الأزمة في مصر اختبار للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية
هيلين كوبر ومارك لاندلر
ترجمة ــ سناء عبدالله
واشنطن
ــ تُزعزع المظاهرات التي اندلعت ضد حكومة الرئيس حسني مبارك في مصر
العلاقات بين الولايات واهم حليف عربي لها، فيما تسهم هذه المظاهرات أيضا
في تعكير علاقة أكثر جوهرية بالنسبة للولايات المتحدة، ألا وهي التحالف
القائم منذ ستين عاما مع اسرائيل. في غضون ذلك، يمضي المسؤولون في الادارة
الأمريكية أوقات طويلة علي الهاتف بشكل يومي تقريبا مع نظرائهم
الاسرائيليين يحثونهم بالقول "نرجوكم تهدئة الأعصاب"، علي حد قول مسؤول
رفيع المستوي في الادارة الأمريكية، في وقت أضحي فيه الرئيس أوباما في سباق
مع الزمن لتدارك الأحداث السريعة المتعاقبة.پ
بيد أن الأزمة تثير
تساؤلات عديدة بشأن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع اسرائيل، سيما فيما
يتعلق بالموازنة بين تشجيع ظهور حكومة ديمقراطية في مصر، من جهة، ورغبة
واشنطن في عدم المجازفة بظهور حكومة جديدة تتخلي عن موقف السيد مبارك الودي
حيال اسرائيل، من جهة أخري.
پان المستقبل غير المحسوم لمصر قد تسبب
أيضا في تخبط في الحسابات الامريكية بشأن سبل الحفاظ علي مفاوضات السلام
بين اسرائيل والفلسطينيين. وقد تركت هذه الأحداث كلا من الدبلوماسيين
الامريكيين والاسرائيليين في حيرة من أمرهم حيال تحالف اقليمي أوسع تكون
فيه اسرائيل أكثر عزلة وسط تعاظم لنفوذ أعدائها، بمن فيهم، ايران وسوريا.
في هذه الأثناء، شرع المسؤولون في الحكومة الاسرائيلية بحث ادارة الرئيس
أوباما علي دعم السيد مبارك، وفق مسؤولين في الادارة، وكانوا في البداية
غاضبين بسبب مطالبة الرئيس أوباما علنا للزعيم المصري الموافقة علي نقل
السلطات.
پفي هذا الصدد، قال دانيل ليفي، وهو مفاوض سابق في مفاوضات
السلام، إن "الاسرائيليين يقولون: بعد مبارك، فليأت الطوفان"، وأن ذلك،
بالمقابل، ينقل الموضوع "الي لب المصالح الأمريكية"، ألا وهو اسرائيل. ان
القلق لا يكمن في امكانية قيام المصريين باغلاق قناة السويس، أو حتي مسألة
الارهاب الأكثر ضيقا. والحقيقة، يمكن تلخيص الأمر برمته في مسألة واحدة،
وهي اسرائيل. في هذا الصدد، قال ناطق بلسان البيت الأبيض، تومي فيتور، يوم
الجمعة، إن مسؤولي الادارة كانوا قد دأبوا علي طمأنة الاسرائيليين "بأننا
نتفهم تماما مخاوف الأمن الاسرائيلية، ونحن نوضح بأن التزامنا بأمن اسرائيل
لا يمكن أن يتزعزع". من جانبه، استقبل دانيل شابيرو، المستشار في شؤون
الشرق الأوسط في البيت الأبيض يوم الثلاثاء زعماء اليهود الامريكيين، فيما
تحدث السيد أوباما مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنجامين نتنياهو يوم الأحد. پ
غير
أن علي المسؤولين في الادارة أن يوازنوا بين دعمهم لاسرائيل مقابل الرغبة
الحقيقية بين العديد من المصريين، وغيرهم في الشارع العربي، في وضع نهاية
للاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية. في هذا الصدد، قال مايكل ب. أورين،
سفير اسرائيل في واشنطن، إن الوضع يميل الي تسليط الضوء علي القيمة
الاستراتيجية لاسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة بوصفها حليفا مستقرا
ومحسوما في منطقة غاية في عدم الاستقرار. وأضاف السفير الاسرائيلي قائلا:
"أن الوضع يعيد تعزيز الحاجة الي ضمانات أمنية، بشأن دولة فلسطينية
مستقبلية، لأننا نري كيف أن الوضع الحالي في الشرق الأوسط يمكن أن يتغير
بسرعة كبيرة". الي ذلك، يواصل أنصار اسرائيل في الولايات المتحدة تسليط
الضوء علي تضخيم المخاطر التي يرونها متأصلة في حكومة مصرية ديمقراطية تضم،
أو يتزعمها، عناصر من جماعة الاخوان المسلمين المحظورة، التي تعارض
اتفاقية السلام الموقعة مع مصر عام 1979. وفي رسالة (ايميل) الكترونية يوم
الجمعة وجهها الي عدد من الصحفيين والمحررين، أثار جوش بلوك، الناطق السابق
لمنظمة (ايباك) وهي المنظمة الامريكية اليهودية المتنفذة، عددا من
"الأسئلة التي يتعين توجيهها الي جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم". تضمن
السؤال الأول في لائحة السيد بلوك: "هل تستطيع جماعة الإخوان المسلمين
الاشتراك في حكومة تواصل فيها مصر الوفاء بالتزاماتها حيال اسرائيل بموجب
اتفاقيات كامب ديفيد؟".
