يبدو
أن الاسرائيليين لم يعرفوا أن زمن السكوت والشجب قد ولي بعد ثورة يناير،
وان مصر تغيرت كثيرا، وأن دماء الشهداء المصريين الذين راحوا ضحية الغدر
الإسرائيلي لن تضيع هباءً لأن وراءها ثمانين مليون مصري يطالبون بالقصاص؛
رافضين الاعتذارات الواهية.. مؤكدين علي أن اسرائيل لاتريد سلاما حقيقيا مع
العرب ؛ بدليل ما تفعله كل يوم من قتل واعتداءات متتالية علي سكان قطاع
غزة؛ انتقاما وبحثا عن جندي إسرائيلي واحد يدعي جلعاد شاليط، ولم يتوقع
نتنياهو وحكومته رد الفعل المصري العنيف الرسمي والشعبي من جراء جريمتهم
الشنعاء، وانهم فوجئوا باجتماعات تتم علي اعلي مستوي للرد علي ما حدث وبيان
علي موقع مجلس الوزراء؛ يؤكد النية لسحب السفير المصري من تل ابيب وزيارة
فورية من الفريق سامي عنان رئيس اركان حرب القوات المسلحة، الي المنطقة
الحدودية، وتأهب واحتقان شعبي تجاه السياسة الاستعلائية لاسرائيل ..كل هذه
الامور كانت درسا مصريا للاسرائيليين أكد لهم، بأن عهد حسني مبارك انتهي،
حيث إن الرد المصري جاء سريعًا ورغم الاعتذارات التي قدمها الرئيس
الاسرائيلي وورئيس الوزراء ووزير الدفاع ؛ إلا أن الشعب المصري يرفض اعتذار
قاتل.. ويطالب بالقصاص ..
وقد
كشفت الازمة الاخيرة عن ان الوضع تغير تماما، وان الرد وصل اسرائيل
وامريكا فوري وسريع؛ وهو الامر الذي جعل الاسرائيليين يعيشون حالة من
الدهشة والاستنفار الدبلوماسي ؛ وقاموا بمشاورات سريعة وعاجلة على أعلى
المستويات مع الولايات المتحدة ودول غربية من اجل نزع فتيل الأزمة ؛ وقد
لوحظ تراجع الاسرائيليين عن مزاعمهم ولجوئهم لتهدئة الموقف، إذ زعم المتحدث
باسم الجيش العميد يوئيف موردخاى، أن القوات الإسرائيلية التي انتشرت على
الحدود مع مصر لم تستهدف قوات الأمن المصرية عن عمد.. موضحاً أن قوات الأمن
المصرية غير متورطة بالمرة في الهجمات بإيلات. الأمر الذي أكده أيضا قائد
المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، قائلاً: إن قوات الأمن المصرية لن تكون
مستهدفة من القوات الإسرائيلية ، رغم ان التصريحات الاسرائيلية في بداية
الازمة كانت مختلفة تماما ولكن بعدما استشعروا أن الارادة المصرية قادرة
علي ردعهم اختلفت ؛ توارت لهجة الخطاب المغرورة ؛ وأخذوا يسلكون الطرق
الدبلوماسية للتهدئة .
(1)
عقب
إعلان مصر رغبتها سحب سفيرها في إسرائيل سارع الدبلوماسيون من مختلف الدول
للتوسط لتجنب الطريق المسدود بين المصريين والإسرائيليين وتخفيف حدة
التوتر عقب خروج المظاهرات امام السفارة الاسرائيلية واعتبار اعتذار
اسرائيل عن دماء الشهداء "غير كاف" ؛ فنقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن شلومو
أفنيري مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق: "هناك ضغوط على
المجلس العسكري الحاكم لقطع العلاقات مع إسرائيل، وعلينا أن نفعل كل شيء
ممكن لتجنب المزيد من المواجهة والتدهور".
واعتبرت
الصحيفة أن هذه الازمة تحول في العلاقات التي دامت ثلاثة عقود بين مصر
وإسرائيل التي كانت حجر زاوية في سياسة الشرق الاوسط؛ وان إسرائيل فقدت
حصنها مع سقوط نظام مبارك، مما اطلق العنان للشعب المكبوت الذي يشعر بالغضب
من إسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين في الوقت الذي تسعى فيه حكومة عصام
شرف الانتقالية للحفاظ على شرعيتها في الشارع .
وأشارت
الصحيفة الى أن كسر الصمت الاسرائيلي وتقديم وزير الدفاع الإسرائيلي،
ايهود باراك اعتذار لمصر أمر "نادر".. ولفتت إلى المظاهرات المطالبة بطرد
السفير الاسرائيلي خلال الايام الماضية امام السفارة بالقاهرة وتسلق احد
الشباب اثني وعشرين دورا لإنزال علم اسرائيل ووضع علم مصر. يجسد الحقيقة
كاملة امام الجميع.
