اقتصاد مصر وأعباء الثورة
شبكة النبأ: ان الثورة المصرية التي ادت الى تنحي مبارك عن الحكم واسقاط سيطرته على البلاد لم تكن ذات فائدة فقط بل هي ادت الى خسائر فادحة من الجانب الاقتصادي حيث ان الاقتصاد المصري تأثر كثيرا بهذه المظاهرات التي ادت الى انخفاض كبير في السوق المصري كون ان معظم واردات الاقتصاد كانت تأتي من قبل السياحة في البلد الذي ضعف الاخير بعد سحبت الجاليات الاجنبية والعربية من قبل بلدانها خوفا عليها بالإضافة الى ان الاوضاع كانت مخيفة للسياح وضنوا ان الامور ستتفاقم وتحدث اعمال شغب او تهديدات لذلك خسرت مصر جميع سياحها.
من جانب اخر فأن العديد من الاستثمارات التي تقوم بها شركات عالمية او عربية قد توقفت حينما توقفت الحياة في اسواق مصر بسبب الاعتصامات والثورة مما اثر على الوارد المهم الذي كانت تحصل عليه مصر قبل الاحداث الاخيرة، فيما حذر بعض المحللين الاقتصادين من بقاء الحال على ما هو عليه مما سيؤدي الى زيادة نسبة الخسارة في الاقتصاد المصري الى حد انه لا يمكن السيطرة عليه مرة اخرى او انعاشه.
عبء الازمة
فبعد اسبوعين على اندلاع التظاهرات المناهضة للرئيس حسني مبارك في مصر، بدأ الاقتصاد المصري يرزح تحت عبء هذه الازمة اذ سارع السياح الى ترك البلاد ويخشى من تراجع الاستثمارات المهتمة بالأسواق المصرية.
واعلن المصرف الفرنسي "كريدي اغريكول" في مذكرة ان "الازمة الحالية تكلف الاقتصاد المصري 310 ملايين دولار يوميا" وتم خفض توقعات نسبة النمو في مصر للعام 2011 من 5,3% الى 3,7%. وكانت مصر تعاني اصلا قبل انطلاق هذه الانتفاضة من مشاكل اجتماعية اقتصادية كبيرة مثل ارتفاع نسب البطالة والتضخم والفقر.
وقد اطلقت الحكومة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية برنامجا ضخما لتحرير الاقتصاد بهدف زيادة نسبة النمو. الا ان هذه العملية لم تخفف من التفاوت في المستوى الاجتماعي بين السكان، حيث يعيش نحو 40% منهم حول او تحت عتبة الفقر التي تبلغ دولارين يوميا. وتأتي الازمة الحالية لتزيد من هشاشة الوضع الاقتصادي.
فقد توقفت المصارف والشركات عن العمل لأكثر من عشرة ايام ما ادى الى انخفاض نسبة الصادرات خلال كانون الثاني/يناير بنحو 6% حسب وزارة الصناعة. وسارع السياح الى مغادرة البلاد في اوج الموسم السياحي، مع العلم ان عائدات السياحة تشكل 6 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي. وكانت عائدات القطاع السياحي بلغت 13 مليار دولار عام 2010 وبلغ عدد السياح في السنة نفسها 15 مليونا.
وقال اليوت فريسبي المتحدث باسم المجلس العالمي للسفر والسياحة "اذا كان الموسم السياحي الشتوي قد ضاع فان التداعيات ستكون كبيرة خصوصا ان السياح الذين يريدون القدوم في الصيف يفترض ان يتموا حجوزاتهم الان". بحسب وكالة انباء فرانس برس.
ومن التداعيات الاخرى المهمة لهذه الازمة تراجع الاستثمارات الاجنبية وغضب الشركات الدولية من تعمد السلطات قطع الانترنت في مصر لمدة خمسة ايام لدى اندلاع التظاهرات. واعلنت مجموعة بويغ الفرنسية التي تشارك في اعمال بناء الخط الثالث لمترو القاهرة ان العمل توقف في المرحلة الاولى من هذا الخط.
واعلنت شركة "بي ام دبليو" لصناعة السيارات ان مصانعها في مصر استأنفت العمل، الا ان شركة ديملر لا تزال متوقفة عن العمل، في حين ان فولكسفاغن لم تستأنف صادراتها بعد الى مصر. وبسبب الاحداث الاخيرة قامت مجموعات مثل فرانس تليكوم وشركة لوكويل الروسية للنفط بإجلاء العاملين فيها بانتظار معرفة تطورات الوضع.
