلي قضايا التحرر يضر بصورة الجزائر في الخارج كونها كانت تقبل بقبولها استضافة تلك الطائرات على مطاراتها والتفاوض مع الخاطفين لتحرير الرهائن، قبل أن يضيف المسؤول الأمريكي بالقول إن بلاده لا تتدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، مبديا استغرابه من التخوف والنفور العربي من الولايات المتحدة، ومضيفا أن مشكلة العرب هو أنهم ''لا يتحدثون بصوت واحد''. حينذاك فهم بوتفليقة أن المقصود من كلام نظيره الأمريكي هو عمليات اختطاف طائرات من طرف عناصر حركات المقاومة الفلسطينية، ليسارع بالرد قائلا أنه إن استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها الحالية المتمثلة في دعم إسرائيل والانحياز لصفها فإن المصالح الأمريكية بالمنطقة العربية ستكون مهددة بالفشل.
وراح بوتفليقة يسترسل في الرد على نظيره الأمريكي، من خلال قوله أن الفلسطينيين هم الآن شعب مشرد ومشتت في كافة أنحاء العالم، ''وبالتأكيد فإن إسرائيل هي سبب ذلك وليس العرب''، لأن الصهاينة هم من رفض تطبيق ما نص عليه مخطط روجرز للتسوية، قبل أن يشدد بالقول أن الجزائر لن تقبل بأي مسار أو مخطط للتسوية ما لم يكن عادلا ويحفظ حقوق الفلسطينيين كاملة.
واستمر بوتفليقة في حديثه ورده على الوزير الأمريكي، حيث قال أن الجزائر كانت أول من اكتوى بنار الإرهاب من خلال اختطاف الطائرات، مذكّرا بقصة اختطاف فرنسا طائرة كانت تقل عددا من قادة الثورة، ليضيف بخصوص قضية اختطاف طائرة إسرائيلية وتحويل مسارها نحو الجزائر، أن المفاوضات مع الخاطفين أثمرت بتحرير كافة الرهائن سالمين.
وقدم بوتفليقة للوزير الأمريكي درسا في الدبلوماسية وكيفيات تحقيق النجاعة خلال التعامل مع أحداث وعمليات الاختطاف، حيث قال إن ''الجزائر تدرك أن هذه مشكلة جدية، مثلما تدرك أن هناك فرق وحدود شاسعة بين حركات التحرر وبين عصابات الإجرام''، قبل أن يشير إلى أن الاقتراح الأمريكي الداعي لرفض استقبال الطائرات المختطفة ما هو إلا تعقيد للمشاكل وخلق لمشاكل أخرى، كون أي خطأ في التعامل مع قضية اختطاف الطائرات ''سيحول الخاطفين إلى شهداء''.
بعد ذلك انتقل بوتفليقة للحديث عن حركات التحرر، حيث اعترف بصريح العبارة أن الجزائر تدعم حركات التحرر في مواجهة القوى الاستعمارية، بنفس قدر غيرتها وحرصها على استقلالها.
كما حرص وزير خارجية الجزائر حينذاك، على طمأنة الأمريكيين وتبديد شكوكهم بشأن وجود دعم جزائري رسمي لحركة ''الفهود السود'' وهي حركة أنشأها رعايا أمريكيون سود وانطلقت من ولاية كاليفورنيا لتشمل عددا كبيرا من المناطق الأمريكية بعدما اتخذت طابعا مسلحا، كون بعض قادة تلك الحركة قاموا في تلك الفترة بزيارات للجزائر، مثل ستورمايكل، والزوجين كاثلين وإلدريدج كليفر اللذان استقرا عام 1967 للإقامة بالجزائر.
وكشفت الوثيقة في ختام ملخص القاء، عن قيام وزير الخارجية الأمريكي بالاعتذار لبوتفليقة عن أية أضرار لحقت بمقر السفارة الجزائرية في العاصمة الفييتنامية هانوي على خلفية قصف أمريكي للمنطقة.
طالع نص الوثيقة