(2)
وعلي
الجانب الاخر، كان لتسريب بيان سحب السفير المصري من اسرائيل رد فعل خطير؛
حيث اكدت المصادر ان مجلس الوزراء اتخذ القرار في الاجتماع وتم نشره علي
موقع المجلس علي "الفيس بوك" بعدها قامت الدنيا ولم تقعد، وبدأت الاتصالات
تتم علي اعلي مستوي مع المجلس العسكري سواء من قادة اسرائيليين وامريكان
وفرنسيين من اجل التهدئة وضبط النفس، وخرج "باراك" باعتذاره الواهي وارسلت
الخارجية الاسرائيلية مبعوثًا رسميًا، الي الخارجية المصرية من اجل
الاعتذار وتقديم العزاء ؛ وامام كل هذه الضغوط تم سحب بيان مجلس الوزراء
والخاص بسحب السفير والاعلان علي أن هناك خطأ ما حدث بشأن البيان ..كل هذه
الامور تؤكد مدي القلق الاسرائيلي من قرارات المصريين بعد ثورة يناير.
فيما
اعتبرت وسائل الإعلام فى إسرائيل قرار مصر باستدعاء سفيرها ياسر رضا، من
إسرائيل بمثابة تصعيد خطير من قبل القاهرة، سيتسبب فى تأزم العلاقات
المتوترة منذ أشهر بين البلدين، وقد يؤدى أيضاً إلى قطع العلاقات
الدبلوماسية وفسخ معاهدة "كامب ديفيد" للسلام بين البلدين بعد شهور قليلة
فقط من نجاح المصريين فى إسقاط نظام الرئيس السابق حسنى مبارك الذى كان
يسعى دائمًا لحماية وضمان مصالح وأمن إسرائيل.
وأكدت
صحف "ها آرتس" و"يديعوت أحرنوت" و"معاريف" و"جيروزاليم بوست" والإذاعة
الإسرائيلية، أن الأيام القادمة ستمثل اختباراً صعباً وحرجاً للغاية بين
البلدين التى شهدتا توتراً كبيرًا فى علاقاتهما عقب الثورة المصرية ، وعقب
امتثال الإدارة المصرية الجديدة للضغوط الشعبية والثورية التى تطالب بإنهاء
سنوات العسل والعلاقات الحميمية بين القاهرة وتل أبيب، التى كانت قائمة
طوال عقود حكم مبارك.
كما
نشر موقع "عاروتس شيفع" الإسرائيلي، أن مدير عام وزارة الدفاع
الإسرائيلية، العميد "أودي شني" حذر من أن "مصر بعد فترة مبارك تمثل علامة
استفهام كبيرة". وتصريحات "شني" جاءت في إطار المؤتمر السنوي لإحياء ذكرى
قتلى العسكرية الإسرائيلية، الذي عقد في حيفا الأسبوع الماضي، وتحدث فيه
المدير العام عن التحديات والتهديدات الأمنية التي تواجه إسرائيل.
وأضاف
الموقع الإليكتروني الإسرائيلي أن وثائق "ويكيليكس" التي تم الكشف عنها
مؤخراً، كشفت هي الأخرى عن تخوف إسرائيلي تجاه مصر: "تخوف كبير من تغير
النظام الحاكم في مصر، واستخدام السلاح الذي تنقله الولايات المتحدة لدولة
تعادي إسرائيل".. وبحسب إحدي هذه الوثائق فإن رئيس الدائرة السياسية
والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية "عاموس جلعاد"، قال في لقاء سري عقد في
يوليو 2009 مع "دان شافيرو" المسئول عن قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن
القومي الأمريكي أن "الجيش المصري يواصل تدريباته على أساس أن إسرائيل هي
عدوه الوحيد".
(3)
تلك
التحليلات تؤكد أن العلاقة بين مصر واسرائيل بدأت بالفعل مرحلة التدهور،
وان الابقاء علي اتفاقية كامب ديفيد امر صعب للغاية في ظل الظروف الراهنة،
وان الامور تسير من سيئ الي أسوأ ؛ ولابد من مراجعة بنود التفاقية فيما يخص
وجود القوات المسلحة في سيناء؛ لان الامر تغير تماما ولتعي اسرائيل ان
التواجد العسكري في سيناء يضمن الامن والامان لهم.
ورغم
جسامة الحادث والرفض المصري القاطع للاعتذار الواهي من قبل اسرائيل، ورد
الفعل الشعبي الكبير الرافض لاية تجاوزات تقدم عليها اسرائيل ؛ الا ان
"الاستخفاف الاسرائيلي" الذي ينم عن العنصرية المتغطرسة لا يزال مستمرًا،
وهو ما نشر من تعليقات اسرائيلية عن الحادث حيث كتبوا في تعليقات القراء في
مواقع الصحف الإسرائيلية: (جيروزاليم بوست، هاآرتس ويديعوت أحرونوت)، على
الأخبار التي تناولت أزمة الحدود والشهداء المصريين، ما كشف حجم الكراهية
التي يحملها الإسرائيليون للشعب المصري بأكمله، والقوات المسلحة المصرية
خاصة. فأغلب التعليقات جاءت لتهاجم مصر وشهدائها ، ولكن الأمر لم يخل من
بعض التعليقات التي أدانت تصرفات الجيش الإسرائيلي، واعتبرته حماقة غير
محسوبة ؛ ودارت أكثر التعليقات حول خطورة الوضع العام في سيناء .. تلك
التعليقات تنم عن مدي الكراهية والحقد الاسرائيلي الدفين للشعب المصري.
وعلي أية حال يجب ان يعي الاسرائليون الدرس تماما وليتأكدوا اننا لن نتهاون في حفنة تراب تدنس، ولن يضيع دم الشهداء هباء.