وقال رشاد عبدو استاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة "لن يكون من السهل استعادة ثقة المستثمرين. كما ان المجموعات الغائبة عن مصر حاليا ستفكر مليا قبل الاستثمار في هذا البلد". وهناك قلق من احتمال تطور هذه الاحداث واقفال قناة السويس التي بلغت وارداتها نحو 4,7 مليار دولار عام 2009.
الا ان كارين برغر مديرة الاسواق في شركة التأمين اولير هرمس استبعدت اقفال القناة. وقالت "قد نشهد في مصر فترة عدم استقرار طيلة ستة الى 12 شهرا وهروب رساميل اجنبية، ولا بد من اعادة بناء المصداقية ازاء الشركاء التجاريين، وكل هذا يستغرق وقتا".
310 ملايين دولار يوميا
هذا وقد قال تقرير أصدره كريدي أجريكول سي.اي.بي ان الازمة المصرية تكلف البلاد ما لا يقل عن 310 ملايين دولار يوميا وان قطاع السياحة سيكون أكثر قطاعات الاقتصاد تضررا جراء الازمة.
وقال التقرير " يأتي الاقتصاد في قلب المشاكل المصرية. سقط نظام مبارك للافتقار الى نظام اقتصادي يضمن وصول الثروة الى مختلف طبقات المجتمع ولاتساع فجوة عدم التكافؤ (بين طبقات المجتمع) وارتفاع نسبة الفقر ومعدل البطالة وارتفاع معدل التضخم."
وأضاف "الازمة السياسية الحالية في مصر تكلف البلاد خسائر لا تقل عن 310 ملايين دولار يوميا." كان وزير المالية المصري سمير رضوان قال ان البلاد تكبدت خسائر اقتصادية فادحة خلال الاحتجاجات السياسية لكن الحكومة ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها المالية.
وأضاف رضوان خلال مقابلة مع تلفزيون رويترز انسايدر "من المؤكد أنها ستكون ضخمة." لكنه استدرك بقوله انه "من السابق لأوانه تقدير حجم الخسائر بدقة." وتوقع تقرير كريدي أجريكول سي.اي.بي أن يكون قطاع السياحة أول القطاعات المتضررة وقال "استمرار حالة عدم اليقين السياسية وأعمال العنف سيكون له أثر مدمر على عائدات السياحة هذا العام." وخلال الازمة غادر نحو مليون سائح البلاد بالفعل في ذروة الموسم السياحي في مصر. والسياحة وتحويلات المغتربين المصريين مصدرين رئيسيين للعملة الصعبة في مصر أكبر بلد عربي من حيث السكان. بحسب وكالة الانباء البريطانية.
ووفقا للتقرير "سجلت السياحة ستة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في 2010 وتستحوذ على وظيفة بين كل ثمانية وظائف في مصر." وتوقع التقرير أن تتراجع عائدات السياحة الى أقل من 5.5 مليار دولار لتصل الى مستويات ما قبل عام 2004 وهو العام الذي شهد بدايات تحرير الاقتصاد المصري عبر اصلاحات اقتصادية بقيادة الحكومة السابقة التي ضمت عددا من رجال الاعمال.
وأشار التقرير الى أن من المستبعد أن تتأثر تحويلات المصريين العاملين في الخارج اذ أن الازمة لا تشكل مخاطر على النظام المالي في الخارج وخاصة في ظل عودة اقتصادات منطقة الخليج الى النمو.
الكويت لن تسحب استثماراتها
فيما نفى وزير المالية الكويتي مصطفى الشمالي ان تكون حكومته قامت بمراجعة وضع استثماراتها في مصر، مؤكدا ان الاستثمارات الكويتية في مصر طويلة الاجل وان الاحداث التي مرت لن تغير شيئا في واقع هذه الاستثمارات ولن تؤثر فيها.
وقال الشمالي في تصريح صحفي ان العديد من الصناديق العالمية وجميع الجهات تقوم بمراجعة استثماراتها في اي من المواقع التي تشهد احداث عنف، 'لكن هذا لا يعني الخروج من مصر التي ستبقى دائما جذابة استثماريا ..وسنستمر في الاستثمار فيها'.