في هذا الصدد، يقول المسؤولون في ادارة الرئيس
أوباما بأن الولايات المتحدة لا تستبعد امكانية الدخول في حوار مع جماعة
الإخوان المسلمين، أكبر جماعة معارضة في مصر، مع مواصلة دعم الديمقراطية في
مصر، في الوقت نفسه. يضيف المسؤولون في ادارة أوباما بأنه في حال سُمح
للمصريين بالحصول علي انتخابات حرة ونزيهة، وهو أحد أهداف ادارة أوباما،
حينها، عليهم أن يواجهوا الامكانية الحقيقية لظهور حكومة مصرية قد تضم
أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين.
من جانب آخر، يبدي الزعماء اليهود
عدم ارتياحهم حيال محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة
الذرية الذي يشكل جزءا من المعارضة للرئيس مبارك. في هذا السياق، قال
مالكوم هونيلاين، نائب الرئيس التنفيذي لمؤتمر رؤساء كبري المنظمات
اليهودية الأمريكية، وهي مجموعة تشكل مظلة لهذه المنظمات، إنه خلال عمله
كمراقب نووي، فإن البرادعي تستر علي قدرات الأسلحة النووية الايرانية في
التقارير التي أصدرتها وكالته. يقول هونيلاين متحدثا عن البرادعي في مقابلة
له يوم الأحد مع ياشيفا العالمية للانباء "إنه أداة طيعة بيد ايران، وأنا
أعني ما أقول. لقد أصبح واجهة لهم، وقام بتشويه التقارير".
غير أن
العديد من اليهود الامريكيين يتحدثون أيضا عن الوجه الساخر لاسرائيل، التي
تروج لنفسها كونها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة في وقت تعرب فيه عن
قلقها من ولادة ديمقراطية علي أبوابها. وأن تلك الحركة الديمقراطية التي
تحدث في مصر، بكل تاريخها المتضمن استعبادا للشعب اليهودي، لا تلقي التفاتا
أثناء الأحاديث المتداولة داخل الجماعات اليهودية الامريكية.
قال
جيفري غولدبيرغ، وهو روائي يعمل لصحيفة اتلانتيك وكاتب في عدد من المواقع
الالكترونية المقروءة كثيرا من جانب اليهود الامريكيين إنه كان يقول
لأصدقائه الاسرائيليين "تعالوا أيها الأصدقاء.. من المفترض بكم أن تكونوا
المعبر القومي لشعب تتلخص عبرة تاريخه في الانعتاق من مصر". غير أن
غولدبيرغ يقول، من ناحية أخري، "ان كنت داخل ذهنية وزارة الدفاع
الاسرائيلية، يا الهي، عليّ أن أشعر بالخوف علي حدودي الجنوبية الآن".
يقول
المسؤولون في الادارة الامريكية إنهم يدركون تماما كيف أن التعامل مع جميع
مشاعر الخوف هذه، والآمال، والتطلعات المتضاربة للاسرائيليين والمصريين قد
تحدد الموقف الفاصل بين الحرب والسلام. أما ليفي، مفاوض السلام الاسرائيلي
السابق، فقد خلص الي القول: "ان مشكلة أمريكا هي أن بوسعك أن توازن بين
كونك تحمل جدول أعمال إسرائيلياً أمام مستبدين عرب، غير أنك لن تكون قادرا
علي فعل ذلك مع نظم ديمقراطية عربية".
صحيفة نيويورك تايمس