وتعتبر الكويت من أهم الدول المستثمرة في مصر إذ تحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول العربية من حيث حجم الاستثمارات، ويصل عدد المشروعات الاستثمارية الكويتية المشتركة المقامة في مصر 460 مشروعا استثماريا، يبلغ إجمالي رأسمالها 5ر24 بليون جنيه مصري وتبلغ قيمة المساهمة الكويتية فيها 3ر9 بليون جنيه موزعة على القطاعات المختلفة. بحسب وكالة انباء الشرق الاوسط.
وهناك 381 شركة كويتية تعمل في مصر وقد ساهمت في تعزيز العلاقات بين البلدين، ومن أهم القطاعات التي يستثمر فيها رجال الاعمال الكويتيون العقارات والسياحة والصناعة والقطاع المصرفي وقطاع الصناعات الغذائية. ومن أهم المشروعات الاستثمارية مشروع مارينا مرسى علم بميناء رأس غارب ومشروع الشركة العالمية لإنتاج مواسير نقل البترول والغاز ببورسعيد ومشروع مجمع تكنولوجيا المعلومات.
المستثمرون يخشون نظاما معاديا
بينما يخشى مستثمرون أن تمتد الاحتجاجات لدول عربية اخرى مما يؤدي إلى قيام أنظمة معادية لممارسات الاستثمار الغربية في المنطقة.
وربما تشجع حكومة اكثر ديمقراطية في مصر الاستثمار في البلد الذي ينظر اليه على انه مقياس للاستقرار في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. لكن الوضع السياسي في مصر مائع ويخشى مستثمرون أن يعارض نظام جديد الرأسمالية الغربية.
وتمثل الاصول المصرية نسبة ضئيلة في صناديق الاسواق العالمية الناشئة ولكن مصر عادة من تحدد اتجاه السياسة وتؤثر على المعنويات الشعبية في الشرق الاوسط. وقال دونالد ايلفسون مدير المحافظ المشارك في صناديق هاردينج لوفنر ويدير محفظة حجمها 210 ملايين دولار "لطالما كانت مصر من أكثر الدول تسامحا تجاه العقائد المتعدد (في العالم الاسلامي)."
وتابع "لا يزال المسيحيون الاقباط اقوياء جدا رغم انهم يمثلون اقلية ويوجد عدد كبير من الشركات الضخمة مملوكة لعائلات قبطية. والخطر الوحيد الذي يحدق بمناخ الاعمال ان تتحول مصر لدولة اسلامية."
وكان يخشى المستثمرون والساسة في ارجاء العالم أن يتيح تنحي فوري لمبارك لجماعات معارضة من بينها جماعة الاخوان المسلمين تولي السلطة واقامة نظام اجتماعي وسياسي اسلامي ناهيك عن تحول عكسي في علاقة مصر المستقرة مع إسرائيل. ويتعارض اقتصاد يتقيد بالشريعة الاسلامية مع الكثير من ممارسات الشركات الغربية. بحسب وكالة الانباء الـــــــــــبريطانية.
واقتصاد مصر صغير نسبيا ويمثل نحو 0.3 على مؤشر ام.اس.سي.اي للأسواق الناشئة. ويمثل 166 صندوقا في انحاء العالم تستثمر في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا ومن بينها مصر ما قيمته نحو 13.4 مليار دولار من السندات والاسهم التي تديرها الصناديق الاستثمارية وصناديق المؤشرات. ويقول معهد انفستمنت كومباني في واشنطن ان هذه نسبة ضعيفة من 23.7 تريليون دولار تستثمر في اصول مملوكة لصناديق استثمار في ارجاء العالم بحلول نهاية الربع الثالث.
لكن الاهم من دور مصر الاقتصادي في الشرق الاوسط انها تمثل الاستقرار السياسي والاعتدال الدبلوماسي التي تحتاجه المنطقة بشدة. وقال بول هربر مدير محفظة في فوروارد فرونتير "مصر كانت منذ فترة طويلة احد ركائز الدبلوماسية الامريكية في الشرق الاوسط . لذا فان أي شكوك هناك تسبب حالة من عدم اليقين ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في أي دولة لها مصالح هناك. يمتد تأثير أي شكوك في هذه المنطقة في أرجاء العالم."